قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل الثامن عشر

رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل الثامن عشر

رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل الثامن عشر

الخوف كالإنهيار يتبعه السقوط من أعلي قمة جبل عالي فلا مفر للنجاة، كذلك القلب عندما يتعلق يصبح من الصعب عليك النجاة من براثنه لتقع أسير للعين والقلب والروح ولا يمكن نسيانه حتى لفظ انفاسك الأخيرة.
دخلت عليها الخادمة وداد وهي تحمل صينية الطعام لتقول بنبرة حنونة كعادتها: تعالي يا بنتي كلي لقمتين يرموا عضمك بدل ما انتي مكلتيش حاجة من امبارح.

مسحت ايات دموعها وهي تقول بصوت متحشرج من البكاء: مليش نفس يا دادة.
تنهدت وداد بحزن بعدما وضعت الطعام على الطاولة أمام فراشها ثم اردفت: طيب قوليلي عايزة إيه وانا اعملهولك. انتي حتى مش مخلياني اقولك لفريدة هانم على حالتك دي.
متقلقيش يا دادة انا كويسة.
صمتت ولكنها قالت بلهفة ثم وقفت أمامها ممسكة يدها برجاء: ممكن يا دادة تديني تليفونك اعمل مكالمة بيه، صدقيني مش هتأخر.

أخرجت وداد هاتفها من جيب عبائتها التي ترتديها وهي تقول: لو دا هيفرحك خدي يا بنتي، هخرج انا برا لحد ما تخلصي.
اومأت لها بفرحة فتركتها وداد ثم قامت بالخروج من الغرفة تاركة إياها تنظر للهاتف بشرود.
ضربت بعض الأرقام التي تحفظها منذ صغرها وانتظرت ثواني مروا عليها كالدهر وهي تقضم اظافرها بتوتر وخوف، جاءها صوته ذو البحة الرجولية الجذابة وهو يقول: الو يا دادة.

هبطت دموعها بصمت فكم اشتاقت لنبرته الحنونة ومعاملته الطيبة معها، وضعت يدها على فمها تمنع إصدار شهقات من فمها حتى لا يعلم إنها تبكي.
علي الجانب الآخر في مدينة الغردقة نظر للهاتف بإستغراب من هذا الصمت ولكنه سمع صوت أنفاس حادة فعلم انها هي، وكيف يجهلها وهي نور طريقه، معذبته منذ الصغر، مالكة قلبه من البداية، ومعشوقته الساحرة، واخيرًا خرج صوته مرددًا اسمها بهمس: آيات!

خرجت شهقة صغيرة من فمها فعلم أنها تبكي فوضع يده على قلبه يمنع ضرباته المتسارعة ولكن كيف! كيف يستطيع تهدأه نبضاته وهي امامه، نعم ليست امامه بمعني الكلمة ولكنه يشعر بوجودها، يتخيل ضحكتها البريئة التي وقع لها اسيرًا، فأغمض عينه بألم عندما زادت شهقاتها فقال برجاء: آيات عشان خاطري كفاية. انا مش مستحمل والله.
خرج صوتها مبحوحًا وهي تهتف: مراد ارجع عشان خاطري.

يا الله. لماذا تضعه بهذا الموقف، يعترف بضعفه امام صوتها ولكن لا. ليس بتلك السهولة، هو متيقن من حبها له ولكن هي تجهل ذلك، تظن بأنه اعتياد وحب اخوي لذلك أراد التأكد أهذا الذي تقوله صحيح كما تدعي أم لا! والان علم الإجابة هي تحبه كما يحبها ولكنها لم تعترف بذلك، وسيعود عندما تنطقها هي، لذلك أجاب عليها بصوت جعله ثابتًا قدر الإمكان قائلًا بنبرة جامدة: مش هينفع يا آيات. عندي شغل كتير هنا ولازم يخلص.

ارتعشت شفتاها وهي تجيب: وامتي الشغل دا هيخلص!
زفر بقوة ثم أجاب بجمود أجاد اصطناعه: مش عارف لسه. يمكن اسبوع، اتنين او شهر.
شهر!
هتفت بها بصدمة ليجيبها هو متصنعًا الإنشغال: عن اذنك دلوقتي عندي شغل.
ثم اغلق الهاتف وهو يمنع نفسه من البكاء قدر الإمكان.

اما هي ظلت متصنمة مكانها لا تقوي لا الحراك فأفاقت على طرق الباب ولم تكن سوا وداد التي تنظر لها بشفقة، اعطتها الهاتف بصمت فأخذته منها وخرجت غالقة باب حجرتها عليها.

اتجهت إلى الفراش بخطوات بطيئة فجلست عليه ثم شرعت بالبكاء الذي اهلكها، احست بروحها تزهق ولا تستطيع التنفس فحاولت الهدوء حتى تستطيع إستعادة وتيرة أنفاسها المفقودة، هي نادمة بشدة ولكن بما يفيد الندم الآن بعد أن تركها ورحل وكل هذا بسبب غبائها.
تشتاق لأحاديثه كثيرًا، لدلاله الذي كان يغدقها به وهي بكل سذاجة كانت تعتبر اهتمامه بها كأخ وصديق لا أكثر.

دخلت عليها ضحي بملامح قلقة حينما استمعت لصوت بكائها العنيف عندما كانت تمر من أمام غرفتها لتتحدث بقلق بالغ: آيات. مالك يا حبيبتي.
نظرت لها بعيونها المتورمة ولم تجب عليها بل ظلت تبكي بخفوت وصمت، تذكرت ضحي حديث يزن وظنت بأنها تبكي لفقدانها مصطفي، فوضعت يدها على ظهرها وهي تقول بعتاب: ليه كدا يا آيات. إنسان زي دا ميستاهلش إنك تزعلي عليه ولو للحظة واحدة.

نظرت لها بإستغراب فقالت بصوت مبحوح ومازالت تبكي: بس انا جرحته وهو زعلان مني اوي. مكانته عندي غالية اوي ومش اي حد يقدر يوصلها.
حاولت ضحي التحكم بأعصابها حتى لا تشوه وجه تلك الغبية فقالت بهدوء مزيف: انتِ بردو اللي جرحتيه! ولا هو اللي غدر بيكي! دا كلب ولا يسوي.
ردت عليها آيات بحدة تلك المرة: ضحي، انتي بتقولي إيه! مراد مغدرش بيا انا اللي جرحته واتخليت عنه عشان كدا هو بعد.

رددت ضحي حديثها قائلة بهمس وصل للأخري: مراد! جرحتيه! انتي اللي بعدتي! ايه دا هو مين اللي خزوق مين!
نظرت لها آيات بجهل ولكن حالتها لم تسمح لها بمجادلتها ففضلت الصمت في تلك الحالة أما ضحي لم تصمت بالطبع فقالت مستفهمة: افهم طيب. يعني انت بتعيطي على مراد مش على مصطفي!
مسحت آيات دموعها المتساقطة بأناملها وقالت بصوت مبحوح وهي تشرد بتعجب: انا معيطتش على مصطفي اصلًا. كل اللي كان هاممني إن مراد ميزعلش مني.

نظرت إليها ضحي بخبث وها قد علمت ما يحدث، تلك الماكرة لا تعلم أن قلبها ينبض لمراد ليس لغيره من الرجال ولكنها أحبت حديثها المعسول من المخادع الآخر جعلها يظن بأنها تحبه وتركت الآخر يعاني من ويلات العذاب، تحدثت بمكر صريح في حديثها: مراااللد قولتيلي، يعني انتِ بتحبِ مراد ولا مصطفي!

توترت وتلعثمت وشعرت بأن أنفاسها غير منتظمة عندما استمعت لسؤالها الغير متوقع هذا لتقول بعدها بتردد: هاااا مراد. لا. لا مراد زي اخويا.
رفعت حاجبها بإستنكار من غبائها هذا ولكنها وضعت كل هذا جانبًا وتحدثت بجدية: بعيدًا عن اي حاجة انتِ شايفة اللي انتِ عملتيه صح!؟

نكست رأسها للأسفل بخجل وتسابقت الدموع لتجري على وجهها مرة اخرى فهزت رأسها بخجل دلالة على النفي فاستكملت ضحي حديثها متشدقة: ولما هو لأ ليه عملتي كدا!

اجابتها آيات بصوت مرتعش: ضحك عليا وفهمني إنه بيحبني وفي الأول انا صديته كتير ومع الوقت وإصراره استسلمت ليه وحبيت. فهمني إن ظروفه صعبة وإنه مش هيقدر يتقدملي دلوقتي غير لما يكون نفسه الأول عشان مينكش فيه سبب يزن يرفضه بسببه. انا مكنتش قصدي اعمل حاجة غلط وكل يوم كنت بحس بالذنب بس غصب عني.

امسكت ضحي يدها متحدثة بهدوء يشوبه الحنان: طالما اعترفتي بغلطك يبقي انتِ ندمانة، بس دا ميمنعش إن اللي عملتيه دا غلط يا آيات، انتِ مش عيلة صغيرة عشان لما واحد يجي يقولك كلام حلو تكلميه وتحبيه وتخوني ثقة اخوكي وثقة اهلك فيكي، مهما كان حجم الغلط اللي عملتيه سواء صغير او كبير دا ميمنعش إنه غلط وإن ربنا هيحاسبك عليه قبل ما اخوكي يحاسبك، شيطانك بيجملك غلطك بس انتِ بإيديكي تتغلبي عليه صح ولا غلط؟

نكست رأسها بحرج هي تعلم كل العلم بأن حديثها صحيح مئة بالمئة ولكن وسوس لها شيطانها بقبول هذا الفعل الشنيع لتقع في حرمة فعلها.
ابتسمت لها ضحي بحنان عندما وجدت الندم يرتسم على وجهها فقالت: لازم تتغيري.
قطبت جبينها بتعجب من حديثها، عن أي تغيير تتحدث عنه! أهي سيئة! تجمعت الدموع بمقلتيها عندما وصلت لتلك النقطة لتتحدث بضعف: انا مش وحشة كدا يا ضحي.

جذبتها ضحي لأحضانها وهي تهز رأسها تنفي استنتاجها الأحمق الذي توصلت إليه لتقول: لا مش قصدي كدا، بصي انا هقترح عليكي اقتراح ويا ترفضيه يا تقبليه.
خرجت من أحضانها وهي تنظر لها بتعجب لتكمل ضحي حديثها هاتفة: ايه رأيك تتحجبي!

لم تجيبها الاخري بل ظلت صامتة تنظر إليها بهدوء وكأنها تفكر فاستغلت ضحي فرصتها لتكمل حديثها: يعني انتِ دلوقتي غلطتي وانتِ ندمانة، ليه متصلحيش غلطك بصفة احسن، انا متأكدة إنك مش هتفكري تعملي الغلطة دي تاني لكن لما تتحجبي تصرفاتك هتكون بعقلانية اكتر، هتسأليني إيه علاقة الحجاب! هقولك ياستي فيه اوقات ضعف بتيجي للبنات لما تسمع كلام حلو وخصوصًا من شاب معجبة بيه ودا وارد جدًا، لكن اللي مش صح إنك تكملي معاه في نفس الطريق ولما تلبسي الحجاب وتقربي من ربنا اكتر هيكون فرصة إنك تقعي في الغلط قليلة، هتفكري في ربنا، وهتفكري في حجابك اللي انتِ لابساه، هتفكري إنك مش بس هتخوني اهلك بس، لاا. انتي كمان هتخوني نفسك وهتخوني حرمة الحجاب، يمكن بنات كتير مش شايفة كدا وبتعمل العكس بس انتِ غيرهم يا يوتا، انتِ بريئة ونقية بس وقعتي في غلط غصب عنك بس الاهم إن انتِ تصلحي الصفة الذميمة اللي عندك بصفة احسن، إيه رأيك!

راق لها إقتراحها كثيرًا، هي لم تفكر هكذا من قبل، ولكنها حقًا تريد التقرب من الله، حياتها هادئة للغاية ولديها عائلة تحبها بالفعل، لما لا تشكر الله على نعمته تلك! زينت ابتسامة طفيفة ثغرها وهي تفكر بالأمر، بالطبع سيزيدها الحجاب جمالًا فوق جمالها، غير ذلك ستشعر براحة عارمة.

كانت ضحي تتابعها بترقب، تحاول سبر اغوارها علها تستشف ما تفكر به، ابتسمت بهدوء عندما نظرت إليها آيات بفرحة متحدثة بحماس: انا موافقة البس الحجاب.
صفقت ضحي بيدها وهي تقول بسعادة بالغة: Thats my girl. هذه هي فتاتي
ثم سحبتها إلى غرفتها لتنتقي لها الثياب لتجربتها عليها وتعليمها قواعد ارتداء الزي الشرعي.

‏ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً .

كان مكبل بالأغلال لا يستطيع الحراك، استفاق من غفوته وهو يحاول إستيعاب ما يحدث حوله، اين هو الآن! آخر ما يتذكره هو تخدير أحدهم إليه عندما كان عائدًا من منزل رفيقه عمر بوقت متأخر من الليل عندما حاول رؤية تلك الفاتنة التي تسلب عقله يوم رأها، بما يفكر الآن! هو الآن مختطف ويفكر بها هي! يبدو كالأحمق تمامًا.

قطع تفكيره صوت المقبض ومن بعدها فتح باب الغرفة المسجون بها ليدخل رجلان ذو اجساد ضخمة وعضلات يدهم منتفخة للغاية، ابتلع منتصر ريقه وهو يقول هامسًا بندب لحظه المشؤوم: يا سواد السواد يابا رشدي، اي دا كله اي دا كله! انا سبق وقولتها لأبويا الله يسامحه إني عايز ابقي مدرب باليه بس هو اصر إني ادخل شرطة.

نظر هذان الرجلان لبعضهم فتحدث أحدهم بغلظة وهو يقوم بسحب سلاحه من جيب بنطاله الخلفي ناظرًا لصديقه قائلًا: هنقتله دلوقتي ولا نستني شوية!
لا استني الباشا لسه مأمرناش بحاجة.
نفخ الآخر فقال وهو ينظر ل منتصر الذي يحدجهم بصدمة: انا عايز اسلي وقتي بأي حاجة.
لينهره الآخر وهو يقول بحدة: اهدي بقا الله يحرقك دي فيها رقاب بتطير.
ما هو كدا كدا هيموت، وانا زهقان، تيجي نقطعه.

ولول منتصر كالنساء وهو يقول بعويل: يا شباااابك اللي ضاع ياااا منتصررر، يا حرقة قلب امك عليك يااااخوياااا، هيقطعوك نسااااير ويعملووووا من فخاااادك بوفتيك يختاااااي.
صرخ به احد الرجال بغضب وهو يقول بقنوط: بقااا انا سااايب نسواااان الشااارع عندنااا واجي الاقيك بتعمل زيهمممم، يا اخي يلعن ابو دي شغلانة بقا.

اكمل منتصر عويله وهو يهز رأسه بحسرة: عايزني اعمل اييييه ياخويا وانا شايفكوا بتتعازموا على فخادي! اااااه ياحرقة قلبك يمااااا.
كاد أن ينهره الرجل ولكن صدح صوت هاتفه المزعج عاليًا، فنظر لشاشته ليجد رقم رئيسه فأجاب بسرعة وهو يقول بطاعة: اوامرك يا باشا، اه خطفناه وجينا على المخزن القديم زي ما سعاتك عاوز، اه هو يباشا، حاضر يا باشا هبعتلك الصور حالًا.

نظر له الآخر بغرابة ليقول بإستفهام: صور ايه دي اللي هتبعتهاله!
اشار له ناحية منتصر المتابع لحديثهم بإهتمام وهو يصوب كاميرا هاتفه نحوه ليقول: هصوره وابعته للباشا علشان يتأكد.
كاد أن يلتقط الصور ولكنه فزع عندما صرخ به منتصر وهو يقول: لاااااا. استني اعدل نفسي الأول عشان الصورة تطلع حلوة.
ثم اشار للأخر الذي يتابعه بصدمة: وانت تعالي اعدلي شعري ورجعه لورا زي ما كنت عمله بالظبط.

ذهب إليه ليمسكه من تلابيب ملابسه ليصرخ به بغضب: انت فاكر نفسك في استوديو بروح امك! ما تهدي بقاا احنا مستحملينك من الصبح.
نهره منتصر بحدة هاتفًا: سيب القميص هتكرمشه.
تأفف صديقه الآخر ليقول بسخط: تعالي يا عم خليني اصوره ونخلص من الليلة السودة دي.
ذهب ليقف بجانبه على مضض وهو يرسل إليه نظرات نارية تكاد تحرقه حيًا والاخر يستقبلها ببسمة باردة وإستفزاز يثير الأعصاب.

رفع منتصر رأسه بغرور ليتقط له الآخر صورة ثم يبعثها إلى رئيسه وما هي إلا دقائق معدودة حتى صدح الهاتف برنين فأجاب بخضوع: اوامرك يا باشا!
ليجيبه الطرف الآخر بغضب وصوت عالي غضب وصل لمسامع منتصر الذي تعجب وبشدة عندما قال: انتو يااااا شووووية حيواااااناااات مش هو داااا اللي قولتلكوووا اخطفووووه.

ارتبك الرجل بشدة والذي يدعي جعفر ثم قال هو يبلع ريقه محاولة لتهدأته: اهدي يا باشا. اللي انت عاوزه هيتم ولو خايف الأمر ينكشف احنا ممكن نقتله ونتاويه في اي حتة.
ليصدح صوت الآخر الذي هدر بشيطانية وصوت عالي: لو جيت ناحيته هقتلكككك يا حيواااان ساااامع، لو لقيت فيه خدش واحد هدبحك، فاااهم هدبحك.
وضع يده على عنقه وشحب وجهه بخوف فأردف مسرعًا: اوامرك يا باشا. هيوصل لعيلته صاغ سليم متخافش يا باشا.

ليجيبه الآخر بجمود وصرام: خااف على نفسك انت وملكش دعوة بيه، سيبه يمشي دلوقتي حالًا.
تحت امرك يابيه.
اشار لصديقه أن يقوم بحل وثاق منتصر الذي كان يتابع بصدمة جلية على وجهه، يشعر وكأنه يعلم هذا الصوت جيدًا، يخفظه عن ظهر قلب، تجمعت الدموع بمقلتاه ولكنه نفض تلك الأفكار عن رأسه، لا يمكن للميت أن يعود للحياة ابدًا، هكذا اقنع نفسه.

ذهبوا من امامه بعدما تركوه وقاموا بالهروب بسرعة من أمامه ويتجنبوا غضب سيدهم الشديد، أما هو ظل واقفًا مكانه يشعر بأنه تائه، هل ما سمعه صحيح! ايمكن أن يكون...
لا لا مستحيل. ازاي افكر في كدا اصلًا.

قطع تفكيره وهو ينهر نفسه بشدة فتنهد بإحباط ثم خرج من المخزن ولكن أوقفه صوت طلقاات النيران تصدح في الأرجاء، نظر حوله بقلق فوجد صديقه عمر ومعه بعض ضباط الشرطة يحاوطون المكان ومعهم هذان الرجلان يضعون الحلقات الحديدية في ايديهم.
هرع إليه عمر بقلق وهو يري هيئته المشعسة ثم احتضنه بخوف فربت منتصر على ظهره مطمئنًا اياه: متقلقش يا وحش انا بخير.
نظر اليه عمر وهو يقول بتأكيد: متأكد!

أومأ له بتأكيد فسأله مرة أخري ولكن بحدة: مين دول!
هز رأسه بجهل وعيناه غائرة من التعب مردفًا: معرفش. معرفش يا عمر.
كاد صديقه أن يتحدث لكنه سمع صوت هذا الرجل الغليظ وهو يقول بغضب: بتبلغ عنا يا حليتها بعد ما سبناك! بس ورحمة ابويا ما هسيبك حي.
ثم سحب سلاح أحد الضباط موجهًا إياه ناحيته ومن ثم اطلق النيران على احدهم معلنًا نهايته ومفارقته للحياة.


إغفر لي ولأصدقائي يا اللّه لننعم سويًا في جنتك. فإني أريد صُحبتهم حتى في الجنة.

كان يزن جالسًا خلف مكتبه في حجرة قصره يتابع اعماله التي اهملها بالفترة الأخيرة بسبب تلك المجنونة التي سلبت عقله، شرد قليلًا وهو يتخيلها أمامه الآن، ماذا كان سيفعل يا تري، ضخك بخفوت عندما جاء بخاطره ما كان سيفعله وردها الملازم لها وهو يا قليل الادب.

عقد مقارنة بين حياته سابقًا من غيرها وحياته الآن بوجودها، بالطبع لوجودها مذاق خاص، جعلت من حياته جنة، تساعده في نسيان الماضي رغم أنها لا تعلمه بالكامل ولكنها تسانده، يكفي وقوفها بجانبه في تلك الأوقات الصعبة التي يمر بها.
جاء بباله ذكري تعليمه قواعد الصلاة من جديد لأنه نساها، وتعمدها عدم إظهار جهله حتى لا يشعر بالحرج، يعشقها تلك الضحي ويعشق ضحكاتها ومشاكستها الدائمة له.

سمع صوت طرق على الباب فعاد لحالة جموده الطبيعية وسمح للطارق بالدخول، دخلت رضوي التي كانت عيناها منتفخة من شدة البكاء فاندفعت له قائلة بتوسل: ساعدني يا يزن.
مر بعض الوقت على جلوسهم معًا فرن هاتف يزن فوجد رقم مجهول فأجاب ببرود: الو.
استمع ثواني للطرف الاخر ثم هب واقفًا مسرعة قائلًا بغضب جحيمي: انت بتقول اييييه! هو في اي مستشفي!
مسشتفي (، )
واانتوا كنتوا فين يا كلاااااب!.

والله يا باشا عملنا زي ما حضرتك امرت بس الواد ضرب نار على خوانة.
ورحمة امي لو حد حصله حاجة ما هيشفي غليلي غير قتلكم انت والكلب التاني عشان انا مش مشغل بهايم.
ثم اغلق الهاتف واخذ مفاتيح سيارته وتجاهل سؤال رضوي التي هتفت برعب: في ايه يا يزن، ومين اللي في المستشفي!
لم يجيبها بل انطلق للخارج بسرعة البرق ثم صعد سيارته وقادها نحو المشفي.

أنفاسك الطاهرة تكون منجية لك من شر كان يُحاك لك على أيد أقربهم، لكن ماذا إن كنت ذو أنفاس خبيثة! حينها ستُقاتل وحدك بلا ادني شك، تُري ماذا لو كان أخاك! هل ستحاربه كأنه عدوك! أم سيشفع لك الدم الرابط بينكما!

جالس، شارد، يفكر حتى أوشك على الجنون، يتذكر كلمات عدوه اللدود يزن الراوي هذا الرجل الذي طالما ما كان عقبة في مسيرة إجرامه، حديثه يدور في رأسه لا يتركه بلا رحمة، ماذا كان يقصد بحديثه! أيعلم أخاه أين ولده! ولكن مات ابنه منذ وأن كان صغيرًا، كيف له أن يعيش! بالطبع هذه حيلة للإيقاع بينه وبين أخاه.

شعر بصداع رأسه يتزايد بسبب التفكير وهذا الشك الذي أدخله يزن الراوي إلى رأسه، بات يكره هذا الإسم كثيرًا، صرخ بعنف عندما طال شروده هادرًا: كفااااااية بقاااااا كفاااااااية، ابن الراوي عايز مني ايه تاني! مش كفاااااية خد منيييي كل حاااااجة زماااااان، عااااايز يدمررررني تاااااني!
حاول اخذ انفاسه ثم همس بفحيح شيطاني: بس قسمًا عظمًا لهندمه على كل حاجة خدها مني. هخليه يبكي بدل الدموع دم.

اعتدل في وقفته ثم هندم ثيابه وخرج متجهًا لسيارته ثم قادها قاصدًا وجهته وهو منزل اخاه الذي زرع الشك ناحيته وهو منزل سالم الرفاعي.
كان سالم جالسًا في غرفة نومه وبيده زجاجة من النبيذ يتجرعها بشراهة وكأنها مشروبه المفضل، وجانبه إحدي العاهرات الذين يستبيحون حرمة أجسادهم من أجل القليل من الأموال.

كان يقترب منها بتقزز ويداه تسير على جسدها بحرية دون مقاومة منها! يهمس لها بكلماته البذيئة وهي تستقبلها بضحكات خليعة من يسمعها يشمئز منها.
دخولك في المعصية ليس جهل منك! إنما إستهزاء، متاع الدنيا لا يدوم إنما يفني كما يفني باقي البشر، ليس عليك إلا التوبة فوالله لا يفيد الندم عند صعود روحك للإله، فلا يفيد توبة ولا صرخات.

قاطع حديثهم صوت طرق باب الغرفة والتي لم تكن سوي الخادمة المسكينة التي تعمل بهذا القصر الملعون، ابدي سالم تأففه وهو يقول بإنزعاج واضح: عايزة ايه يا زفتة.
ابتلعت الخادمة تلك الإهانة التي اعتادتها من رب عملها وقالت بآلية: مرتضى الرفاعي اخو حضرتك مستنيك تحت يا فندم.
قطب جبينه بتعجب ثم قال بجدية: روحي انتِ وانا عشر دقايق ونازل.
اطاعت أمره ثم ذهبت لفعل ما يمليه عليها سيدها.

نظر سالم لتلك الجالسة جانبه تتابعه بإنتباه ثم قال بخبث وهو يحدجها من رأسها لأخمص قدمها بنظرات وقحة صريحة ثم قال: مش هتأخر عليك يا جميل.
أحاطت عنقه بدلال وهو تقول: براحتك يا سلومتي.
بعد وقت قليل تجهز وابدل ثيابه ثم هبط للأسفل ليجد أخيه يجلس وملامح التهجم مرتسمة على وجهه بقوة فتحدث بإستغراب: اهلا يا مرتضي. شكلك مش مظبوط.
نظر له مرتضي بنظرات مبهمة مردفًا له: يزن الراوي كان عندي امبارح.

نظر له الآخر بصدمة وسيطر التوتر على ملامحه مرددًا بصدمة: يزن الراوي! كان عندك انت!
اه كان عندي وقال شوية كلام كدا بس انا مفهمتش وقالي اسأل اخوك.
قطب جبينه بتعجب ثم جلس على المقعد المجاور له تبعه مرتضي وهو يقول بنفاذ صبر: مش فاهم حاجة، ادخل في الموضوع يا مرتضي.
حاول جعل ملامح وجهه هادئة فقال وهو يحدجه بنظراته: قال اسأل اخوك ال عن مكان ابنك.

شحب وجه سالم بشدة والجمت الصدمة لسانه ولا يعلم بما يجيب، حالته تلك أكدت للجالس أمامه صحة حديث غريمه ليتحول وجهه للون الأحمر من الانفعال ثم وقف وقبض على تلابيب ثيابه هادرًا به بغضب: عارف لو اللي بفكرررر فييييه طلع صح يااااا ساااالم هعمل فيك ايييييه، هقتلكككك.

انتبه سالم لحالة الصدمة التي دخل بها ليقول مدافعًا عن نفسه: انت بتقول ايييه بس يا مرتضي، وانت هتصدق ابن الراوي! دا حية عايز يوقع بينا وانت زي الاهبل صدقته.
تركه الآخر وهو يجذب خصلاته بغضب وجميع الحقائق بدأت تُكشف أمامه الآن، اخيه خائن له! قام بإختطاف ابنه وقال له بأنه مات! ماذا يخفي اخيه بعد!

سمعت تلك التي تجلس بالأعلي صوت الصرخات فأخذها فضولها لرؤية ما يحدث وعندما هبطت اولي درجات السلم تسمرت محلها عند رأت مرتضي زوجهااااا! يتشاجر مع سالم عشيقها!

وشخصاً يُرمِّم لا يُخرِّب، يُو تمن لا يَخُون، يُحِب لا يَكره يا الله.

و
صل يزن إلى المشفي في وقت قياسي نظرًا لسرعته الشديدة ثم قام بالولوج للداخل فوجد اعداد قليلة من الشرطة يقفون أمام غرفة العمليات من الواضح بأنهم أصدقائه، ذهب اليهم واضعًا يده بجيب بنطاله متحدثًا بجمود: مين اللي اتصاب!
تحدث احدهم بإحترام وهو يجيبه: منتصر هو اللي اتصاب يا يزن بيه، بس إن شاء الله خير الدكتور طمنا وقال إن الجرح كان سطحي بس نزف دم كتير.

هز رأسه بالإيجاب وهو يوزع نظراته إليهم ثم قال بجمود غريب: فين عمر!
نظروا لبعضهم بقلق فتحدث احدهم بتلعثم: ع. عمر. عمر
هدر به بغضب متشدقًا بهياج: انت هتهته لسه! فين عمرررر!
عمر اتطمن على منتصر وبعدها راح للمتهمين.
رأي معالم الغضب تزداد على وجهه فتحدث بسرعة لتفادي بطش غضبه: بس والله حاولنا نمنعه ميروحش بس هو اللي اصر.

زفر بإرتياح بعدما اطمئن عليه، وجز على اسنانه بغيظ من عناد ابن عمه، هو يعلم عمر وقت غضبه يكون اعمي تمامًا، لا يستطيع السيطرة على ذاته ومن الممكن أن يقتل هؤلاء القاتلين للثأر بحق صديقه.
قطع تفكيره ذلك السمج الذي تحدث بسخرية وهو يوجه حديثه للآخر: وانت خايف منه كدا ليه. هو كان مين يعني!
نظر له يزن بسخط فاقترب منه وربت على كتفه بحدة وهو يقول بتحذير: ما بلاش تعرف احسنلك عشان انت مش قدي.

رفع الآخر حاجبه بإستنكار مردفًا بتهكم: لا معلش عايز اعرف.
اغمض عينه يحاول التحكم بذاته ولكنه لم يستطيع فلكمه بوجه بشدة أدي إبي سقوطه متأوهًا بألم ثم نزل لمستواه وهو يقول بفحيح: معاك يزن الراوي.
ثم تركه محله واتجه للخارج للحاق بإن عمه قبل عمل أي فعل طائش.

وصل إلى قسم الشرطة فاستقبله الضابط بحبور فبادله الإستقبال ومن بعدها استعلم منه على مكان عمر فأخبره عن مكانه جاعلًا الشرطي يأخذه حيث يقبع هذان المجرمان ومعهم صديقه عمر.
وصل لمسامعه صوت الرجال وهم يصرخون بإستنجاد علَّ ينقذهم أحدهم من هذا الوحش الذي يبرحهم ضربًا دون شفقة.

قام بالولوج للداخل فتوقف عمر عما يفعل وصدره يعلو ويهبط بشدة من أثر المجهود الجبار الذي فعله فتحدث وهو يمسح حبات العرق عن جبينه بقوة مردفًا: لو جاي توقفني يا يزن عن اللي بعمله فأنا اسف هاخد حق صحبي.
نظر له يزن بجمود ثم خلع جاكيته وشمر عن ساعديه غامزًا له وهو يقول بمشاكسة: عيب عليك يا شقيق. هناخد حقه سوا.

‏ الله أحنُّ إليك من ألف كتف، ومن ألف سند، الله يبقى حين لا يبقى أحد.

علم كل من رزان ووالدتها ما حدث لمنتصر فذهبوا للمشفي بإنهيار وهم يتخيلون ما حدث له، كانت رزان تبكي بشدة، تخاف أن تخسر أخاها مثلما خسرت الآخر من قبل، ووالدتها كذلك كان قلبها يتآكل على فلذة كبدها وقلبها ينبض بشدة من الخوف.
وصلوا للغرفة المقصودة فوجدوا الطبيب يقابلهم يخرج من غرفته فسألته رزان بلهفة: منتصر. منتصر يا دكتور كويس!

هدأها الطبيب بكلماته المطمئنة وهو يقول: الحمد لله. الاصابة كانت سطحية بس هو نزف دم كتير وحاليًا هو تحت تأثير المخدر.
لتتحدث والدته بنحيب: بجد يابني ولا بتضحك علينا!
رسم ابتسامة صغيرة على محياه ليقول ببشاشة: لا يا حجة هو كويس والله، بس هو لازمه شوية راحة مش اكتر.
ذهب من أمامها اما هم ظلوا يرددون الحمد ويشكرون الله على معافاته.

وصل إليهم بعد قليل عمر ويزن يسيرون بالممر بخيلاء يحيطهم هالة من الهيبة والاحترام.
لاحظ عمر وجود رزان فوقف امامها مردفًا يهدوء: جيتوا امتي!
اجابته بصوت متحشرج: من شوية مش كتير.
الدكتور قالكوا حاجة!؟
اه قال إنه كويس وإن هو لسه تحت تأثير المخدر.
تنهد براحة هاتفًا: الحمد لله.
ثم وجه حديثه لهم وهو ينظر لساعة معصمه: الوقت اتأخر. روحوا انتوا وانا هفضل معاه لحد ما يصحي.

نفت رزان بحدة قائلة: مش هسيب اخويا لوحده. لو عايز تروح روح انت انا مش هتنقل من هنا.
تحدث تلك المرة يزن بهدوء قائلًا: عمر معاه حق. على الاقل عشان والدتك التعبانة دي.
نظرت لوالدتها التي تجلس على احد المقاعد بتعب فعادت الدموع لتجتمع بمقلتيها لتقول: بس انا مش عايزة اسيب منتصر لوحده هنا.

تحدث عمر بهدوء ظاهري لتطمئتها: انا هبقي معاه ومش هسيبه صدقيني. امشي انتي دلوقتي مع والدتك وبكرة الصبح هاجي بنفسي اخدك انتي ومامتك لحد هنا.
اومأت له فعرض عليهم يزن بتوصيلهم فوافقوا ثم عادوا لمنزلهم تحت قلقهم ولكن ما باليد حيلة.

بعد أن اوصلهم يزن قام بالتوجه إلى قصره، اشتاق لها حد الجنون، يريد أن يأخذها بأحضانه حتى يكسر عظامها، اشتاق لعبيرها ومرمحها ومشاكستها، لم يرها منذ الصباح وها هي الآن الساعة تعلن عن بعد منتصف الليل وهو لم يهاتفها حتى الآن، بالطبع ستكون غاضبة منه حد الهلاك.
ولج لغرفته ولكنه لم يجدها فانقبض قلبه بخوف وكاد أن يخرج لكن وجد باب الشرفة مفتوح قليلًا فخمن بوجودها بالداخل.

دخل ليراها جالسة على كرسي كبير يحتوي على وسادات مريحة وتحيط نفسها بذراعيها تقلل من برودة الجو.
وقف خلفها ثم هبط لها مقبلًا وجهها بحب شديد واشتياق، اما هي نظرت له بغضب واقفة بثورة لتقول: والله الاستاذ لسه فاكر ان له بيت!
لم يعير لحديثها انتباه بل ذهب ناحيتها مرة اخري وقام باحتضانها بشدة حتى رفعها عن الأرض دافنًا وجهه في عنقها مشتمًا عبقها الخلاب، فتحدث بهمس عاشق: وحشتيني اوي.

استسلمت لسحره واغمضت عيناها مستمتعة بتلك المشاعر الجياشة لترد بعتاب: كنت افتكرتني حتى لو بتليفون واحد. لكن انت نسيتني.
برر لها وهي مازال على حالته مردفًا: كنت في المستشفي.
خرجت من احضانه ناظرة له بفزع وهي تتفحصه قائلة بقلق: مستشفى! ليه حصلك حاجة!
هز رأسه بالنفي ثم اخذها ودلف للداخل بعيدًا عن برودة الشرفة فجلس على الفراش جاذبًا رأسها لصدره قائلًا: لا مش انا. دا منتصر.

نظرت له بخوف وهي تضع يدها على فمها بصدمة: منتصر حصله ايه!
روي له كل ما حدث وإلي ما وصلت حالته فنظرت له بحزن لتقول بدموع: كل دا ومفكرتش حتى تقولي.
ملحقتش والله يا حبيبتي، اليوم كان طويل ومرهق.
اومأت له بإبتسامة عندما وجدت الارهاق متجسد بوجهه لتسأله بفضول: حاسة إن فيك حاجة مضايقاك.
نظر لها طويلًا ليقول بنبرة تسمعها ولأول مرة: اقولك حاجة عمري ما قولتها لحد.

اومأت له وهي تتابعه فأكمل وهو يقول بضعف: انا خايف...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة