رواية خطأ لا يمكن إصلاحه ( رفقا بالقوارير ) الجزء الأول للكاتبة منال سالم الفصل السادس والثلاثون
بحثت ندى عن علاء لكي تتحدث معه وتحاول اقناعه بنسيان ما حدث، ثم تجاوز ما جرى من مشادات بينهم بأقل الخسائر، فاستغل علاء الفرصة ووضع عدة شروط لكي يلتزم بخطبته مع ندى و...
-علاء: اصبري أنا لسه مخلصتش كلامي
-ندى: هو في لسه حاجة تانية غير كده؟.
عبث الهواء بشعر ندى فسقطت خصلتها مرة اخرى على وجنتها، فأخرج علاء يده من جيب بنطاله، ثم مدها تلقائياً لكي يزيحها عن وجه ندى، والتي ارتعدت لمجرد فكرة لمسه لها وارتدت للخلف على الفور و..
-علاء وهو يمد يده: ايه مالك؟
-ندى بخوف: هــه.. انت.. انت بتعمل ايه
-علاء: أنا كنت هعدلك القصة، يعني مش هاجي جمبك!
-ندى وهي تزيحها بيدها: أنا عدلتها، مافيش داعي انك آآآ...
وبينما كانت ندى تتحدث إليه، أدار علاء رأسه إلى يساره ثم بصق بطريقة مقززة، مما جعل ندى تشمئز منه و..
-علاء: لامؤاخذة
-ندى في نفسها: يعع.. مقرف
-علاء: اه كنت بقول ايه.. مم.. ايوه، افتكرت.. هاكملك بقية الشروط
-ندى بتهكم: هو لسه في باقي؟
-علاء: اه، شقتي اللي هاتسكني فيها مش هاغير فيها قشاية، لا بلاط ولا دهان ولا حتى عفش
-ندى باستغراب: عفش؟
-علاء: هي أمي مقالتلكيش ان عفشي اللي جبته للأولانية لسه فيها، الصالون وأوضة النوم
-ندى بدهشة: أنا أول مرة أسمع الكلام ده
-علاء: ده انا فاكر ان امي بلغت أمك بإني مش هاجيب صالون جديد عشان بتاعي القديم لسه زي ما هو.. بس الصراحة معرفش ان كانت قالتلك ع حوار أوضة النوم ولا لأ...
ظلت ندى صامتة تستمع إلى كل ما يُقال في صمت، هي عاجزة عن الرد تماماً، لم تكن تتصور أن علاء شخصية حقيرة لتلك الدرجة...
-ندى في نفسها: مش ممكن يكون في حد كده، لأ ده أنا اللي بسمعه جنان رسمي.
-علاء مكملاً: الصراحة أنا كنت ناوي أتفق مع صاحب معرض موبليا معرفة انه يحطلك أوضة النوم بتاعتي عنده، واوريهالك ع انها جديدة وأصمم عليها قصادك.. بس الوقتي مافيش داعي أعمل كده، كان صاحب المعرض هيلهف قرشين في العملية دي.. فأنا بقولهالك أهوو الأوضة زي ماهي مش هاتتغير
-ندى: اهـا.. وايه كمان؟
-علاء: البركة في أمك تملى الشقة تحف وأنتيكات أصلية.. أنا مش عاوز الحاجات المضروبة اللي في السوق، لأ عاوز حاجات ع الفرازة.
لم يكن أمام ندى أي خيار أخر وهي تستمع للهراء الذي يتحدث عنه علاء سوى أن تعقد كلتا يديها أمام صدرها وتنظر لعلاء بنظرات أقل ما يقال عنها أنها نظرات ندم على معرفة شخص كهذا...
-ندى بتهكم: أها.. حقك.. في حاجة تانية؟
-علاء: دي أهم حاجة بقى يا ست البنات.. أنا مكونتش قولتلك ع سبب طلاقي من مراتي الأولانية، بس من حقك تعرفي عشان نبقى ع نور
-ندى: ممم..
-علاء: ماهو الوقتي احنا بنلعب ع المكشوف، فمافيش داعي أخبي عنك أي حاجة بقى
-ندى: قول...
على الكورنيش
لم يستطع يوسف أن يبعد عن تفكيره كل كلمة قالتها ندى، بل إن الكلمات ظلت تتردد في عقله مراراً وتكراراً مسببة له الآلم النفسي والجسدي.. قرر أن يجلس على أحد المقاعد المخصصة للجلوس ع الكورنيش في مواجهة البحر.. يود لو يشكي له همومه فيأخذها المد، ثم يعيد له الجزر ذهنه صافياً..
-يوسف في نفسه وهو يزفر في ضيق: يا ريتك يا بحر كنت تقدر تاخد الهم اللي انا شايله جوا قلبي وتغسله.. يا ريتك! أنا حاسس بضيق وخانقة، مش قادر أتصرف، أنا متكتف.. لييييه أنا مش قادر اشيلها من دماغي، ليييه كل كلمة قالتها لسه بترن في وداني؟ اوووف.
كان يوسف يرى الأشخاص الذين يتحركون أمامهم وكأنهم خيالات أو أشباح، يود لو ينفرد أكثر بنفسه، ولكن ليس باليد حيلة.. هو يشعر انه عاجز عن فعل أي شيء.. هو فقط متفرج ومشاهد لما يحدث.. كيف يمكن أن يكون بمثل تلك السلبية تجاه انسانة على وشك أن تلقي بنفسها في جحيم رجل كشفه على حقيقته من أول مرة...
-يوسف: ازاي انا سكت وماتحركتش ومنعتها عن اللي هي عاوزاه، ازاي انا فضلت واقف اتفرج كده.. طب ماهي رفضت اني أقول عنها انها مراتي، بس.. بس كنت هاعمل ايه؟ ما أنا كنت عاوز أدافع عنها.. طب.. طب ازاي هي ترفض اقتراحي وترضى بالذل تاني مع الـ*** ده.
لم تكن ندى بالنسبة له كأي فتاة قابلها من قبل، هي ليست كهؤلاء الفتيات العابرات اللائي سعين جاهدات إليه، بل إنها في كل فرصة كانت تسنح لها بالتقرب منه، تسعى هي جاهدة بكل ما أوتيت من قوة في الابتعاد عنه...
هي أوجدت في نفسه شيئاً ما.. وهذا الشيء مع الأيام اتضح انه المشاعر.. لم يستطع أن يتبين ماهية تلك المشاعر الآن.. ولكن الأكيد أنها وضعت بداخله أول بذور الحب...
بجوار المقهى الشعبي
أكمل علاء باقي شروطه المفروضة على ندى لكي يعيد المياه إلى مجاريها، ويتناسى كل شيء وكأنه لم يكن...
-علاء: شوفي يا بنت الناس، انا لما اتجوزت أول مرة، يعني كده ومن غير كسوف، أنا ومراتي معرفناش
-ندى بعدم فهم: معرفتوش ايه؟
-علاء: معرفناش ناخد ع بعض
-ندى: طب.. طب ده عادي، الناس في أول جوازها آآ.. يعني لسه بيكونوا مكسوفين.. احم.. يعني وبعدين بيبقوا عادي
-علاء: باين عليكي مافهمتنيش.. أنا أقصد يا بنت الحلال ان أنا كان عندي مشكلة كده ومعرفتش أدخل ع مراتي.
وما إن نطق علاء بمثل تلك الكلمات الفجة على مسامع ندى حتى اكتسى وجهها كله باللون الأحمر، وشعرت بالحرج الشديد مما يقوله..
-ندى باحراج: مافيش داعي انك تكمل
-علاء: مالك وشك جاب ألوان ليه؟ هو أنا قولت حاجة غلط، ماهو انتي لازم تعرفي ده.. أنا تمام الوقتي وزي الفل، ولو تحبي أوريكي أنا.. أنا جاهز
-ندى وقد تراجعت للخلف: لألألأ.. بلاش.. مش عاوزة أعرف أكتر من كده.
-علاء بنظرات وقحة: الحق يتقال انتي فيكي حاجة كده تخلي الواحد مش ع بعضه.. وأنا مطمن من الناحية دي اني هاكون شغال 24 قيراط معاكي!
-ندى محاولة انهاء الموضوع: في حاجة تانية عاوز تقولها؟
-علاء: أنا هاسيبك فرصة تفكري، وتوزني الكلام في دماغك..
-ندى: اها
-علاء: يعني قدامك لحد ما نرجع القاهرة تفكري وتقوليلي رأيك.. وخلال الفترة دي يا بنت الناس أنا حاطط عيني عليكي وهاشوف هتعملي ايه..
-ندى: ممم..
-علاء: وزي ما طلعت عليكي كلام، هاقدر في لحظة أمسحه وكأنه مكانش!
-ندى بصدمة: ايه؟ طلعت عليا كلام؟
-علاء: يعني.. كنت مضايق
-ندى: طب كلام ايه ده؟
-علاء بلا مبالاة: عادي، متخديش في بالك! هجس كده بس كله بيتنسى في الهوا! ويالا بقى عشان وقتك خلص معايا، والحجرين اللي عملتهم طاروا
-ندى: مممم.. ماشي، عن اذنك.
ابتعدت ندى عن المكان الذي كادت أن تختنق فيه مع كل نفس يصدر من علاء.. لقد
أدركت ندى أنها أخطأت في حق نفسها حينما فكرت أن تعيد التفكير في مسألة ارتباطها بذلك الشخص... لم يكن أمامها إلا أن تبتعد عنه وتتوجه إلى مكان أخر لتفكر في كل ما حدث، وفي خطوتها القادمة.. فسمعتها على المحك، وليس هذا فقط بل سمعة عائلتها أيضا.
-ندى وهي تلوم نفسها: ازاي انا اتهبلت وفكرت أرجع تاني لواحد بالشخصية دي، أنا كده مش هاكون بس ظلمت نفسي لأ أنا هاكون حكمت ع نفسي إني أدفن وأنا حية! بس... بس دي برضوه سمعتي وسمعة عيلتي واخواتي البنات.. يا ربي.. هاتصرف ازاي؟ أنا مش ممكن أرتبط بالانسان ده.. مش ممكن.
قادتها قدميها إلى الكورنيش، فجلست على أحد المقاعد وظلت تنظر للبحر وتتأمل حركة أمواجه.. أغمضت ندى عينيها لكي تستمتع بـ نسمات الهواء الرطبة، حيث كانت تشعر أن هواء البحر المنعش يُثلج صدرها...
نظر يوسف في ساعة هاتفه المحمول فوجد أن وقت التجمع للجميع عند الحافلة قد آن أوانه، فنهض من مكانه، ورغم شعوره باليأس - وأنه لم يعد بمقدره أن يفعل أي شيء، فقد سبق السيف العزم – إلا أن شيئاً ما دفعه للالتفات ناحية اليمين، فأدار رأسه رويداً رويداً ليجد ندى جالسة على مقربة منه تتأمل البحر
-يوسف وهو يدير رأسه: نـــدى!.
وكأن روحه عادت إلى الحياة مرة اخرى حينما رأها بجواره، لقد كان يدور في باله الهواجس بشأنها.. ولكن ها هي تجلس الآن في نفس المكان الذي فضل أن يجلس هو فيه ليختلي بنفسه بعيداً عن الآخرين..
-يوسف غير مصدقاً: مش ممكن.. دي.. دي ندى هنا، هي أعدة هنا معايا، أنا حاسس زي ما تكون روحي ردت فيا...
لم يجد يوسف نفسه إلا وقد انطلق تلقائياً تجاه ندى، وكأن قدميه تعرفان الطريق إليها، ثم جلس بجوارها يتأملها وهي في حالتها تلك...
ظل يوسف صامتاً يراقب تنهيداتها، وحركة جفونها، وكل حركة بسيطة تصدر منها وهي مغمضة العينين.. حتى شعرها نفسه كان ثائراً متمرداً رافضاً لما يحدث.. لم يرد يوسف أن يقطع عليها خلوتها، ولكن ما أسره بالفعل هو رؤيته لعينيها تذرف الدموع ولكن بصمــت مع تنهيدة تحمل من الآلام ما يهز جبلاً شامخاً.. لقد كانت دموعها هي لسان حالها...
مد يوسف أصابعه لكي يمسح تلك الدموع التي تحرق قلبه قبل قلبها، وما إن لمست أطراف أصابعه وجنتها حتى انتفضت فزعة في مكانها ونهضت على الفور و..
-ندى بفزع: انت.. انت.. بـ.. بتعمل ايه
-يوسف وقد نهض هو الأخر من مكانه: أنا مقصدش، بس ماستحملتش اشوف دموعك نازلة.
-ندى: ده.. ده شيء يخصني أنا
-يوسف: انا عاوزك تسمعيني للأخر
-ندى: اسمع ايه بالظبط
-يوسف: تسمعي وتفهمي اللي أنا عاوز أقولهولك
-ندى: معدتش في حاجة تتقال، أنا قولتلك اني غلطت، ولازم أتحمل نتيجة غلطي لوحدي، مش هاشيل حد ذنبي
-يوسف: بس أنا.. أنا عاوز أساعدك
-ندى: وأنا مش محتاجة مساعدة من حد.
أسرعت ندى بالابتعاد عن يوسف وهي تنظر في الأرض دون ان تنتبه أنها متوجهة ناحية الطريق السريع للسيارات، جحظت عيني يوسف حينما رأى هذا، لم يترك لعقله مهلة التفكير وإنما حركه قلبه و أسرع خلفها...
كانت ندى على وشك أن تصدمها سيارة مسرعة إلا أن أذرع يوسف القوية جذبتها إليه بكل قوة ليضمها في أحضانه ويحيطها بذراعيه وكأنه يعلن لها عن عدم تخليه عنها..
-ندى وهي مطأطأة الرأس: اهيء
-يوسف بنظرات جاحظة: لأ.. مش ممكن.
-ندى وقد جذبها يوسف: هـــاه، في ايه
-يوسف وقد ضمها لصدره: حاسبي يا ندى.. حاسبي.
لقد سكنت روح ندى في أحضان يوسف وهدأت كثيراً، بلى لقد وجدت الملاذ الذي تلجأ إليه..
حاولت ندى أن تبتعد عن يوسف، ولكنه أصر على ضمها إليه إلى أن وافقت على السير معه للحافلة..
- ندى: من.. من فضلك
-يوسف: مش هاسيبك وانتي كده
-ندى: أرجوك
-يوسف: لأ..
-ندى: خلاص أنا بقيت كويسة
-يوسف: برضوه مش هاسيبك
-ندى: طب.. أنا عاوزة أرجع الباص
-يوسف: اوك هوديكي.. مش هاسيبك تروحي لوحدك
-ندى وقد اجهدت من الجدال: ماشي..
اطمئن يوسف حينما وافقت ندى على طلبه دون جدال..
عند الحافلة
بدأ الجميع في التوافد على الحافلة والصعود لاستكمال باقي البرنامج المخصص، لم تكن لدى نيرة الرغبة في الاستمرار، هي تود لو تستقل سيارة ما لتعود بها إلى القاهرة.. بلى لم تعد حالتها المزاجية تسمح بأن تستمتع بأي شيء حولها، أو حتى تتحمل وجود أي شخص بقربها.. وخاصة مــروان...
-نيرة في نفسها: أنا معنتش طايقة حد.. أنا عاوزة أي عربية توديني القاهرة تاني، خلاص اتخنقت، وزهقت، كل حاجة مقرفة هنا، مش قادرة استحمل النفس حتى هنا.. اوووووف!.
وقف مروان على بعد يراقب نيرة، هو يعلم أنها غاضبة منه، وهو لا يريد أن يزيد الأمر سوءاً بالضغط عليها.. سيتركها لتهدأ قليلاً ثم يعاود الحديث معها و...
-مروان في نفسه وهو ينظر لنيرة: أنا عارف انك مش طايقاني، وغصب عني إني أشوفك في الحالة دي وماتصرفش..!
سار يوسف بجوار ندى إلى أن أوصلها للحافلة، وكان بين الحين والأخر ينظر إليها بنظرات مختلفة عن أي نظرات سابقة.. يكاد يُجزم أن السعادة فقط تكون بجوارهــا.. حاول أن يختلق حواراً مرحاً معها، ولكنها كانت تصده بردودها المقتضبة و...
-يوسف مبتسماً: الجو حلو
-ندى:...
-يوسف: أنا.. بحاول اني آآ..
-ندى باقتضاب: أنا مش حابة أتكلم
-يوسف: أها.. وأنا مقدر ده، بس عاوزك تعرفي ان الكلام اللي أنا قولته من شوية آآآ...
-ندى مقاطعة بحزم: من فضلك مافيش داعي تكرره.
لم يستطع يوسف أن يتحمل فكرة خسارة ندى، لذا قرر أن يحزم أمره معها، فأسرع خطاه قليلاً ثم وقف أمام ندى ليسد عليها الطريق و...
-يوسف وقد وقف أمامها: ندى أنا مش هاكرره تاني
-ندى وهي تنظر إليه: كويس..
-يوسف بنظرات كلها ثقة وإصرار: أنا هانفذه أول ما أرجع القاهرة على طول...!