رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل العاشر
امنية لن تتحقق
(لوجين)
احياناً تكون هناك نقطة حاسمة ستفصل بين كل شيء، بين لحظة سعادة وحزن. ستفصل بين الكذب والحقيقة. في تلك النقطة عليك ان تتخذ قرار ربما سيغير مسار كل شيء. او يزيد الامر سوءٍ فحسب ويحبط كل خطواتك التي تقدمتها بأتجاه مبتغاك!
وقفت احدق بوجه امي بشحوب بينما نظراتها تثقب انحاء وجهي تنتظر اجابتي! استدارت من خلف الاريكة ووقفت امامي وهي تقول ببرود ومن دون مقدمات: - هل تحبين رسلان يا لوجين؟
انتابتني قشعريرة ونبضة قوية اخلت لي توازني وتمنيت لو اني ادير رأسي بأتجاه رنا لأتبادل النظرات معها، ولكن كل ما فعلته هو التحديق بجمود بأمي عاجزة عن التحرك من هول ما سمعت بل ودون ان املك القدرة على الاجابة بشيء. انا امام خيارين لا يقبل بثالث. اما الاعتراف بكل شيء واكون بورطة حالية. او الانكار وبهذه الحالة لا يمكنني تغيير اقوالي لاحقاً، وهذه كانت النقطة الحاسمة بالنسبة لي!
- اجل.
من دون تفكير او تردد. انا اجبت ببساطة فحسب! فحين اعترف بكل شيء لرسلان دون ان يمنعني حيائي منه او خوفي من ردة فعله من ذلك، فهل سيصعب على البوح بذلك لامي؟
لم تتغير تعابيرها وبقيت تحدق بي بذات الطريقة. تتفرس ملامحي بأهتمام وكأنها تتعرف على مشتبهٍ به. هدوءٍ بدا مخيفاً لي وخلق لكزات قلق في صدري. انه يبدو كالهدوء الذي يسبق العاصفة تماماً!
تقدمت مني خطوة ونظراتها مثبتة بإحكام داخل عيناي قبل ان تقول بنبرة رصينة لا تخلو من بعض التهكم:
- حسناً. دعينا نغض البصر عن مستواه الاجتماعي ولنقل اننا لا نهتم لهذا. ودعينا نغض البصر ايضاً على طبيعه عمله مقارنةٍ مع طبيعة عملكِ مستقبلاً ولنقل اننا نشتري رجلاً يُعتمد عليه.
اختفت تلك النظرة الساخرة من عينيها لتردف بجدية يشوبها الحزم:
- هل ترين ان هذه هي مشاكلنا الوحيدة اتجاه حبكِ لرسلان؟
وقبل ان اجيب اردفت فوراً:
- او اي رجل اخر؟
ومن هنا بدأت افهم مغزاها وتلميحها. كلماتها الصريحة كانت كالصفعة القاسية لي لتوقظني من عالمي الوردي الذي ادّعيت اني اعيشه للحظات، الصدق مؤلم. ولكنه افضل بكثير من قصة مزيفة لن تتمكن من اكمال الطريق الى النهاية. يوماً ما لابد ان يوقظني الواقع بقوة من تهيؤاتي ليجبرني على عيشه على مضض غير آبهاً لرغباتي، كل ما في الامر ان امي قدمت لي الواقع. رغم مرارته ولكنه يظل الحقيقة التي على تقبلها وعيشها!
اخذت نفساً داخلياً طرحته عبر جيوبها الانفية بينما تحكم التصاق شفتيها وما هي ألا ثواني حتى فرجتهما قائلة بعد انتهاء تلك العاصفة الهوجاء التي سيطرت على مجاريها التنفسية تحمل بين طياتها تلك الهموم المتراكمة بصدرها: - هل تودين عيش قصة حبٍ كباقي الفتيات؟ حسناً، وكامل؟ تظنينه لن يراقبكِ؟ لن يعرف؟ وان عرف فهل تظنين انه سيترك رسلان سالماً؟
نظرت لها بفزع دون ان تبالي او ان تخرج عن اطار هدوئها: - بل هل يعلم رسلان بامر ذلك الزواج الاجباري الذي سيتم ان لم نجد حلاً؟
بقيت اقلب ابصاري ما بين حيرة وخوف داخل عيونها الساكنة لتكمل بذات النغمة الصوتية من غير ارتفاع او انخفاض: - انها امورٍ ربما عليكِ وضعها في الحسبان قبل ان تورطي احد اخر معكِ، فالتي تتحدث عن السياسة بهذه الجرأة من دون خوف، عليها ان تكون انضج من حب المراهقات هذا. ألا توافقيني الرأي يا ست لوجين؟
نطقت جملتها الاخير بأستهزاء قبل ان تتركني مبعثرة مع كلماتها وترحل. التفت نحو رنا التي رمقتني بقلة حيلة وهي تقول: - لا استطيع ان اقف بجانبكِ فهي محقة!
نعم انا ادرك انها محقة. ولكننا نحتاج احياناً شخص ما يواسينا ولو بامل زائف!
تركت رنا بصمت وصعدت الى غرفتي اختلي مع نفسي كعادتي مؤخراً. لاول مرة -بعد سنين- امكث في غرفتي لفترة طويلة هكذا.
جربت من جديد شعور النظر الى اللاشيء. ان ابدأ بعدّ اشياء لا اهمية لها. كعدد النقاط السوداء التي تزين صبغة الجدار. بدأت اصنع منها اشكالاً كما كنت افعل مع النجوم...
ادركت ان امي قد غيرت غطاء وسادتي للازرق واقتلعت ذلك الاسود المرصع بالاحمر، لم انتبه فعلاً ألا الان!
لاحظت ان مروحتنا القديمة قد اصابتها الشيخوخة مثلنا فلم تعد قادرة على العمل كما كانت تفعل وانا صغيرة!
بدأت اركز بأشياء لاقيمة لها لعلي اهرب من ذوات القيمة التي تؤرقني، اصبحت اشك احياناً بكوني شابة فكل ما اشعره هو مجرد عجوز هالكة، المرآة فقط من تجاملني احياناً وتشعرني اني بمقتبل العمر. رغم ظهور الهالات السوداء بشكل متزايد في الاونة الاخيرة. ورغم نقص وزني بشكل ملحوظ. ألا اني لا ازال بمقتبل العمر. هكذا تخبرني مرآتي!
قطعت على تحديقي المهم بسقف غرفتي رنا وهي تدخل على بعد بضع ساعات لم اشعر بانقضائهم وكأني كنت برفقة حبيبي! ادرت كرتا عيني بأتجاهها لتقول لي بابتسامة بينما تمد رأسها فقط من الباب:
- ألن تذهبي نحو الحفلة؟
ادرت جسدي باتجاه الجدار المجاور لسريري انقش عليها بسبابتي بينما اجيبها بملل:
- لا. لا رغبة لي!
اقتربت مني ومسحت على شعري برفق وهي تقول:
- أأنتِ بخير عزيزتي؟
تنهدت وانا ارد:.
- اظنكِ اكثر من تعرفين الاجابة رنا!
قبلتني برفق من قمة رأسي وهي تقول:
- اعلم ما تمرين به عزيزتي. ولكن كل شيء سيمر. ستنسين. انها مجرد ذكرى سيئة ستكون كالدرس لنا في المستقبل!
اغمضت عيناي وانا اتخيل. هل بالفعل سيكون كل هذا الامر مجرد ذكرى؟ ام انه سيكون مستقبلي المشؤوم الذي سأجبر على عيشه؟ لا اعلم!
(الكاتبة)
خرجت رنا من الغرفة وقد تلاشت اخر رغبة لديها في رسم ابتسامة مصطنعة اخرى على وجهها، تتمنى لو انها تفعل كما تفعل لوجين لتواجه آلامها. ان تنخرط في حدادها بشكل علني. ان تعزل نفسها بعيداً. ان تبكي كل ما ارادت ذلك بغض النظر عن المكان والزمان والمتواجدين. ان تتمكن من اظهار حزنها كلما شعرت به بدل ان تعبر عنه بضحكة لا تعنيها. ولكنها ببساطة من اولئك الاشخاص الذين يعالجون احزانهم بأسعاد غيرهم!
نزلت من السلم بخطوات رصينة عكس طريقة صديقتها المتهورة في النزول فوجدت سهير تنتظرها عند نهايته تتحدث مع سعاد التي قطعت حديثها فوراً وتطلعا برنا بصمت يسألانها من خلاله نزولها بمفردها فاجابت بينما تطرح انفاسها بضيق:
- انها ترفض القدوم!
فكادت سعاد ان تعترض لتقاطعهما سهير فوراً:
- حسناً اذاً. لنذهب نحن!
وكأنها استساغت بقائها هنا بعيداً عن رسلان في الوقت الحالي. فهي تدرك جيداً ماالذي سيفعله كامل برسلان ان ادرك ان لوجين معجبة به ولاسيما وانه كان واضح للجميع انه لايطيق رسلان واكتشافه لهذا سيزيد حقده فقط وقد يكتب به تقرير ويلفق له تهمة فيندثر شبابه في السجون ومن ثم ستختفي جثته كما اختفت الاف الجثث من قبله لا يعلم احد اين مثواهم!
وصلوا نحو منزل السيد ايمن فصادفهم رسلان في الباب يخرج صندوق المشروبات الغازية من المنزل ليأخذهم نحو منزل سهى.
تبادل معهم الابتسامة لتبادره السيدة سهير بأبتسامة لطيفة وعطوفة قائلة:
- مبارك لكم هذه الفرحة عزيزي رسلان!
لتردف سعاد قبل رد رسلان:
- ان شاء الله نفرح بك قريباً!
فقال بابتسامة حانية:
- شكراً لكما كثيراً، شرفتمونا بالحضور. تفضلو تفضلو.
فسبقت سعاد وسهير رنا التي تبسمت حين حان دورها في القاء التحية وهي تقول له:
- مبارك لكم يا رسلان.
- اشكرك كثيراً رناوي.
ثم اردف فوراً بينما عيناه تنتقل بشكل لاارادي خلفها:
- اتيتم بمفردكم؟
تبسمت بمكر وهي تقول مدعية عدم الفهم:
- أتعني انه لا يجوز حضور النساء بمفردهم؟ أكنت تنتظر قدوم العم عادل معنا؟ انت تعلم انه سبقنا بالمجيء وهو الان مع العم ايمن!
فرد بأرتباك:
- لا. اعني...
وحين تبعثرت حروفه بدل ان تلتحم في جملة توسعت ابتسامة رنا وهي ترحم حاله وتجيبه قبل ان يسأل:
- لقد بقيت في المنزل!
- بمفردها؟
- لا، اتصلنا بالحرس الجمهوري وسيذهب لحراستها!
- اود كسر قنينة المشروب في رأسك ولكن لاتستحقين ان اخسر ثمنها من اجلك ومع الاسف!
ضحكت وهي تجيبه:
- اسأل بمنطقية وسأجيبك بعقلانية من غير سخرية واستفزاز!.
افلت ضحكته هو الاخر بينما يشير برأسه نحو الداخل وقدماه تسير بأتجاه مشواره وقال:.
- ادخلي بدل ان ارتكب بكِ جريمة قتل!
مضى هو في طريقه ودخلت هي نحو المنزل قبل ان ينطلقوا بعد فترة نحو منزل سهى لتقام هناك مراسيم الارتباط وتقديم العهود وعقد القران، لم تسعدها تلك الحفلة بقدر مااسعدتها تلك الابتسامة فوق وجه سهى التي تعكس نبضاتها المتوترة، يكون الزواج لكل فتاة شيء جميل تطمح له في صباها. ولكنه سيكون شيء فوق مستوى الجمال ان كان الشريك شخص تتمناه. شخص جلست طوال ايام وليالي تفكر به فقط. هذا مااحبت رنا رؤيته بالفعل داخل عيون سهى التي كانت تتطلع بخجل نحو عصام الجالس قربها. حلم صعب عليها هي ان تعيشه مع يزن!
خرجت من الحفلة وتلك الافكار تتصارع بعقلها بينما تسير خلف امها وسهير اللواتي قضين الطريق بالثرثرة، وسط ازدحام الناس. وسط فوضى هذا الكون. هي قد شعرت بالوحدة فجأة!
وصلن قريب المنزل لترفع ابصارها من على الارض التي قضت طوال الطريق تحدق بها من غير اكتراث وكأنها تتهرب من عيون الناس فقط. رفعت بصرها لتصطدم بعيناه يقف على مسافة بجوار سيارته بأنتظاره!
تسابقت ضربات قلبها مع انفاسها وارتبكت في لحظتها لاتدرك ماالذي عليها فعله الان. أتدخل وتتجاهله؟ ام تذهب لتخاطبه؟
وبالطبع لن تستمع لمنطقية عقلها في تلك اللحظة فالتفت نحو السيدتين اللاتي يرافقنها وقالت:
- انا. انا سأذهب في مشوار!
التفتت سهير بأستغراب اليها قبل ان تفتح الباب وقالت:
- اي مشوار هذا يا عزيزتي؟
- كما تعلمين خالتي يوم الاحد سنبدأ الجامعة واحتاج لبعض الدفاتر والاقلام!
لترد سعاد:.
- اذاً انتظري لتذهب لوجين معكِ فهي تحتاجهم ايضاً بالتأكيد!
- لقد سألتها هذا امي ولكنها قالت انها لن تشتريهم الان!
ومن دون تحقيق اخر اخرجت سهير بعض الاموال من حقيبتها اليدوية وقدمتهم لرنا وقالت:
- لكن لا تتأخري!
فلوحت بيديها كعلامة على الرفض وقالت:
- انا احمل المال خالة سهير!
-ادخري مالكِ لايام الجامعة قد تحتاجيه!
فمدت يدها على مضض واخذته. فهي الان مجبرة على انهاء حديثها مع يزن والذهاب الى المكتبة من اجل شراء لوازمها الدراسية!
تأكدت من دخولهما وسارت بخطوات سريعة بأتجاه يزن الواقف هناك بعيداً نسبياً عن انظار المارة. اقتربت منه وقالت بشيء من الامتعاض:
- ماالذي تريده الان يا يزن؟
ليرد بارتباك لم تعهده منه:
- مرحبا رنا!
نبرة حانية بشكل كافي لتكسر لها صلابتها وعصبيتها لتردف فوراً:
- اهلاً بك!
- هل كنتِ في مشوار؟
- اجل. حفل خطوبة سهى وعصام!
- اها.
واطرق رأسه يعبث بطرف حذائه بالتراب تحت قدميه بينما يديه داخل جيوبه. فقالت بعد ان تفحصت ملامحه بشكل كافي لتروي شوقها:
- أمن اجل هذا فقط اتيت؟
اومئ ب لا وابصاره لا تزال معلقة بطرف حذائه الذي يركل به الحصى بخفة.
- اذاً ماذا تريد؟
اخذ نفساً طويلاً يعكس مقدار تلك الحيرة التي تتجمع داخل صدره ثم نظر لها ليسألها من دون مقدمات اخرى وعيناه تحمل بعض الانكسار رغم صلابتها:.
- هل تحبيني يا رنا؟
- لا داعي ان تسألني شيء انت تدرك اجابته مسبقاً!
هي كانت ببساطة ذلك النوع من الفتيات الذي يتحدث بشكل مباشر لا سيما ان تعلق الامر بمشاعرها. وربما هذا اكثر ما احبه فيها. صراحتها معه. جديتها فيما تقوله رغم ان المرح هو السمة الغالبة على شخصيتها، انها مجرد مجموعة من التناقضات الساحرة التي تدفعه ليدمنها!
- وانتِ تدركين ايضاً اني كذلك!
- اجل. وربما لهذا السبب احتقرك دائماً!
قالتها ببرود اقرب الى الحقارة معه مما جعله يطيل النظر اليها بملامح جامدة يكتم من خلالها غضبه. انه يدرك انها محقة. فهو كالاطفال تماماً بأنانيته. يتمسك بلعبة ولا يسمح للاخرين بمشاركته الثانية ويبقيها بعيداً عنه وعنهم. فقط لأنها له. سيرميها جانباً الى ان يقرر اللعب بها بين فنية واخرى. ويستغل كونها عاجزة عن الابتعاد عنه. ويستغل كونه يتملكها. ويستغل كونها لن تكون لغيره دامه موجود في حياتها. هو ببساطة كان هكذا. لذلك كان يقدر عصبيتها الدائمة منه!
- رنا. اعلم اني اذيتك طوال هذه السنين!
رفعت حاجبيها واطلقت ضحكة قصيرة ساخرة وهي تقول:
- هل ادركت الأمر الان فقط؟
- بل ادركه منذ وقوعه. ولكنكِ كنتِ تدركين حيرتي!
فقالت بنفاذ صبر من حديثه المعاد كثيراً على مسامعها:
- اجل ادركته وذهب كل منا في طريقه. فما الذي تريده الان؟
- ببساطة ادركت انه لا يمكنني المضي قدماً يا رنا من دونك!
توقفت عند جملته للحظة عن الرد. استرخت ملامحها المتشجنة لتشعر ببعض الدموع تتصاعد الى ان انزلت واحدة دوناً عن ارادتها وهي تقول بصوت ضعيف:
- انت تفعل بي هذا كل مرة يا يزن. تتركني حين تتيقن ان حبي لكِ كما هو. وتعود راجياً قربي حين تشك اني بدأت اتلاشى منك.
وقعت اخرى واخريات من عينيها وهي تكمل بأنفعال:.
- انت تذهب لتعيش حياتك وتستمتع واراك مع هذه وتلك ومن ثم تأتي إلى تشكوا كيف حبي وفراقي يعذبك، أتريدني ان اصدق سذاجة كلامك وانكر ما اراه بعيناي؟
ليجيبها بأنفعال يشوبه الالم:
- انا احاول بهذا نسيانك فقط!
- اذاً فأفعل، لأن وجودك يصيبني بالقرف!
- لو كنت اتمكن من ذلك لتركتك يا رنا ولكنت تخلصت من كل هذا الهراء!
- اذاً ماالذي تريده بحق السماء؟ ان ابقى عشيقتك السرية بعيداً عن العلن؟ بعيداً عن حبيبتك المرموقة بين اسرتك وزوجتك المستقبلية؟ انا لن اكون هذا النوع من الفتيات!
تقدم منها خطوة وقال:
- لن تكوني يا رنا!
- اذاً ماالذي تريده مني ان اكون؟
- اريد ان تكوني حبيبتي العلنية تلك. اريدك ان تكوني زوجتي امام مجتمعي المرموق واسرتي!
تباعدت شفتيها عن بعضهما قليلاً بصدمة ولاول مرة تعجز عن الرد امامه ليكمل هو مستغلاً صمتها:
- سواء بجعلكِ تصعدين لعالمي او انزل لعالمكِ فهذا لن يهمني، انا اريدك في حياتي فقط!
انزلت انظارها المقتضبة لثواني نحو الارض. نحو تلك التي تتهرب اليها كلما ارادت الابتعاد عن عيون الناس، قلبها يتراقص فرحاً. ولكن لأول مرة يتغلب عقلها على عاطفتها لتعود للنظر اليه مجدداً وهي تقول:
- أأنت متأكد مما تريده يا يزن؟
- اكثر مما تأكدت من اي شيء اخر في حياتي!
حركت راسها بالنفي ثم قالت:
- لا. لست كذلك. انت تحت تأثير عاطفتك فقط. والعاطفة مثل الثمالة. تجبرنا على المبادرة باشياء من دون وعي ولا نندم ألا بعد حين.
وقبل ان يرد قاطعته:.
- انت الان متأكد مما تريد. ولكن كل حبك هذا سيتلاشى مع مرور الايام. اسرتك لن ترضى بي وابيك سينفذ تهديده ان ارتبطت بي وسيحرمك من كل شيء وسيطردك من المنزل. ستصحو فجأة ذات يوم لتجد نفسك اصبحت ذاك الشاب الفقير الذي قد يجد زاد يومه او قد لا يفعل. ستضطر لأدخار المال بدل تبذيره كما تفعل الان. ستأكل ما تجد وليس ما تشتهي. ستبدأ حينها بكرهي لأنك ستراني الفتاة التي اجبرتك على عيش هذه الحياة الصعبة. وسأبدأ انا بكرهك لأنك تسيء معاملتي وتلومني كل يوم لأني اجبرتك على التنازل عن حياتك. وبالتالي لن يكون مصيرنا سوى الطلاق، انت بالتأكيد قد سمعت الكثير من القصص وتأثرت بها عن ان فلان ترك كل شيء من اجل حبيبته وان فلانة تركت حياة اهلها الرغيدة ورضيت بالفقر الذي تتشاركه مع حبيبها، ولكن هذا ما نسمعه فقط يا يزن. نحن لا نعيش بينهم لنرى كيف يقضون حياتهم اليومية!
بعد هذا الخطاب الطويل الواعظ اكتفى يزن بالصمت. نعم هي كانت تعني كل كلمة قالتها. ولكن قلبها كان يدعوا بكل جوارحه ان يرفض. ان يخالفها الرأي. ان يتشبث بها اكثر حتى وان تركته، تريده ان يثبت لها حبه كي تطمئن ان جازفت بخطوة مماثلة، ولكن كل ما رأته هو الصمت فقط وكأنه قد اقتنع بكلامها!
رفعت زاوية فمها بأبتسامة مريرة وقالت:.
- ارأيت؟ بضع كلمات من احدهم دفعتك لتطلب مني هذا. وبضع كلمات مني غيرت رأيك. انت لست واثق مما تريده انت!.
اطلقت حسرة تمحي بها دموعها واعادتهم حيث كانوا وقالت مختتمة الحديث:
- الى اللقاء يا يزن!
واستدارت راحلة تسحب خلفها خيبتها وخذلانها...
هي الان غدت امراة مكسورة القلب وهو غدى رجل مسلوب الارادة ومشتت المشاعر.
نعم يحبها درجة الادمان. ولكن حبه لا يخلوا من الخوف. ذلك الخوف الذي سيدمو ويشوه كل علاقة جميلة. يقدم الكثير من الاشياء على حبها ولا يجعله فوق كل شيء. كالمال والراحة والرفاهية في بلد يموت اهل الطبقة الفقيرة وما دون الوسطى من الجوع. لن يجد العمل. لن يجد المنزل المناسب لهم بما يملكه من اموال قليلة. لن يتحمل كلفة حياته الجديدة بعيداً عن ظلال ابيه. لذلك هي كانت محقة فيما قالته له!
لم يدرك في يومها ان حبها لن يتكرر مجدداً في قلبه. لم يدرك ان عليه ان يحاول اكثر معها. هو فقط استمع لها ورحل يحاول مداواة جروحه لعله ينساها ان قضى وقت مع هذه او تلك غير مبالياً بجروحها هي. هو اراد النسيان بكل طريقة. ولكنه يدرك جيداً انه لن ينجح ولو دخلت الف امرأة جديدة حياته. بل وحتى لو دخلت امرأة تشبهها تماماً لن يغير شيء. هي كانت شيء فريد من نوعه اجتمع فيها كل ما يحب وكل ما يكره. وهكذا ادمنها!