رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل الخامس عشر
بمجرد وصول رسالة له على هاتفه فتحها ليتحول وجهه مبتسمًا بشيطانية وهو يقول بفيحيح متوعد: انتوا اللي هتصحوا الشيطان من تاني، وانتوا اللي هتتأذوا.
قام بالإتصال على رقم ما، انتظر ثواني ليأتيه الإجابة من الطرف الآخر ليردف بآلية: جلال عايز اسطول حراسة تجيبهم انت بنفسك، مش عايز غلطة عشان رقبتك متروحش فيها.
ابلتع جلال ريقه بخوف فهو يعلم رب عمله جيدًا كما علم من صوته أيضًا بأن الأيام القادمة لم تمر مرور الكرام ليجيبه بخضوع: اوامرك يا باشا. كله هيتم زي ما حضرتك عايز.
لتصله إجابة يزن الصارمة: يبقي احسن ليك وليهم.
ثم اغلق الهاتف ليقوم بإرسال رسالة إلى الرقم الذي بعث له منذ قليل والتي كان محتواها انا موافق.
لتتشكل بعدها ابتسامة جانبية توحي بأن القادم ليس سوي الأصعب.
شعر بأصابع تضربه على كتفه من الخلف وصوتها الذي يحفظه عن ظهر قلب وهي تقول بسخط: انت يا كائن انت. وسع كدا خليني اعدي.
استدار لها فتحولت ملامح وجهه وتشكل على ثغره ابتسامة جميلة كثيرًا ما تربكها ليردف هو: حد ماسكك! وبعدين مالك متعصبة كدا.
اسأل روحك.
ما انا بسأل روحي اهو.
اجابها بعبث لتخجل هي من رده الصريح وقالت بتلعثم: ط. طب وسع خليني ادخل. حد يقف قدام الحمام!
انتحي جانبًا ليقول بوقاحة وهي تسير بجانبه: مش عايزة اي مساعدة!
شهقت بخجل لتقول بصدمة: اه يا قليل الأدب. يا أخي طلاق تلاتة انت مشوفتش تربية.
اقترب منها بمكر وهو يردد: لو عايزة اثبتلك عملي أنا معنديش مانع يا بيبي.
لم يستمع سوي لصوت إنغلاق الباب بشدة فقهقه عاليًا فهتف وهو يضحك: بتقلبي بطة بلدي يا أسد.
أما هي بالداخل وضعت يدها على موضع قلبها الذي يطرق بشدة حتى أحست بأنه سيحطم قفصها الصدري من شدة دقاته، قالت بخفوت وهي تهمس: بقا خطر عليا وعلى قلبي وانا مش عايزة كدا.
ثم تنهدت بخفوت قائلة بدمع سقط من جفنيها رغمًا عنها خوفًا من مرارة الفقد: بس انا حاسة إني بحبه. بكون مبسوطة أوي وأنا معاه بس خايفة. خايفة يروح زي ما كل حاجة بحبها بتروح مني، بس المرادي هيكون قلبي اللي هيروح مني وقتها مش هقدر.
ظلت مكانها بعض الوقت لتمسح دموعها وتردد بإبتسامة بسيطة: انا مش هفكر في أي حاجة دلوقتى. وزي ما تيجي بقا، اكيد ربنا مش هيأذيني، وانا عندي ثقة في ربنا كبيرة.
هبط عمر للأسفل ويتبعه مراد، فوجدوا الفتيات جميعًا ومعهم فريدة و مروة يجلسن بالصالون.
جلس عمر بجانب شقيقته آية هاتفًا بمزاح: انا قولت البت هتسافر وترجع انثي. رجعتي جعفر زي ما انتي.
حدجته بغيظ لتضربه على ذراعه بحدة وهي تقول: اتلم يا عمر بدل ما اخلي مروة تعلم عليك.
خلاص خلاص انتي بتقلبي بسرعة كدا ليه.
نظر عمر ل مراد الجالس بجانب فريدة والذي يحاول قدر الإمكان النظر إلى آيات التي تنظر له لعله يحدثها كما كان يفعل من قبل.
أردف عمر بخبث وهو يقول ل مراد: انت مقولتلهمش يا مراد!
نظر إليه قاطبًا جبينه بتعجب: اقولهم إيه!
ليجيبه بعتاب زائف وهو يشملهم بنظراته: اخس عليك. انت مقولتلهمش إنك هتخطب!
صرخت به رضوي وهي تحدج مراد بغيظ: ويا تري حددت كتب الكتاب ولا لأ يا سي مراد!
علم هو لعبة عمر فابتسم على أفعال صديقه ولكن أخفي ابتسامته سريعًا ليقول بجمود ظاهري: لا متقلقيش يا رضوي اكيد هعزمكوا كلكو على كتب الكتاب.
تعمد قول كلمة كلكوا وهو يحدجها هي، هي معذبته ومعشوقة فؤاده حتى تشعر بما يشعر به، اما هي ابتلعت غصة تشكلت بحلقها لتقول بصوت مبحوح من أثر الصدمة: ألف مبروك يا مراد.
الله يبارك فيكِ يا بنت عمي.
صعدت سريعًا لغرفتها بالأعلي ولا تعلم لماذا تشعر برغبة عارمة في البكاء، هي قالت إنها لا تحبه، هي تحب مصطفي، ولكن مراد كان معها منذ البداية حتى أصبحت فتاة في ريعان شبابها جميلة كوالدتها تمامًا.
أغلقت باب غرفتها ولم تدري متي هبطت تلك الدمعات من عينها، لماذا تبكي من الأساس! فهي تحب آخر ولا يجب أن تفكر بغيره حتى لو كان ابن عمها العزيز.
بالأسفل.
نظر عمر لمراد ببسمة جانبية ليبادله مراد إياها وهو يدعي داخله بأن ينجح كل ما يخطط له حتى يحصل على قلبها.
تحدث عمر بمزاح وهو يحدجهم جميعًا: متجمعين عند النبي إن شاء الله، مالكم قاعدين هنا.
أجابته شقيقته وهي تقول: ضحي هي اللي قالتلنا نتجمع عشان نعمل احنا حفلة افتتاح خطوبة رضوي و ساهر.
ليتحدث تلك المرة مراد وهو يحدجهم بدهشة: انتوا! تيجي ازاي!
رفعت رأسها بغرور قائلة: بص هنهركوا وكمان كلمنا رزان وزمانها على وصول علشان نكمل خماسي المصائب. احنا في الاحتفالات معندناش يماا ارحميني.
ليجيبها عمر بتهكم: انتي هتقوليلنا كدا اتطمنت إن الحفلة باظت.
ثم وجه حديثه ل رضوي: وانتي يا عروسة موافقة على المهزلة دي!
هزت رأسها بحماس وضحكتها تتسع وهي تتحدث بحالمية: موافقة جدًا. انت متعرفش أفكار ضحي ولا إيه.
ما هي دي النصيبة إني عارفها.
خرجت ضحي من المرحاض وهي تعدل ثيابها فوجدت يزن يصب كامل تركيزه في الحاسوب الذي أمامه ومعالم وجهه باردة ولكنها لم تهتم ثم شرعت بإرتداء حجابها، تحدث يزن ومازال ينظر للحاسوب: بتلبسي وراحة فين!
هنزل للبنات تحت عشان متفقين إن احنا نجهز لحفلة ساهر.
رفع نظره لها وحدجها باستغراب وهو يقول: تجهزوا للحفلة ازاي!
انتهت من ارتداء حجابها فذهبت إليه جالسة بجانبه وهي تتحدث بحماس: ما هو انا. واعوذ بالله من كلمة أنا، اقترحت إن احنا اللي نبدأ بأول فقرة في الحفلة بدل الجو الممل بتاع الاغنية دول.
رفع حاجبيه مردفًا بإستهجان: لا يا شيخة. ومين اللي هيسمحلك بكدا إن شاء الله!
نظرت له متحدثة بسخط: وهو لازم حد يسمحلي! انا حرة نفسي على فكرة.
لم يجيبها بل وضع قدمًا فوق الأخري واصطنع إنشغاله بالحاسوب وهو يقول بمكر: طيب لما نشوف. وطريقة كلامك معايا تتعدل احسنلك، أنا صابر عليكي ودا مش من طبيعتي.
نفخت بغيظ منه وحاولت أن تكون رقيقة قدر الإمكان فقالت: طيب انت موافق صح!
تؤ.
نطق بها لتجز على اسنانها بغيظ فقالت بضحكة صفراء وهي تقترب منه برجاء: عشان خاطري! والله صدقني الفقرة هتعجبك.
ظل على صمته مما اغاظها كثيرًا فأغلقت الحاسوب بغضب ولكن نظرته الحارقة لها جعلتها تبتسم ببلاهة وهي تقول: عشان عنيك يا برنس والله.
كتم ضحكته بصعوبة على تصرفها الطفولي هذا فلاحظ هو اقترابها منه فقرر استغلال الموقف. احاطها من خصرها على حين غرة فشهقت بصدمة من فعلته وكادت أن تتحدث ولكنه قاطعها بقوله: تصرفاتك بقت كلها غلط. والغلط عندي عقابه شديد. شديد اوي.
ابتلعت ريقها بصعوبة متشدقة بتلعثم: انت. انت اللي بتعصبني.
اقترب من وجهها أكثر ليقول بهمس: وانتِ بتخليني اتصرف تصرفات مش كويسة.
كادت أن تبتعد ولكنه احكم محاوطتها مقتربًا منها سامحًا لذاته بأن يعيش معها نعيمها الذي حرمته منه كل تلك الفترة السابقة، بينما هي كانت لا تستوعب ما فعله ولم تشعر سوي بدقات قلبها التي تزداد بشدة.
ابتعد عنها وهو يلهث بشدة من فرط المشاعر التي اجتاحته فوضع جبينه على جبينها هامسًا لها وهو يبتعد عنها: قومي يا بنتي بدل ما اعمل حاجات تانية مش هتعجبك.
دق ناقوص الخطر ليدها ففرت هاربة من امامه، بل من الغرفة بأكملها وهي تلهث بشدة وتحاول لملمة مشاعرها التي بعثرها هو.
هبطت للأسفل بسرعة ووجها ملطخ بحمرة الخجل، حينها قد وصلت رزان التي ما إن رأتها حتى شهقت فتحدثت بخبث وهي تتحه ناحيتها: اي دا. اي دا. اي دا. ضحي بتتكسف! لا وكمان وشها احمر! اعترفي عملك إيه.
حدجتها بغضب محاولة أن تداري خجلها: اتلمي يا رزان احسنلك وامشي قدامي يلا خلينا نعمل برو ا.
غمزتها بمشاكسة وهي تقول: هسيبك بمزاجي.
وكادت أن تذهب فأمسكت ضحي بيدها وهي تسألها برجاء: وشي احمر بجد.
ضحكت على رفيقتها واومأت بنعم فلطمت ضحي على وجهها وهي تقول بإرتباك: طيب هدخلهم ازاي دلوقتي.
هزت رزان كتفها بلامبالاة وهي تردف بمكر: هيقولوا ايه يعني. ما هما عارفين يزن الراوي وسفالته هما هيتوهوا عنه.
دفعتها بكتفها متشدقة بغيظ: طيب امشي قدامي يا قليلة الأدب.
ضحكت رزان بقوة فسارت أمامها بينما ضحي خلفها حتى وصلوا للغرفة، سلمت رزان على ايات ورضوي واية المتجمعون ثم مراد الذي بادلها الإبتسامة وأخيرًا عمر الذي حدجته بغرور ولم تعيره إنتباه.
اغتاظ عمر من فعلتها تلك ونظر إلى منتصر الذي أوصل رزان فصمم عمر على الجلوس معهم، فقال بغيظ: هي اختك بتعاملني كأني مرات ابوها كدا ليه!
ضحك صديقه عليه وهو يقول: اصلها بتقرف من الفسيخ.
نظر له بقرف قائلًا بقنوط: بس انا عرفت هي جايبة تقل الدم دا من مين.
رفع حاجبيه بغرور مردفًا: اكيد مش مني. خالي بردو دمه تقيل زيها.
عيلة مقرفة وعهد الله.
صفقت ضحي لتجذب إنتباه الحاضرين قائلة بجدية بحتة كأنها أمرأة أعمال مشهورة: هدوء لو سمحتوا.
نظرت للفتيات قائلة لهم: اقفوا جنب بعض كدا ورزان جيبي الطبلة عشان نتدرب وانتي يا اية بما إن صوتك حلو فهتعليه عننا سيكا. وبالنسبة لرضوي هتبقي معايا بنسقف ونغني.
ثم نظرت للشباب بصرامة: صوتكم مسمعهوش سامعين.
وامام صرامتها تلك أومأوا بالموافقة فوجهت حديثها للفتيات: جاهزين.
أجابوا عليها بصوت واحد: جاهزين يا ابلتي.
قطع حديثهم صوت يزن المتهكم الذي دخل للتو مع شقيقها ساهر: ابلتي! انا قولت إنك مش هتعدي الليلة على خير وأكيد في مصيبة.
حدجته بجدية وهي تردف بتكبر: لو سمحت يا استاذ يزن متدخلش في شغلي.
ليرد تلك المرة ساهر وهو يقول برجاء: وحياة امك يا شيخة انا مش عايز فضايح. دا يوم مش هيتكرر تاني.
كادت أن تجيبه ولكن قاطعتها رضوي وهي تقول بحماس لساهر: لا يا ساهر والله العرض هيعجبكم أوي. خد كلامي ثقة.
ليشير ساهر إلى شقيقته بتهكم: طالما الكائن دا هو اللي خطط. يبقي اكيد فيه مصيبة.
صرخت به ضحي بصرامة: اخ ساهر لو سمحت سبني اشوف شغلي متعطلنيش.
نطق بتهكم: اتفضلي يا برنسيسة. اسفين على المقاطعة.
لفتت ضحي انتباه الفتيات وهي تقول: يلا يا بنات هعد تلاتة ونبدأ مع بعض في صوت واحد، واحد، اتنين، تلاتة.
التاكسي الچاي من الحمام عليه خميسة من جداااام...
صفقوا خلفها ثم رددوا بصوت عالي: والتاكسي الچاي من الحمام عليه خميسة من جداااام
كعب البت ريال مدور ياما خلج ياما صوررر
كعب البت ريال مدور ياما خلج ياماا صورر.
عند هذا الحد لم يحتمل عمر ومراد ومنتصر فانفجروا من الضحك ممسكين معدتهم يحاولون السيطرة على الحالة التي دخلوا بها، بينما تحدث ساهر بحسرة: خلاص عوض عليا في البت والفرح.
أكملت الفتيات وهن يصفقن: والتاكسي الجااااي من الحمااااام عليه خميسة من جداااام.
جلس الشباب على الأرض من الضحك وجلسوا على ركبتيهم وهم يصقفون بطريقة بدوية ويرددوا خلفهم: كعب البت ريااااال مدور ياما خلج ويااامااا صور.
والتاكسي الجاي من الحمااااام عليه خميسة من جداااام.
يخربيتك يا امين الحتة وقتي راحت فيييين.
طلعت ياختي الحتة معااااه داهية سوودة اللي ظلمااااه.
ليرددوا جميعًا بصوت عالي ورزان تقرع على الطبول بشدة: والتاكسي الجاي من الحمام عليه خميسة من جدااااام.
ضحك يزن بخفوت رغمًا عنه من تصرفات قصيرته المجنونة تلك، ولكن عندما ارتفع الصوت عن الحد سبب له إزعاج فصرخ قائلًا: بسسسسس خلااااااص.
صمت الجميع وهم وينظرون له بخوف ولكن ضحي تحدثت بغيظ وهي تقول: في ايه يا يزن! خلينا نكمل تدريب دا فرح اخويا يا جدع.
صرخ ساهر تلك المرة وهو يقول بحسرة: اخوكي متبري منك. روحي يا شيخة ربنا يبتليكي بواحد يجبلك الضغط زي ما جيبهولي.
شوف شوف ناكر الجميل صدق بالله بتاكل وتنكر زي الكلام اتفوووخس.
صدح صوت يزن وهو يقول بضجر: فضوا الليلة دي مش عايز صداع. ثم نظر إلى ساهر قائلًا: وانت يا عريس الغفلة اعمل حسابك هتبات هنا النهاردة عشان التجهيزات.
نفي ساهر قائلًا: لا طبعًا مينفعش أنا هرجع بيتي. وكمان عشان أمي.
تحدث يزن وهو يحدجه بسخرية: مش باخد رأيك. ووالدتك هبعت واحد من الحرس يجيبها.
ثم تركه وذهب ينظر لأثره بدهشة. فوقف يزن وهو يحدق شقيقته آيات مردفًا ببرود: تعالي عايزك.
ثم ذهب دون أن يعطيها فرصة للرد.
ذهبت خلفه مباشرة بخوف من هدوء أخيها المخيف فدخلت مكتبه وجلست كما أمرها قائلة بصوت حاولت أن تجعله ثابتًا على قدر الإمكان: نعم يا يزن.
جلس يزن على كرسيه بهدوء ولم يجبها مما أثار الخوف في نفسها وظل يطرق طرقات ثابتة على سطح المكتب وهو يحدجها بنظرات شاملة يدرس بها معالم وجهها جيدًا. مر وقت ليس بالقصير واخيرًا تحدث بجمود: قولتلك امبارح لو عاملة غلط تعالي قوليلي بس انتي مجتيش دا معناه إنك معملتيش حاجة غلط صح!
جف حلقها فبللت شفتاها وهي تحاول أن تتحدث ولكن بائت محاولتها بالفشل وهي تخرج صوتها متحشرج من شدة الخوف: م. معملتش ح. حاجة غلط.
امممم معملتيش حاجة.
صمت وياليته يعلم بأنه حديثه أهون كثيرًا من صمته فتشدق هو بهسيس مخيف بعد أن وقف ودار حولها واقفًا خلف وهو يتحدث بأذنها: ومصطفي الرفاعي دا يبقي من أولياء الله الصالحين وانا مش واخد بالي.
تلك المرة تجمد جسدها حقًا وشلت الصدمة لسانها فتجمعت حبات العرق على جبينها من شدة الخوف وارتعشت أطراف يدها ولم تتحدث.
بينما هو أكمل بهدوء يخيفها: مصطفي الرفاعي اللي هو اخو ابن اخو عدوي وانتِ عارفة كدا كويس ومع ذلك راحة تكلميه.
خرج صوتها مبحوحًا وهي تهتف: انا. انا بحبه يا يزن وهو. هو كمان ااااه.
قطعت حديثها وتأوهت بألم عندما غرز يده بخصلات شعرها الشقراء فأمسكت بكفه الذي يجذب به خصلاتها محاولة الفكاك ولكنها لم تستطيع. بينما هو احتدت نبرة صوته وهو يصرخ بها ممسكًا إياها من خصلاتها أكثر: مش بيحبك. مش بيحبك يا غبية. بيلعب بيكي. بيحاول ينتقم مني فيكي، هتفضلي لحد امتي مبتفهميش.
نزلت دموعها بقهر متناسية الألم وهي تهز رأسها بالنفي: لا بيحبني هو قالي.
اتسعت ابتسامته السوداء وترك خصلاتها من بين يده ممسكًا بهاتفه مشغلًا أحد الفيديوهات مقربًا الهاتف منها فشهقت بعنف عندما رأته مكبل من يديه وقدميه وأثار العنف تظهر على وجهه. لم يهتم لها بل قام بتشغيل الهاتف لتسمع اعتراف مصطفي وهو يقول بتعب: كنت. كنت عايز اوصل ل. ليزن الرواي وانتقم منه بس معرفتش. بس وقتها اتعرفت على اخته وخليتها تحبني. وا. واستغلتها وخليتها تبعتلي فلوس على حسابي. وكنت بعدها هاخدها كارت العب بيه عشان ازل يزن الراوي بيه.
اغلق الهاتف وهو يرمقها بقسوة بالغة متشدقًا: سمعتي! عرفتي دايب في حبك ازاي! بس وحياة امي ما هرحمه. انا لسه مرحتلوش دا واجب صغير من رجالتي.
امسك بيدها واقفها أمامه قائلًا بصوت حاد: اطلعي براا.
كانت الدموع الغزيرة تهبط على وجنتها بصمت وعندما سمعت حديثه امسكت يده بشده تترجاه فهي لو كانت تحب مصطفي فهي تعشق اخيها حد النخاع ولا تستطيع رؤية نظرة النفور تلك في عينيه فقالت برجاء: يزن. يزن عشان خاطري متعاملنيش بالطريقة دي. انا. انا اسفة والله مش هعمل كدا تاني.
اقترب منها متحدثًا بفحيح جعل القشعريرة تسري بجسدها: وقتها مش هيبقي في مرة تانية. رقبتك هي اللي هتيطر، اطلعي برا قولتلك ومش هكررها تاني.
بكت بعنف وذهبت من أمامه بيأس ودموعها تهبط بحسرة على فقدانها لأخيها بسبب هذا الحقير الذي احبته. قابلت في طريقها مراد والذي تحدث بقلق عند رؤيتها هكذا: آيات مالك! فيكي إيه ومعيطة ليه!
لم تجيبه بل ظلت تبكي بعنف وشهقاتها مستمرة في الإرتفاع فزاد القلق في قلبه حتى وقف امامها مباشرة والقلق ينهش بقلبه فأردف هو: متقلقنيش عليكي اكتر من كدا. قوليلي مالك.
حاولت التحدث فقالت بصوت متقطع ومازالت تبكي: انا. انا اسفة. اسفة يا مراد.
دق قلبه بعنف خوفًا عليها فأمسك بيدها مردفًا بحنان: اهدي بس. انا مش زعلان منك. انا يمكن زعلت شوية صغننين بس عمري ما هزعل من يوتا ابدًا. يابت دا انا اللي مربيكي.
هدأت قليلًا فنظرت إليه مردفة بفرحة: يعني انت بجد مش زعلان مني.
مسح على خصلاتها بحنان وهو ينظر لوجهها بعشق خالص أرهق فؤاده: قولتلك لو هزعل من الدنيا كلها عمري ما هزعل منك. ها بقا إيه اللي مزعلك!
احنت رأسها بخجل وهي تتذكر ما فعلته وخطة ذلك الحقير للإيقاع بأخيها وإستغلاله لحبها له ولكن الآن باتت تكرهه بشدة وتكره قلبها الأحمق الذي صدق خدعاته. تحدثت بخفوت وبصوت متحشرج من أثر البكاء: انا. انا غلطت يا مراد.
لاحظ هو تخبطها وشرودها فعلم بأنها تخفي أمرًا ما ومن المؤكد ايضًا أنها ستروي له ما حدث كما اعتادت أن تفعل منذ صغرها ولكن أحس بأن ذلك الحديث سيجرحه بشدة كما يبدو من معالم وجهها. واخيرًا تحدث بحنان وهو يسحبها خلفه إلى الحديقة الخلفية كما اعتاد أن يجلس معها منذ الصغر: طيب تعالي نقعد في الجنينة بدل وقفتنا دي.
انصاعت لأمره وذهبت خلفه ثم وصلوا إلى الحديقة جالسين بها والصمت خيم عليهم حتى قطعه هو بقوله: احكي وانا سامعك.
ابتلعت ريقها عادت الدموع لتتجمع بيعينها فقال هو مسرعًا: لو مش عايزة تحكي خلاص مش هضغط عليكي.
هزت رأسها نافية ونظرت له وجدت تلك النظرة التي تحتويها دائمًا. تلك النظرة التي تشعرها بالإحتواء. ذلك الجالس أمامها كان صديق دربها وابن عمها ومحل أسرارها جاءت هي لتجرحه بتلك الكلمات القاسية التي رمتها له ليلة أمس، لم تكن تعلم بحبه الشديد لها ولكن الآن علمت كم هو يعشقها، فبرغم ما فعلته به جاء هو ليساندها كما يفعل دائمًا.
كانت تفكر بكل ذلك وهي تنظر له فابتسم هو بهدوء ثواني وتحولت نظراته للخبث وهو يقول: الله بقولك ايه انا راجل وحداني وبتكسف، ونظرة منك بتدوبني وهستغل الموقف وانا الصراحة لما بصدق.
ضحكت هي على حديثه واحست بالخجل ينهش بقلبها فتحدثت وهي تنظر في عينه مباشرة: مراد.
اجابها دون وعي وهو ينظر لزرقة عيناها التي تشبه الامواج وهو كالابلة وقع بهم كالغريق: عيونه.
ابتسمت بخجل من رده ليحمحم بخرج وهو يفرك عنقه من الخلف قائلًا: قصدي نعم.
نطقت بحزن وهي تنظر للأسفل بحرج: انت لسه زعلان مني مش كدا.
رفع وجهها بيده وهو يقول بإبتسامة حنونة: قولتلك اني مش بزعل منك ابدًا. وقولتلك إني بعتبرك من وانتِ صغيرة إنك بنتي مش بنت عمي.
عادت الحيوية لوجهها ليقول وهو يتربع امامها: مقولتليش كنتِ خارجة تعيطي من مكتب يزن ليه.
نظرت له بحزن ثم بدأت بقص ما حدث له وهو يستمع لها.
خرج يزن من مكتبه والغضب يحتضن عيناه والشياطين ترقص امام عيناه، سينتقم اشد إنتقام من هؤلاء الاوغاد ولكن فلتسير اللعبة كما يريد هو وليس كما يريدون هم.
رأته ضحي التي كانت تحلس مع الفتيات وشقيقها فذهبت إليه متسائلة: يزن انت رايح فين!
اجابها ببرود وهو يتجه للخارج: شغل.
ثم تركها وهي تردد خلفه باستغراب: شغل! دا الساعة حداشر شغل ايه دلوقتي.
مطت شفتيها بقلة حيلة من تصرفاته التي لا تستطيع فهمها حتى الآن ذهب ذهبت للجلوس معهم مرة اخري.
ذهبت لتحلس بجانب اخيها وهي تحدجه ببرائة فنظر إليها بغيظ وهو يردف: مش مرتاحلك. عايزة ايه!؛
عايزين احنا اللي نحيي فاتحة الخطوبة بتاعتك.
امسكها من ثيابها كالفأر وهو يقول بسخط: تحيي ايه ياختي! دا انتي عايزة تفضحي الحفلة، تموتي الحفلة، تولعيها بجاز وسخ لكن تحييها دي مظنش.
سيب الشاكت. سيب الشاكت.
نظر اليها بقرف ثم تركها فتحولت نظراته وهو ينظر لرضوي بهيام: واخيرًا.
خجلت رضوي بينما ضحي نظرت له بإشمئزاز وهو تقول: حلة ولقت غطاها. داهية تشيلكوا انتوا الاتنين واخلص.
امسكت رزان يد ضحي وهي تقول لها بصوت خفيض: تعالي عايزاكي.
حدجتها ضحي بإستغراب: مش مرتحالك بس اشطا.
كادوا ان يذهبوا ولكن وجدوا آية هي الاخري تمشي بجانبهم فتحدثت بغرور: ما انا هعرف يعني هعرف. مش هفضل قاعدة لوحدي كدا.
حدجتها رزان بسخط وهي تسحبها معهم قائلة: تعالي ياختي. قال هنقول كلام عسكري قال، دا انا هنكد عليكم النهاردة.
مش قولتلك مش متفائلة.
ذهبوا بعيدًا ليجلسوا فحمحمت رزان وهي تقول بتوتر: بصوا انا عايزة اخد رأيكم في حاجة.
انتبهوا لحديثها ومما هي موشكة على قوله لتردف بسرعة شديدة وهي تغمض عينها: بصراحة كدا انا معجبة بالبغل عمر.
وصل يزن للمخزن الذي يوجد به مصطفي وهو يتوعد له بالكثير، سيجعله يتذوق من العذاب الوانًا حتى يقوم بإخماد النار التي بقلبه، فتح له الحارسان باب المخزن المتهالك ذو الرائحة النتنة فوجده جالسًا على مقعد متهالك وعلامات العنف تظهر على جسده.
حدجه بإشمئزاز والاخر يترجاه بيعينه ولكن من يترجي! فالذي يقف امامه الآن ما هو إلا الشيطان، الشيطان الذين قاموا بخلقه ظنًا منهم بأنه سيكون تحت سيطرتهم ولكن هو لا يخضع لأحد، فهو يزن الراوي.
تحدث بسخط وهو ينظر اليه بإشمئزاز: مكان زي دا ميلقش غير على واحد حقير زيك.
اقترب منه بجمود والقسوة تتمثل على وجهه ثم امسك بشعره بقوة وهو يقترب منه قائلًا بفحيح: اللي يقرب من حد يخص يزن الراوي يبقي كتب نهايته بإيديه. وانت مقربتش من أي حد، انت قربت من اختي، ولحظك الأسود إنك وقعت في طريقي.
تحدث الآخر ببكاء وهو يترجاه: ابوس ايدك ارحمني. انا عامل دا كله بنفذ اوامر عمي مش اكتر.
علت ضحكات الآخر دون روح فيها وهو يقول بصدمة مصطنعة: صدق مكنتش اعرف.
صمت ثم اقترب منه متحدثًا بجمود: عمك دا سايبه للآخر خالص. هسويه على نار هادية لحد ما يقول حقي برقبتي، اما دلوقتي حسابي منك انت.
صرخ الآخر بفزع وهي يترجاه: ابوس ايدك لاااا، انا مفياش حتة سليمة.
شمر ساعديه متجاهلًا صراخ الآخر فأمسكه من تلابيبه وظل يبرحه ضربًا في انحاء جسده ووجهه وأطاح برأسه بقوة حتى سقط عن المقعد الجالس عليه. لم يكتفي بذلك بل امسك بعصا خشبية كبيرة بها أشواك حادة فابتسم حتى كشر عن انيابه والاخر ينظر إليه بفزع ورغم الألم المنتشر بجسده حاول الإعتدال ولكن لم يترك له الاخر فرصة فهبط بالعصي على قدمه بقوة والأخر يصرخ بلا رحمة حتى شعر بإنقطاع أنفاسه وغاب عن الوعي من شدة الألم.
ابتعد عنه يزن وهو يحدجه بإشمئزاز ثم بصق عليه بغل فنادي بأعلي صوته وهو ينفض يداه من أثر الغبار: جلاااااال.
دخل جلال سريعًا له فوقعت عيناه على الذي ينزف امامه فابتلع ريقه برعب، فاق على صوت يزن الصارم وهو يقول: تجبله دكتور. عايزه عايش.
أومأ له دون حديث فذهب يزن من امامه وهو يرتدي جاكيت بدلته قاصدًا وجهة اخري ليحقق إنتقامه الثاني.
كان مرتضي يجلس امام شخصًا يدعي مجدي وهو يتحدث بتأفف: خلاص يا مجدي قولتلك فلوسك هتوصلك اخر الشهر دا.
ليجيبه المدعو مجدي وهو يقول: جرا ايه يا مرتضي. اومال لو مكنتش فلوسك مغرقة البنوك كنت هتأجل فلوسي لحد امتي.
يووووه مش هخلص منك انا عارف.
فتح دفتر شيكاته وكتب بها المبلغ المطلوب ولم يكن سوي 20 مليون جنيهًا. فأعطاه الشيك وهو يهم بالذهاب: خد يا مجدي. ومتنساش العملية الجديدة بعد يومين.
مش ناسي. وبعدين رايح فين السهرة لسه في اولها.
اجابه مرتضي وهو يذهب مترنحًا بسبب شربه لتلك الحكولات: لا انا ماشي.
ثم قاد سيارتع منطلقًا بها إلى منزله. بعد قليل من الوقت وصل إلى منزله ثم دخل لفيلته الشاسعة التي يقطن بها وفتح باب غرفته وهو يدندن بتغيب ولكن كأن أثر المشروب فر من جسده عندما رآه. نعم هو. يجلس أمامه بكل جبروته وقوته التي تعهدها من قبل.
إنه يزن الراوي.