قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل التاسع عشر

رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل التاسع عشر

رواية خادمة الشيطان للكاتبة شروق حسن الفصل التاسع عشر

رؤية حاميك بهذا الضعف يجعلك تخاف من القادم، كأن هناك ما هو قادم لينغص عنك عيشتك، تخاف أن تسلب منها الحياة أحبابها لتعيش بعدها في مرارة الفقد، لن تتحمل فقدان أحبابها لينقبض قلبها عند استنتاجها هذا.
ضمت رأسه إلى صدرها بقوة تحاول أن تعطيه الأمان الذي سلبها منها بحديثه الغامض ومجهولها المخيف، ليحيطها من خصرها مقربًا إياها منه ليسمع صوتها تتسائل بتوتر شعر به في نبرة صوتها: خايف من إيه!

زفر الهواء العالق برئتيه لتلفح أنفاسه الساخنة المحملة بالهموم بشرتها يحاول تنقية كلماته حتى لا يُخيفها ليردف بصوت متثاقل: خايف من كل حاجة، خايف الماضي يرجع يتعاد تاني بس مش معايا مع الناس القريبة مني، خايف يعيشوا نفس المعاناة اللي عشتها، خايف يواجهوا العذاب اللي شوفته، خايف يتكسروا، خايف يضيعوا مني زي ما ضعت زمان، خايف يمشوا في سكة غلط كلها حرام وفي الآخر يقسوا على نفسهم عشان مصيرهم في الآخر يبقي زي مصيري! شياطين منبوذين من كل اللي حواليهم، خايف على عيلتي وخايف اخسر حد فيكوا، لو عليا أنا مش هخاف على نفسي، لكن لو حصل حاجة ليكوا أنا مش هسامح نفسي ابدًا، مجرد غلطة غلطتها دفعت تمنها غالي أوي والتمن كان حياتي، عايش اه بس عايش جسد من غير روح، شخص جامد بارد لا يُطاق.

خرج من أحضانها ليحدق بها بنظرة تحمل كل معاني الألم ليكمل بوجع: خايف تيجي في يوم وتكرهيني.
كان تستمع له بقلب يئِن من الألم، ما عاشه يصعب على غيره التجاوب معه، لكن هو حارب ذاته ليستطيع العيش مجددًا، طفل تحمل كل هذا العذاب يأتي الأن بعد مرور كل تلك الأعوام ويقول أنه خائف بأن تتركه! رباااه بما يفكر هذا! لو يعلم بأنه أصبح يملك صمام قلبها لما تحدث بهذا الهراء.

كوبت وجهه بين يدها لتقول بصوت ظهر في طياته العشق المبجل تجاهه: عمري ما ههكرهك ولا هعرف أكرهك يا يزن، انت اللي جيت وعوضتني عن كل وحش شوفته في حياتي، كنت ليا الداعم الأكبر عاملتني زي بنتك وعوضتني عن الحنان اللي افتقدته، جاي دلوقتي وتقول خايف اكرهك! لو العمر رجع مليون مرة هختارك انت من غير تردد ثانية واحدة، انا بحبك زي ما انت، بحب قسوتك اللي بتكون ناتجة عن غيرتك وخوفك عليا، بحب حنيتك، بحب دلالك فيا كأني أحسن واحدة في العالم، بحبك عشانك انت، ولو خلفنا اتمني ولادي يطلعوا شبهك في كل حاجة، اوقات بقعد مع نفسي واقول انا عملت إيه حلو في حياتي عشان ربنا يرزقني بزوج زيك انت، وانت جاي تقولي خايف اكرهك! يبقي لسه متعرفش حبك اتملك قلبي ازاي.

قلبه الآن يصرخ عشقًا لتلك التي تقبع أمامه تصرح له بعشقها هي الاخري، لا يصدق ما تسمعه اذنااه، زوجته تبادله العشق بعشق مماثل! يود الآن أن يصرخ بأعلي صوته معلنًا عن عشقه لها، بات حبها يسري بدمائه حتى اصبحت كالدماء تسري بأوردته، حنانها يسقطه صريعًا في عشقها أكثر، ألا يكفي ما فعلته به لتأتي الآن وتبعثر كيانه مرة أخري!

اقترب منها مقبلًا جبينها عدة قبلات متتالية قائلًا بعدما أطلق زفيرًا حار من رئتيه: اوعدك بعد ما كل دا يخلص هاخدك ونسافر بعيييد، بعيييد اوي، مكان محدش يوصلنا فيه، هيكون فيه أنا وانتِ وبس، هنسيكي كل القلق اللي انتِ عايشاه دلوقتي.
وضعت رأسها على صدره فاستمعت لضربات قلبه القوية لتغمض عيناها براحة متشدقة بحب: اي مكان هيبقي معاك جنة، المهم افضل جنبك ومتسبنيش ابدًا.

رفع وجهها بأصابع يده ممررًا ابهامه على وجهها وهو يقول بعشق: انا قولتلك قبل كدا إنك جنتي!
أحاطت عنقه بدلال مقتربة منه وهي تهمس بعبث انثوي صارخ: لا لسه مقولتليش، عشان كدا انا زعلانة.
خلع جاكيت حلته ورماها على الأريكة ثم تحدث بعبث مقتربًا منها مردفًا بمكر: لا اخس عليا ازاي فاتت عليا دي!
ليحيطها من خصرها وهي تحيط عنقه للمرة الثانية هاتفة بعتاب: اسأل روحك.
ما انا بسأل روحي اهو.

ثم سحبها معه لجنته ناسيًا الآمه وحزنه، معها يصبح ذاك الطفل الصغير، يبرر. يُصالح. يُعاتب، واخيرًا يعشق، فيأخذها معه رحلة لعالمه الخاص تاركًا هذا العالم الذي لم يسبب له سوي الآلام.

‏أنا مصنوعة من غيم، لا بأس إن أمطرت قليلًا.

قلوب تقسي وقلوب تخشع وقلوب زادها الهم أعوامًا لتصبح منهكة لا تستطيع البوح ولا العتاب.
ارتفعت الشمس معلنة عن قدومها منتشرة في الأرجاء تنير العتمة مزاحة ستار الظلام لتثبت وجودها المبهج وتمحي آهات الليل المكبوتة.

خرج بيبرس من القصر في الصباح الباكر ينظر حوله بترق شديد للتأكد من عدم رؤية أحد إليه، أخرج هاتفه ثم قام بإجراء مكالمة لينتظر قليلًا حتى يجيب الطرف الاخر ليقول بعجالة: جيسيكا. قابليني عند المنحدر.
لكن هذه المرة لم تجيب جيسيكا نفسها بل اتي له صوت غليظ سمعه من قبل ولكن لا يتذكر أين قائلًا له: لست جيسيكا تلك المرة يا ابله!

فتح عيناه بصدمة وازدادت ضربات قلبه خوفًا من أن يصيبها أي مكروه ليردف بعصبية وهو يذهب مسرعًا إلى سيارته يستقيلها للوصول إلى منزلها سريعًا: من أنت ايها الحقير.
ليأتيه صوت ضحكات مقيتة وهو يردف بوعيد: انا نهايتك. تخيل أن يعلم الزعيم بمن هو الخائن! اووووه سأكون مستمتع بقتلك يا صاح.

اغلق الهاتف وهو يسبه بأفظع السباب وهو يتوعد له، يقسم بأن يفصل رأسه عن جسده ويطعنه في أنحاء متفرقة من جسده حتى يقطعه اربًا، اصابه الذعر من فكرة حدوث مكروه لتلك الملاك المسماه ب جيسيكا تلك الفتاة تذكره بأخته المتوفاة ريانا، أغمض عينه يحاول بث الطمأنينة لقلبه حتى يصل إلى هناك.

مرت دقائق معدودة حتى وصل إلى أسفل بنايتها فهبط من السيارة وصعد للأعلي ليجد باب منزلها مغلق ولكن يبدو أنه قد نسي أن يوصد الباب خلفه جيدًا، دخل بحذر محاولًا عدم إصدار أي صوت حتى وصل إلى المعيشة ليجد يداها مكبلتان بحبال متينة ووجهها أحمر من الإنفعال فسمعها وهي تصرخ به: ايها الوغد الحقير. صدقني لن تخرج من هنا حيًا، سأجعل رأسك اللعينة تتأرجح بين يدي.

ضحك الآخر بشدة وهو يمرر يده على وجهها ناظرًا إليها بوقاحة ليتشدق بخبث: لما كل هذا الإنفعال صغيرتي! سأقتل هذا اللعين بيبرس وبعدها سأستمتع معكِ قليلًا واجعلك عشيقتي يا مثيرة.
لن تستطيع اللحاق للأسف طوني.
نظر طوني خلفه بسرعة ليجد بيبرس واقفًا خلفه يوجه فوهة سلاحه إلى صدره مستعدًا للإنقضاض على فريسته.

ضحك طوني بإستهزاء ثم فتح ذراعيه للترحيب وهو يقول: عزيزي بيبرس. اشتاق إليك يا رجل. ستكون تلك المرة الأخيرة التي أراك بها يا صديقي المغفل.
ثم وعاي دون غفلة قام بأخذ سلاحه من جيبه الخلفي ليوجهه إلى رأسه تمامًا.
ليصبح المشهد كالآتي، يقف بيبرس أمام طوني وكل منهما يوجه سلاحه للآخر يبتسمان بإستفزاز وكل منهم يجول بخاطره جملة واحدة في هذه الأثناء البقاء للأسرع.

استغلت جيسيكا هذا الصراع وحاولت سحب اسورتها بطرف اصبعها حتى نجحت في سحبها والتي كانت اطرافها تشبه السكين، ظلت تجعل الحبال المكبلة بها تحتك مع السكين حتى استطاعت أخيرًا في فك أسرها، رأها بيبرس لكنه لم يجعل تركيزه عليها حتى لا يشعر الذي أمامه بشئ.
تحدث طوني مردفًا بوداع مزيف وهو يستعد للضغط على زناد سلاحه: مع السلامة بيبرس سأ، اااااه.

ثم سقط فاقدًا وعيه بعدما قامت جيسيكا بضربه بعصا خشبية غليظة على رأسه.
نظرت له بكره لتهتف بغيظ: حقير.
ازاحه بيبرس بقدمه بإستحقار وهو يفكر بخبث في كيفية الإستفادة منه، اتجه ناحيتها ممسكًا خديها بيداه قارصًا إياها بخفة وهو يقول بمزاح: كنتِ شرسة يا فتاتي. ابهرتيني صغيرتي.
حدجته بغيظ ثم مطت شفتيها لتردف بغيظ: لست صغيرة أيها الضخم، بل انت الذي يشبه الفيل.
اشار لذاته بصدمة مرددًا: انا فيل!

اومأت بتأكيد وهي ترفع رأسها بشموخ مضحك: اجل سيد ظريف.
ضحك عليها لتتحدث له بجدية: ماذا ستفعل به!
نظر للخلف حيث تشير ثم اردف بمكر ناظرًا اليها مرة اخري: ساعاته اصبحت معدودة جيسي.
شهقت بخضة للتحدث بخوف: هل ستقتله! لا تلوث يدك بدماء هذا الحقير.
ومن قال ذلك! لست انا من سيقتله.
قطبت جبينها بتعجب لتردف بتسائل: من إذًا!
ستعلمين لاحقًا، والان اريد منكِ أن تتجهزي حتى اتصرف بهذا الحقير.

ثم تركها وذهب حاملًا الآخر بين يديه مكبلًا إياه وهو يضعه بصندوق السيارة، ثم تحدث بتخطيط ومكر: سنستمتع طوني.

وقد بنيت لكَ بين أضلعي منزلاً عسى المقامُ بالمقيِم يليقُ.

يوجد هنا. حيث أقصي يسار صدري. قلبٌ يصرخ ألمًا ويتلوع عشقًا، حكمت عليه الظروف بأن يهجر تجنبًا للخطر، تستطيع الإبتعاد ولكنها لا تستطيع خسارته، لذلك ستتركه حفاظًا على حياته.

كانت ليلة مشؤومة مرت على رضوي ما بين البكاء الحزن، لا تعلم ماذا تفعل، لربما حديثها مع ابن عمها يزن الراوي جعل حزنها يقل إلى حدً ما، ولكنه لم يذهب كاملًا، والدتها! تلك المرأة التي كان يجب عليها حمايتها، هي أول من تعلن الحرب عليها وتقوم بتوجيه جميع اسلحتها إليها، تريد بيعها تحت مسمي الزواج! ماذا عليها أن تفعل! أتبتعد عن معشوقها! من قام بالتضحية بكرامته مرات عديدة من أجلها! أتذهب وتقول له اتركني وشأني سأتزوج من رجل غيرك! لا لن تستطيع فوالله هذه أكبر مواجهة ستقوم بها في حياتها!

كانت ستخبر والدتها ليلة أمس بأنها غير موافقة بما قالته لتضرب بحديثها عرض الحائط ليأتيها صوت والدتها الغاضب: يعني ايه الكلام دا! بتتحديني يعني!
لتجيبها رضوي ببرود غير آبها بغضبها: اعتبريه زي ما انتِ عايزاه.
جزت ميمونة على أسنانها بغيظ وهي تهتف بوعيد: ماشي يا رضوي انتِ اللي اخترتي.
ثم اغلقت الهاتف بوجهها دون الاستماع إلى حديثها.

وبعد سويعات قليلة جائتها رسالة على هاتفها جعلت عيناها تستدير من الصدمة حتى أنها شعرت بالدوار الشديد، كان مضمون الرسالة صورة ل ساهر في شركة عائلتها ولكن هناك شخص ملثم يوجه سلاحه الناري ناحية رأسه بالتحديد، اتبعت الصورة رسالة تهديد مدون بها يا تنفذي اللي اتفقنا عليه، يا تقري الفاتحة على حبيب القلب، باي باي يا قلب مامي.

تنهدت بحسرة وهي تمسك بهاتفها الذي تكرر رنينه من ليلة أمس ولم يكن سوي هو، طلبته وانتظرت قليلًا حتى جائها صوته المتلهف وهو يقول: رضوي، انتِ فين من امبارح قلقتيني عليكي.
اغمضت عينها بقهر ثم أردفت بصوت مبحوح ضعيف: ساهر عايزة اقابلك النهاردة ضروري.
زاد القلق بقلبه ليقول بخوف: رضوي انتِ معيطة! متقلقنيش عليكِ.
هتعرف لما اقابلك يا ساهر. سلام.

إنَّني أحمِل قلبك معي، أحمِله في قلبي.

تختبرنا الحياة بعقبات عديدة، تكتشف بها مدي تحملك وقوة صبرك، ولكن ماذا إذا نفذت قوتك! هل حينها عليك المشي قدمًا أم تتوقف حتى تستريح قليلًا!
استيقطت رزان منذ الصباح الباكر متلهفة لرؤية شقيقها، ارتدت ثيابها وادت فريضتها ثم خرجت من غرفتها لتجد والدتها هي الاخري متجهزة لرؤية فلذة كبدها، ابتسمت لها رزان بفتور متحدثة بحب: صباح الخير يا ست الكل.

لتبادلها والدتها الإبتسامة قائلة: صباح الخير يا حبيبتي، يلا نروح دلوقتي!
لتجيبها وهي تطلع لهاتفها: المفروض عمر يجي دلوقتي وياخدنا للمستشفي زي ما قال امبارح.
ما كادت أن تنهي حديثها حتى وجدت هاتفها ينير بإسم عمر لتجيبه على الفور: الو يا عمر!
اتاها صوته الهادئ قائلًا بمرح طفيف: يلا يبشا انا واقف مستني تحت بس يارب مستناس ساعة.

ضحكت بخفة لتجيبه وهي ترتدي حقيبتها: لا احنا جاهزين اهو، ثواني وهنكون واقفين قدامك.
تمام.
اغلقت الهاتف ثم هتفت لوالدتها: يلا يا ماما عمر مستنينا تحت.
حدجتها والدتها بمكر ولم تعلق لتسبقها هي بخطوات قليلة لتقطب رزان جبينها بعدم فهم ثم ذهبت خلفها وهي تتمتم بتعجب.
وصل كلًا من رزان ووالدتها للأسفل ووقفوا أمام سيارة عمر فقابلهم ببسمته المعهودة وهو يقول لوالدة رزان: ازيك يا طنط. اخبارك ايه دلوقتي!

لتجيبه بحب وهي تربت على كتفه بحنان: الحمد لله كويسة يا حبيبي، طمني على منتصر.
الحمد لله بقا كويس وزي القرد هناك اهو. وهاخدك تتأكدي بنفسك.
كانت رزان تائهة في ملامحه الشرقية الوسيمة، فكان يرتدي بنطال اسود ويعتليه تيشرت من نفس اللون مع بشرته الحنطية وخصلاته المهندمة بدقة، اعطي له مظهره هيبة ووسامة طاغية له.
افاقت من تحديقها به على صوته وهو يلوح بيده أمامها ليقول بخبث: مش يلا؟

ردت عليه ببلاهة وهي تتلفت حولها: هااا! اومال ماما فين!
اتي صوته بعبث اهلكها وجعلها تؤنب نفسها على شرودها به مردفًا: ما هو انتي لو كنتِ بطلتي بحلقة فيا كان زمانك عارفة انها قاعدة في العربية.

نظرت له بحرج والتفتت بسرعة للناحية الاخري من السيارة لتتجنب نظراته المشاكسة لها، ضحك بخفة شاعرًا بمشاعر جياشة جديدة عليه يختبرها لأول مرة فتنهد بصوت عالي ثم صعد لسيارته منطلقًا بها إلى المشفي، وبالطبع لم تخلو من نظراته التي كانت تتابعها من المرآة الأمامية له غامزًا لها بمشاكسة لتنظر من الشرفة متجاهلة إياه تمامًا حتى لا تشعر والدتها بشئ.

وصلوا للمشفي بعد دقائق معدودة ليترجلوا منها جميعًا ومن ثم صعدوا للأعلي حيث غرفته، فطرقوا الباب بخفة ليسمعوا اذنه بالدخول.
كانت أول من تهرول ناحيته هي والدته، فقد كان ذراعه ملفوف بشاش ابيض حتى يثبته حاميًا إياه من الصدمات، وكذلك كدمة خفيفة على وجهه حدثت أثر سقوطه المفاجئ على الأرض الخشنة.

امسكت والدته حنان وجهه بين يديها وهي تقول بلهفة فطرية من أم على فلذة كبدها: جرالك إيه يا ضنايا! طمني عليك انت كويس.
امسك يدها بكفه السليم وطلع قبلة حنونة عليها ليردف بتهدأة: اهدي يا ماما صدقيني انا الحمد لله كويس هي رصاصة طايشة مش اكتر.
نظر ل رزان التي تقف صامتة على اعتاب الغرفة فعلم ما تفكر به جيدًا ليردف بحنان: مش هتسلمي عليا يا روزا!

اندفعت له بقوة ثم جلست على طرف الفراش محتضنة إياه بشدة لتنفجر باكية كأنها كانت تنتظر حديثه فقط، ربت على ظهرها بحنان بيد واحدة ليحاول تهدأتها ولكنها واصلت بكائها فربتت والدتها على كتفها مردفة: خلاص يا حبيبتي بقا كويس.

لم تستمع لحديث أيًا منهم بل كانت تفكر ماذا لو كانت خسرته هو الآخر مثل اخيها السابق! كيف سيكون شعورها هي ووالدتها! كيف ستسطيع العيش بدونه! اخيها هذا الذي برغم مرحه ومشاكسته الدائمة لها كان يعتبر لها الأب الروحي بعد وفاة والدها الحنون واخيها كذلك، شددت من احتضانه ليردف بمزاح يحاول إخراجها من حزنها: هتفعصيني يابت وانا لسه بسكوتة عضمي طري.

ضحكت على مزحته لتخرج من احضانه وتمسح وجهها من دموعها السائلة ليقول بتأفف مصطنع: غرقتيلي الهدوم.
نظرت له بضجر ثم قالت بصوت متحشرج مازح: اتلم يا منتصر بدل ما اخلص عليك هنا.
تصنع الخوف ليردف: لا وعلى ايه الطيب احسن.

ضحكت بهدوء ثم احتضنته مرة اخري قائلة بنبرة تدل على وشك بكائها من جديد: كنت خايفة تروح مني زي ما كريم راح مننا زمان، كنت خايفة اخسرك، انت الوحيد اللي فاضلي في الدنيا دي، وقتها كنت هموت من قهرتي وراك، مكنتش هعرف اعيش من غيرك.
شششش بعد الشر عليكِ، اهدي انا كويس يا حبيبتي والله، وبعدين انتِ متعرفيش إن اخوكي أسد ولا ايه.
رددت بخفوت وهي ما زالت بأحضانه: اتوكس وحياة امك.

حمحم عمر ليردف بسخط: هو من لقي احبابه نسي صحابه ولا ايه! يعني يا جدع اعمل حساب إني شيلت جتتك دي وضهري اتقطم وفي الاخر متقوليش حتى اتفضل يا صحبي وعشرة عمري!
حدجه منتصر بحب شديد لهذا الرفيق الذي كان خير صديق له منذ معرفته به لكنه قال ممازحًا: تعيش وتشيلني ياخويا، يعني لو مكنتش هتشيلني انا هتشيل مين!
هشيل مراتي ياخويا، عايز شوية صحة.

ضحك منتصر بملئ فاهه وهو يقول من بين ضحكاته: طول عمرك سافل يا صحبي، الله يكون في عونها اللي هتستحمل قلة ادبك.
ليجيبه هذه المرة عمر بخبث: موجودة بس انت قوم بالسلامة.
نظر له منتصر نفس نظرته قائلًا: ماشي يصحبي. وبعدين انت لابس اسود في اسود! جاي تفول عليا!
يا شيخ اتلهي انت اللي زيك بسبع ارواح.

تَمُرُّ الليالي والشُّهورُ ولا أرى، غرامي لها يَزدادُ إلَّا تَمادِيا.

أجد الأمان في أحضانها، كأنها تزيح ثقل العالم عن قلبي ببسمةٍ واحدة، وددت لو أنني قابلتها منذ زمن، علها تعيد صبايا وشبابي.

تململ في نمته فشعر بثقل خفيف يقبع على ذراعه، نظر بجانبه ليجد رأسها مستندة على زراعه الضخم تتخذه وسادة لنومتها، بينما يداها تحيط خصره بتملك دافنة رأسها في صدره العريض، تذكر ليلتهم العاصفة المحملة بالمشاعر الجياشة واعتراف كل منهم عن أحاسيسه، كم سعد بشدة من اعترافها بأنه مصدر أمان لها.

اعتدل قليلًا مستندًا على ذراع واحدة ويداه تداعب وجهها بعبث، ابتسم بخفة عندما وجد وجهها يتجعد بإنزعاج طفيف، كرر فعلته مرة أخرى لتصرخ بضجر ومن بعدها تعود لنومتها مرة أخري كأن لم يحدث شئ.
اقترب منها ليهمس بأذنها مردفًا: حبيبي الكسلان. قومي يا باندا.
فتحت عين واحدة تنظر له بسخط وهي تقول بغيظ: هي مين دي اللي باندا ا دلعااادي. دا انا حتى سمبتيك وعودي عود فرنساوي.

نظر لها بمكر وهو يردف بخبث مقتربًا منها: اي دا بجد! لا انا مخدتش بالي ولازم اعاين البضاعة تاني.
ابتعدت عنه بسرعة قائلة بضحك وهي تتجه للمرحاض: انت قليل الادب.
ليجيبها بعبث قبل ان تغلق الباب: عارف يا بيبي.
ابتسم بعشق واضعًا يده موضع قلبه فشعر بأسفل يده يهتز بشدة من قوة نبضاته، تحدث بحب: يا تري هتعملي فيا ايه اكتر من كدا يا ضحايا!

انتفض من على الفراش وذهب ليرتدي ثيابه ليذهب إلى عمله، قاطعه رنين هاتفه الموضوع على الكومود ليلتقطه ليجد رقم دولي مجهول فأجاب بجمود يعتاده: الو!؟
اتاه الرد من الطرف الآخر وهو يجيبه بهدوء: يزن الراوي.
ليرد عليه بفظاظة: اه معرفتش مين بردو!

نفخ الآخر بغيظ فهو يعلم جيدًا فظاظة يزن الراوي ولكنه لم يتوقع بأنه بهذه الدرجة من الوقاحة، ليجيبه وهو يحاول بقدر الإمكان أن يجعل صوته هادئًا: انا بيبرس، اردت أن اخبرك بأننا سنكون اليوم بمصر، لقد اقترب الميعاد كثيرًا.
ابتسم بشيطانية وبرزت انيابه واسودت عيناه بشدة فأجابه بفحيح: حسنًا. انتظر يا هذا.
الرئيس لا يعلم بأي شئ الآن، لقد علم مسبقًا بخطتنا والان قام بتغيير جميع مخطاته.

حسنًا. سنكون بإنتظارك وبإنتظار موت الرئيس.
قال جملته وهو يتوعد داخله متحدثًا داخله: كل حاجة ولها نهاية. والنهاية قربت. قربت أوي.
استمع لرنين هاتفه مرة أخري ليتأفف بضجر وكاد أن يغلقه لكنه وجد اسم حارسه الشخصي جلال ينير على شاشة هاتفه، فرد بهدوء: ايوا يا يزن باشا. الواد اللي هنا عامل قلق وعمال يصرخ.

مسح يزن على لحيته الخفيفة التي تزيده وسامة وهيبة في نفس الوقت ليقول بخبث: ومااالو. عايزك تظبطه التظبيطة التمام وتبعته لأبوه.
أوامرك يا باشا.
ليكمل يزن بتحذير صارم: ابوووه يا جلاااال ابووووه.
ابتسم مراد بخبث ومن ثم اردف بدهاء ورثه من رب عمله: انت تؤمر يا باشا عن اذنك.
ابتسم يزن نصف ابتسامة وقام بالإتصال على هاتفه ليردف دون جدال: مراد. تاخد اقرب طيارة وتجيلي هنا حالًا.

ثم اغلق الهاتف واكمل ارتداء ملابسه مستعدًا للذهاب لشركته، خرجت من المرحاض وهي ترفع رأسها بغرور مضحك مرتدية كامل ثيابها، ضحك على هيئتها فاقترب منها متسائلًا: رايح فين يعسل.
لترفع رأسها مرة اخري بغرور وتكبر كاد أن يوقعه من الضحك قائلة: جاية معاك يا قلب العسل.
تشنج وجهه وهو يستمع لها ليقول بسخط: جاية معايا فين لمؤاخذة!

نظرت له بطرف عينها وجدت أن وجهه متهجم بشدة ولا يمكن إقناعه بالعناد لذلك اتجهت إلى حيلة حواء لتحيط عنقه بخبث وهي تقول بدلال: اجي معاك الشركة يا يزونتي.
يعلم حيلتها جيدًا ويعلم بما تفكر صغيرته، لكنه جراها في حديثها وهو يحيط خصره متشدقًا بمكر: وانتِ عايزة تيجي معايا الشركة ليه يا قلب يزونتك.
الااااه مش اشوف شركة جوزي!

دفن رأسه بعنقها أعلي حجابها يشتم عبقها بعشق يتغلغل في اوردته ممررًا أنفه صعودًا وهبوطًا عليها ليقول بهمس وصوت آجش: قلب جوزك وحياته ودنتيه كلها.
اغمضت عينها بإستسلام للمشاعر التي تعصف بها بوجوده لتحيطه من خصرة محتضنة إياه بقوة مردفة برجاء: عشان خاطري يا يزن عايزة اجي معاك.
بادلها الإحتضان بقوة اكبر مردفًا: عيوني. انتِ تطلبي اللي انتِ عايزاه.

ادمعت عيناها من هذا الرجل الذي يشعرها بذاتها دومًا لكنها كففت دمعاتها بطرف اصابعها لتخرج من أحضانه وتقول بفرحة: يسس يسس.
ضحك على طفولتها ليحيط خصرها ويخرجا من الغرفة بل من القصر بأكمله ويصعدا سيارة يزن ويقودها متجهًا إلى شركته لأول مرة مع زوجته ومحبوبة فؤاده.

التقيتكُ في مكانٍ لم يعبره أحد، في قلبي تحديدًا.

غالبًا ما يُقال أن الكثرة تغلب الشجاعة، لكن الدهاء يغلب الجميع، لم تقل تلك الشياطين للتحالف ضد قوي الشر بل أصبح عددهم في تزايد مستمر.

كان مرتضي يجلس على كرسيه الوثير في ردهة منزله يفكر في اخر ما حدث مع اخيه سالم الذي انتهي بذهابه من أمامه وهو يتوعد له إذا كان ما قاله له يزن الراوي صحيح، بعث احد رجاله ليأتي بتاريخ شقيقه سالم الرفاعي كاملًا، رأسه سينفجر من كثرة التفكير، أيعقل بأن يكون يزن الراوي هو من يفعل ذلك للإيقاع به وبأخيه معًا! ولكن بما سيستفيد بقضية النسب تلك! بالطبع هناك شئ مخفي ويجب أن يعلمه بسرعة قبل فوات الأوان.

استمع لجرس باب منزله فوقف بضجر ذاهبًا لفتحه وهو يتذكر طرده لجميع الخدم أثناء نوبة غضبه الشديدة، فتح الباب ليجد أمامه آخر شخص يتوقعه ميمونة الراوي.
رددها بذهول لتزيحه هي جانبًا وتمر من جانبه دالفة للداخل بوقاحة، اتبعها ومازالت معالم الصدمة جلية على وجهه فرآها وهي تجلس على المقعد المصحوب بحجرة المعيشة ليجلس بالمقعد المجاور لها قائلًا: ميمونة الراوي! جاية ليه!

ابتسم بدهاء وهي تمط شفتيها المطلية بالأحمر القاني كأنها فتاة عشرينية مراهقة مردفة بمكر: جاية اساعدك.
تساعديني!
نطق بها بسخط لتقهقه عاليًا ضحكة لا حياة بها وهي تقول: اه اساعدك، انت عايز روح يزن الراوي وانا عايزة فلوس يزن الراوي. وانت هتساعدني مقابل مساعدتي ليك!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة