رواية ذئاب لا تعرف الحب الجزء الثالث تأليف منال سالم الفصل السادس والأربعون
( وانحنت لأجلها الذئاب )
في سيارة عدي
وزع عدي نظراته ما بين الطريق وبين ليان المقيدة الجالسة إلى جواره ..
كانت الأخيرة تتلوى بصورة مضحكة لتحرر نفسها، فلم يستطع التحكم في نفسه من هيئتها، فإنفجر ضاحكاً حتى أدمعت عينيه .. وإعتذر قائلاً:
-سوري يا ليو، بس انتي شكلك رهيب!
إتسعت مقلتيها بغضب، ولكزته في ذراعه برسغيها بإنفعال، فتأوه من الآلم، وحاول تهدئتها:
-خلاص يا ليان، مش هاضحك تاني!
أشارت برسغيها إلى فمها، فضيق نظراته، وتابع بقلق:
-أخاف أفكه تصوتي وتفضحيني، والناس تفكر إني خاطفك!
هزت رأسها نافية، وأشارت بعينيها بنظرات ذات مغزى ليحررها ..
رد عليه بهدوء:
-ماشي أنا هافك بؤك بس اوعديني الأول ماتصرخيش، اوكي ؟
أومأت برأسها موافقة، فمد يده ليزيح عنها ذلك المفرش، فنفخت بغضب، وعاتبته قائلة:
-إنت ازاي توافق أوس على اللي عمله، فين شخصيتك ؟!
لوح بكفه قائلاً بحذر:
-كله إلا أخوكي، ده مينفعش معاه إلا حاضر وطيب وبس!
رمقته بنظرات حادة، وهتفت بحنق:
-إنت جبان، وخايف منه!
حدجها بنظرات شبه غاضبة من إهانتها، ولم يعقب، وتجاهلها حتى لا يتسبب في إحداث كارثة، وحدق في الطريق أمامه، وقد تحول وجهه للتجهم ..
استشعرت هي من قوة نظراته أنها إرتكبت خطئاً معه .. فأدارت وجهها للجانب لتتحاشاه، وتابعت بصوت خافت متذمر:
-فيها إيه لو كنت فضلت هناك!
أوقف عدي السيارة على جانب الطريق بصورة مفاجئة، فإرتد جسد ليان للأمام، وإستندت برسغيها على تابلوه السيارة لتمنع نفسها من الإصطدام به، وإلتفتت نحوه برأسها، ورمقته بنظرات حادة وهي تقول بتوبيخ:
-مش تاخد بالك!
أدار عدي رأسه نحوها، وحدق فيها بنظرات جامدة ومطولة فإستغربتها هي منه، وسألته بنفاذ صبر:
-بتبصلي كده ليه ؟ وإنت واقف هنا ليه وآآآ...
باغتها عدي بلف ذراعه خلف رأسها، وجذبها نحوه، ثم انحنى عليها ليقبلها قبلة عميقة ومطولة على شفتيها جعلتها تشهق مصدومة ..
حاولت مقاومته، و التراجع برأسها للخلف، لكنه كان متمكنا منها، مسيطرا عليها، وتعمد أن يبث خلال قبلته تلك أشواقه إليها، فذابت مقاومتها تدريجيا معها، وإستعادت تلك الأحاسيس التي افتقدتها منذ فترة طويلة ..
أرخى عدي ذراعه عن رأسها، وابتعد ببطء عنها، وتنهد قائلاً بحرارة وهو يتأملها عن كثب:
-وحشتيني!
ابتلعت ريقها بتوتر كبير .. ونهج صدرها بصورة واضحة، فمسح عدي على وجنتها، وهمس معاتباً بنبرة متريثة:
-أنا مش جبان، أنا بأحبك!
رمشت بعينيها غير مصدقة ما حدث تواً .. وإنكمشت في مقعدها، وشعرت أن الأرض ستميد بها من حركته تلك ..
شعورها المهلك بتجاوبها معه قد أثار حفيظتها للغاية .. فهي التي كانت تظن أنها ستقاومه بإرادة من حديد إن حاول التودد إليها .. ولكنها تفاجئت بأن حصونها المنيعة ما هي إلا أوهاماً واهية قد سقطت مع أول محاولة حقيقية منه للتعبير عن مشاعره ..
تذكرت تلك الأحاسيس المثيرة التي عاشتها ليلة زفافها، وأدركت أنها بالفعل متعطشة لحب شغوف يدفعها للجنون .. لكن صدمتها معه، وإكتشافها لزيف علاقته بها قد أصابها بخيبة الأمل .. لكنه لم يقتل إحساسها ناحيته ..
راقبها عدي بتمعن، وأغراه رؤيته لتورد وجنتيها، وإضطرابها الواضح عليها، وتأكد من إنعكاس هذا عليه، وتفاعل جسده معها .. شعور غريب اختبره، وتيقن من صدق كلمات طبيبه التي طمأنه فيها بنجاح علاجه.. فتنهد في سعادة وإرتياح ..
أدارت ليان وجهها ناحية النافذة، وحل عليها صمت مريب .. وحاولت أن تلملم شتات نفسها ..
بينما إلتوى فمه بإبتسامة إنتصار بعد أن تيقن من إحتفاظه بتأثيره المغري عليها، ثم عاود النظر أمامه بثقة، وأدار محرك السيارة ليتحرك بها في طريقه ...
إستعادت ليان في ذاكرتها محادثتها العابرة مع الطبيبة بارسينيا حول إحتمالية شفاء من يعاني من حالات الضعف الجنسي ...
(( وقفت ليان قبالة الطبيبة بارسينيا في الرواق، وسألتها بحرج وهي تعبث بخصلات شعرها:
-هو .. هو ممكن يا دكتور واحد يكون عنده زي .. زي حالة برود عاطفي أو .. أو إنه مش .. مش بيتأثر بال آآ... بالبنت اللي قدامه يخف ويبقى كويس ؟
أجابتها الطبيبة متسائلة بجدية وهي تنظر لها بثبات:
-قصدك عنده ضعف جنسي ؟
أومأت برأسها إيجاباً وهي تجيبها بخجل:
-آآ.. ايوه.
تابعت الطبيبة بارسينيا قائلة بهدوء:
-طبعاً في إحتمال كبير للشفاء لو هو اتعالج صح وراح عند متخصصين فاهمين حالته كويس
سألتها ليان بإهتمام:
-و.. وممكن يخلفوا عادي ؟
ردت عليها بثقة:
-أكيد .. الموضوع ده مالوش علاقة بالخلفة، لأنه بيعتمد على حاجات تانية إنتي عارفاها
ابتسمت لها إبتسامة ممتنة وهي تقول:
-أيوه .. فهماكي، ميرسي يا دكتور .. ))
لاح على ثغر ليان شبح إبتسامة خفيفة قاومت ظهورها، ولكنها كانت مطمئنة في قرارة نفسها ...
في منزل أوس الجديد
مسح أوس بكفيه برفق على ظهر تقى بعد أن تراجعت برأسها للخلف .. ومرر عينيه على وجهها الذي يعشق تفاصيله الدقيقة، وشرد في زرقة عينيها، وعبرت عينيه عما يكنه قلبه نحوها ..
أسبلت تقى عينيها خجلاً، وهمست بتلعثم:
-تعرف .. أنا .. أنا حلمت إننا .. إننا مع بعض في الكعبة وآآ.. آ..
إرتسمت إبتسامة بشوشة على وجهه، وهتف مقاطعاً بتلهف:
-بجد ؟
أومأت برأسها بإيماءة خفيفة، وتابعت برقة وهي تحنى رأسها للأسفل:
-عمري ما تخيلت إن الحلم يبقى حقيقة و.. ويحصل!
أمال أوس رأسه للجانب ليحدق في عينيها الخجولتين، وهمس بصوت آسر:
-كل حاجة هاتحلمي بيها هاتحصل معايا!
شعرت بتنهيداته الحارة تلفح وجنتها، فزادت من حمرته، وأربكتها بشدة ..
اقترب أوس ببطء من صدغها، وتلمس بشفتيه ملمسه الناعم، فأغمضت عينيها رهبةً .. وشعرت بإرتجافة مثيرة تسري في أوصالها .. وشبكت أصابع كفيها معاً ..
أخفض هو ثغره قليلاً لتشعر به على شفتيها، وبحرارة أشد تزيد من توترها ..
تسارعت دقات قلبها، وكذلك أنفاسها .. فإزدردت ريقها بصعوبة، وأسندت كفيها على صدره لتبعده عنها قائلة بصوت شبه لاهث:
-ب.. بلاش
سألها بهمس خفيض للغاية:
-ليه ؟
تلعثمت وهي تجيبه بإرتباك:
-ل.. ليان هنا وآآ..
قاطعها بإبتسامة مغترة وهو يغمز لها:
-اطمني، أنا اتصرفت مع ليان، فمافيش حد هنا إلا احنا وبس!
توترت أكثر من عبارته الأخيرة، ورمشت بعينيها بقلق ..
فهي على أعتاب تجربة تلك العلاقة الحميمية من جديد، والخوض فيها بمشاعرها كليةً .. وبإرداتها .. وليس كالسابق رغماً عنها ..
هي تخشى أن يفسد كل شيء بسبب ذكرى عنفه المخزي معها ..
مرر أوس أصابعه على كتفها، فإرتجفت من لمسته، وتابع بهدوء:
-صدقيني، أنا .. مش هاذيكي ..
تهدل كتفيها قليلاً، وأبعدت عينيها عنه، فأكمل بنبرة متمهلة وهو يدرك مخاوفها منه:
-أنا اتغيرت، وآآ.. واتعالجت!
رفعت بصرها نحوها، فرمقها بنظرات مطمئنة .. وأمسك بكفها، ورفعه إلى فمه ليقبل أصابعها ببطء مغري .. فأغمضت عينيها متأثرة .. وتنهدت بحرارة ..
هي تحاول كسر ذلك الحاجز النفسي الذي يقف عائقاً بينهما، ويحول دون إتمام علاقتهما كشخصين طبيعين ..
راقبها بحذر .. وتابع بتمهل تهيئتها نفسياً للإنتقال تدريجياً لمستوى أعلى وأعمق في بث مشاعره إليها ..
وبهدوء مثير حاول نزع منامتها عنها .. فإرتعش بدنها .. ولم تقاومه ..
ألقى بثيابها على الأرضية، ونزع عنه قميصه، وبنطاله ..
أغمضت عينيها، وتسارعت أنفاسها .. وانتظرت بترقب شديد الخطوة التالية ..
تلمس أوس جبينها، وأبعد خصلات شعرها للخلف .. فإنكمش جسدها من لمساته ..
مجدداً إستشعرت حرارة قبلته على شفتيها ..
وتعمد هو أن يزيد من عمقها حينما يلاحظ عدم وجود أي مقاومة منها ..
بينما إنتابتها أحاسيس غريبة لم تعهدها من قبل ..
نعم .. مشاعر جميلة ألهبت جسدها، وأشعلته شوقاً ورغبة، وحثتها بشجاعة على المضي قدماً ..
شعر أوس بتلك الإستجابات المطمئنة منها، وبتفاعلها معه، فشرع بحماس على إكمال ما بدأه .. وتعامل مع جسدها برفق ولين مثيرين للغاية ..
لم تتخيل تقى أنها ستعيش لحظات خطيرة تمتزج فيها الروح مع الجسد، وتصدر منها تأوهات مستمتعة بما يحدث غير تلك التي صدرت عنها كتعبير عن إشمئزازها ورفضها له ..
بعد دقائق قليلة من التلاحم والإندماج العاطفي بين أجساد العاشقين، نجح أوس في إيصال زوجته إلى ذورة الحب، وبث فيها حرارة أشواقه التي احتفظ بها لأجلها منذ أشهر .. بينما تسارعت دقات قلبها، واستجاب جسدها لفيض حبه، وتفاعل معه كلياً ..
وهنا إستطاعت تقى أن تدرك أنها قد حطمت للأبد تلك الذكرى المخيفة التي أفسدت حياتها ونغصتها لأشهر وأصابتها بالنفور والكره .. وحل محلها مشاعر متحمسة جعلتها تحلق في السماء ..
مشاعر قد أتت بصورتها الحقيقية بعد فترات من التأهيل، والدعم، والعلاج النفسي، والصبر، والإصرار ..
لف أوس ذراعه حول خصرها، وألصق جسدها في صدره، وهمس لها بصوت آسر وهو يخلل أصابعه في أصابع كفها:
-بأحبك يا أغلى من عمري!
ردت عليه تقى بتنهيدة لاهثة وهي تعبث بصدره بأنامل يدها الأخرى:
-وأنا .. كمان!
ظل أوس يتأملها مطولاً بعدم تصديق .. يكاد لا يستوعب أنه خاض معها تلك العلاقة بلا عنف، ولا رهبة أو حتى مشاعر فزع .. خاضعها كحبيبين طالما حلما بتلك الليلة المميزة ...
بعد برهة من الصمت، استمع كلاهما إلى صوت آذان الفجر يصدح بالخارج، فهتف أوس بتلهف:
-عاوز أعمل حاجة معاكي!
تسائلت بحياء:
-ايه هي ؟
رد عليها بهمس مثير وهو يعتدل في نومته:
-نصلي سوا!
إنفرج ثغرها مصدوماً من الفرحة، ورمقته بنظرات فخورة به، وقرأ هو بوضوح في عينيها سعادتها به ..
وبلا تردد مرر ذراعيه أسفلها، وحمل جسدها بحرص، فشهقت مصدومة، وإصطبغ وجهها بحمرة أخرى، وسألته بتلعثم خجل:
-إنت بتعمل ايه ؟
أجابها مبتسماً بتسلية وهو يمرقها بنظرات عابثة:
-هنستحمى الأول قبل ما نصلي!
أسبلت تقى عينيها خجلاً منه، وطوقت عنقه بذراعها، فنهض هو بها عن الفراش .. وسار حاملاً إياها نحو المرحاض، ودفع الباب بقدمه بعد أن ولجا للداخل لينغلق عليهما ...
في فيلا عدي
صف عدي السيارة عند مدخل فيلته بعد أن ظل طوال الطريق صامتاً، ثم ترجل منها، وتحرك نحو الباب الملاصق لليان ليفتحه ..
مدت هي رسغيها للأمام وهتفت بنزق:
-فكيني الأول
نظر لها رافعاً حاجبه للأعلى، ورد ببرود:
-ليه ؟
أجابت عليه بتساؤل وهي تنظر له بإستنكار:
-أومال هنزل إزاي ؟ ولا عاوزاني أزحف قصادك زي الدودة ؟
ضحك من طرفتها، ورد عليها بهدوء:
-وأنا برضوه يرضيني تعملي كده
زفرت قائلة بإنزعاج وقد احتقنت نظراتها:
-عدي، بليز، أنا على أخري ومش ناقصة
أشار لها بكفه قائلاً بعبث وهو يغمز لها:
-اهدي مش هاعملك حاجة، أنا بس هاشيلك لفوق.
أربكتها كلماته، وشعرت بتوتر غريب يجتاح جسدها .. فقاومت بشراسة هذا الإحساس، ونفخت في وجهه بغضب زائف، وهتفت بإعتراض
-يووه، أنا عندي رجلين وبأعرف أمشي لوحدي!
داعب طرف أنفها بإصبعه وهو يقول بمرح:
-ليو حبيبتي، انتي عليكي توصية من فوق خالص!
أزاحت إصبعه بعنف من على أنفها، وصاحت بنبرة شبه عدائية:
-عدي، أحسنلك تعمل اللي أنا عاوزاه، وإلا مش هايحصل كويس.
عقد ساعديه أمام صدره، ورمقها بنظرات متحدية قائلاً:
-ده تهديد ؟
أشاحت بوجهها بعيداً عنه لتتجاهله متعمدة، وردت ببرود وهي تزم شفتيها:
-معرفش، بس أنا ..آآ..
شهقت فجأة حينما باغتها بتمرير ذراعيه أسفل ركبتيها ليلقي بها فوق كتفه ...
ثم صاحت متذمرة، ولكنه لم يكترث بها، وتحرك نحو باب الفيلا ليفتحه، ومن ثَمَ ولج للداخل، وأوصده خلفه، وأكمل طريقه حتى وصل إلى غرفة نومهما، فألقاها بعنف على الفراش ...
زحفت بجسدها للخلف، وخشيت أن يتهور معها، فرمقته بنظرات زائغة، وصاحت بخوف:
-إنت .. إنت هاتعمل ايه ؟
اقترب منها ببطء، ورمقها بنظرات غير مريحة، وأجابها بمكر:
-تفتكري ايه ؟
ابتلعت ريقها بتوتر كبير، وهتفت بهلع وهي تتلوى بجسدها متراجعة:
-اوعى .. ت.. تقرب مني!
صعد عدي على طرف الفراش، ورمقها بنظرات أقلقتها للغاية، ورد عليها متسائلاً بعبث:
-وليه لأ ؟ مش احنا متجوزين وآآ...
إنكمشت على نفسها، وهمست متوسلة:
-بليز .. أنا .. آآ..
أمسك عدي بقدميها، وثبتهما، فصاحت بذعر:
-لألألألألأ
تعجب هو من تصرفها المبالغ فيه، وهدأها قائلاً بإبتسامة:
-حبيبتي أنا مش هاعملك حاجة، أنا هافك المفارش دول
نظرت له مدهوشة، وهتفت بإستغراب:
-ايه ؟
حل وثاق قدميها، وكذلك رسغيها، فشعرت بملمس أصابعه على بشرتها، فتوترت أكثر .. وتلاحقت أنفاسها إلى حد ما ..
شعر عدي بالإضطراب الذي يتخللها، فرمقها بنظرات ممعنة، واقترب منها ليوهمها بمحاولة تقبيلها، فأغمضت عينيها مشتهية قربه منها، وانتظرت محاولته لتقبيلها، ولكنه فاجئها قائلاً بتثاءب:
-نامي انتي هنا، وأنا هنام في الأوضة التانية!
بدت كالبلهاء أمامه، وفغرت ثغرها مصدومة .. بينما إلتوى فمه بإبتسامة أكثر عبثاً، وحذرها بجدية دون أن تطرف عينيه:
-بس لو فكرتي تعملي حاجة مجنونة، أنا هاتهور وأعمل اللي بتفكري فيه!
في منزل أوس الجديد
لم تنمْ تقى بعد تلك الليلة المميزة والتي إستطاعت فيها أن تكسر حاجز رهبتها وفزعها المستمر من تكرار أوجاع الماضي، وبدأت – بإرداتها – في ممارسة حياتها الأسرية بشكل طبيعي ..
حدقت بتأمل في وجه أوس النائم قبالتها ..
وتفحصت ملامحه بدقة وكأنها تحاول حفر صورته الجديدة في ذاكرتها، فتمحو للأبد تلك الصورة التي طالما أرهبتها منه و طبعت من قبل في مخيلتها ..
أخفضت عينيها قليلاً، فلفت أنظارها تلك الندبة البارزة في صدره العاري .. وتذكرت معها اللحظة الفارقة في حياتهما ..
حينما أوشك على الموت في سبيل إنقاذها ..
هي كانت أولى خطوات تحديد مصيرهما ..
هي أول طريق المسامحة والغفران .. ثم التوبة والرجوع إلى الرحمن ..
مدت أناملها لتتحسسها بحذر .. فسرى في جسدها قشعريرة خفيفة .. وتنهدت بحرارة، ثم أغمضت عينيها بقوة ..
فتح أوس عينيه ببطء على إثر لمستها الناعمة عليه، وإختلس النظرات إليها، وتشكل على ثغره إبتسامة خفيفة ..
لم يصدرْ جلبة، ولكن راقبها مراقبة حثيثة ليستمتع برؤيتها تكتشفه من جديد ..
فتحت عينيها، وحركت رأسها على الوسادة للأعلى قليلاً لتجد عينيه ترمقها بنظرات رومانسية ..
وضع أوس إصبعه على وجنتها، وتحدث إليها بصوت خفيض للغاية:
-فاكرة اليوم ده يا تقى ؟
رمشت بعينيها بتوتر، فقد تفاجئت من صحوه، وسألته بنبرة خجلة:
-هو .. هو إنت صاحي ؟
زادت إبتسامته إشراقاً، وهمس بإيجاز:
-ايوه
تلمس بإصبعه شفتيها، وتنهد قائلاً بعمق:
-كان ممكن أستحمل أي حاجة إلا إني أخسرك!
بادلته إبتسامة خجولة وهي تهمس له:
-أها
ثم تابع قائلاً بحرارة وهو يمرر إصبعه على بشرتها:
-بأحبك وهافضل أحبك انتي و.. آآ...
توقفت يده عند بطنها، وأكمل بشغف:
-وبنتنا!
تورد وجهها .. وتحولت نظراتها للرضا ..
ساد صمت مترقب بينهما للحظات، ولكن إستطاعت تقى أن تقرأ في عينيه رغبته فيها، وتوقه لتكرار تلك اللحظات بينهما .. فعضت على شفتها السفلى بإستحياء ..
وأسبلت عينيها لتسأله بنبرة خافتة:
-انت فكرت تسميها إيه ؟
فرك عنقه بكفه الأخر، وأجابها قائلاً:
-مش عارف لسه، بس مش هاعمل زي المجنونة ليان وأسميها حاجة مطرقعة زيها!
إبتسمت تقى وهي تقول بحماس:
-أنا فرحانة أنها خرجت من حزنها.
عبست ملامحه وجهه نوعاً ما، وغمغم مع نفسه بضيق:
-ايوه خرجت منه وجت تقطع عليا
تعجبت هي من التغيير الذي طرأ على تعابير وجهه، وسأله مندهشة:
-بتقول ايه ؟
إبتسم لها إبتسامة سخيفها وهو يجيبها بسخرية:
-بأدعيلها
سألته بإهتمام وهي مضيقة لنظراتها:
-هي راحت فين صحيح ؟
أجابها بلا تردد:
-رجعت لجوزها.
قطبت جبينها بإستغراب، وهمست وهي تضغط على شفتيها:
-غريبة!
رمقها أوس بنظرات عابثة، وتابع قائلاً بمزاح:
-وايه الغريب في كده ؟ نفسها اتفتحت للجواز، وحلفت ما يعدي اليوم إلا وهي بايتة مع عدي!
رفعت حاجبيها في عدم تصديق، وهتفت متعجبة:
-فجأة كده
إلتوى فمه بإبتسامة متسلية وهو يجيبها:
-اها، مش بأقولك دماغها مطرقعة!
أزاح الملاءة عنه، وأردف قائلاً بجدية وهو يشير بيده:
-ارتاحي يا حبيبتي شوية، وأنا هاقوم أعمل كام تليفون وراجعلك!
تابعته بعينيها وهو ينهض عن الفراش، وردت عليه بخفوت:
-طيب...