قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل الثاني والعشرون

رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل الثاني والعشرون

رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل الثاني والعشرون

نائمة، تائهة، تشعر أنها في متاهة لا تستطيع الخروج منها، لطالما كان الحزن ينهش قلبها بقسوة، واليأس تملك منها، لكن حاربت لتظهر عكس ذلك، ولكن بعودة الماضي ومجيئه بحقيقة صادمة، جعل منها فتاة كالدمية تسير كما يريد الآخرين.
هبطت دموعها في نومها وتلك الكوابيس تلاحقها من جديد بعد عودة والدها اليوم! جاء وجاءت معه ذكرياته الأليمة، جاءت ذكري هذا اليوم الذي كان نقطة تحول في حياتها.

كانت ضحي جالسة على الأريكة في منزلها الصغير منتظرة قدوم والدتها من العمل والتي تأتي منه منهكة بشدة بعد تغير معاملة أبيها الحنون لهم فأصبح قاسيًا يقوم بإهانتها هي ووالدتها دائمًا، استمعت إلى الصوت الباب يُفتح فظنت أنها والدتها لذلك وقفت سريعًا متجهة ناحية باب شقتهم لتجد والدها هو الذي أمامها.

تعجبت في البداية ولكنها لم ترمي للأمر أي أهمية ولم تسأله حتى لا يقوم بتوبيخها كعادته الأخيرة، ولكن ما لفت إنتباهها هو ذلك الرجل والذي يتبين عليه الثراء من ثيابه، كانت تراه مؤخرًا ولكنه لم يعد يأتي لسبب غير معلوم بالنسبة لها، والان هو يقف مع والدها يحدجها بنظرات غير مريحة.

حسمت امرها بالتوجه إلى عرفتها وكادت أن تغلق بابها حتى استمعت لصوت والدها الغليظ مردفًا وهو يمد يده بزجاجة والتي عرفتها فورًا من شكلها الغريب: خدي يابت صبي كاسين.
قطبت جببنها بغضب وهزت رأسها نافية وهي تقول: لا انا مش هصبلكوا القرف دا.
ذهب إليها سريعًا ليمسك ذراعها بقسوة قائلًا وهو يهز جسدها الصغير بين يديه بغضب: انتي بتعصيني ياااا زباااالة! بقوووولك روحي صبلنا الطفح على دماغك.

سقطت دموعها بقهر وهي تهز رأسها بنفي تتذكر حديث والدتها وهي تحذرها من فعل تلك المعصية.
ذهب إليهم ذلك الثري كما اسمته والذي كان يتابع ما يحدث بعيون كالصقر ليردف بهدوء وهو يمرر عينه على جسدها بوقاحة: اهدي يا حمدي، روح انت صبلنا كاسين وانا هفهم السنيورة بنتك.

ترك ابيها يدها بعنف كأنها وباء سيجلب له المرض ثم ذهب ناحية المطبخ ليفعل ما يريد، بينما ذلك الوقف كان مازال يحدجها بنظراته المنفرة لتنظر له بإشمئزاز وكادت أن تذهب ولكنه امسك بيدها هاتفًا بخبث: راحة فين يا قطة متكلمناش.
نفضت يدها بغضب رغم أنها مازالت طفلة ولكنها تعلم الصواب من الخطأ كما علمتها والدتها وكذلك والدها!

تحدثت بحدة وهي ترفع يدها أمام وجهه محذرة إياه لتقول بسخط: ابعد ايدك عني يا راجل انت. انتي مفكرني عيلة ولا إيه!
شملها بنظراته بوقاحة عالية متشدقًا: بقي الجمال دا كله يتقال عليه عيلة! دا انتي خسارة تتسابي.
لم يفهم عقلها الصغير ما يرمي إليه ولكن تشعر بالنفور من حديثه لذلك حدجته بقرف قبل أن تغلق باب العرفة بوجهه تاركة إياه ينظر إليها بشهوة مقرفة.

وضعت يدها موضع قلبها تتنفس بعنف خوفًا من نظراته التي كانت تأكلها بعيناه، حاولت تهدئة نفسها ولكن استمعت لصوت ضحكاته الغليظة في الخارج ومعه صوت والدها، يبدوا بأنهم بدأوا بتناول تلك الكحولات المسكرة، ولم يخيب ظنها حيث استمعت إلى صوت والدها وهو يقول بتذكر وصوت ناعس: انا. انا نسيت اجيب الحجرين. ه. هنزل اجيبهم من القهوة تحت وجاي.

فتحت عيناها بذعر وهي تستمع إلى إغلاق صوت باب منزلها وخروج أبيها منه، ماذا يعني ذلك! هل هي بمفردها في المنزل مع هذا الحقير! وحدها! يا الله ماهذه الورطة! تأكدت من إنغلاق باب غرفتها ولكن لسوء حظها كان مفتاح الغرفة غير موجود ولا يوجد غالق للباب.
انقبض قلبها بخوف وهي تدعو الله أن يكون غير واعي، ولكن تجمد جسدها عندما وجدت مقبض الغرفة يُفتح وهو يدلف منه ناظرًا إليها بخبث اقشعر لها بدنها.

تحاملت على نفسها تحاول أن تستجمع قواها الهاربة لتقول بغضب: انت مجنون! ايه اللي دخلك هنا!
كان بحالة لاوعي ينظر لها من اعلاها لأسفلها ثم اقترب منها وهي تبتعد بخوف وجسد مرتعش، اعادت سؤالها بحدة وداخلها يرتعش خوفًا: انت مبتسمعش! اطلع براااا.
كانت تتحدث بصراخ فاقترب منها مسرعًا ثم كمم فمها بينما هي فتحت عيناها بصدمة وازداد الخوف بقلبها وهي تراه يقترب منها بشدة.

كم تمنت في ذلك الوقت أن يأتي أخيها ليخلصها من براثنه ولكن فجأة وجدته يبتعد عنها وهو يقول بفزع مزيف: انتِ ايه اللي بتعمليه دا ميصحش كدا.
نظرت له بإستغراب وكادت أن تتحدث ولكن وجدت والدها يدخل الغرفة ويتصاعد الشرر من عيناه ليتسائل بحدة: ايه اللي بيحصل هنا دا!
اصطنع الآخر الإرتباك مردفًا بخوف مصطنع أجاد اصطناعه: م. مفيش يا حمدي، هو. هو بس...
انت هتهتهلي، اي اللي جابك الاوضة هنااااا.

برر مسرعًا قبل أن تتحدث هي ليقول بحزن مصطنع: انا كنت قاعد مكاني في الصالة لقيتها بتناديلي وبتقولي تعالي ثواني هوريك حاجة في اوضتي ولما دخلت كانت. كانت عايزة يعني حاجات مش كويسة.
قال الأخيرة بإرتباك مزيف لتفتح هي عينها بصدمة لا تستطيع استيعاب ما قاله للتو، نظرت لوجه ابيها الذي يشتعل فقالت مبررة: والله يا بابا ما حصل، دا هو. هو، اااااه...

قطعت حديثها بألم عندما وجدت كف أبيها يهبط على وجنتها بقسوة فكادت أن تدافع عن نفسها حتى وجدته يهبط فوقها بضربات قاسية وهي تحاول النجاة من تحت يده ولكنها لم تستطيع المقاومة، ظل يضرب بها بلا رحمة لتسمع صراخه الهستيري يقول بصراخ: ااااه يا بنت ال، هتعملي زيهااااا يابنت ال.

لم تشعر بجسدها من قوة الضربات حتى أحست بتخدره كاملًا لتسقط فاقدة للوعي قبل أن تسمع صوت والدتها الصارخ التي اتت في الحال لتجد ابنتها في يد من لا يرحم والمفترض أنه ابيها.
Back...

فتحت عيناها بفزع تتنفس بعنف وهي تضع يده على جسدها تتأكد من عدم وجود أي إصابات، لتعلم انه مجرد كابوس مقيت يلازمها منذ ذلك اليوم، ذلك اليوم الذي ازداد به كرهها لوالدها لتحاول بقدر الإمكان أن تنفضه من أفكارها ولكن بات يعاودها بإستمرار تلك الأيام وخاصة مع ظهور والدها وإدعائه بخيانة والدتها.

نظرت جانبها تريد أن تبث نفسها بالأمان داخل أحضانه ولكنها لم تجده! أحاطت الغرفة بنظرها علها تراه ولكن تأتي لها نفس النتيجة وهي عدم وجوده بالغرفة، شعرت بالريبة وبدأ الخوف يتسلل لقلبها العاشق وأحست بالخطر لتنظر في ساعة هاتفها فوجدتها الثانية صباحًا!

أين هو بهذا الوقت! هبطت من الفراش بسرعة لتخرج تحاول البحث عنه بالقصر لكن كان يقابلها الفراغ، تنفست بعنف وقلبها أعلن الإحتجاج عن عدم وجوده مطالبًا منها بالحبث عنه، ولكن أين يمكن أن تبحث بهذا الوقت!
شعرت باليأس فعادت إلى غرفتها مجددًا وخوفها يتفاقم لتسقط دموعها بلا إرادة واضعة يدها على قلبها الذي يطرق بشدة مناجية برجاء: يارب احفظهولي.
أُنافس فرحة النجوم عند رؤيتي لعينيك.
غيم
قبل قليل...

عندما وصلت إليه تلك المكالمة من بيبرس والذي يخبره الآن بموعد شحنة العقاقير التي سيتم تسلمها من الميناء معاونة مع بعض الأشخاص، توعد لهم بأشد العذاب وأن يُذيقهم من نفس الكأس الذي تجرعه، قام بالإتصال على مراد والذي أجاب بعد عدة ثواني ليقول بنعاس: ايه يا يزن في ايه!
اجابه يزن بصرامة لا تقبل النقاش: خمس دقايق بالظبط وتكون قدامي يا مراد، هتلاقيني مستنيك قدام القصر.

تعجب مراد بشدة وقبل أن يسأل عما يدور بداخله وجد الهاتف يغلق فمط شفتيه بغيظ من أفعال ابن عمه، ليتجهز ويرتدي ثيابه على عجلة للهبوط للأسفل.
بينما يزن قام بمهاتفة عمر هو الآخر والذي أجاب بعد عدة مرات متتالية، جز يزن على اسنانه بغيظ وهو يقول: انا مش عارف انت بقيت ظابط ازاي! دا لو فيه هجوم والدنيا حرب حواليك هتنام زي القتيل.

تأفف عمر وهي يتمدد على ظهره قائلًا بنعاس: حبيبي تسلم بس المعلومة دي مكنش ينفع تتأجل للصبح!
خرج يزن لشرفته حتى لا تستيقظ ضحي من نومها ليهدر بغضب: خمس دقايق وتكون قدامي يا زفت، قسمًا بالله لو ملقتكش قدامي هجي افرغ خزنتي في دماغك.
كاد عمر أن يجيب ولكن وجد يزن يغلق الهاتف بوجهه ليقول بضجر: اه ما انا الفلبينية اللي جايبها ليك ابوك.

ثم قام وبدل ثيابه وهو يتمتم بسخط على قرابته لتلك العائلة التي لا تعطي للنائم أي إحترام!
توجه يزن للغرفة مجددًا مبدلًا ثيابه لثياب رسمية من اللون الأسود ثم جلس على طرف الفراش مقبلًا جبهة ضحي بحب وعشق يتغلغل داخل اوردته مردفًا بعشق: بحبك أوي، ولو حصلي حاجة هتفضلي انتِ الحاجة الوحيدة النضيفة اللي في حياتي.

بينما في الخارج ظل عمر يتأفف وهو يقف في بهو القصر ومعه مراد ليهتف بغيظ: يعني يصحينا الساعة اتنين ويقولي خمس دقايق وتبقي قدامي وهو بقاله نص ساعة فوق؟ انا مشوفتش بجاحة كدا.
مشوفتش ايه يا عمر يا حبيبي!
ليبتلع ريقه بخوف عندما رآه يهبط درجات السلم ببرود محدجًا إياه بجمود ليقول بصوت متلعثم: مشوفتش في جدعنتك وزوقك يا صاحبي وعشرة عمري وعم عيالي و.
قاطعه بملل قائلًا: خلاص خلاص، ناقص تقولي إني مراتك.

قاطع حديثهم صوت مراد المتسائل: مقولتلناش عايزنا في ايه يا يزن!
عاودت نظرة الخبث ترتسم على ملامح وجهه وتلك البسمة المخيفة التي تشكلت على ثغره ليردف بوعيد: كل خير. كل خير يا مراد.

نظر إلى عمر المتابع حديثه بإهتمام وجدية ليخبره قائلًا: عمر. عايزك تكلم القوات دلوقتي حالًا يجوا على مكان تسليم شحنة مخدرات كبيرة اوي هيروح فيها رقاب رجال مافيا على مستوي العالم كله، الشحنة دي بتشمل مخدرات والماظ مسروق جايبينوا مصر عشان يضيعوا بقيت الشباب.
كانا يستمعان له بصدمة واضحة ليردف عمر بدهشة: بس دا محتاج إذن من فوق خالص، ودا مينفعش يتم دلوقتي.

اخرج يزن ورقة من جيب بنطاله وهو يطالعه بثقته المعهودة ثم سلمها له هاتفًا: الإذن اللي انت عايزه اهو، المهم كلمهم دلوقتي معندناش وقت.
ليتسائل مراد بدهشة: انت عملت دا كله امتي يا يزن!
تحدث يزن بضجر وهو يسبقهم إلى سيارته: بقولك مفيش وقت يا مراد، مش باقي على ميعاد الشحنة كتير.
أحببتك فوق الحب حبًا، والزمن يتوقف وقلبي لك يزداد عشقًا.

كان مرتضي يدور في غرفته ذهابًا وإيابًا ولم يزور النوم عينه قط، ينتظر على أحر من الجمر ليري نتيجة الفحوصات التي ارسلها، قطع شروده صوت هاتفه فأجاب عليه بسرعة وبعد ثواني مجدودة توجه إلى خزانته مسرعًا لإرتداء ثيابه، ها هو اليوم الموعود قد أتي، سينتقم اليوم من يزن الراوي أشدّ انواع الإنتقام، عدوه الأول وليس الأخير.

انتهي من ثيابه ليخرج من غرفته وقبل أن يتجه للخارج توجه إلى غرفة مصطفي ليجده مستيقظًا ونظره مسلط إلى نقطة ما شاردٌ بها.
تحدث مرتضي وهو يلج للداخل: حمدالله على سلامتك يابن اخويا.
فاق من شروده لينظر له بإستخفاف مرددًا: الله يسلمك يا عمي.
ثم تابع بخبث: على فين كدا في الوقت دا.
أجابه مرتضي بثبوت مصطنع: عندي مشكلة في الشركة ولازم اروح ضروري. المهم انا جبتلك خدامة جديدة ولو عوزت أي حاجة ممكن تنادي عليها.

اومأ له لينادي مرتضي على تلك إلى الخادمة بصوت عالي لتسمعه: هدير، يا هدير.
اتت له هدير مهرولة وهي تقول بخفوت: اوامرك يا مرتضي بيه.
لو مصطفي باشا عايز اي حاجة اعملهالوا وخليكي معاه متسبهوش لحظة.
اومأت له بخضوع وخرجت من الغرفة ليتبعها مرتضي قائلًا بصوت خافت حتى لا يسمعه الآخر: عملتي اللي قولتلك عليه! جبتي الورق المطلوب من مكتب مراد الراوي!
ايواا يا باشا عملت زي ما حضرتك امرت بالظبط.

تمام. خلي بالك من مصطفي بقي وخليه تحت عنيكي.
قال جملته تلك ثم خرج من غرفته ومن بعدها من منزله بالكامل، بينما مصطفي غزت ملامح المكر على وجهه وهو يقول بفحيح: يزن الراوي هيصفيكوا واحد واحد.
شرد فيما حدث عندما تم أخذه من أمام مكتبه ليشعر بشئ ما يكمم فمه ومن بعدها فقد وعيه.

Flash Back.
خرج من عمله بهيبة تحتله بسبب مكانته التي حصل عليها كضابط مخابرات ونفوذ عائلته الكبير.
وقف أمام سيارته ثم صعد بها فقادها إلى وجهته حيث عمارته السكنية الراقية التي يعيش بها بعيدًا عن والده، يريد أن يبتعد عنه وعن عالمه الذي دخل به رغمًا عنه، فهو بات يستغله ببشاعة مستغلًا مركزه كرائد في المخابرات ومن خلاله يتم تحويل الشحنات المخدرة لداخل البلاد بتصريح منه.

وصل إلى عمارته الراقية ثم دخل شقته ذات الأساس الراقي والذي يظهر عليه البهظ والغناء، كاد أن يخطو خطواته إلى غرفته ولكنه استمع إلى صوت رنين جرس منزله ليتأفف بتعب وهو يفرك جبهته بإنهاك، ذهب ثم فتحه فأستقبل رطمة من رأس الذي أمامه أدت إلى فقدانه للوعي.

لم يشعر بنفسه إلا وهو مكبل بالأحبال المتينة التي تلتف حول جسده ليتحرك بعنف محاولًا الفكاك منها لكن لم يستطيع، بعد قليل استمع إلى خطوات تقترب من الباب حتى فُتح على مصرعه ليري أمامه رجلان مثل الجثة يتوقفان أمامه.
اهتز بدنه من مظهرهم وظنهم بأنهم إحدي المجرمين ليتحدث بغضب: انتوا مين وعايزين مني ايه!

اقتربوا منه بإبتسامة خبيثة رسمت على محياة ليقول بغلظة: انت جاي تاخد الواجب وتمشي، دا انت متوصي عليك من فوق أوي.
كاد أن يتحدث ولكن قاطعته لكمة من يد أحدهم أن إلى سقوط الكرسي الجالس عليه ليتأوه بعنف محاولًا الفكاك من هذا الأسر ولكن لا فائدة، قابلته لكمة أخري في معدته تبعته واحدة على رأسه وظلوا هكذا لبضعة دقائق يبرحونه ضربًا حتى فقد وعيه تمامًا.

اخرج أحدهم الهاتف من جيب بنطاله ليطلب رقم رب عمله ليقول بعد بضعة ثواني: كله حصل زي ما أمرت يا باشا.
استنيني وانا جايلك.
تحت أمرك يا باشا.
ثم نظر إلى صديقه وأردف: تعالي أحنا نخرج برا لحد ما الباشا يوصل.
فأومأ له الآخر ثم تركوه فاقدًا لوعيه حتى يأتي إليه مصيره.

مر وقت كثير وهو فاقد وعيه حتى بدأ تدريجيًا بإستعادته، فتح عينه ببطئ ثم أغلقها مرة أخري يحاول الإعتياد على الإضاءة الخافتة، لكن وحد ظل شخص يجلس أنامه يحدجه ببرود، واخيرًا ظهرت صورته الكاملة أمامه، هيبته الطاغية ونظراته التي يصوبها له كالسهام جعلته يبتلع ريقه ببطئ فتحدث بتلعثم: ي. يزن الراوي.

لم يجبه الآخر بل ظلت نظراته مصوبة عليه يضع يده أسفل ذقنه متابعًا تأوهاته المتألمة بإستمتاع وكأنه عرض مسرحيّ مميز، واخيرًا تخلي عن جلسته واقفًا ثم اقترب منه ببطئ مهلك حتى وقف قبالته فأنزل رأسه لمستوي جلسته متحدثًا بفحيح: تحب نقطع على طول ولا نسلخ الأول!

فتح الآخر عيناه بصدمة فهو بالتأكيد يمزح، عن أي قطع وسلخ سيفعله هو، تعالت ضحكات يزن بلا روح عندما رأي ملامح وجهه المفزوعة ووجهه الشاحب، يكاد يقسم أن الدماء هربت من جسده أثناء حضوره وحديثه الطاغي.
خرج صوته متحشرجًا بخوف: انت. انت عايز ايه.
انت اللي عااااايز ايه من اختي يابن الرفاعي.

كان هذا صوته الذي صرخ به فكان يشبه الرعد مما جعل الآخر يصمت عن الحديث، بينما أكمل يزن حديثه قائلًا بغضب: متخلنيش اتعامل معاك بإسلوب صدقني انت مش هتحبه وهخليك تكره اليوم اللي سمعت فيه اسم يزن الراوي.
انا. انا معملتش حاجة.

مط شفتيه بجمود ليفاجئه بلكمة من يده ارتطمت بوجهه بعنف ليشعر الآخر بتحطم عظامه من قوتها، أردف يزن بفحيح بجانب اذنه: قولتلك متخلنيش اتعامل معاك زي الكلاب، احنا لسه بنقول يا هادي، مش عايز اعمل معاك اللي هعمله في ابوك...
لم يفهم حديثه ولكن ردد بصدمة: ابويا! انت هتعمل فيه ايه!
رمي يزن قنبلته مردفًا: مش لو كان ابوك اصلًا!

نزلت كلماته على الاخر كالصاعقة في ليالي ديسمبر شاعرًا بخناجر تُغرس في قلبه أثر كلماته، أجابه بعد وقت طويل من الصمت والصدمة: قصدك ايه!
لم يشفق يزن على حالته وشحوبه والذي كان يحاكي شحوب الأموات ليتشدق بقسوة: سالم الرفاعي مش ابوك يا مصطفي يا رفاعي، ابوك الحقيقي هو مرتضي الرفاعي اللي انت مفكره عمك وهو كمان مفكرك ابن اخوه فبيستغلك بطريقة حقيرة.

تتوالي الصدمات على رأسه في هذا الوقت القصير الذي قضاه معه فلم يستطيع فتح فمه للحديث ليكمل الآخر دون إعطاء مشاعره ادني اهتمام: سالم الرفاعي سرقك من مرتضي لما كنت لسه حتة لحمة حمرا وفهمه إنك مُت، وامك اللي هي مرات مرتضي تبقي هي عشيقة سالم عمك.

ماذا! بالتأكيد كل هذا هُراء، هذا ليس صحيح، لا يستطيع تجميع الكلمات لقولها فقد ألجمته الصدمة كليًا لتهبط دموعه بأسي، تذكر حينما أجبره سالم على دخوله للشرطة وهو لم يكن يرغب بذلك نهائيًا حتى علم السبب الحقيقي عندما طلب منه أن يحمل مسؤلية شحنة قادمة للميناء وسيكون هو المشرف عليها، لم يكن يعلم من البداية على ما تحتوي تلك البضائع لكن حينما علم صاح بعمه بغضب شديد فهو ليس مثله ولا يحب عملهم المشبوه هذا، كان يود أن يجعل لنفسه كيان خاص بعيدًا عن عائلته لكن ابيه والذي لم يكن سوي عمه السارق بدأ بإبتزازه عندما كان يرفض التوقيع على الشحنات الاخري.

كان يزن يتابعه ببرود ولكن بعد أن طال الصمت تحدث بجمود: مرتضي الرفاعي شاكك دلوقتي في سالم، ودا طبعًا بعد ما انا دخلت الشك دا في دماغه.
ثم احتدت نبرته قائلًا بشيطانية: بس قسمًا بالله لهصفيهم واحد واحد، ودلوقتي القرار قرارك.

صمت عندما توجهت أنظار مصطفي وعيناه التي أصبحت جمرة من الدماء أثر كتمه لدموعه ليكمل يزن مردفًا: يا تبقي معايا وهخلصك من شرهم، ياااا، يا تكون في صفهم ومن اللحظة اللي هتنطق فيها بقرارك هقتلك عشان احسر قلب مرتضي عليك.
اجابه مصطفي بعد مدة قصيرة قائلًا بجمود: انا معاك.
ابتسم الآخر بثقة ليخلع عنه جاكيت بذلته ثم شمر عن ساعديه ليقول بشر: مش معني إنك اتحالفت معايا إني هسيب حق اختي.
Back: -.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة