رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل الرابع عشر
هبط الجميع للأسفل متجمعين على طاولة الطعام لتتحدث فريدة بخبث وهي تري وجه يزن الذي أصبح أكثر رونقًا عن ذي قلب وهناك إبتسامة خفيفة تزين ثغره: إيه اللي مفرحك كدا يا يزن!
نظر لها يزن بنفس الخبث ليقول بوقاحة: نفس اللي كان بيفرح عصام بيه زمان يا ديدا.
نظر إليه الجميع بصدمة بينما كتم عمر ضحكته ليهمس ليزن الجالس بجانبه: خلي قلة ادبك دي علينا مش على امك يابن الراوي.
وانت مالك يابن البدري.
ألاااه مش ابن خالي يا جدع.
ربت يزن على كتفه مردفًا بتهكم: لا وانت ابن اصول أوي. إيش حال ما كنت نايم واكل شارب عندنا. دا انا كنت بحس نفسي غريب عنك.
رفع عمر رأسه بغرور: أصل حب الناس دا نعمة كبيرة أوي وكل اللي في البيت كانوا بيموتوا في دباديبوا.
طيب حافظ على دباديبك ليجي اللي ينتفهملك يا أمور.
هتف بها بسخرية وبعدها نظر ل ضحي التي ترمقه بضجر فغمز إليها مشاكسًا فأخفضت رأسها خجلًا منه ليميل عليها هامسًا بخبث: الحضن بتاع الصبح عايز منه لما نطلع تاني.
صرت على أسنانها بغيظ: دا في احلامك. متاخدش على كدا.
حدثها بإستفزاز وهو يرتشف من قدح القهوة من أمامه: خلاص هشوف الحضن دا برا.
أمسكت بالسكين الموجود على الطاولة أمامها مردفة بشراهة: والله اقتلك واقطعك واعبيك في اكياس واتاويك ومحدش يعرفلك طريق حتى الدبان الأزرق.
كان الجميع يتابعها بذهول بينما هو مازال يرتشف من قدح القهوة بهدوء غريب مما اغاظها بشدة فقالت صارخة: رد عليا يا يزن، انا مش بكلمك!
رمقها بحدة ليقول بتحذير: صوتك يا ضحي احسنلك.
حمحت بقلق وعادت للخلف معدلة من حجابها بغرور وهي تردف: مخوفتش على فكرة خلي في علمك.
غمزها بمشاكسة: اه ما انا عارف يا جميل.
مر وقت ليس بالكثير على تناول الطعام وكل منهم يتناول بصمت إلا أن قطع صمتهم صوت مدحت ونظره مثبت على كل فرد من الجالسين أمامه: رضوي وساهر خطوبتهم هتبقي يوم الجمعة.
نظر له الجميع بدهشة مما يقوله الآن بينما رضوي فتحت عينها بدهشة وملامح الصدمة بادية على وجهها ثواني وارتسمت ابتسامة واسعة على وجهها وادمعت عيناها فرحًا ولكن لم تقوي على الحديث فمازالت تحت تأثير ما سمعته من والدها.
جاء صوت عصام يسأله بتعجب: وازاي مقولتناش حاجة زي دي يا عصام وليه هو مجاش اتقدم هنا؟
نظر له مدحت بغموض فقال بتوضيح: جه طلبها مني امبارح يا عصام وبصراحة الولد ميتردفش. اخلاق وذوق وبيحبها ودا هو اللي هقدر اديه بنتي وانا متطمن.
مالت ضحي على يزن متحدثة بدهشة ممزوجة بالصدمة مما جعلها مضحكة للغاية: هو بيتكلم على ساهر اخويا! ذوق واحترام!
كتم يزن ضحكته بصعوبة على مظهرها الأبلي هذا بينما عصام وجه سؤاله لمدحت مستنكرًا: ومراتك عارفة دا؟
تحدث مدحت ببرود وهو يرتشف من كوب الماء أمامه: ميمونة انا طلقتها.
حلت الصدمة وجه الجميع عدا رضوي فهي تعلم ما حدث ليلة أمس، وقالت فريدة بعدم تصديق: انت بتقول ايه يا مدحت.
بقول اللي لازم كنت اعمله من زمان يا مرات اخويا وجه وقته دلوقتي، طول عمري عارف إن ميمونة طماعة لكن توصل لغاية بنتي مش هسمح بكدا ابدًا.
انهي حديثه وهو يمسح بقايا الطعام من يده بواسطة المناديل الورقية الموضوعة أمامه ثم ذهب من أمامهم ببرود وكأن شئ لم يحدث.
تبعه عصام وفريدة لمعرفة ما حدث، فقد انتهوا من تناول طعامهم وكلاهما يفكر في قرار مدحت العجيب.
نظروا للطعام بعدم شهية بينما رضوي ظلت تأكل بنهم وعيناها تلتمع بسعادة بالغة فها هو مرادها قد تحقق وسيتم خطبتها على من أحبته بصدق.
لاحظها عمر فتحدث بمزاح: براحة وانتي بتاكلي ياختي لتفطسي.
ضحكت على مزحته فتحدثت ضحي وهي تجذبها من ثيابها: حالًا تقوليلي تعرفي الواد اخويا من امتي بدل ما اقوم الدنيا عاليها واطيها دلوقتي.
نظرت إليها بضجر وهي تعدل من ثيابها وشرعت بالقص عليها وقلبها ينبض بشدة من شدة دقاته: انا اعرف ساهر من لما كان بيشتغل في شركة يزن ولعبة بايخة مني عرفت إنه بيحبني وانا حبيته وبابا شافني امبارح وانا واقفة معاه، ثم قالت بسعادة: بس مش عارفة هو طلبتي امتي وازاي اقنع بابا، بس المهم إن بابا وافق.
رمقتها ضحي بسخرية وهي تقول: شوفوا البت عنيها بتطلع قلوب ازاي!
قطع حديثهم صوت يزن وهو ينظر ل آيات الشاردة وكأنها بعالم آخر: آيات.
انتبهت له فأكمل وهو ينظر إليها بجمود وملامح وجهه لا تنم على شئ: مسحوب من حسابك مليون جنيه ممكن أعرف ليه.
ارتعبت من نظراته مع إنها لا تنم على شئ ولكنها تعلم أخيها جيدًا فهذا هو السكون الذي يسبق العاصفة، طالت في صمتها فأكمل هو بصوت حازم: مسمعتش إجابتك.
حاولت ضحي التخفيف من حدة الأجواء فقالت موجهة حديثها ل يزن: يزن براحة مش كدا.
نظر لها بحدة وقال بصرامة: اسكتي انتِ.
غضبت من تعنيفه لها بتلك الطريقة فنظرت له بعتاب ثم غادرت الغرفة رامقة إياه بسهام حادة.
لم تعلم. آيات بماذا تجيب، اتخبره بأنها قامت بإعطاء مصطفي هذا المال من أجل سداد ديونه لكي يستطيع التقدم لها، حينها تعلم بأن أخيها لن يصمت بل من الممكن أن يقتل ذلك المدعو مصطفي ولكن ماذا سيفعل إن علم بأنه ابن اكبر اعدائه!
تحدثت بتلعثم وهي تتهرب من نظراته التي تأكلها حية يحاول سبر أغوارها: ات. اتبرعت بيهم لجمعية خيرية، وللم. للميتم.
ادخل قطعة طعام بفمه ببرود ولم يعلق بينما نظراته مازالت مثبتة عليها حتى كادت أن تبكي من فرط التوتر، وضح شوكة الطعام من يده وقال بهسيس وهو ينظر إليها بنظرات كادت أن تحرقها: لو عرفت إنك عملتي حاجة غلط صدقيني محدش هيرحمك من تحت إيدي، واتمني إن دا ميحصلش.
جف حلقها فبللت شفتاها بتوتر مومأة له ووجها مملوء بالذعر مما سمعت من أخيها، فبالتأكيد سيقتلها إن علم بالحقيقة التي تخفيها، هذا إن لم يكن يعلمها من الأساس!
قطع حديثهم قدوم مراد وجهه مرهق للغاية فقال بتعب: صباح الخير.
رد عليه عمر و رضوي بينما يزن رمقه بسخرية وهو يقول: والباشا كان فين كل دا!
تأفف مراد فقال وهو يضع يده على جبينه بتعب متجاهلًا آيات تمامًا: يزن مش ناقصك الله يكرمك، انا فيا اللي مكفيني.
وقف يزن على حين غرة لاكمًا مراد لكمة أطاحت به أرضًا ثم أمسكه من تلابيب ثيابه هادرًا بغضب: انت شارب ايه!
اجابه مراد بإستفزاز: شارب بيبسي بس بيعمل دماغ.
أطاح به يزن للناحية الأخري فشهقت رضوي وآيات بفزع، بينما وقف عمر حائلًا بينهم متحدثًا بتهدأة ل يزن الغاضب: خلاص يا يزن، انا هشوف ماله متتعصبش انت بس.
ثم جذب معه مراد الذي ينظر لهم بلا وعي مردفًا بحدة: قدامي يا باشا.
تركهم يزن ثم ذهب يزن لشركته بغضب وهو يفكر في كل تلك المصائب التي تأتي له من كل ناحية يتبعه سيارتان من حرسه، وصل لشركته فهبط من سيارته ناظرًا حوله بعجرفة فوجد أسطول الحراسة الخاصة به يقف أمام الشركة فدخل بخطوات واسعة للداخل وهو يجد الموظفون يعملون بألية شديدة، ولما لا وهم موظفون يزن الراوي!
وصل لمكتبه فقال لسكرتيرته بنبرة باردة: دخليلي القهوة.
تحت أمرك يا فندم، اي حاجة تانية!
لم يجبها بل دخل بغرور فاستشاطت هي غضبًا قائلة: هستني إيه مثلًا من يزن الراوي!
بالداخل
امسك بهاتفه محادثًا حارسه الشخصي وهو يردف بصرامة: جلال. خمس دقايق والاقيك قدامي حالًا.
ثم اغلق الهاتف دون الإستماع للطرف الآخر، بعد قليل من الوقت دخل المدعو جلال وهو يهتف بإحترام: تحت أمرك يا باشا.
تحدث يزن وهو يردف بغموض: عايزك تجبلي كل المعلومات اللي تخص واحد اسمه مصطفي الرفاعي عايزها النهاردة قبل بكرا.
اومأ له بهدوء قائلًا: حاضر يا باشا ساعتين بالظبط وكل المعلومات هتكون عندك. تأمر بأي حاجة تانية!
أشار له يزن بالذهاب فأمتثل لأمره وذهب لتأدية العمل الذي كلفه به رب عمله، بينما تحدث يزن بغموض: إما اشوف حكايتك إيه يا آيات.
والحديث عن الماضي لا يجلب سوي الألم والحزن، كلٌ منا لديه ماضي ينغص عليه عيشته ليجعله يعيش حياة مشتتة ضائعة، وها هي الأن تقارن جفاء يزن الأن بجفاء والدها ماضيًا.
Flash Back
كانت تجلس في غرفتها منتظرة عودة والدتها من العمل بعد أن أجبرها والدها الظالم على العمل من أجل جلب الأموال وفي النهاية يأخذها هو لصرفها على مزاجه ولعب القمار وتجرع تلك المشروبات الساكرة ليعود فجرًا وينام مكانه بينما والدتها تكون بهذا الوقت تتجهز من أجل الذهاب للعمل مرة أخري.
سمعت صوت فتح الباب وإنغلاقه مجددًا فظنت بأنها والدتها فخرجت مسرعة دون النظر إلى ما ترتديه، وقفت بصدمة عندما وجدته والدها معه أحد اصدقائه بنفس حالته الساكرة ولكن ملابسه تظهر عليها الثراء.
نظر لها والدها بقنوط مردفًا بسخط وهو يرفع محتويات الكيس أمامها: روحي صبيلنا الحاجات دي نشربها يا وش الفقر انتِ.
اجابته بحدة متجاهلة النظرات الوقحة الذي يحدجها بها ذلك الواقف بجانب والدها: انا مش هصب القرف دا. حس شوية بأمي التعبانة وهي بتشتغل ليل نهار تصرف عليك وانت بترجع وش الفجر سهران طينة.
قطع المسافة ذاهبًا إليها بغضب ممسكًا شعرها بحدة وهي تتلوي من الألم: بقا انتِ يا بنت ال انتِ تطولي لسانك عليا! انا هقطعهولك خالص.
ذهب إليهم هذا الرجل والذي يدعي صالح محاولًا الفكاك بينهم: خلاص اهدي يا مجدي وسيب البنت وروح انت صبلنا كاسين.
تركها والدها بعد أن رمقها بنظرات حارقة وذهب إتجاه المطبخ بينما هي استفاقت على النظرات الدنيئة التي يرمقها الآخر بها ونظرت له بقرف وكادت أن تذهب ولكنه أمسك يدها قبل أن تدخل لغرفتها.
Back.
قطع شرودها دخول احدهم الغرفة ولم تكن سوي تلك الخادمة المدعوة نادية وهي تعطيها كوب العصير فنظرت لها ضحي بإستغراب فبررت نادية مسرعة وقالت: فريدة هانم بعتالك العصير دا عشان حساكي تعبانة شوية.
اومأت لها بهدوء فتركتها الخادمة مغلقة الباب خلفها وهي تتحدث بغل: قدرت تلف وتتجوز يزن باشا وهي اللي كانت راسمة دور الخضرة الشريفة.
قطعها صوت هاتفها فنظرت لشاشته ومن ثم نظرت خلفها لتتأكد من عدم مراقبة أحد لها وبعدها اجابت قائلة: الو يا مرتضي باشا، كل حاجة تمت زي ما طلبت حطتلها الحباية في العصير، لا يزن باشا مش موجود راح الشركة من شوية، تأمرني بأي حاجة تاني يا باشا! سلام.
اغلقت هاتفها ومن ثم ذهبت لإستكمال عملها وقلبعا ينكوي بنار الحقد الذي سيهلكها لا محالة.
عندما تأتي الخيانة من أقرب الأشخاص إليك، تشعر وكأن نصل حاد انغرز بقلبك لينهي الباقي من عمرك وتعيش جسد بلا روح، وهي كانت بالنسبة له روحه وقلبه وعشق طفولته، ولكن هي دمرت كل هذا وسط إستهزائها بحديثه فلم يجد مفر سوا أن يتجرع الحكولات حتى ينسي.
جذب عمر مراد لغرفته فصاح به بغضب: انت ايه الطريقة المتخلفة اللي كنت بتكلم بيها يزن دي!
دفعه مراد قائلًا بضجر وهو يجلس على الأريكة مريحًا رأسه للخلف: ابعد عني انت كمان. انا مش فايق.
امسكه من تلابيب ملابسه ممسكًا فكه بقوة مقتربًا منه وهو يشتم رائحة فمه: انت شارب بجد!
ليجيبه الآخر بإستخفاف: لا بهزار. اقول حاحا!
انقض عليه يلكمه بعنف والأخر يحاول أن يدافع عن ذاته ولكن تحول عمر إلى وحش ثائر لا يمكن السيطرة عليه ليقول بحدة: دا انا اللي هخليهم ينادوا اسمك ضمن الوفيات النهاردة.
استجمع مراد بعض قوته فدفع عمر بشدة حتى ابتعد عنه الأخر وهو يلهث من فرط المجهود الذي فعله.
وضع يده على وجهه بألم ولم يكد يتحدث حتى جذبه عمر مرة أخري من ذراعه وسط اعتراضه ولكن اشتد الألم برأسه فلم يستطيع المقاومة أكثر.
اوقفه تحت صنبور المياة وفتحه عاليًا جاعلًا مراد يصرخ بضجر: بتعمل ايه يا عمر اقفل الزفت دا.
لما الباشا يفوق ويرجع لطبيعته ابقي اقفله.
مر بعد الوقت فرمي له أحد المناشف بعنف قائلًا بغضب لا يتناسب مع شخصية العمر المرحة: عشر دقايق وتخرج برا مستنيك.
ثم اغلق باب المرحاض عليه تاركًا إياه يبدل ثيابه المبتلة.
زفر عمر بضيق والحزن احتل معالم وجهه من حالة صديقه والذي يبدو من مظهره بأنه متألم، فعندما يتعلق الأمر بأحد رفاقه سواء أكان مراد او يزن يجن جنونه ولا يستطيع السيطرة على مشاعره ناسيًا تلك الشخصية المرحة المحبة ويظهر ذلك الوحش الذي بداخله الذي قليلًا ما يظهر.
انقضي الكثير من الوقت فطرق على الباب بعنف قائلًا بتهكم: انت لو مراتي وبتجهز مش هتاخد الوقت دا كله انجز.
خرج له مراد بضجر وهو يفرك جبهته من الصداع الذي يفتك برأسه بقوة نتيجة شربه لتلك الحكولات المغيبة للعقل.
ربت عمر على كتفه وهو يقول: اتقل لسه التقيل جاي ورا.
جذبه للأريكة فتحدث مراد بنفاذ صبر: انت بتجر جاموسة يا عم وسع.
ونظلم الجاموسة ليه. على الأقل الجاموسة مش بتشرب وبتسكر زي البيه.
تأفف مراد بضيق قائلًا وهو ينظر لعمر: اخلص يا عمر قول اللي عندك عايز انام.
تحدث عمر بجدية بحتة: عايز اعرف عملت اللي عملته دا ليه! وليه شربت الزفت دا.
غامت عين مراد بالحزن فتذكر حديثه ليلة أمس مع آيات وكم شعر بالإهانة عقب إعترافه لها وذهابه للشركة ومقابلته لتلك الفاتنة التي تدعي هدير وإيصاله لها ومن بعدها ودون وعي وجد نفسه يذهب إلى أحد الملاهي الليلية يشرب تلك الحكولات المغيبة لعله ينسي قليلًا، ولكنها ولأسفه الشديد لا تغيب عنه ولو لثانية واحدة فعلم أنه لا مفر من حب يؤلمه هكذا إلا بفتاة أخري.
لاحظ عمر الحزن الذي بعينه فربت على كتفه قائلًا بحب: احكيلي يا مراد يمكن ترتاح.
تنهد مراد بألم وهو يتحسر على قلب أعطي الحب لمحبوبته بسخاء فبادلته هي ببرود، فقال هو بحزن: احكي إيه يا عمر! أنا مش عارف أصلًا ابدألك منين وازاي، عارف إنك هتنصدم بس انا هرتاح لما احكيلك.
احكي وانا سامعك للأخر.
أنا بحب آيات يا عمر.
رفع عمر حاجبيه بدهشة والجمت الصدمة لسانه قائلًا بعدم تصديق: آيات! آيات بنت عمك وأخت يزن!
تأفف الآخر مردفًا بضيق: اه هي يا عم مالك متنح كدا!
احكي احكي دا انت شكل حكايتك حكاية.
بدأ مراد بسرد ما حدث ليلة أمس وقلبه يعتصر من الألم وظهر الحزن في نبرة صوته وكأنه يعاتبها على ما اقترفته، فشرد وهو يقول: إمبارح اعترفتلها بحبي بس بالمقابل لقيت إن هي مش هاممها أصلًا، قالتلي إحنا اخوات وبطل هبل، ساعتها محستش بنفسي طلعت وسبتها ورحت شربت وكل دا وانا مش في وعيي، كل اللي كنت بفكر فيه إني خلاص خسرتها، بحبها أه بس كرامتي متسمحليش إني اترجاها وفي نفس الوقت مش هعرف أنساها، آيات مش حب سنة ولا اتنين. آيات حب أكتر من عشرين سنة من وهي في اللفة، كنت معاها زي ضلها وحسيتها بنتي مش بنت عمي، كنت بحس ناحيتها بالمسؤولية بس مع مرور الوقت بقيت أحس بمشاعر تانية ناحيتها وانا شايفها بتكبر قصاد عيني، واللي حصل إمبارح وجع قلبي. وجع قلبي أوي لدرجة حسيت إني هموت من اللي حاسس بيه.
كان يتحدث والدموع متجمعة بعينه ولكنها أبت النزول، كان الحزن يسطر معالم وجهه وكأن وجع العالم تجمع داخل قفصه الصدري ليقبض روحه، كان عمر يتابع حديثه بدهشة من حبه بل عذرًا عشقه المخفي هذا، فهو قد تخطي كل مراحل العشق ليقع اسيرًا لإبنة عمه القاسية على قلبه، للحظة تمني لو يجد من يعشقها هكذا، واخيرًا نطق قائلًا: ياااااه كل دا في قلبك ولسه معترفلها بكل دا امبارح! طيب متخيلتش لحظة لو آيات حبت غيرك هيحصل إيه!
رمقه بشر من المجرد التفكير بأنها تحب غيره، من مجرد تخيلها تبادل غيره العشق بعيدًا عنه فنطق بشراسة: مستحيل دا يحصل، دا انا اقتلها واقتله واموت نفسي وراها.
ومستحيل دا يحصل ليه، ما انت اللي غبي وسبتها كل المدة دي من غير ما حتى تلمح ليها، سايبها كل المدة دي تعاملك زي اخوها يا مراد، مش هقولك ابعد وشوف غيرها، لا انا هقولك لو انت بتحبها بجد هتتمسك بيها أكتر وتتقلبلها قرد علشان تشوفك حبيبها مش ابن عمها.
قطب جبينه بتعجب وهو يقول: ازاي مش فاهم!
ضرب عمر جبهة مراد بيده مردفًا بغيظ: ما انت اللي خايب.
ثم رفع ياقة قميصه بغرور: بص. امشي ورايا ومش هتندم ابدًا.
تحدث مراد وهو يرمقه بخوف من أفكاره: ربنا يستر.
تحول حلمه إلى حقيقة ليبتسم له العالم من جديد كأنه أحس بإرهاقه فقرر منحه الحياة مرة أخري، وكانت هي بالنسبة له الحياة خاصة بعد ابتعاده عنها لفترة قصيرة ولكن كانت بالنسبة له كأعوام.
تنهد ساهر بفرحة وهو يسترجع ذكريات هذا اليوم الذي طلب فيه مدحت مقابلته، حينها أحس بالقلق ولكنه ذهب.
Flash Back.
كان ساهر يتجهز للنوم بعدما أبدل ثيابه لملابس أخري مريحة ولكن قطعه رنين هاتفه فوجد رقم غير مسجل ولكنه أجاب بهدوء: الو!
ايوا يا ساهر أنا مدحت.
دُهش في البداية ولكنه أجاب بإحترام: اهلًا يا مدحت بيه، خير في حد حصله حاجة!
لا انزلي انا مستنيك تحت بيتك.
دلوقتي!
نطق بها فاستوعب ما قال فأصلح خطأه سريعًا وهو يقول: اسف. ثواني هنزلك حالًا.
تمام مستنيك.
اغلق مدحت الهاتف وهو يفكر بشئ يقلقه كثيرًا، هو يعلم تلك الحية ميمونة جيدًا، لن تصمت حتى تدمر حياة ابنتها وتزوجها شاب من نفس طبقتها حينها فقط سيكون كُتب عليها التعاسة مدي الحياة.
افاق على وجود ساهر وصوته القلق: خير يا مدحت بيه. قلقتني.
ربت على كتفه بحنان وهو يقول: متخفش يابني، انا بس جاي اخد منك إجابة سؤال وماشي.
اتفضل.
نظر له مدحت بتركيز ومن بعدها قال: انت بتحب رضوي بنتي بجد ولااا.
قاطعه ساهر مسرعًا وهو يقول بلهفة: يعلم ربنا إني عمري ما فكرت في غيرها وإني بحبها من كل قلبي بجد.
ابتسم مدحت بفخر وهو يفجر مفاجاءته له قبل أن يذهب: طيب اجهز خطوبتكوا الجمعة الجاية.
ثم تركه وذهب وسط اندهاشه وصدمته ومن ثم صرخ بفرحة عارفة دون وعي، نظر حوله فوجد المارة ينظرون له بإستغراب فحمحم بحرج ثم صعد لشقته مرة أخري والسعادة تزين ثغره وثم ليخبر والدته التي فرحت كثيرًا.
Back.
امسك بهاتفه ثم قام بلإتصال على معذبته، ثواني وسمع صوتها وهي تهتف بصوت رقيق: ساهر.
تأوه بنفاذ صبر وهو يقول بغيظ: يا بنت الحلال ما بلاش تقولي اسمي بالطريقة دي بدل ما اجي اتجوزك دلوقتي.
خجلت من حديثه واحمر وجهها من الحرج فقالت بضجر: يا ساهر بطل قلة ادب بقا. الله.
تنهد وهو يقول بهمس عاشق: مش مصدق إنك هتبقي ليا يا رضوتي. واخيرًا هتبقي ليا.
ادمعت عيناها من شدة الفرح فها هو معذب الفؤاد ومعشوق الروح ستكتب على اسمه، فأردفت بحب: الحمد لله يا ساهر. انا مبسوطة أوي بجد.
وانا كمان مبسوط أكتر منك.
ظلوا يتحدثون قرابة النصف ساعة حتى اغلقوا وذهب كل منهم في ثبات عميق.
عاد يزن من عمله وصعد للأعلي بجمود ثم فتح باب غرفته وجدها نائمة على المقعد ورأسها متدلي منه فذهب إليها ثم حملها واضعًا إياها على الفراش، ظل يتطلع إلى قسمات وجهها بحب جلي، فكيف لملاك مثلها أن تحب وحش مثله، هل من الممكن أن تبادله الحب! هو يعلم بأنه قد وقع لها ولكنه لم يعترف حتى الأن.
حرك أصابعه على وجهها كأنه يحفر معالمه في قلبه فأنزعجت وتململت بضيق ثم فتحت عينها لتجده أمامها مباشرة، ظلت تنظر إليه قليلًا وعيناها ترسل له عتاب وحزن بسبب إهانته لها بالأسفل وعيناه تعتذر بدلًا عنه.
فاقت لوضعهم فإببتعدت عنه بضيق وهي تقول: ابعد لو سمحت!
اقترب منها هامسًا: مبقاش ينفع ابعد. انتي خلاص وقعتي في قفص الشيطان وانا البي متحكم في كل حاجة دلوقتي.
حدجته بحدة وتشدقت بغضب: انا مش لعبة عندك ولا طير محبوس في قفصك علشان تحبسني، انا حرة وملكش أي الحق إنك تتحكم فيا.
اجابها ببرود قائلًا بإستفزاز: طالما دخلتي هنا بمزاجك يبقي مش هتخرجي غير بمزاجي انا.
صرخت به بهياج: انت مش ناوي تتغير! كل يوم اقول هيتغير هيتغير لكن انت اللي فيك مبيتغيرش، هتفضل اناني علطول.
صمتت تأخذ انفاسها ثم اكملت: لو فضلت كدا صدقني هبعد.
اقترب منها مقبلًا وجهها بعمق قبل أن يقف ويقول بهدوء: حتى لو بعدتي هجيبك ومش هتقدري تهربي مني، لأن زي ما قولتلك انتي وقعتي في قفصي يا ضحايا.
ثم ذهب للمرحاض تاركًا إياها تنكوي من الغيظ وهي تصرخ بغل: بكرهككك يا يزن.
سمعت ضحكته الساخرة من الداخل ليزداد غيظها منه أكثر.
بينما هو بالداخل كان مستمتعًا لإغاظتها كثيرًا، فهؤ تصبح لطيفة ولذيذة عندما تغضب.
مر خمسة عشرة دقيقة فخرج من المرحاض وجدها تخدجه بغيظ فتجاهلها وهو يبتسم لها بإستفزاز بعدها سمع تمتمتها وهي تقول: بارد.
كاد أن يجيبها ولكن سمع صوت إشعار على هاتفه فأخذه ونظر به، ثواني وتحول وجهه إلى كتلة من النيران فابتسم بشيطانية وهو يهتف: انت اللي اختارتوا ترجعوا الشيطان اللي جوايا من تاني. متندموش بعدها بقا.