رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثاني بقلم منال سالم الفصل الأول
تسمرت تقى عوض الله في مكانها، ولم تتحرك قيد أنملة، ف أوس الجندي كان لا يزال ممسكاً بكفيها المسنودين على باب السيارة، ومحكماً لقبضتيه عليهما ..
ومع لمسته الخشنة لها، كانت روحها النقية تحترق رويداً رويداً ..
نظر هو إليها بتمعن، ومرر عينيه القاسيتين على خلجات وجهها، وراقب بإهتمام شديد إرتجافة شفتيها الذابلتين، وأثاره شحوب لون بشرتها، وما زاد من نشوة إنتصاره هو رؤيته لبريق الذعر جليا في عينيها الزرقاوتين المتورمتين.. فحمرتهما تزيد من لهيب إنتقامه...
أخذ أوس نفساً مطولاً، وزفره ببطء، ثم قال بصوت رخيم:
-من اللحظة دي مكانك هيكون هنا ... معايا !
لن ينكر داخل قرارة نفسه أن حالة من الإنتشاء تسيطر عليه، فقد ظفر بتلك التي فكرت يوماً أن تتحداه، وآن الآوان لترهيبها، وتلقينها ما لا يمكن أن تنساه ...
ثم ضيق عينيه لتصبحا أكثر حدة، و أردف محذراً ب:
-ولو الشيطان وزك للحظة إنك تهربي مني، صدقيني الجحيم بالنسبالك هايبقى جنة ... سمعاني ؟
كانت تقى تنظر إليه برعب تحاول إستيعاب تلك النقلة المفاجأة في حياتها، فكلماته الغليظة كالسم الذي يسري في جسدها ليقتلها ببطء ..
لم تجب هي عليه في البداية، فأثارت حفيظته، فضغط على أصابعها المحاصرة بأصابعه، فآلمها إلى حد ما، وراقبت بتشفي تشنجات وجهها، وتأوهاتها المكتوبة، وإعتلى ثغره إبتسامة لئيمة حينما جعلها تنتبه إلى ما يقول، ثم سألها بقسوة أشد:
-سامعة اللي قولته ؟!
إبتلعت ريقها في خوف واضح، وهزت رأسها لعدة مرات في إستسلام مغري بالنسبة له، وخرج صوتها ضعيفاً متردداً:
-أها .. ح.. حاضر
أرخى قبضتيه عن كفيها، وإبتسم لها بقسوة ليستفزها، ثم أشار لها بعينيه، وهو يأمرها ب:
-اتحركي
سحبت تقى يديها المرتجفين من أعلى باب السيارة، وكورتهما معاً، وأطرقت رأسها للأسفل لترى آثار أصابع يده محفوره على كفيهما ثم رفعت رأسها فجأة بعد أن إنتفضت مذعورة حينما وجدت إصبعيه يمتدنان نحوها ويرفقعان بقوة أمام وجهها وهو يهتف بصرامة مخيفة:
-مش قولتلك اتحركي، يالا، مش هاستنى كتير
هزت رأسها تلقائياً لعدة مرات لتمتثل لأوامره منصاعة، ورمشت بعينيها الخائفتين أمامه، وتراجعت خطوة للخلف لتتجنب الإصطدام به حينما صفق الباب بيده القوية، ثم لمحت بطرف عينها إبتسامة القاسية وهي تتجلى على فمه العنيد ..
أشار لها بإصبعه لتتحرك إلى الأمام، فسارت بتردد ملحوظ تقدم قدم وتؤخر الأخرى نحو مدخل البناية التي أشار إليها ..
بينما تتبع هو خطواتها المتعثرة من الخلف ليتمكن من مراقبتها بتلذذ مريب وظل على ثغره تلك الإبتسامة المتشفية لتزيده غروراً وعنجهية وهو يرى إنتصاره يتحقق بسهولة كبيرة ..
مر كلاهما على حارس البناية الذي إنتفض فزعاً من على مقعده الخشبي شبه المتهالك حينما رأي أوس أمامه ..
كانت ساقيه تهتزان من أسفل جلبابه الرمادي القديم، وأسرع يؤدي له ما يشبه التحية العسكرية، وقال له بصوت متلعثم وهو يقترب منه:
-ن... نورت البرج يا باشا
حدجه أوس بنظراته الشرسة، فتراجع الحارس للخلف، وأطرق رأسه للأسفل في خزي بائن .. ثم أكمل سيره إلى الداخل
وقفت تقى حائرة في مدخل البناية، تجوب بعينيها المرتعدتين جوانب ذلك المدخل الباهر ..
لفت أنظارها المرايا المتعددة على جانبي الجدران الرخامية، وكذلك الشجيرات الصناعية المصفوفة على الجانبين ..
جف حلقها أكثر، وإزدادت حاجتها للإرتواء بالمياه، وأصبح جوفها أكثر مرارة ..
هي كالشريدة لا تعرف إلى أين تتجه، وكيف سيكون مصيرها، وما الذي يمكن أن يحدث لها بعد أن تصعد إلى الأعلى ..
كانت تخشى أن تجيب على تلك التساؤلات، ولكن سريعاً ما أفاقت من حالة الشرود تلك على صوت من تبغضه، فإستدارت برأسها قليلاً - على إستحياء – للجانب لتلمح شفتيه الغليظتين تنطقان بصرامة ب:
-الأسانسير من هنا .. تعالي
لم يكف أوس عن مراقبتها لثوانٍ مستمتعاً برؤيتها ضائعة عاجزة أمام قوته - وساديته - التي إتخذها منهاجاً لحياته، ثم تحرك بخطوات واثقة نحو رواق جانبي صغير حيث يتواجد المصعد ...
تنهدت تقى في يأس وخضوع، وتبعته دون أن تنبس بكلمة واحدة، فليس هناك فرصة للإعتراض .. فهي لم تعد مليكة نفسها ..
كانت خطواتها أبطأ من المعتاد رغم جسدها الهزيل، فهي تعلم أنها تتحرك قبالة مصيرها محتوم ..
كانت على وشك الإصطدام به نتيجة شرودها، ولكنها لملمت شتات نفسها وتوقفت في اللحظات الأخيرة، ورغم تقلص المسافة في تلك المنطقة الجانبية إلا أنها حاولت أن تخلق لنفسها مسافة آمان تحول بين إقترابه المحظور منها
تتبعت بعينيها ظهره المتصلب الشامخ أمامها، ولاحظت فرق القوى الجسمانية بينهما، وأدركت مدى ضئالتها بالمقارنة معه، هي حقاً يمكن أن تسحق تحت قدميه ..
تراجعت بهدوء حذر خطوة للخلف، وراقبته وهو مركز أنظاره على الأرقام المضيئة أعلى باب المصعد، وراودتها فكرة الهروب منه، وإستغلال تلك الفرصة في النجاة بنفسها ..
إلتفتت برأسها قليلاً نحو باب البناية الزجاجي، وبدأت تحسب المسافة المطلوبة تقريباً للركض بأقصى سرعة فراراً من جبروته، وحدقت بأعين حالمة في الطريق الذي كان الأمل بالنسبة لها .. وتسربت قوة خفية إليها، لا تعرف من أين مصدرها، ولكنها كانت كافية لتحفيزها على تنفيذ فكرتها الجامحة ..
ولكن...
قطع تفكيرها كف أوس القوي الذي أطبق على فكيها، فإرتجفت كليةً أمامه، وتلاشى بريق الأمل من عينيها لتحل محله لمعان الذعر الذي يشتهي رؤيته فيهما ..
أدار هو وجهها نحوه، وظل ضاغطاً على فكها، فحاولت أن تصرخ،و لكن صدر منها أنيناً خافتاً، ثم أحنى رأسه نحو رأسها قليلاً لتصبح المسافة بينهما سنتيمترات معدودة، ونظر مباشرة بعينيه القاسيتين إلى عينيها، فشعرت به يخترقها بسهولة، ويقرأ أفكارها، وبلهجة شرسة هتف ب:
-مش هتعرفي تهربي، شيلي الفكرة دي من دماغك.
خرج صوتها ضعيفاً مكتوماً حينما حاولت أن تبرر ما لم تفعله ب:
-أنا .. آآ..
قاطعها بصوت حاد وصارم وهو يصر على أسنانه بقسوة ب:
-إنتي بتاعتي وبس، حياتك مش ملكك، دي تخصني، فاهمة، تخصني !
ثم ضغط على فكها أكثر بأصابعه الجامدة، فشعرت به يعتصر وجهها، وتأوهت من الآلم، وتوسلت له ب:
-آآآآه، ماشي .. ماشي، بس سبني ..آآه
أخذ أوس نفساً مطولاً ليسيطر به على حالة الإهتياج التي بدأت تجتاحه للنيل منها، ثم زفره على مهل، وأرخى ببطء أصابعه عن فكيها، ثم رفع كفه فجأة للأعلى، ليتلمس عن عمد وجنتها اليمنى، ومسح عليها بإشتهاء، فزادت نفوراً وتقززاً منه، ومن طريقته، ولكنه إبتسم بقساوة ليزيد من متعته، وقال وهو يبتسم بشراسة لها:
-استعدي للي جاي في حياتك ...!
توقف المصعد في الطابق الأرضي، و فُتح بابه تلقائياً، فأبعد أوس كفه عن وجهها ليضعه على كتفها، فإقشعر بدنها، ولكن أصابعه الغليظة عليه أجبرتها على الإندفاع إلى داخل المصعد معه ..
وما إن إطمئن لوجودها بالداخل، حتى أرخى قبضته عنها، وضغط بإصبعيه على زر الطابق المتواجد به منزله ...
في قصر عائلة الجندي،،،،،
تحركت ناريمان بعصبية ذهاباً وإياباً في غرفة نومها، لم تستطع إخفاء التوتر والإرتباك اللذين أصبحا رفيقيها في الأونة الأخيرة ..
ظلت هي تنظر بتوجس إلى شاشة هاتفها المحمول، ثم تغمغم لنفسها بكلمات متشنجة، ومن ثم تعيد وضع الهاتف على أذنها ..
حدث ناريمان نفسها بإنفعال ب:
-رد بقى يا ممدوح، رد ..!
زفرت هي في غضب، وتملكتها العصبية حينما لم تجد منه أي رد، وألقت بالهاتف على الفراش، ومن ثم قالت بيأس:
-أنا مش عارفة هاتصرف إزاي في المصيبة دي لوحدي !
ثم فركت أصابع كفيها بتوتر ملحوظ، وأضافت متوجسة:
-ليان متعرفش عدي كويس، وأنا أفتكر إن كان ليه مشاكل مع طليقته الأولى، وكلامها زي ما يكون موجه ليا ..
جلست على طرف الفراش، وتلاحقت أنفاسها بسبب اضطرابها، فحاولت أن تضبط حالها، ولكنها كانت عاجزة عن السيطرة على ما بها ..
نفخت بضيق وهي تحدث نفسها بإنزعاج ب:
أووووف، ممدوح لازم يساعدني أمنع الجوازة دي مهما كان التمن ...!
ثم نهضت عن الفراش، و مَشت نحو باب غرفتها، وخرجت منها، وهتف بصراخ عالي ب:
-عفاف .. يا عفاف، تعاليلي أوضتي
-حاضر يا هانم
أجابتها المدبرة عفاف بصوت مسموع نسبياً وهي تصعد راكضة على الدرج ...
على الجانب الأخر، أسندت ليان وجنتها على راحة يد عدي الذي كان يتلمسها بحنية زائدة ليبث في نفسها الطمأنينة ..
تنهدت هي في راحة زائفة وهي تستمع إلى كلماته المعسولة عن مستقبلهما المشرق معاً، وأغمضت عينيها لتتمكن من رسم أحلامها الوردية، وتتناسى - عن عمد - تلك الذكريات الخادعة مع من سلمته شرفها دون أن تكبده أي عناء ..
لم يكف عدي هو الأخر عن تفرس ليان، والنظر إليها بنظرات تحمل من الخبث ما يمكن أن يدمرها إن علمت حقاً حقيقته ..
فهي بمثابة صيد سهل، فرصة يمكن أن تعيد تعديل صورته ووجهته الإجتماعية في المجتمع
وهو لن يحتاج لأي مجهود ليظفر بها ويحسن من وضعه الإجتماعي الذي أسيء إليه على يد طليقته السابقة ..
إعتلى وجهه إبتسامة عابثة، وإزداد ثقة في نفسه حينما تيقن من إستسلام ليان له ...
أطلقت ليان تنهيدات حارة تحمل من الهموم ما يُذيب الثلوج، فتابعها عدي بإهتمام واضح، ثم مال برأسه ناحية أرنبة أنفها، وقبل طرفها بشفتيه، ففتحت عينيها مذعورة مما فعل، وتراجعت برأسها، وكذلك جسدها للخلف، وحدجته بنظرات مصدومة، ثم هتفت فيه بعتاب زائف ب:
-إيه اللي عملته ده ؟
أعطاها إبتسامة مراوغة قبل أن يجبيها بنبرة دافئة ب:
-بأعمل اللي جه على بالي
-بس آآآ..
وضع هو إصبعه على شفتيها الملطختان بأحمر الشفاه المثير ليوقفها عن إكمال جملتها، ثم أخفض بصره نحوهما، وهمس بنبرة مهتمة ب:
-شششش .. أنا مبسوط وأنا معاكي، متضيعيش حلاوة اللحظة
مد كفه ليمسك بكفها الموضوع على مسند المقعد، فأسلمته له دون تردد وهي تبادله إبتسامة عذبة، فتجرأ على أخذ كفها الأخرى بين راحتيه، ثم أسبل عينيه قائلاً بهمس:
-أنا محظوظ إنك هاتكوني ليا يا ليان
وإنحنى برأسه ليقبلهما بشفتيه قبلة هادئة أثارت في نفسها مشاعر غريبة ومضطربة، وجعلت قلبها يخفق بشدة ..
رقصت نفس عدي طرباً حينما رأى تأثيره الغير متكلف معها، ونجح في رسم قناع الرومانسية على وجهه ليضمن وقوعها في شباكه المنصوبة ..
وحدث نفسه بغرور وثقة ب:
-إنتي ماينفعكيش إلا أنا ...!
في الطابق الأول بإحدى البنايات الحديثة،،،
وقف ممدوح ويديه موضوعتان في جيبي بنطاله السماوي يتأمل ذلك المكان الذي تم طلاء جدرانه حديثاً، وتفحص بعناية شديدة كل جزء فيه، وأخذ يرتب أفكاره الخاصة بترتيب وضعية الأجهزة والمعدات ...
بدى على قسمات وجهه علامات الإعجاب وهو يرى أحد العمال وهو يعلق اللافتة الخاصة بمعمله الجديد، وإزدادت إشراقة عيناه وهو يقرأ إسمه المدون عليها ..
اقترب منه مهندس الديكور، وتنحنح من خلفه وهو يضع يده على فمه ليلفت إنتباهه، ثم أردف بنبرة رجولية خشنة ب:
-الديكور عجبك يا د. ممدوح
أومأ ممدوح برأسه موافقاً دون أن يجيبه، فتابع المهندي حديثه بنبرة واثقة - وهو يشير بيده في أرجاء المكان - ب:
-إحنا هانحط هنا مكتب الإستقبال، وهايكون من نفس لون الرخام الخارجي، وهناك هانحط الكنب، وآآآآ..
وضع ممدوح كف يده على كتف المهندس، وقاطعه بهدوء عجيب وهو يرسم على وجهه تلك الإبتسامة السخيفة ب:
-اعمل اللي شايفه مناسب، أنا سايبلك كل ال options ( الإختيارات )
-شكراً على الثقة دي يا د. ممدوح، وإن شاء الله هايعجبك ال Finish بتاعي
زم ممدوح شفتيه قليلاً بعد أن أبعد يده عنه، وضيق عينيه قليلاً، ثم تحرك خطوة للأمام، وأكمل بإهتمام وهو يشير بكف يده:
-أوكي، تعالى نشوف المكتب بتاعي هاتعمل فيه إيه
إبتسم المهندس إبتسامة مصطنعة ونطق بحماس ب:
-حاضر يا دكتور
ثم تحرك كلاهما صوب أحد الأروقة الطويلة، وتواريا عن الأنظار ..
في منزل تقى عوض الله،،،،
سحبت الجارة إجلال المقعد المجاور لطاولة الطعام الصغيرة - التي تقع في منتصف غرفة الصالة – لتجلس عليه، في حين قامت فردوس بصب الشاي الساخن من الإبريق المعدني القديم في كوب زجاجي، ثم تنهدت في إنهاك، وقامت بتقليبه بلا وعي، ثم أسندت وجنتها على كف يدها، وأردفت حديثها بنبرة حزينة ب:
-يا ريتني كنت صبرت ولا ظنيت فيها الوحش
مطت إجلال شفتيها للجانبين، ثم رمقت فردوس بنظرات معاتبة، قبل أن تجيبها بنبرة تحمل اللوم ب:
-قولتلك من الأول كده، بس إنتي اللي خدتي الأمور على صدرك أوي، والبت الغلبانة بنتك راحت فيها
قاومت هي عبرة تحاول السقوط من مقلتها، وتحدثت بصوت مختنق وهي تشير بكلتا يديها ب:
-يا مين يدلني على طريقها وأنا أروحلها أخدها في حضني ..!
ثم ضمت ذراعيها إلى صدرها، وربتت عليه لأكثر من مرة، وتابعت بنبرة آسفة ب:
-آآآه .. أشوفها بس وأقولها حقك عليا، أنا محقوقالك يا ضنايا
أغمضت فردوس عينيها لتنطلق عبراتها دون أي عائق، وتغرق وجنتيها بالكامل، ومن ثم أجهشت ببكاء مرير، وأخذت شهقاتها في العلو .. وظلت تئن وتنوح بكلمات غير واضحة ..
أشفقت عليها إجلال كثيراً، واقتربت منها، ثم أسندت يدها على ظهرها، وربتت عليه في حنو، وتحدثت بصوت خافض ب:
-عيطي ياختي، طلعي اللي جواكي
-آآآآآه يا حرقة قلبي عليها .. آآآآآه، البت رمت نفسها في النار عشاني
هزت هي رأسها للجانبين، ثم مطت شفتيها وهي تضيف بصوت هاديء:
-لا حول ولا قوة إلا بالله
-يا ريتني كنت مت ولا عملت الله عملته ده فيها، يا رتني روحت في داهية ولا آآآ...
قاطعتها إجلال بنبرة معترضة وهي ترفع أحد حاجبيها ب:
-يا شيخة استغفري ربك وبلاش الكلام ده، ادعيه إنه يجمعك بيها عن قريب، وهو قادر على كل شيء
رفعت فردوس بصرها للسماء، وناجت بصوت مرتفع متوسل ب:
-يا رب إنت اللي عالم بحالي، يا رب رجعلي بنتي يا حي يا قيوم ..!
في قصر عائلة الجندي،،،،
لاحقاً جاءت المدبرة عفاف إلى حديقة القصر الواسعة، وسارت بخطوات ثابتة ومنتظمة في إتجاه ليان وعدي، ورأت بعينيها الواسعتين عدي وهو ممسك بكفي ليان، ويحتضنهما بين راحتيه، فتملكها الإنزعاج، ولكنها لن تبدي إعتراضها على ما يحدث أمام عينيها، ففي النهاية ما هي إلا خادمة في هذا القصر الكبير ..
ظلت واقفة للحظات على مقربة منهما، ولكن لم يعرها أحدهما الإهتمام، لذا تنحنحت بصوت شبه مرتفع لتلفت أنظارهما إلى وجودها، وبالفعل أرخى عدي كفيه، فسحبت ليان يديها سريعاً، وبدى عليها الإرتباك، وأخفضت رأسها للأسفل لتتجنب نظرات عفاف لها ..
رسمت عفاف على وجهها إبتسامة زائفة، وإدعت أنها لم ترْ شيئاً، وقالت بصوت هاديء:
-ناريمان هانم عاوزة حضراتكم
-طيب .. روحي إنتي يا عفاف، وإحنا جايين وراكي
قالها عدي بصوت عادي وهو يشير لها بعينيه لكي تنصرف ..
إبتسمت هي له إبتسامة مجاملة، وأومأت برأسها موافقة وهي تجيبه بنفس الهدوء الإنفعالي ب:
-حاضر..
تابعها عدي وهي تنصرف مبتعدة عنهما، ثم أطلق سَبة مسيئة لها، ففغرت ليان شفتيها في ذهول، ورمقته بنظرات متعجبة وهي ترفع كلا حاجبيها للأعلى، ثم تسائلت بإستغراب واضح ب:
-إنت بتقول ايه ؟
ظهر شبح إبتسامة صفراء باردة من بين أسنانه وهو يجيبها بنبرة غير مبالية ب:
-متخديش في بالك ..!
ثم صمت لثانية قبل أن يتابع حديثه معها ب:
-تفتكري مامتك عاوزانا في ايه ؟
إكفهر وجه ليان، وبدى عليه الإمتعاض، وتنهدت في إحباط، ثم أجابته بفتور ب:
-معرفش، و I don't care ( لا أهتم )
ثم عقدت ساعديها أمام صدرها، وأحنت رأسها في خزي، و تذكرت كيف رأتها في أحضان رفيق العائلة المقرب، ذاك الذي كانت تعتبره كوالدها، وكيف كانت تبادله القبلات الساخنة دون أدنى إكتراث بوجودها معهما في نفس المكان .. وكيف دفعتها لتتهور وتسقط في براثن من إستغل سذاجتها ولعب عليها لعبة الحب لتسلم نفسها بيأس ..
لاحظ عدي شرود ليان، فخشي أن يتركها لعقلها فتعيد التفكير في مسألة زواجهما، فهي حالياً متقلبة المزاج، وتتحرك وفق مشاعرها، ولضمان نجاح زيجتهما عليه أن يكون شديد الحذر معها، وحريصاً على ألا يفسد مخطته، لهذا أسرع بمد يده ناحية وجهها، ثم أمسك بخصلات شعرها المموج - التي يعبث بها الهواء - ولفها على أصابعه بحركة أثارتها، وجعلتها تبتسم بعذوبة له، ثم رمقها بنظرات رومانسية آسرت عينيها، وبنبرة خافتة ولئيمة أردف ب:
-معلش حبيبتي .. لازم نشوف هي عاوزة ايه، برضوه دي مامتك حبيبتك .!
نظرت هي لعدي بنظرات غريبة، ولوت شفتيها في تهكم، وقالت بسخط:
-هه .. اه هي فعلا مامتي حبيبتي !
تعجب هو من نظراتها الغير مفهومة تلك، وما زاد من شكوكه هو النبرة المريرة التي تتحدث بها، لذا أيقن أن هناك ما تخفيه عنه، وأن هناك سراً ما يجهله، فحاول أن يسألها بمكر ب:
-أنا حاسس إن في حاجة بينكم، إحساسي صح ولا أنا غلطان ؟
تنهدت هي في إحباط، ومسحت وجهها براحتي يدها، ثم أسندتهما على جانبي أنفها، وأغمضت عينيها في إستسلام، وقالت بفتور:
-عدي بليز، أنا تعبانة، ومش عاوزة آآ...
قاطعها عدي بصوت حنون ب:
-ليان أنا مش عاوز أشوفك مضايقة، أنا عاوز أخليكي على طول مبسوطة معايا، وانسيكي أي حاجة وحشة شوفتيها في حياتك
رمقته هي بنظرات ساخرة من طرفي عينيها، ثم لوت فمها للجانب في تهكم، وأردفت بنبرة مريرة:
-صعب أي حاجة تتنسي بالساهل
ثم اطلقت تنهيدات مطولة، وقاومت عبراتها التي تحاول الإنسياب من مقلتيها ..
أدرك عدي أن الوضع بات مشحوناً للغاية، وأنه لا يمكن أن يترك زمام الأمور يفلت من يديه، لذا مد إصبعيه ناحية وجهها، ووضعهما على طرف ذقنها، ثم أداره برفق ناحيته، لتنظر هي بحزن له، فأسبل عينيه لها، ورمقها بنظرات دافئة والهة أشعرتها بإهتمامه الزائد نحوها، فإنفرج فمها قليلاً ليرسم إبتسامة جافة عليه ..
مسح هو بإبهامه على ذقنها بحنو، ونجح في وضع قناع الهدوء البارد على قسمات وجهه، ثم أردف بنبرة رخيمة وهو يرمقها بنظراته المطولة ب:
-صدقيني، أنا غير أي حد عرفتيه...