رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل العاشر
احتدت عيناه بشدة من تلك الرسالة المقيتة بالنسبة له، ها قد عاد الماضي اللعين لينهش حاضره ليستعيد ذكرياته التي حاول جاهدًا القضاء عليها ودفنها ولكن دائمًا للقدر رأي أخر، صور من الماضي تجري أمام عينه، طفل صغير لم يتعدي الثانية عشر من عمره ذات ملامح طفولية بريئة، يبتسم ويجري ويلعب مع ابناء عمومته أمام منزله ليتوقف امامهم سيارتان من اللون الأسود الكالح ويهبط منها رجلان بأجساد ضخمة يقومون بأخذه عنوة عنه وسط صراخه ومقاومته ولكن هيهات فمن هو ليقاوم تلك الحوائط البشرية، ظل ينظر إليهم برعب ودموع عينه تسقط بشدة لا تجف مخبرًا إياهم بأنه يريد الذهاب لأبيه، ولكن اكثر ما اخافه هي تلك النظرات الخبيثة بأعينهم وجملة واحدة ظلت عالقة بعقله حتى الآن «اللي عمله ابوك انت اللي هتشيل تمنه».
نعم ظل متذكرًا تلك المرحلة من عمره فما حدث له يصعب محوه بصعوبة بالغة إلا بموته.
هز رأسه بشدة محاولًا عدم تذكر أكثر من هذا، على صوت تنفسه بشدة وكأنه بسباق عنيف يجري به لأميال طويلة، وخطوط حمراء تكونت بعيناه البنية لتجعلها قاتمة بطريقة مرعبة، عضلات فكه المتشددة بقوة فكاد أن يكسر اسنانه، ويده التي ابيضت من شدة ضغطه عليها، من يراه يقسم بأنه يتحول لوحش كاسر من قساوة ملامحه.
لما عاد! كان يحاول الإنتقام يعلم ذلك، ولكن الإنتقام فقط وليس إجباره على العمل معهم.
خرجت من المرحاض لتجده يقف وسط الغرفة بملامحه المخيفة، للحظة احست بالرعب يسري بأنحاء جسدها من هيئته تلك ولكنها ذهبت إليه واضعة كفها على طول زراعه متحدثة بتعجب: يزن! مالك. واقف كدا ليه.
انتقل ببصره إليها فاقترب منها متحدثًا بفحيح افعي مستعدة للإنقضاض على فريستها: دلوقتي عايزك تقوليلي تعرفي مرتضي الرفاعي منين وازاي.
ارتعش جسدها عن ذكر اسمه وتجعدت ملامحها بقنوط فتكونت عبرات كثيفة بعينيها عندما تذكرت ما حدث معها، فزعت بقوة عندما سمعت صراخه الجحيمي بها: بقولك انطقي، تعررررفي زفت منين.
تحشرج صوتها مهددًا إياها بالبكاء، فحاولت التماسك وعدم إظهار ضعفها ولكن رغمًا عنها أمام صراخه بها وتذكرها لما حدث هبطت دموعها بشدة وهي تروي له ما حدث معها بداية من عملها معه حتى محاولته للإعتداء عليها وإفلاتها منه بصعوبة بالغة بعد ان ظنت بأنها قتلته ولكن خابت ظنونها عندما نظرت خلفها وهي ترقض فرأته ينظر لها بتوعد ونظرة خبيثة لم تغفل عنها.
انتهت من روي ما حدث بشفاة مرتجفة فنظرت له وجدت عينه ازدات حدة من زي قبل فقالت بارتعاش: و. والله. هو. هو.
قطعت حديثها بخوف عندما هدر بها بغضب: اخرررررسي.
وعند ذلك الحد لم تحتمل اكثر من ذلك فانفجرت باكية بشدة وهي تتذكر ما حدث وصوت شهقاتها يعلو بشدة فها هي قوتها الزائفة قد انهارت امامه ليظهر ضعفها وهشاشتها.
لانت ملامحه قليلًا عند رؤية بكائها الكثيف، للحظة شعر بالندم يتخلله عند رؤية مظهرها هذا، وقف يتطلع إليها بحيرة فهو لا يعلم ما عليه فعله هو دائمًا لا يبالي لبكاء أحد ولكن بكائها مزق نياط قلبه ليشعر بالأسف وهذا ما جعله يتعجب من نفسه كثيرًا.
حمحم واقترب منها ولكنها لم تنتبه له، فزفر بضيق واضعًا يده على ذراعها بتردد قائلًا بخفوت وصوت متوتر: خ. خلاص متعيطيش، مكنتش اقصد اتعصب عليكي.
ولكنها زادت في بكائها مما جعله ينهر نفسه بشدة محدثًا نفسه: وهما بيسكتوا ازاي دول.
حاول التحدث مرة أخري ولكنها قاطعته ببكاء متقطع: انا. انا معملتش. حاجة والله. هو. هو اللي كان عايز.
قطعت جملتها ولم تستطيع إكمالها فبكت اكثر لم يجد حلًا سوا احتضانها.
احتضنها بحنان مربتًا على ظهرها بهدوء قائلًا: خلاص اهدي. الحمد لله محصلش حاجة وحقك هجبهولك تالت ومتلت.
هدأت شهقاتها قليلًا فقالت بنبرة طفولية حزينة وهي ما زالت بأحضانه: ما انت اللي زعقتلي وانا معملتش حاجة.
ابتسم وهو يهدهدها كطفلة صغيرة إلا أن هدأت تمامًا فابتعدت عنه بخجل ووجها يزينه حمرة الخجل مع البكاء فكانت لذيذة للغاية.
ازالت الدموع المتعلقة بأهدابها بطفولة ناظرة له بامتنان: شكرًا.
ولأول مرة يبتسم لها بحنان قائلًا بمزاح: مكنش شوية العصبية دول هما اللي هيخلوكي تعيطي، امال هتعملي ايه بعدين.
نظرت له بطرف عينها قائلة بصوت متحشرج من اثر البكاء: شوية! يا جدع انت كان ناقص تاكلني.
جت فيكي انتِ بقا.
صحيح مقولتليش ايه اللي كان معصبك كدا، انا حسيتك زي الطور الهايج.
نظر لها بحدة متحدثًا وهو يجز على اسنانه مقتربًا منها بهدوء مميت وهي تعود للخلف بتوتر: انتي لسانك دا ايه! مبرد يا شيخة.
عادت للخلف وثغرها يزينه ابتسامة بلهاء: صلي عالنبي في قلبك بس دا احنا كنا بندردشوا معاك يسطا.
يسطا!
هتف بها بإستنكار فأكمل متعجبًا: انتي جاية من اي زريبة؟
نظرت له بغضب فقالت متسرعة بحدة: من نفس الزريبة اللي امك جيباك منها.
وضعت يدها على فاهها بصدمة مما تفوهت به ناظرة لملامح وجهه التي لا تنذ بالخير.
اقترب منها اكثر قائلًا ببسمة شيطانية وهو يقوم بخلع حزامه: ومالو، اوريكي انا جاي من اي زريبة.
استيقظ باكرًا جالسًا على فراشه فهو لم ينم ليلة امس إلا بضعة ساعات قليلة وحديثها يدور بداخل رأسه.
Flash back
بعدما تم عقد قران شقيقته كان سعيد للغاية، فأخيرًا قد رزقها الله بذلك الرجل الذي يعلم كل العلم بأن بإستطاعته حمايتها.
دخل إلى المطبخ لإحضار المشروبات الغازية للضيوف ولكنه لم ينتبه لدخولها وتحديقها به، ادار وجهه فوجدها هي. معذبة فؤاده ومخادعة قلبه، نفخ بضيق واضح قائلًا بجمود: جاية عايزة ايه.
للدرجادي مش عايز تشوفني يا ساهر!
نظر إليها هاتفًا بقسوة: مكنتش متوقع انك هتيجي وخصوصًا بعد مكالمتك الحقيرة اللي حاولتي فيها توقعي بيني وبين اختي.
ارجعت خصلاتها الفحمية المتمردة خلف اذنها هاتفة بتوتر: ان. انا كنت بقولك الحقيقة.
ذهب إليها ممسكًا ذراعها بقوة غارسًا اصابعه به بغل هادرًا بحدة: حقيقة! هتفضلي لحد امتي كدابة! انا مش عارف ازاي اتخدعت فيكي بالطريقة دي، ازاي كنت مغفل لما حبيت واحدة زيك...
نظرت إليه بدهشة فكيف أصبح يمقتها بهذا الشكل، تعلم انها مغرورة ومتكبرة ولكنها معه كانت اشبه بالطفلة التي تحتاج إلى الحنان وهو اغدقها به، ولكن جاءت لعبتها السخيفة لتنقلب على رأسها، حينها لم تشعر بذاتها غير وهي تبكي بغرفتها، اعترفت لذاتها بأنها تحبه بل اصبحت تعشقه وجاءت للإعتذار منه والتخلي عن كبريائها وهو الأن يخبرها بأنه مغفل لوقوعه بحبها!
جف حلقها بقوة فقالت بصدمة: يااااه انت شايفني بالسوء دا!
لمعت عينيه بكره: واسوأ من كدا كمان بس انا اللي كنت اعمي.
دفعها للخلف ناظرًا إليها بإشمئزاز حاملًا المشروبات للضيوف بالخارج ولكن ما آرق نومه هي تلك الدموع المتحجرة بعينيها والنظرة المنكسرة التي رمقتها به عند ذهابها.
back.
تنهد بضيق فلم يعد يعلم ما عليه فعله، لم يشعر سوا بضربات قلبه تزداد عند تذكرهه لحظاتهم سويًا، لا يعلم من اين اتته تلك الشجاعة المزيفة بالأمس لقول مثل هذا الحديث.
زفر بحدة قائلًا بتعب: يارب صبرني وقويني.
كانت رضوي جالسة في غرفتها تفكر فيما حدث امس عندما قررت التخلي عن كبريائها وكرامتها التي هُدرت عندما قام بصفعها ولكنها رمت كل ذلك خلف ظهرها مقررة البدء من جديد والذهاب إليه لتعترف بحبها له. ولكن صُدمت كثيرًا عندما قابلها بكل هذا العداء والقسوة لتتراجع عن فكرة إعترافها بحبها.
تجمعت العبرات بعينها واضعة يدها موضع قلبها تحاول التخفيف من ذلك الألم الذي عاد يهددها من جديد، تذكرت حديثه عندما اخبرته بحقيقة شقيقته فهدر بها بغضب هاتفًا بأنها كاذبة، قطبت جبينها بتعجب فوالدتها هي التي اخبرتها بذلك، اذًا ما هي الحقيقة؟
قررت الذهاب لغرفة والدتها لمعرفة الحقيقة كاملة، فارتدت ثيابها على عجالة ذاهبة إليها.
طرقت باب غرفتها فسمحت لها بالدخول. ولجت للداخل لتجد والدتها جالسة على مقعدها الوثير ترتدي نظارتها وبيدها كتاب ما.
وقفت امامها قائلة بهدوء: مامي عايزة اسألك على حاجة.
خلعت نظارتها ناظرة لها فأومأت لها بهدوء تاركة إياها تكمل: ايه اللي خلي ضحي ويزن يتجوزوا.
توترت ملامحها فقالت بتلعثم حاولت السيطرة عليه: ما انا قولتلك يا رضوي. هو اللي هنعيده هنزيده.
حدجتها بغموض فتوتر والدتها هذا يعني بأنها تكذب عليها كما ظنت، فهي تعرف والدتها اكثر من ذاتها. فأكملت حديثها بهدوء مريب: امال اللي سمعته غير كدا ليه.
حاولت والدتها إنهاء الحديث فقالت بحدة: في ايه يا رضوي هو تحقيق!
سحبت شهيقًا طويلًا ثم زفرته على مهل قائلة بهدوء عكس ما يدور بخلده: لا مش تحقيقةيا مامي. عن اذنك.
ثم ذهبت من امامها عاقدة العزم على معرفة الحقيقة، نظرت حولها بتردد من تلك الخطوة التي ستتخذها بسؤال أحد من سكان القصر. هي بعيدة كل البعد عنهم بسبب تصرفاتها الهوجاء فأصبح الجميع يتجنب الحديث معها.
كانت تشعر بالألم يغزوها فبسبب تصرفات والدتها التي كان تُمليها عليها لفعلها اصبح الجميع يمقتها، لعنت نفسها وتصرفاتها وقررت التغير.
توجهت إلى غرفة ابنة عمها ايات بتردد كبير، وقفت امام غرفتها تحاول الهدوء ثم طرقت على باب غرفتها فسمعت اذن الدخول. وما إن رأتها ايات امامها حتى قطبت جبينها بتعجب وغضب في الوقت ذاته، فرضوي جعلت الجميع يمقت وجودها بسبب أفعالها السيئة فقالت بدهشة من وجودها بغرفتها: رضوي!
بالأسفل تجمع الجميع حول طاولة الطعام، طلبت فريدة من الخادمة الصعود لغرفة كلًا من يزن وايات لتناول الإفطار فاطاعت امرها وقامت بالصعود لمناداتهم.
داخل غرفة يزن: -
اقترب منها بهدوء وهو يقوم بخلع حزامه الجلدي الثقيل قائلًا بفحيح: ها كنتي بتقولي ايه مسمعتش.
رجعت للخلف بخوف وعلى ثغرها ابتسامة بلهاء قائلة بمزاح ممزوج بالتوتر: انا. انا مقولتش حاجة اصلًا.
تؤ تؤ عايزة اسمع متبقيش جبانة كدا.
هربت من امامه صاعدة على الفراش بسرعة كبيرة بينما هو لحقها قائلًا بغضب: انزليلي هنا احسنلك بدل ما اطلعلك انا.
ظلت مكانها ولم تنصت إلى حديثه. غضب منها فصعد على الفراش هو الآخر فهبطت من الناحية الاخري قائلة بخوف: مش هنخسر بعض عشان كلمة ملهاش لازمة. صلي عالنبي بس عيلة وغلطت.
جري خلفها إلى أن استطاع الإمساك بها ولكن تعرقلت قدمه في السجاد الوثير مما ادي إلى وقوعهم على السرير بقوة ادت إلى تحطمه.
لطمت على وجهها بفزع وهي مازلت على السرير المكسور: يالهوي السرير اتكسر. احيه على منظرنا دلوقتي قدام العيلة.
اقترب منها متحدثًا بخبث: ومالو منظرنا. ماحنا زي الفل اهو.
انهي حديثه بغمزة فتخضبت وجنتيها بحمرة الخجل متحدثة بدهشة: انت طلعت منهم.
نظر إليها بقرف ولكن راق له خجلها فاقترب اكثر منها مما جعلها تصمت وعلى وجهها معالم الصدمة فقالت بتقطع: ابعد كدا شوية مينفعش كدا.
تحدث بهمس قريب من اذنها: هو ايه اللي مينفعش.
اغمضت عينها بقوة محدثة نفسها بصوت هادئ: يارب لو فضل كدا مش هتراجع ثانية واحدة إني اتغرغر بيه.
ابتعد عنها قليلًا ناظرًا إليها بدهشة فهو قد سمع حديثها لذاتها بسبب قربه المهلك منها وثواني وعلت ضحكاته المكان هاتفًا بعدم تصديق: انتي مشكلة. يخربيت دماغك القذرة.
سمعوا طرق على باب الغرفة فوقفت ضحي بسرعة كبيرة قائلة بتوتر: داري السرير. داري السرير بسرعة قبل ما حد ياخد باله.
نظر لها باشمئزاز وهو يهز رأسه بيأس من تلك القصيرة المشاكسة كما اسماها فسمح للطارق بالدخول. دخلت الخادمة الغرفة وعندما لاحظت الفراش خجلت كثيرًا فقالت بصوت خفيض: ال. المدام فريدة بتبلغ حضرتك انت والمدام إن الفطار جاهز.
أومأ لها بهدوء قائلًا بجموده المعتاد: انزلي واحنا جايين.
امتثلت لأمره فخرجت غالقة الباب خلفها بينما ضحي صاحت به بغضب: عجبكككك كدا يعني.
نظر إليها بتحذير قائلًا بصرامة: صوتك يا ضحي احسنلك. ويلا ننزل لحد ما ابلغهم يجيبوا سرير بدل دا.
نظرت له بغيظ من تحوله المفاجئ فنزلت معه بمضض ولكن تهللت اساريرها بفرحة عندما رأت اخيها يقف امامها هي وصديقتها.
في حاجة يا رضوي.
كلمات بسيطة هتفت بها ايات لتنظر إليها رضوي بتوتر مومأة بهدوء: كنت. كنت عايزة اسألك على حاجة.
رغم تعجبها الشديد منها إلا انها قالت: اكيد اتفضلي.
ترددت كثيرًا في الحديث ولكنها حسمت امرها قائلة بنبرة عادية: ايه السبب اللي خلي يزن يتجوز ضحي؟
نظرت لها ايات بغضب صائحة بحدة: تاني يا رضوي! عايزة تعرفي ليه! مش هتبطلي تصرفاتك الحقيرة دي بقا.
نظرت لها بصدمة قائلة: انا بسألك بس. ايه اللي انتي بتقوليه دا.
صاحت بها بحدة: واكيد سؤالك دا مش لله وللوطن. كلنا هنا عارفينك وعارفين تصرفاتك اللي ملهاش لازمة.
الجمت الصدمة لسانها، هي تعلم انها سيئة ولكن بتلك الدرجة التي تجعل الجميع يمقتوها بهذا الشكل، خجلت من ذاتها بشدة فهتفت بصوت مبحوح: عن اذنك.
ثم تركتها وغادرت وقامت بالولوج لغرفتها ولأول مرة تسمح لنفسها بالإنهيار، بكت بشدة، بكت من كل ما يحدث حولها، ها هو الجميع يكرهها ويمقتون وجودها بشدة، حتى ذلك الذي احبه قلبها اصبح يكرهها هو الآخر، علت شهقاتها وتتذكر كل افعالها الطائشة، نعم لهم كل الحق في ذلك، ولكن هي حقًا تغيرت، هي فقط كانت تسير على نهج والدتها التي كانت تامرها بفعل تلك الأشياء مثل مضايقة آيات وردها الوقح مع باقي افراد العائلة وإظهار جشعها امامهم، ولكن هي اصبحت لا تريد اي شئ سوي ان تشعر بأنها محبوبة من الجميع.
بعد وقت قليل جففت دموعها وقررت الهبوط للأسفل لعلها تستطيع إصلاح ما فسدته.
بغرفة آيات كانت تشعر بالخزي من حديثها هذا، ولكن هي تعلمها جيدًا فبمجرد معرفة الحقيقة ستخلق الأكاذيب والروايات التي ليس لها أصل من الأساس، لذلك تعاملت معها بحدة، ولكن ضميرها يؤنبها بشدة.
سمعت طرق الباب فلم تكن سوي الخادمة التي تبلغها بالهبوط للأسفل فردت عليها قائلة: ماشي نازلة اهو.
ثم هبطت هي الأخري.
عندما رأت اخيها يقف امامها مع عائلتها صرخت بفرحة مفزعة للجميع قائلة بصوت عالي وهي تهبط الدرج بسرعة: سااااااهر.
اجفل ساهر من صراخها وذهب إليها مسرعًا هو الأخر بينما يزن هز رأسه بيأس هامسًا لنفسه: إن مخلتكيش تبطلي الهبل دا مبقاش انا يزن الراوي يا هبلة.
احتضنها اخيها بقوة قائلًا باشتياق: وحشتيني يا حيوانة.
ردت عليه بنفس الاشتياق: وانت كمان وحشتني اوي.
ظلوا على حالتهم تلك مما جعله يشعر بنيران الغيرة تنهش بقلبه فذهب إليها ساحبًا إياها من احضان اخيها بشدة. نظر له الجميع بتعجب بينما هو برر بتوتر: ي. يلا. عشان نفطر.
وافقه الجميع بتعجب من تصرفاته الغريبة وذهبوا ناحية الطاولة بينما هو وقف بتعجب هو الأخر من نفسه، لما شعر بكل تلك الغيرة من اخيها!
فاق على صوت مراد الخبيث: دا اخوها يا فوكس هاا.
نظر له بحدة دافعًا إياه بقوة قائلًا بصوت صارم: طيب يلا يا خفة اقعد اطفح.
بيئة.
همس بها مراد بغيظ ولكنه ابتسم بمكر مقررًا جعله يعترف بحبه لها، فيبدو انه قد وقع لها حتى إن لم يكن حب فيبدو ان صديقه قد أُعجب بها بشدة، ابتسم براحة ثم ذهب ليجلس بجانبهم لتناول الطعام.
ترأس عصام الطاولة وعلى يمينه يزن وبجانبه ضحي التي تتحدث بجانبها مع اخيها بحماس وبجانب ساهر يجلس عمر وبجانبه منتصر الذي جاء هو الأخر مع شقيقته وطلبًا من عمر.
وعلي الناحية الاخري جلست فريدة بجانبها رزان وايات ومراد وميمونة التي كانت تنظر اليهم بغضب.
هبطت رضوي التي كانت عيناها حمراء بشدة ولكنها حاولت عدم اظهار هذا، دخلت الغرفة ولكنها صدمت عندما وجدت ساهر موجود بين ذلك التجمع.
دخلت بهدوء عكس تلك العاصفة التي بداخلها مقررة تجاهل الجميع، جلست على مقعدها بجانب والدتها محاولة عدم النظر إليه حتى لا تضعف وتبكي مرة اخري.
بينما ضحي ظلت تتحدث مع اخيها مما جعل يزن يغمض عينه بشدة من تلك القصيرة التي تسبب له الصداع.
كادت ضحي ان تتحدث مرة اخري: وبعدين بقا جين...
قطعت جملتها عندما وضع يزن يدها على فمها قائلًا بحنق: اخرسي بقا عايزين نطفح اللقمة واحنا ساكتين.
نظر إليه ساهر متحدثًا بفخر: خير ما عملت والله.
نظرت لهم بحنق طفولي قائلة بحزن: طيب والله ما واكلة هاا.
ثم ربعت يدها امام صدرها بغضب فقال ساهر بعدم مبالاة: احسن. هتلاقيكي واكلة سبع مرات اصلًا.
نظرت له بحدة ولم تجيبه بينما الجميع شرع بتناول الطعام وهي جالسة هكذا، شعرت بالجوع الشديد فوضعت يدها على معدتها تمنع تلك الأصوات التي تصدر منها، فجاء حديث فريدة كأنه طوق النجاة لها: كلي يا ضحي يا حبيبتي ومتزعليش.
تهللت اساريرها بفرحة قائلة بحماس: والله لولا انك حلفتيني ما كنت هاكل بس عشان خاطرك انتي بس.
كان التحدث هذه المرة من نصيب منتصر الذي تحدث مشاغبًا: وعملالي فيها زعلانة يا اوزعة ومش هاكل ومقموصة تك وكسة احنا عارفين انك طفسة اصلًا.
نظرت له بغضب قائلة بتذمر: متعلمة منك انت يا عسل ولا نسيت لما كنا بنسرق الأكل وكنا نطلع ناكله على السطح.
حمحم منتصر بحرج قائلًا بخفوت: الله يحرقك عيلة فضيحة.
ضحك الجميع بشدة بينما ضغط يزن على الكوب الذي بيده حتى كاد أن ينكسر متحدثًا بغلظة: وانت كنت بتقعد معاها ليه اصلًا.
ردت ضحي باندفاع: دا صاصا مش اي حد.
نعم يا روووح امك؟
نهرته بحدة قائلة بغضب: ايه يا روح امك دي. احترم نفسك شوية.
صاح بها بغضب قائلًا بشراسة: قاعدة بتدلعي راجل غريب وتقولي احترم نفسك! احترمي نفسك واحترمي وجودي الأول.
صرخت به بغضب: انت بتقول ايه! انت واعي للي بتقوله.
كاد أن يحتد الشجار فيما بينهم بقوة فتحدث منتصر شارحًا له خطأه: يا يزن بيه ضحي تبقي اختي.
اختك ازاي مش فاهم!
نطق بها باستغراب فأكمل منتصر حديثه: اختي في الرضاعة. احنا متربين مع بعض اصلًا بس احنا نقلنا لبيتنا الجديد مؤخرًا.
هدأ قليلًا فنظر لها وجدها تحدجه بغضب. ظنت انه سيعتذر ولكنه خالف كل توقعاتها هاتفًا ببرود: ماشي.
اكملوا تناول الطعام فحمحمت آيات بتوتر ناظرة لرضوي الشاردة قائلة بهدوء: رضوي. انا اسفة مكنش ينفع اكلمك بالطريقة دي.
تحدث عصام بإستغراب: ايه اللي حصل؟
ردت عليه رضوي مبتسمة بهدوء: مفيش حاجة يا عمو. سوء تفاهم مش اكتر.
تعجبوا من طريقتها اللطيفة تلك فاستشعرت ذلك مما جعلها تشعر بالحرج وذاد تصميمها بتغيير ذاتها.
تحدثت ايات بخفوت: يعني مش زعلانة مني.
لا محصلش حاجة انتي زي اختي.
مال عمر على مراد متحدثًا بصوت خفيض: هي بنت عمك في حاجة وقعت على دماغها!
اجابه مراد بنفس الهمس: مش عارف شكلها كدا. شكلها بتخطط لحاجة جديدة هي وامها.
سمعهم ساهر الذي كان يجلس بجانبهم فكاد أن يكسر رؤوسهم ولكنه تمالك نفسه، لا يعلم لما مازال ذلك الأحمق يدق لها وبشدة رغم ما اقترفته بحقه. تنهد بضيق فأكمل الجميع طعامهم صامتون.
مليش من الحب جانب ولا إيه؟
نطق بها هذا الغائب فنظر الجميع لمصدر الصوت فصاح عصام بسعادة: مدحت! (والد رضوي وزوج ميمونة)
احتضنه مدحت بسعادة مربتًا على ظهره بود: عامل ايه يا اخويا.
الحمد لله. ثم اكمل بعتاب: مقولتش إنك جاي ليه كنت جيت استقبلتك على الأقل.
رد عليه بود: كنت حابب اعملها مفاجأة.
احتضنه يزن هو الأخر قائلًا بحب: وحشتنا يا عمي.
ربت على كتفه بحب: وانت كمان يابني عامل ايه.
نظر يزن لضحي المتهجمة فقال بمزاح: ابدًا اتجوزت بس.
فتح عينيه بصدمة: اتجوزت! لا وكمان بتهزر.
سلم عليه الجميع فبادلهم هو الاخر بحب وتعرف على ضحي واخيها وكذلك رزان واخيها فكانت معاملته معهم راقية للغاية. نظر لتلك الواقفة خلفه بدموع في عينها قائلًا بهدوء يشوبه بعض التهكم: ايه يا رضوي. مش هتسلمي على ابوكي.
ولدهشته ذهبت إليه واحتضنته بقوة، فها هو قد عاد، والدها الحنون الذي طالما كانت تعامله بجفاء رغم معاملته الحنونة معها.
قطب جبينه بتعجب فتلك ليست ابنته التي كان يعرفها قبل ان يسافر. بل تلك هي طفلته التي كان يهدهدها منذ وأن كانت صغيرة، طفلته المرحة المحبوبة، ولكن جاءت والدتها لتعليمها القسوة حتى باتت تكره عائلتها.
شعر بيدها تلتف حوله بشدة حينها علم بأن هناك شئ أصاب فتاته، لف يده حولها بحماية قائلًا بقلق حقيقي: مالك يا رضوي.
همست بتحشرج: وحشتني اوي يا بابا. وحشتني اوي.
شششش انا معاكي ومش هسيبك تاني ابدًا.
بينما ميمونة كانت تتابع بغل، فكل ما علمته إياها لمدة سنوات ذهب هبائًا لمجرد رؤيتها لأبيها، لم تكن تعلم بأنها كانت عازمة على التغير قبل حتى أن تعلم بمجئ أبيها.
افاقت على صوته المتهكم: مفيش حمدالله بالسلامة يا ميمونة!
نظرت إليه بجمود قائلة بجفاء قبل أن تصعد للأعلي: حمدالله بالسلامة يا مدحت.
نظر لأثرها بتهكم فهو وإن كان قد ارتكب خطأ. فزواجه منها كان اكبر خطأ حدث في حياته. نظر لأبنته المتعلقة به كالطفلة الصغيرة قائلًا بحنان: مالك يا رضوي. مش دي بنتي اللي سايبها قبل ما امشي.
تحدثت بتهكم: وانت عايزني اكون زي ما كنت سايبني قبل ما امشي!
علم ما يدور بخلدها ففرح كثيرًا من تغيرها هذا. كان يتابع الموقف وقلبه يأن من الألم عند رؤية دموعها. يبدو بأنها في أكثر الأوقات ضعفًا، تحتاج لمن يدعمها ولكن لن يكون هو بالتأكيد.
ازالت ضحي دمعة وهمية قائلة بتأثر زائف: خلاص يا جماعة انا دمعتي قريبة وقلبي رهيف.
حدجها ساهر بسخرية: يا شيخة قولي غير كدا.
رفعت حاجبيها متحدثة بجمود: اسكت انت دلوقتي عشان مش طايقاك.
لوي شفتيه بسخرية فيبدو بأنها ستصب غضبها عليه هو ككل مرة.
نظر إليها مدحت بضحك: انتي البي وقعتي يزن على بوزه بقا.
غمزته ضحي بمزاح: ايه رأيك فيا. دا كان هيمووووت ويتجوزني حتى إنه هددني لو متجوزتهوش هينتحر وانا عشان طيبة اتنازلت ووافقت.
كان يستمع لها ويرفع حاجبيه بصدمة مشيرًا لنفسه بدهشة: انااا!
لترد هي: خلاص بقا يا يزن متتكسفش ما الكل عارف.
همس لنفسه بغيظ: دا انتي يومك اسود النهاردة. حاضر والله لهعرفك.
هلاااا والله.
فزعوا من تلك المجنونة التي دخلت للتو ليذهب إليها عمر محتضنًا إياها بشدة: يويو. وحشاني يا روحي.
احتضنته شقيقته ايه بحب شديد هي الأخري قائلة بإشتياق: وانت كمان وحشتني اوي.
تحدث مراد بمزاح وهو يحتضنها هو الأخر: دا الحبايب متجمعين كلهم النهاردة.
قطبت جبينها بتعجب بعدما ابتعدت عنه: مين!
انا يا يويو.
صرخت بفرحة وذهبت لإحتضانه: خالوووو. وحشتني اوي.
وانتي كمان يا حبيبة خالو.
وكذلك احتضنتها ايات بفرحة وظلوا متجمعين في جو من المرح ورضوي لا تترك يد ابيها التي سعدت لوجوده كثيرًا.
طلب عصام من مدحت القدوم منه للتحدث في أمر ما. اومأ له بالموافقة ثم نظر لرضوي التي تتابعه قائلًا بإصرار: لينا قاعدة مع بعض.
توترت قليلًا ولكنها اومأت بحب له فذهب وتركها جالسة وحدها.
ذهبت إليها ضحي جالسة بجانبها عندما لاحظت حزنها فتحدثت بمرح: الجميل ماله. متعرفناش على بعض من ساعة ما جيت بس عالعموم اتشرفت بيكي.
نظرت ليدها للحظة ثم بادلتها بابتسامة هادئة: انا اكتر.
كان الشباب يجلسون معًا بعيدًا قليلًا حتى يتركوا لهم مساحة للتحدث. نظر يزن لضحي فوجدها تجلس مع رضوي التي بدت ملامحها هادئة للغاية.
شاركت ايات ورزان ضحي ورضوي في الجلوس ولأول مرة تشعر رضوي بكم هذا الحب الهائل بينهم والصداقة الحقيقية. تعرفت على رزان وكونت صداقة معها وتصافت مع ايات وانضمت إليهم أية أيضًا لتطلق ضحي عليهم اسم خماسي المصائب
عم الليل على الجميع توصدت علاقات الشباب معًا وكذلك الفتيات فكان المنزل يعمه البهجة والمرح...
في سينغافورة كان بيبرس جالسًا في منزله الضخم عاري الصدر لا يرتدي سوي بنطال قماشي. سمع صوت همسات يأتي من شرفته، جهز سلاحه مستعدًا لأي هجوم. خرج لشرفته بحذر فوجد ظل شخص ما يقف في الظلام فتحدث بصرامة وهو يوجه سلاحه إليه: من انت ولماذا جئت إليها هنا!
لم يجيبه فقام بسحب زناد مسدسه وكاد أن يطلق حتى أتاه صوت انثوي خائف: انتظر. انا جيسيكا من شرطة سينغافورة صديقتك بالعمل.