رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل الحادي عشر
امسك سلاحه جيدًا واتجه نجو مصدر الصوت بحذر شديد، سمع همهمات تأتي من الخارج ولكنه لم يستطيع رؤية صاحب تلك الهمهمات بسبب الظلام الدامس الذي يحيطه، اقترب اكثر ثم قال بصوت عالي يحمل من الصرامة والشدة ما يجعل القلوب تخفق من الخوف: من انت. هيا اظهر الآن وإلا سأفجر رأسك اللعينة تلك.
لم يجد رد فسحب زيناد مسدسه مستعدًا للإطلاق ولكنه سمع صوت انثوي يهتف بخوف: انتظر انا صديقتك جيسيكا من شرطة سينغافورة.
قطب جبينه بتعجب ثم ذهب لنهاية الشرفة ومازال يوجه سلاحه ناحيتها فاتحًا مصباح الشرفة لتظهر تلك الملاك ذات شعرها الأحمر الناري وبشرتها البيضاء الغضة مع قوام جسدها الممشوق بحرفية وعيونها البنية بلون القهوة.
مظهرها سلب أنفاسه. كتلة النار التي امامه تلك لم تكن سوي فتنة، بالطبع ستكون لذيذة تلك الجنية الحمراء.
افاق من تفكيره المنحرف عندما قالت بلهاث يشوبه بعض الحدة: ما بك يا رجل كدت أن تقتلني.
رفع حاجبيه ناظرًا لعينها اللامعة هاتفًا بإستنكار: ومن قال لكي أن تتسلقي إلى شرفتي مثل اللصوص عزيزتي.
ردت بغضب أدي إلى احمرار وجهها غضبًا مما جعلها أكثر فتنة: لم يكن هناك سوي تلك الطريقة للوصول إليك يا أحمق وإلا ذلك الأخرق سيعلم بأنك جاسوس.
اقترب منها بهدوء قابض للأنفاس بينما هي ظلت واقفة مكانها دون الحراك: صوتك هذا اذا ارتفع مجددًا عزيزتي سأجعل احبالك الصوتية بين يدي الأن.
رفعت حاجبيها بتهكم قائلة بسخرية لازعة وهي تربط على كتفه بقوة ومن ثم ولجت للداخل: حسنا هيا ندخل سيد قوي بدلًا من رؤية أحدهم إيانا ووقتها فقط لن ننجو من هنا.
نظر إليها بتعجب من جرأتها تلك، نظر إليها وجدها تتجه للداخل وتسير بدلال فطري مما جعله يسب بداخله بتلك الفتاة التي تثيره بجمالها الفتاك تلك.
نظر إليها وجدها ترتدي بنطال اسود من خامة الجينز وسترة من نفس لون البنطال تاركة لشعرها الأحمر الناري القصير حريته للإنسدال على ظهرها وبعض الخصلات التي تسقط على وجهها بغنج مثير.
حبس أنفاسه ثم دلف للغرفة خلفها فوجدها جالسة على الأريكة واضعة كلتا قدماها على الأخري، رفع حاجبيه بقنوط مردفًا: اراكِ تجلسين في بيت ابيكِ.
مدت يدها إلى طبق الفاكهة الموضوع على الطاولة التي امامه لتلتقط تفاحة غامزة إياه بمشاكسة: حسنًا أبي. تعال ونتناقش الآن اريد الذهاب.
هز رأسه بيأس فجلس امامها وعيناه تلتهمها فنظرت له بحاجب مرفوع متحدثة بوقاحة: جميلة اليس كذلك.
نفخ خديه بغيظ فتلك الفتاة لها تأثير قوي عليه حقًا رغم أنه لم يراها سوي الآن قائلًا بحدة: هيا قولي ماذا تريدين؟
اعتدلت في جلستها متحدثة بجدية عكس ما كانت عليه منذ قليل: وردتنا معلومات عن تلك الشحنة التي سيقوم ذلك اللعين بإدخالها إلى مصر.
ارجع بيبرس ظهره إلى الخلف قائلًا ببرود: اعلم ذلك. وماذا بعد.
فتحت عينها بصدمة قائلة بحدة: ماذا؟ كنت تعلم؟ ولماذا لم تخبرنا بذلك.
انا التي اخبرت من ارسلكِ ايتها الغبية. وإلا كيف سيعرف هو.
نظرت له وقالت بغيظ: لا تنعتني باللغبية ايها الأبلة. ومن أين لي أن اعرف.
غمز لها قائلًا بإستفزاز: وها انتِ قد علمتي. ماذا بعد.
سيقوموا بتنفيذ عمليتهم نهاية ذلك الشهر. اي بعد عشرة أيام منذ الآن.
اومأ لها بتأكيد: هذا صحيح. تلك الشحنة ذات اهمية كبيرة لدي ذلك اللعين.
تسائلت بقلق: وهل هناك منفذ لتوقف تلك العملية؟
هز رأسه بحيرة: لا أعلم ولكنه أمرني بأن ابعث رسالة لشخص مصري ذو نفوذ كبير.
بالتأكيد سيرفض.
ضحك بسخرية لازعة وقال: لن يستطيع الرفض. فهذا الشخص كان من إحدي ضحاياه في الماضي.
فتحت عينها بإتساع متحدثة بسباب: ذلك اللعين الحقير. صدقني لقد اقتربت نهايته وستكون بشعة بالتأكيد.
زفر الهواء العالق برئتيه ببطئ متذكر عمله مع زعيمه هذا بعد أن أصبح جاسوسًا يعمل لدي شرطة بلده، بالبداية كان يرفض ذلك الأمر الإنتحاري ولكنه عندما علم كل تلك القاذورات قرر الدخول إلى هذا العالم القذر الملئ برائحة الدماء والانتهاك.
افاق على صوتها وهي تقول بعملية: حسنًا سأذهب الآن وسآتي إليك مرة اخري. لن تستطيع التواصل على الهاتف الأمر اشبه بمهمة انتحارية.
وقف قبالتها وبدون سابق انذار قبل وجنتها الوردية بعمق. فتحت عينها بصدمة آخذة بضعة دقائق لكي تستوعب ما حدث منذ قليل.
نظر له متحدثة بتلعثم: م. ماذا ف. فعلت للتو.
اجابها بابتسامة عابثة: ماذا فعلتُ عزيزتي. انها مجرد قبلة بريئة.
حدجته بحدة قائلة: يبدو عليك عديم التربية.
وكيف علمتِ ذلك.
ماذا؟
اقترب منها اكثر مائلًا نحوها متحدثًا بعبث: اذا اردتي الحقيقة لم استطيع مقاومتك فاتنتي.
خجلت واحمر وجهها فذهبت من امامه مسرعة قافزة من الشرفة مثلما جائت. هتف هو بابتسامة بلهاء تزين ثغره: فاتنتي...
في قصر الراوي تجمعت العائلة حول طاولة العشاء في جو ملئ بالبهجة والسعادة، ظلوا يتحدثون كثيرًا إلا أن قاطعهم الحارس الخاص بيزن قائلًا: في مندوب برا يا فندم وبيقول إن الطلب اللي حضرتك طلبته وصل.
اومأ له يزن بهدوء وقال: خليه يدخل الحاجة فوق في الاوضة وخليك معاه عنيك متسهاش عنه يا جلال.
حاضر يا باشا.
لم يمر سوا ثواني معدودة وكان العمال يصعدون للأعلي يقومون بحمل قطع الفراش الجديد الذي طلبه يزن بدلًا من الآخر وبعض الملابس التي تخص ضحي.
خجلت ضحي من النظرات الخبيثة التي يحدجها بهم الجميع مدعية الإنشغال بطعامها ولكن لم يمر هذا على عمر ومراد الذين قرروا مشاكستهم.
تحدث مراد بحنان مصطنع موجهًا حديثه لعمر: بص يا عمر احنا جوازنا هيكون صوري قدام الناس زي ما انت عارف.
وضع عمر وجهه ارضًا بخجل مصطنع: اللي تشوفه يا سيد الناس.
ثم رفرف بأهدابه بدلال.
اقترب مراد بمقعده منه غامزًا بوقاحة: بس ايه الحلاوة دي ما تيجي.
كاد أن يجيبه عمر ولكن صوت يزن الحاد جعلهم يصمتون: اخرس يا حيوان انت وهو بدل ما قسمًا بالله اجوزكوا لبعض بجد.
نظروا له بصدمة حقيقة فابتعد مراد عنه بكرسيه لمكانه قائلًا بتلجل: غبي وتعملها. اصوم اصوم وافطر على عمر.
ضحك الجميع بشدة على حديثهم بينما وجه ضحي كاد أن ينصهر خجلًا من حديثهم فاقتربت من يزن قائلة بنبرة توشك عالبكاء: عجبك كدا يا كازانوفا زمانك.
للحظة كادت أن تنفلت ضحكة منه على تعابير وجهها ولكنه تماسك مردفًا بهدوء: وايه اللي حصل. عادي واحد ومراته.
انهي حديثه بغمزة فابتعدت عنه قائلة بتذمر: وقح واتخدعت فيك.
عندما وجدتهم رضوي يتحدثون بهمس قالت بمكر: ولزومها ايه الهمسات دي ما تاخدها وتطلع فوق احسن.
شهقت ضحي قائلة بصدمة: حتى انتي يا رضوي.
ولكن اكثر ما صدمها هو رد يزن وهو يسحبها بهدوء امام وجوههم المصدومة هاتفًا: معاكِ حق. يلا تصبحوا على خير.
ثم تركهم وغادر تاركًا إياهم ينظرون لبعضهم ببلاهة فجميعهم يعلمون حقيقة العلاقة بينهم ولكن يزن يوضح لهم عكس ذلك الآن، ما السبب يا تُري.
صعد بها للأعلي بعدما انتهي العمال من عملهم، دخل غرفته وخلع جاكيت بدلته بهدوء بينما هي اندفعت له بغضب: ممكن افهم ايه اللي انت عملته دا؟
اجابها ببرود دون النظر إليها: عملت ايه؟
اغتاظت من بروده هذا فصاحت بغيظ: على فكرة انت قليل الأدب.
توقف عما يفعله فالتفت إليها مقتربًا بهدوء محرق للأعصاب، بينما هي ابتلعت ريقها بتوتر عندما وجدته يقترب منها بشدة لا يفصل بينمها سوي انش واحد فقط.
ارتعشت لإقترابه فتحدثت بتلعثم متوتر: لا ب. بقولك ايه. هص. هصوت والم عليك الناس.
حدجها بسخرية دافعًا إياها هاتفًا بتهكم: طيب وسعي كدا عشان اجيب هدومي.
نظرت له بصدمة ثواني واستوعبت ما قاله فقال وهو يذهب إلى المرحاض: مكنتش اعرف ان تفكيرك بطئ كدا.
حدجته بغيظ بعدما اغلق باب المرحاض وهو ينظر إليها بإنتصار. ثواني ووضعت يدها على وجهها بتوتر من الخجل. وقفت امام المرآة متحدثة بإستنكار: اومال فين حمرة الخجل اللي بيتكلموا عنها ولا هي بتيجي للكل وانا لأ.
جال بعقلها فكرة غبية بعض الشئ. قامت بقرص وجنتها بقوة حتى اصبح وجهها احمر من شدة ضغطها عليها، تأوهت بألم قائلة بحسرة: حسبي الله ونعم الوكيل. ليه الإنسان ميتولدش بعيون بنفسجي ولا شعر ازرق ولا حتى خدوده بتحمر.
نظرت لنفسها مرة اخيرة بتذمر ثم ذهبت لتستطلع تلك الملابس التي امر بها يزن لجلبها.
فتحت الحقائب فشهقت بفزع مما تري...
جلست على الأريكة مقابل رزان التي كانت تتحدث معها بحماس، هي حقًا كانت تفتقد جو الدفئ العائلي والصداقة المتينة التي تتخذ مجراها الآن، ظلت رضوي تفكر ماذا لو كانت قد تغيرت من قبل ذلك اليوم، حينها كانت ستظل محبوبة من الجميع، ولكن جاءت تصرفاتها لتعكس ذلك، خسرت نفسها اولًا وعائلتها الحنونة ثانيًا واخيرًا معذب قلبها.
ليتها تستطيع البوح عما تشعر به تجاهه ولكن نظرة النفور التي يرمقها بها تظل هي العائق من إخباره، ربما سيظن بأنها تكذب كما فعلت من قبل ولكن هي لن تيأس وستقوم بإصلاح ذلك الخطأ ليعود إليها مجددًا.
أفاقت على صوت ميمونة المنادِ عليها بجمود، نظرت إليها ومن ثم نظرت لأبيها الذي هز رأسه بإطمئنان فابتسمت بهدوء له. ذلك الأب الحنون الذي وبالرغم بعد كل ما فعلته ظل حنونًا كما كان، كانت تعامله بجفاء شديد، تعانده، تغضبه، حتى مرض واصبح الإعياء ظاهر على جسده لم تزوره بغرفته سوا مرة واحدة على ما تتذكر ولم تكلف نفسها السؤال عليه مرة أخري، حتى قرر فجأة السفر حينها لم يشكل الأمر فارقًا بالنسبة إليها ولكن الآن بات يهمها كثيرًا، اصبح هو مصدر الحنان الذي تستطيع أن تستند عليه دون خوف.
أفاقت على صوت ميمونة المنادي لها مرة أخري ولكن أكثر حدة، فركت وجهها بتعب هي تعلم ما ستحدثها به ولكن فلتري.
صعدت إلى غرفتها وجدت وجهها متهجم وإمارات الغضب متشكلة على وجهها، وقفت امامها بجمود ثم قالت: نعم يا مامي.
نظرت لها بسخط متمتة بحدة: اقدر اعرف ايه اللي بتعمليه دا.
اجابتها ببرود كما هي: عملت ايه يا مامي؟ قاعدة مع ولاد عمي.
ولاد عمك؟
هتفت بها بإستنكار فأكملت بجشع: بس انا مش عايزاكي تقعدي مع ولاد عمك. انا عايزاكي تقعدي مع يزن الراوي. عايزاكي تبعدي الحرباية التانية عنه.
عند هذا الحد ولم تستطيع رضوي التحمل أكثر من ذلك فصرخت بقهر يتجسد بصوتها: حرام عليكي بقاااا، عايزة توصلي لإيه. فضلتي تزرعي فيا روح الحقد والجشع اللي فيكي لحد ما بقيت نسخة مصغرة منك والكل بقا يكرهني. حتى ابويا كنتِ بتبعديني عنه، قستيني عليه وخلتيني اعامله اسوأ معاملة، انتي ايه. انتي مستحيل تكوني أم ابدًا. انتي مستحيل تكوني بني آدمة اصلًا.
كانت تستمع إليها وعينها تتوسع بصدمة حتى اوشكت على الإستدارة من شدة دهشتها بها، ها كل ما زرعته بها من قيم وأخلاق سيئة يضيع هباءًا، تلك الغبية بتفكيرها هذا ستجعل ثروة الراوي تضيع من بين يديها. لم تتحمل حديثها فرفعت يدها عليها لتسقط على صفحات وجه الأخري بشدة، صفعة دوت لها أنحاء الغرفة.
فتحت عينها بصدمة واضعة يدها مكان ضربة والدتها ولم تستطيع التحدث أو النطق بكلمة واحدة، شُل لسانها عن الحديث، ولكن لم تصمت ميمونة عند هذا الحد بل اقتربت منها بحدة متحدثة بفحيح: مش بعد كل اللي عملته واحدة زيك هتيجي تضيعه بطيشها. اللي هقوله هتسمعيه فاهمة؟
لم تجبها بل ظلت تتابعها بعيون تمتلأ بالخوف، ها هي والدتها تكشف عن الوحش الذي بداخلها، جرت اقدامها بخيبة ثم خرجت من الغرفة بأقدام وجسد مرتعش، لم تستطيع السير إلى غرفتها فقد خانتها قدمها لتجلس على السلم وعيناها تحدق بالفراغ بطريقة مخيفة.
قام منتصر بالخروج إلى حديقة القصر، نظر حوله متنفسًا براحة وعيناه تلمع بإعجاب لتلك الأزهار الفريدة من نوعها، كانت مزيج من اللونين الأحمر وبعض اوراقها من اللون النبيذي يتخللها أوراق من اللون الأبيض فكانت ذات مظهر ساحر، اقترب منها والإبتسامة تزين ثغره مقتربًا ليشُم رائحتها، اغمض عينه باستمتاع مصدرًا همهمة بسيطة تدل على إعجابه بها.
حلوة مش كدا!
نظر خلفه فوجد تلك الساحرة التي كانت بالداخل من قليل، نظر لها بإعجاب واضح بعينيه الزيتونية ناظرًا لثيابها بدون خجل والتي كانت تتكون من بنطال ابيض يصل لبعد الركبة بقليل يعلوه بلوزة من اللون الزهري يوجد بها نقوش بيضاء.
حمحمت بخجل عندما انتبهت لتحديقه بها بتلك الطريقة بلا خجل، كم هو وقح ذلك المنتصر بحق.
ساحرة.
نظرت له بضجر فقالت بتذمر: يا استاذ احترم نفسك شوية.
اجابها بإستفزاز حارقًا للأعصاب: بتكلم على الوردة.
نظرت له بغيظ ولكنها لم تعقب بينما هو لاحظ ضيقها فقرر تغيير مجري الحديث وقال: فعلاً شكلها حلو اوي، معتقدش إني شفتها قبل كدا.
عادت البسمة تزين ثغرها تحت ضوء القمر معطيًا إياها مظهرًا رائع خفق له قلبه بقوة، استطردت حديثها قائلة: انا اللي زرعاها، الوردة دي بتاعتي.
نطق بإستغراب: على حسب ما فهمت إنك كنتِ مسافرة، ازاي هي بتاعتك.
نظرت للزهرة مرة اخري قائلة بإبتسامة صغيرة: انا بعشق الورد من وانا صغيرة، وكان عندي جنينة خاصة بيا، ولما بابا قرر يجي يعيش هنا قررت إني يكون عندي جنينة خاصة بيا برضه، بحب كل انواع الزهور والورد بكل انواعهم، ولما كنت مسافرة وشوفت الوردة دي بالذات اشتريتها، نوعها نادر جدًا وغالية جدًا ورغم كدا اشتريتها وجيت زرعتها هنا وخليت عمو عوض الجنايني يهتم بالورد بتاعي لحد ما ارجع ووعدني بكدا وحافظ على الوعد والجنينة لسه جميلة زي ما كانت.
نظرت إليه وجدته يحدجها بإبتسامة صغيرة فأكملت هي بشقاوة: واديني رجعت وانا اللي ههتم بيها.
يا بختهم.
قطبت جبينها بتعجب متسائلة: هما مين.
اشار بعينيه للورود ذات الرائحة الخلابة مكملًا حديثه: يا بخت الورد بيكي.
خجلت من غزله الصريح بها، فأنزلت رأسها بإحراج فتمردت خصلاتها الكنستائية لتنزل على عينيها البنية معطية اياها مظهرًا ساحرًا، وها هي قد اصبحت مهيئة للإلتهام، خاصة بخديها الذي اصبحوا من اللون الأحمر من شدة الخجل.
نفخ بغيظ قائلًا بإستغفار: استغفر الله العظيم يارب، انتي لو ممشتيش دلوقتي هعمل حاجة متعجبكيش يا بنت الناس، وانتِ اخت صاحبي يعني ميصحش.
نظرت له بصدمة لما قاله ففرت من امامه هاربة متخاشية النظر إليه ولعينيه الساحرة بتلك النظرة العابثة التي يحدجها بهاا.
هتفت بتلعثم قبل تهرب من امامه: ق. قليل الادب.
نظر لأثرها بإبتسامة لعوبة قائلًا بهمس: ساحرة فعلاً.
ثم عازد النظر لتلك الزهور مرة اخري ولكن بإبتسامة مختلفة.
شهقت ضحي بفزع من تلك الملابس التي امامها، فقد كانت جميعها تصل لما قبل ركبيتيها بقليل، تظهر اكثر مما تخفي، جزت على اسنانها بغيظ ذاهبة إلى المرحاض مسرعة فاتحة بابه بقوة صارخة بغضب: ممكن اعرف ايه دا؟
صدم يزن من وجودها بالمرحاض بل والادهي دخولها بهذا الشكل عليه وهو يقوم بالإستحمام، جذب مئزره بسرعة ليلفه حول جسده متحدثًا والصدمة مازالت جلية على وجهه: انتِ بتعملي إيه هنا؟
صرخت بغضب ولم تنتبه له حتى الآن: جاوبني بقولك ايه دا؟
ثم رفعت قطعة الملابس أمام عينه ليرفع حاجبيه بإستنكار قائلًا بتهكم: بقا انتِ دخلالي مكان زي دا عشان تسأليني السؤال دا؟
لم تفهم حديثه بالبداية ولكنها تداركت مكان تواجدها معه بل وبالمرحاض، فتحت عينها بصدمة ناظرة حولها بدهشة هاتفة بتلعثم: مك. مكنتش اقصد. انا خارجة.
كادت أن تخرج ولكنها وجدت يد صلبة تمسك رسغها جاذبة إياها بقوة لتصتدم بصدره الصلب، نظرت إليه ويا ليتها لم تنظر له فقد وجدت نظرة المكر بعينيه ليقول بعبث ويداه تحاوط خصرها بتملك عابث: تؤتؤتؤ وانتي مفكرة دخول الحمام زي خروجه ولا ايه يا شاطرة.
تحفزت جميع حواسها لحديثه، شعرت بناقوص الخطر يقترب عندما وجدته قريب منها حد الهلاك فقالت بتلعثم: سب. سبني امشي.
اقترب بوجهه منها اكثر هامسًا: وتمشي ليه يا ضحايا!
دق قلبها بشدة شاعرة بمضخات تكاد تفتك بقفصها الصدري من شدة خفقان فؤادها، ابتلعت ريقها بتوتر قائلة بدهشة: ايه!
اقترب ليشم عبير خصلاتها المتناثرة حولها بإغراء ويداه مازالت تحيطها بتملك قائلًا دون وعي: بتعملي فيا إيه وانتي معايا؟ بكون مش قادر اتمالك نفسي.
تجمد جسدها اثر كلماته مغمضة عينها، تشعر بعاصفة كبيرة من المشاعر التي احتاجتها مبتلعة ريقها ببطئ لتقول: يزن. مينفعش كدا.
انتي مراتي!
نطق بها بصرامة لتنظر إليه عله يمزح ولكنها لم تجد سوا نظرة الجدية التي تظهر على قسمات وجهه الوسيم.
ط. طيب سبني امشي.
نظر لها بعبث قائلًا بمرح تعجبت له: والله يبقي عيبة في حقي لو سبتك تمشي كدا من غير اي حاجة.
انهي حديثه بغمزة وقحة من عيناه مما جعلها تشهق بخجل: مكنتش اعرف إنك قليل الأدب كدا.
حاولت الفرار من بين يده دافعة إياه ولكنها لم تستطيع لتتهدل زراعيها بيأس هاتفة برجاء: وحياة عيالك لتسبني امشي.
طيب ما نجيب العيال عشان تحلفي بيهم.
هتف بها دون خجل لتشعر بجسدها يكاد يهوي من شدة الصدمة فقالت بدهشة: يخربيتك. لا بقولك ايه ابعد عني احسن والله اصوت والم عليك الناس.
ضحكة خافتة خرجت من بين شفتاه ليتحدث بمزاح: والله انتي اللي دخلالي الحمام ولا مش واخدة بالك يا ضحايا.
هتفت بضجر: بطل تقولي كدا بتدايق.
اشفق على حالتها ليتركها قائلًا بمرح غامزًا إياها: سبتك بمزاجي. مسيرك يا ملوخية تيجي تحت المخرطة.
بيئة.
هتفت بها قبل أن تسرع للخارج بسرعة مغلقة باب المرحاض خلفها. بينما هو لأول مرة يضحك من قلبه، تلك المشاكسة قد سلبت لُب قلبه ليقع صريع لها.
قرر إعطاء ذاته فرصة، هو يستحقها وبشدة بعدما عاني بسبب ماضيه الذي مازال يلاحقه حتى الآن، تلك المجنونة استطاعت إحياء جزء من قلبه من جديد، ولا بئس من تجربة تلك المشاعر التي يشعر بها ولأول مرة.
ابتسم بحب فأكمل ما كان يفعله منذ قليل قبل أن تقتحم عليه صغيرته المرحاض.
بينما هي بالخارج وضعت يدها على قلبها تقلل من ضرباته ولكن لا يستجيب، فقربه منها بهذا الشكل جعلها تسقط صريعة له على الفور، نظرت لحالتها متحدثة بإستنكار وهي تنظر للملابس بسخط: الواد بلفني بكلمتين.
تحاملت رضوي على نفسها فوقفت بعد صعوبة بالغة لمحاولتها السيطرة على إنفعالاتها، فتلك الحالة تصيبها منذ وهي صغيرة، عندما تحزن بشدة لا تستطيع الوقوف على قدمها إلا بعد وقت ليس بالقليل، استندت على حافة الحائط وهبطت بهدوء وعيناها مغيمة بالحزن والألم، مازلت صفعة والدتها تترك أثر على وجهها، اغمضت عينها بألم من تذكرها لقسوة والدتها ولكنها لم تعبأ لها بعد الآن.
اتجهت للخارج بملامح شاردة وقلبٌ يدمي من شدة الألم، رآها ساهر وهي بتلك الحالة فانقبض قلبه خوفًا عليها، تُري ماذا حدث لجعلها هكذا! قاوم رغبته الشديدة للذهاب خلفها ومعرفة ما حلّ بها ولكنه لم يستطيع، استأذن من الجالسين وذهب خلفها بخطوات تسابق لها الرياح.
اتبع خطواتها فوجدها تقف بالخارج ودموعها تهبط بصمت مميت على صفحات وجهها، تنظر للسماء بعيون يملؤها الخذلان، لقد خسرت كل شئ، حب عائلتها ووالدتها القاسية واخيرًا معشوقها.
ظل يحدق بها بتردد من الذهاب إليها ولكن تحول بكائها الصامت إلى شقهات خفيضة ليذهب إليها مسرعًا خائفًا عليها من تلك الحالة التي بها.
وقف امامها مردفًا بقلق: مالك يا رضوي. بتعيطي ليه؟
دُهشت من وجوده ولكنه أحست بالأمان يتخلل خلايا جسدها وبدون تردد ارتمت في أحضانه تبكي بقوة، واخيرًا اخرجت بكاؤها المكتوم.
صُدم من فعلتها ولكن تألم قلبه وهو يراها بتلك الحالة فأحاطها بتملك ويده تمر على ظهرها هبوطًا وصعودًا لتهدئتها، ظلت بضعة دقائق تبكي على صدره مطلقة العنان لذلك الألم التي يستقر بمنتصف صدرها، ظل يهدهدها ببعض الكلمات المريحة إلى أن هدأت قليلًا ولكن دموعها مازالت تأخذ مجراها.
تحدث ساهر مازحًا محاولًا تخفيف الأجواء: الدنيا ضلمة والشيطان شاطر وانا جاهز. فاتقي الله.
ضحكت بخفوت وكادت أن تُجيب ولكنهم سمعوا صوتًا حاد يأتي من خلفهم مردفًا بغضب: ايه اللي بيحصل هنا دا!؟
جلس مراد بجانب ايات المنشغلة بهاتفها بعدما تركها الفتيات جالسة وحدها بعيدًا عن الجميع هاتفًا لها بحب ينبع من أعماق قلبه ولكنها لم تلحظ ذلك حتى الآن: قاعدة لوحدك ليه يا يوتا.
نظرت له مبتسمة، وياليتها لم تفعل فتلك الإبتسامة تفعل به العجائب، فتحدثت بهدوء: عادي قاعدة، في حاجة يا مراد؟
كرمش وجهه بتذمر قائلًا بضجر: ايه عايزاني اقوم؟
ضحكت بخفوت موضحة: لا ابدًا. بسأل بس أصلك سبت الشباب قاعدين لوحدهم وجيت.
تحدث بهيام غير واعي لما يقوله: واسيب الدنيا كلها عشانك.
قطبت جبينها بدهشة متحدثة بتوتر: ق. قصدك ايه.
اراد الإعتراف لها. لم يستطيع إخفاء مشاعره بعد الأن، فصغيرته اصيحت ناضجة بما يكفي الأن لإستيعاب ما سيُقال الآن. كان ينتظر فقط حتى تكون مستعدة بما يكفي للإعتراف بعشقها الذي تخلل بين اوردة جسده وها هي فرصته للإعتراف.
تحدث مراد بعد صمت دام لدقائق يفكر في طريقة لإخبارها، حمحم بتوتر كأنه على وشك دخول إمتحان يحدد مصير حياته مردفًا بهدوء عكس عاصفة الخوف المشتعلة بجسده: آيات. جه الوقت اللي اعترفلك بيه بمشاعري. اتأخرت عارف بس دا علشان اقدر اقرر اللي جوايا دا حب ولا تعود بس اكتشفت إنه اكتر من حب. آيات أنا مش بس بحبك، انا بعشقك، شوفتك بتكبري قدام عيوني وكنت بعاملك كأنك بنتي مش بنت عمي. عشت معاكي فترة طفولتي ومراهقتي ونضجي لحد ما حبك اتملك مني. مبقتش عارف افكر غير فيكِ انتِ. بقيتي واخدة كل تفكيري وبحلم بيكِ اكتر ما بشوفك. بخاف عليكي أكتر من روحي لدرجة ممكن اقدم عمري ليكِ مقابل إنك تكوني سعيدة ومبسوطة.
نظر لعينها بقوة هاتفًا بتصميم: ايات انا بعشقك تقبلي تكملي بقيت حياتك معايا؟ مجرد موافقتك دلوقتي هقوم اطلب ايدك من عمي وهتكوني على اسمي لأخر العمر؟ موافقة تكوني شريكة حياتي لأخر نفس فيا؟
اما هي فقد شلت الصدمة لسانها غير قادرة على الحديث، هذا بالتأكيد مزحة سخيفة اول دعابة يقوم برميها لتضحك كالعادة، ولكن ملامج وجهه الجدية وعيونه التي تلمع بشغف نفت كل ذلك، يبدو أنه يتحدث بصدق، لمعة عيناه تخبرها بأنها ملكة قلبه، ولكن هي لا تحبه! هي تحب مصطفي، هي لم تحب سواه ومراد لم يكن سوي اخاها، هو من قام بتربيتها.
كانت تنظر له بغرابة وكأنه كائن فضائي من عالم أخر، اما هو فكان قلبه ينبض بجنون، ها هو قد اعترف لها بكل المشاعر التي يحملها تجاهها ولكن ملامح وجهها لم يكن يظهر عليها سوي الصدمة.
واخيرًا تحدث آيات بصدمة قائلة بتلعثم: مراد انت بتقول ايه!
همس مراد امام وجهها بحب: قولت اللي سمعتيه. قولت اللي انا حاسس بيه ناحيتك من ساعة ما اتولدتي لحد دلوقتي. ودلوقتي عايز اسمع رأيك.
ضحكت بسخرية اودعت بقلبه صريعًا: تسمع إيه؟ مراد انت اخوياا وانت عارف كدا كويس. انا عمري ما فكرت فيك بالشكل دا ولا هفكر حتي. بحبك ايوا بس انت زي يزن بالظبط، غلاوتك من غلاوة يزن وعمر كلكم زي بعض. جاي دلوقتي وتقولي الكلام الاهبل دا؟ انت اكيد بتهزر.
كان يستمع لها وقسمات وجهه تنكمش بقسوة ثم صدمة واخيرًا احتل الجمود وجهه، تحدث بجمود يتخلله بعض الألم: كلام اهبل؟ انتِ شايفة كل اللي قولته دا كلام اهبل؟ للدرجادي مش فارق معاكي بجد؟
كادت أن تتحدث ولكنه قاطعها بقسوة دُهشت منها بشدة: اخرسي مش عايز اسمع كلام تاني، انا فعلاً غلطان. ازاي مفكرتش في كدا.
نظر إليها بقسوة قبل أن يذهب من أمامها بغضب والألم يفتك بصدره، ذلك الأحمق يصرخ بعشقه لها وجاءت هي لتقتله بحديثها، اغمض عينه يمنع تلك الدموع التي تجمعت بحدقتيه محاولًا السيطرة على انفعالاته، ثم خرج من القصر بأكمله يسير بلا هوادة.
انتفض كلًا من ساهر ورضوي على هذا الصوت الغاضب الذي يصرخ بهم، فابتعدت رضوي بسرعة عن احضان ساهر قائلة بخوف: ب. بابا!
انا عايز اعرف ايه المهزلة اللي بتحصل دي!؟
هتف بها بحدة وغلت الدماء بعروقه عندما وجد ابنته الوحيدة تحتضنه بهذا الشكل.
دفع ساهر رضوي ناحية ابيها هاتفًا بضجر: اتقي الله يا اخت رضوي ما الذي تفعلينه اوختاااه.
نظرت له رضوي بصدمة متمتة بدهشة: بتبعني يا ساهر.
اخ ساهر لو سمحتِ يا اخت رضوي، سأذهب الآن لدي الكثير من الأعمال.
ثم ولج للداخل بسرعة غير عابئ لغضب مدحت.
نظرت رضوي لأبيها الغاضب قائلة بتلعثم: وا. والله يا ب. بابا. يعني. هو.
قاطعها بصرامة: عايز اعرف كل حاجة بينك وبينه.
نظرت لأبيها فتحدثت بخفوت متلعثم: ب. بحبه يا بابا.
رفع والدها حاجبه بإستنكار مردفًا: بابا مين بقا. دا انتي اللي بابا.
ظلت تفرك بيدها متوترة فرأف بحالها لامسًا على شعرها بحنان وقال: احكيلي.
ابتسمت لأبيها الحنون وشرعت في قص كل ما حدث بداية بمعرفتها بساهر والرهان الأحمق المتفق مع اصدقائها حتى معرفته بلعبتها الحمقاء ومحاولتها لإصلاح كل ما اقترفته.
كانت ملامح وجهه تتغير ما بين الجدية والغضب والحدة بسبب افعالها الطائشة فقال بهدوء يشوبه بعض الحدة: ايه الهبل اللي انتِ عملتيه دا!
والله يا بابا كان غصب عني ومكنتش عارفة اللي بعمله غير لما حبيته وبعد عني.
تنهد مدحت بهدوء قائلًا: اللي انتِ عملتيه غلط، وغلط جدًا كمان، ولو كان مش بيحبك بجد مكنش سامحك بالسرعة دي بس انتي مهونتيش عليه.
لمعت عين رضوي بحب لساهر الذي امتلك عقلها وقلبها وكل تفكيرها.
قطب مدحت جبينه بتعجب ممسكًا وجه رضوي بتعجب: ايه اللي في وشك دا.
وضعت يدها مكان صفعة والدتها مردفة بتلعثم: م. مفيش.
احمرت عينه بغضب قائلًا بصراخ: امك صح!
هزت رأسها بتردد لتشتعل النيران بعينه وولج للداخل بغضب قاصدًا غرفة ميمونة.
ارتدت ضحي ملابسها ونزلت للأسفل لتوديع اخيها فقد حان وقت ذهابهم، احتضنته بقوة مودعة اياه وهو كذلك.
وبعد أن ذهبوا صعدت للأعلي لتجد يزن جالسًا على الفراش وبيده تلك المادة البيضاء يتناولها بنشوة.
ضحي بصدمة: يزن!