رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل السادس
(يزن)
يُقال ان الحب هو كل شيء. يمكنه صنع المعجزات. ايجاد الحلول. يمكنه ببساطة ان يحول كل شيء سيء الى جيد او العكس. انه اساس كل شيء، حسناً. ليس بالنسبة لي، الحب حسب تعبيري ما هو ألا شعور عابر لنا القدرة على تجاهله. نعم سيؤلم جانبك الايسر دائماً. وسيرهق تفكيرك. ولكن بأمكانك الاستمرار بتجاهله فحسب وسيكون كل شيء بخير، فقط لا تنقاد اليه!.
اوصلت بعض الاوراق لبيت السيد عادل حسب طلب ابي وتمنيت لو ان رنا تفتح الباب كعادتها. ولكن ومع الاسف كانت السيدة سهير من فعلت. امر احبطني ولكن لم يثر اهتمامي طويلاً. فمشاعري مضطربة ولا يمكنني بالفعل تحديد ماهيتها، احياناً اكون متأكداً اني معجب بلوجين بشدة. بجمالها، بأناقتها، بأسلوبها. والاهم من ذلك بوضعها الاجتماعي المتوافق مع وضعي. اننا مثاليان لبعضنا، وصل اعجابي بها لدرجة اني اعترفت لرسلان بذلك طالباً النصيحة كونه مقرب من لوجين منذ طفولتنا، كان جوابه لكمة قاسية من دون سابق انذار وتهديد، حوّل علاقتنا من يومها الى اسوأ ما يكون، ولكن رغم ذلك بقيت متمسكاً بمشاعري لها حتى وان لم تبادلني، ولكن كل هذه المشاعر تتلاشى ما ان ترى رنا. انسى لوجين. انسى عقلي. انسى تحذيرات ابي بترك مشاعري لرنا. انسى كل المنطق ما ان تظهر امامي فجأة. ما ان تخوض حديث مع غيري. ما ان تتجاهلني، انا ببساطة ذلك الثري المتعجرف الذي وقع بحب الخادمة!
فتحت باب سيارتي لأركبها وانطلق ولكني توقفت فجأة ما ان وقع بصري على لوجين، كانت بحالة غريبة. لم تبدو اساساً انها معنا في هذا العالم. بل والاسوأ انها كانت تبكي! افلت المقبض فوراً من يدي واتجهت اليها اناديها. ولكن لم يبدو انها تستمع لي، كانت شاردة الذهن. لا بل مشتتة! امسكتها من يدها فتوقفت فوراً ونظرت إلى بدهشة وكأني افزعتها من حلم. او من كابوس!
مسحت دموعها فوراً بأرتباك وحاولت بشدة رسم ابتسامة على محياها ولكنها ببساطة كانت تفشل ببراعة ودموعها تتراكم اكثر، فقالت بصوت مرتجف واطراف اصابعها لا تزال تتجول فوق وجنتيها لتمسح اثار دموعها:
- اهلاً يزن. ماالذي تفعله هنا؟
اجبتها ويدي لاتزال تحوط معصمها وملامحي تتجول بأستغراب فوق ملامحها:
- مابكِ لوجين؟ هل انتِ بخير؟
وكأني طلبت منها ان تكمل ما كانت تفعله فأنفجرت ببكاء صامت واخفت وجهها خلف يديها. يا االلهي! اكره بالفعل ان ارى فتاة تبكي!
اخرجت منديل من جيبي وسلمته لها فلم تمانع اخذه لتجفف دموعها التي ترفض ان تتوقف.
- أتودين ان نذهب لمكان ما؟
نظرت إلى بتردد فقلت فوراً بأبتسامة مشجعة:
- سأخذك لشرب العصير او شيء من هذا القبيل، الخالة سهير ستقلق ان راتك بحالة كهذه!
ويبدو انها بدأت تتقبل الفكرة بشكل جدي. وعلى ما يبدو انها لاتريد من احد رؤيتها بهذا الشكل. لذلك وبصمت مطبق سارت قبلي الى السيارة فأسرعت بفتح الباب لها لأستدير بسرعة نحو مقعدي واقود السيارة لنخرج من منطقة الكاظمية بشكل نهائي!
طوال الطريق كانت لوجين صامتة بشكل غريب وتحدق من النافذة بضياع ولكن هذه المرة من غير دموع. ولكن كان واضح من ارتجاف فكها السفلي انها تكتمهم بصعوبة!
توقفت السيارة فنظرت لوجين حولها لتجدنا على الجسر قرب نهر دجلة. كنت ادرك جيداً انها تحب هذا المكان ولطالما تأتي اليه مع السيد عادل لذلك كان الخيار الامثل لأحضارها اليه، نزلت فوراً من السيارة ووقفت على الرصيف واستندت بيديها على حافة سور الجسر لتخرج تلك الدموع التي كانت تكتمها طوال الطريق، منحتها بعض الوقت لتهدأ قليلاً ثم سألتها: - ألن تخبريني ما بكِ؟
رفعت رأسها المنحني ليبرز وجهها الذي تحول لحمم بركانية وامتزجت حبيبات تعرقها من الانفعال مع قطرات دموعها. اخذت نفساً عميقاً وقالت بينما تطرحه وتهز رأسها بيأس: - انا مجرد حمقاء!
- جميعنا كذلك!
التفتت إلى بأستغراب فأكملت فوراً بأبتسامة:
- لذلك ليس عليكِ ان تبكي بهذا الشكل!
عادت لتهز رأسها بينما تحول ابصارها بأتجاه امتداد المياه امامها وهي تقول:
- لا يمكنك ان تفهمني!
- في الحقيقة اجل. فأنتِ غريبة الاطوار وافكارك اغرب!.
ولم تبدو ان تستمع الي. لقد كانت تتحدث فقط كل ما يخطر ببالها: - ما كان على ان اوهم نفسي بأكاذيب!
ثم اخفضت رأسها مجدداً وغطت وجهها بأحدى يديها بينما يرتفع بكائها وهي تقول: - كان على ان اشاهد كل تلك الحدود التي يرسمها بيننا. كان على معرفة اسبابها!
وهنا بدأت عيناي تتوسع وضربات قلبي تزداد، اتمنى بالفعل ان لا تقصدي ما فهمته يا لوجين!
ازدردت ريقي بصعوبة ثم قلت بتردد: - رسلان؟
وهنا انضمت اليد الاخرى للاولى لتغطي وجهها لتكتم صوت بكائها وهي تومئ لي ب نعم.
لا اعلم بالفعل ما اشعر به الان. ليست غيرة. انما هو احباط فقط. فبالنهاية لوجين صديقتي منذ الطفولة هذا سبب اول لأشفق عليها. وهي الفتاة التي رسمت عليها كل احلامي لتحطمهم لي الان بحبها لغيري، نعم ليست غيرة، ولكن لا اتمنى ابداً ان اجد لوجين تقع بغرام الشخص الخاطئ، بالله عليكم. انها الفتاة المثالية. كيف عساها ان تحب ابن البقال؟ هل فقدت عقلها. كما فقدته انا؟
اخذت نفساً عميقاً وطرحته بضيق بينما اعيد خصلات شعري القصيرة نحو الخلف احاول استيعاب ما يجري هنا! استندت بيداي مثلها على السور وانا احدق بالمياه بأقتضاب ثم سألتها بعد دقيقة:
- هل تحبيه؟
سكتت واشاحت وجهها جانباً عني. ليس خجلاً. ولكن ترفض الاعتراف بضعفها. فكانت ردة فعلها كافية بالنسبة لي لأعرف جواب سؤالي!
- هل تدركين الحماقة التي تقومين بها لوجين؟
نظرت إلى بأنكسار فأكملت بذات نبرتي الجافة:.
- ماذا تتوقعين نهاية هذا الحب؟ ان تتزوجيه؟.
ثم قلت بأستهزاء:
- افتحي عيناكِ جيداً ايتها الطفلة وانظري اين انتِ واين هو!
لتجيبني بسرعة وكأنها تحاول اقناع نفسها قبل اقناعي:
- تعلم جيداً انه لا يهمنا هذه الفوارق. وابي والعم اليمن.
فقاطعتها:
- صديقان؟
لتصمت هي واكمل انا:.
- من الاغلى؟ الصداقة ام الابناء؟ هل تتوقعين ان العم عادل او الخالة سهير سيرضيان بهذا الارتباط؟ هل لكِ ان تخبريني كم يجني رسلان بالشهر؟ اراهن انه يجني ما تبذريه انتِ في اسبوع، وحياتكِ؟ ألم تتخيليها كيف ستكون؟ انتِ تنقادين الان خلف مشاعرك ولكن فكري بمنطقية بعيداً عن سذاجة الفتيات هذه، هل رأيتِ منزلهم؟ انه بحجم الصالة والمطبخ معاً في منزلكم، هل يمكنك ان تتخيلي حياتكِ ايتها العاشقة؟
- الاموال ليست.
فقطاعتها مرة اخرى وانا ادرك ماذا ستقول:
- بل هي كل شيء، اخرجي من جو الافلام الكلاسيكية هذه حيث البطلة الثرية تقع بغرام الفقير وتترك حياة الترف لتعيش في الحضيض، انه مجرد تمثيل يا لوجين. الواقع لن يتحمله احد. لن تتمكني من التخلي عن تبذيرك. لن تعيشي في ذلك المنزل المتهدم، لن تتحولي من العالم البرجوازي الى الطبقة العاملة وتبقين سعيدة ايتها التافهة، ستكرهين حياتكِ وبالتالي ستكرهين رسلان ايضاً!
لم تنظر إلى ولم تجادلني واستمرت ببكائها. ليس وكأنها مقتنعة فيما اقوله فأنا اعرف جيداً عناد لوجين، ولكنها تدرك رغم عنادها ان ما اقوله منطقي. وانه لا مستقبل لها هي ورسلان معاً، ولكن ليس بسبب ما قلته.
- هو يحب اخرى على اية حال!
اجل. بسبب هذا هي رضخت لكلامي ولم تجد فائدة من مجادلتي! قلت لها بهدوء:
- من هي؟
- من المنطقة!
- ان كانت من ذات مستواه فتفكيره منطقي!
نظرت إلى بأستياء ثم اشاحت وجهها مرة اخرى وفضلت الصمت والتحديق بدجلة رغم حرارة الجو التي بدأت تكتنفنا مع اقتراب الظهيرة، ولكن حين تحدق بدجلة ستنسى الحر. سيأسرك. سيستحوذ كل اهتمامك بتلاعب امواجه. دجلة وما ادراك ما دجلة!
(رسلان)
اقترب وقت الظهيرة وبدأت بتجميع الصناديق الفارغة كي اعود للمنزل من اجل الاستراحة قليلاً قبل العودة للعمل بعد ساعات، صمت مطبق احتلني منذ رحيلها، حريق شب بين اضلعي احاول تجاهله وافشل، ولكن على تجاهله. على تجاهلها هي بحد ذاتها. فلتشك بي. فلتظن اني احب غيرها. اريدها ان تتخلى عني. فانا اضعف من ان اتخلى انا عنها!
- رسلان؟
التفت بذهول نحو نبرة الخالة سهير الخائفة فتركت ما بيدي فوراً واتجهت اليها قائلاً:
- ما بكِ خالة سهير؟
فوقعت دمعة خائفة من جفنها وهي تقول لي:
- ألم ترى لوجين؟
وهنا فتحت عيناي بفزع. نعم رأيتها، قبل ساعتين! فخرجت فوراً من خلف منضدة البيع وانا اقول لها:
- ماذا تعنين؟ واين هي؟
فضربت خدها بأحدى يديها بلوم بينما تمسك بالاخرى عبائتها تمنعها من السقوط من رأسها وعيناها تتجولان من حولنا وهي تقول بقلق وخوف:.
- قالت لي انها لن تتأخر، ولكنها لم تعد الى الان، يا رب سترك!
بدأت انفاسي تضطرب وانا اسألها:
- متى خرجت؟
- قبل ساعتين!
يااللهي لطفك! اين عسى تلك المجنونة ان تكون؟ وفجأة شاهدت احدهم يركض بأتجاهنا. التفت فوجدتها رنا تلتقط انفاسها بصعوبة وهي تقول للخالة سهير:
- بحثت في كل المتاجر القريبة. لم اجدها!
لتضرب الخالة سهير خدها مرة اخرى وهي تهتف بفزع:
- يا ويلي! اين عساها تكون؟ هي لم تتأخر هكذا ابداً!
انحنت رنا لتستند بيديها على ركبتيها وتحاول بصعوبة اخذ انفاسها فأسرعت اليها الخالة سهير وهي تقول:
- دخيلك يا اللهي. لا بد ان اجهدت نفسك بالركض!
حاولت رنا ان تتحدث ولكن انفاسها كانت تضيق اكثر فهي تعاني من الربو والركض الطويل ليس جيداً على صحتها فقلت فوراً لهما:
- خذي رنا وعودا الى المنزل وانا سأبحث في الجوار!
لتنظر إلى الخالة سهير بعيونها المرعوبة وهي تقول:
- هل ابلغ عادل؟ او اخي؟
- ليس الان. لا داعي لنثير قلقهم. دعيني ابحث اولاً!
تركتها بعد جملتي الاخرى لأنطلق من اتجاه وتعودان هي ورنا من الاتجاه الاخر نحو المنزل.
قادتني خطواتي السريعة نحو كل الاماكن التي من الممكن ان تقصدها لوجين في منطقتنا. ولكني لم اجدها في اي مكان، ما يؤلمني ليس اختفائها فقط. انما انا السبب في هذا الاختفاء!
سألت اصحاب المتاجر الذين يعرفوها علهم قد رأوها تمر او ما شابه. ولكن لا احد قد فعل! بدأت بالفعل اشعر بالاختناق وانا لا اعلم اين عساها تلك المتهورة ان تكون!
قادتني خطواتي بأتجاه منزل السيد عادل لعلها تكون قد عادت. ولكن كل امالي تلاشت ما ان فتحت السيدة سعاد الباب وعلى وجهها علامات اللهفة التي تلاشت بسرعة ما ان وقع بصرها على وحيداً. فقلت لها فوراً وكأني احاول تخيب ظني لعلي اكون مخطئ:
- ألم تعد؟
ضربت فخذها بحسرة وهي تزفر بضيق وتقول:
- كنت سأسألك ان وجدتها!
وهنا الرعب بدأ يتسلل الى داخلي اكثر. لقد اصبح الامر جدي اكثر من اللازم. نعم لوجين متهورة. ولكن ليس لهذا الحد بأن تثير قلقنا عليها. لا بد ان هناك شيء ما قد حصل!
دخلت الى المنزل لأجد رنا تجلس في الصالة لاتزال تعاني من نوبة الاختناق التي تحاول التخلص منها عن طريق البخاخ والسيدة سهير تحرك المروحة القصبية امام وجهها تمنحها بعض الهواء لاسيما مع انطفاء الكهرباء في هذا الوقت من الظهيرة!
اول ما راتني هبت واقفة وقالت:
- أبشر يا بني؟
حركت رأسي بيأس نافياً فجلست مرة اخرى بأحباط تقلب عيناها بحيرة لا تعرف هل تبكي ام تفكر بحل!
وفجأة نهضت من مكانها وقالت:.
- هذا يكفي. سأتصل بأخي. لديه الكثير من المعارف وسيجعل جنوده ايضاً يبحثون عنها!
وقبل ان تصل نحو الهاتف طُرق باب المنزل مجدداً لتركض السيدة سعاد نحوه بينما عيوننا تترقب بلهفة لحظة فتحه لنرى الزائر، انسة ذات عيون ذابلة ووجنتين ملتهبتين وانف احمر. بطلتنا المتهورة!
في موقف اخر سأقول سعيد لرؤيتها، ولكن وجود يزن معها جعلني اغير رأي فوراً. انا مستعد لقتلها!.
ضمتها السيدة سعاد بقوة. تركت السيدة سهير الهاتف واتجهت اليها. ولكن اثنان اكتفيا بالصمت وهم يحدقان بنظرات ملتهبة نحوهما. انا ورنا!
فجأة كسر سكوننا نبرة السيدة سهير وهي تهتف بها:
- اين كنتِ حضرتك؟
فأجابت لوجين بينما تدلف نحو الداخل وتمنحني نظرة حادة خاطفة ثم التفتت نحو والدتها وقالت:
- كنت احتاج بعض الوقت بمفردي!
لترتفع نبرة السيدة سهير وتصبح اكثر حدة:.
- هكذا فجأة؟ لقد اخبرتني ان مشوارك سريع ماالذي غير لكِ رأيك؟ هل يمكنك ان تتخيلي ما اصابنا ونحن نبحث عنكِ؟
فقال يزن محاولاً تبرير الموقف:
- لقد كانت معي سيدة سهير ولم تكن بمفردها!
- وكيف تسمحان لنفسكما ان تخرجا هكذا من دون اعلامنا اولاً؟ هل اصبحتما فجأة راشدين ولم يعد لأعلامنا اي اهمية؟ هل تظن ان تصرفكما صحيح ونحن نبحث عنها منذ ساعة بسبب هذا التصرف الاحمق؟!
لم يثر استغرابنا صراخ السيدة سهير فكلنا قد توقعناه من شدة قلقها. مااثار دهشتنا هي رد فعل لوجين وهي تبادل امها الصراخ بحدة اشد:
- انا لست طفلة فلا داعي ان تبحثوا عني او تقلقوا. فبالتأكيد لم تكونوا تتوقعوا اني قد ظللت طريق العودة!
- هل تستهزأين حضرتكِ!
- اعتبريه ما شئتِ!
وهنا فتحت السيدة سهير عيناها وفمها بدهشة عاجزة عن الرد فكان دوري لأتولى دفة الحديث وانا اقول لها بحدة:.
- اختاري كلماتك بحذر لوجين ولا تنسي نفسك!
فألتفتت إلى وكأنها كانت تنتظر لحظة تدخلي لتنفجر بوجهي:
- وبصفتك ماذا تتدخل وتطلب مني اختيار كلماتي؟
وهنا كانت القشة النهائية التي افقدتني اعصابي وانا اصرخ بوجهها:
- هل فقدتِ عقلكِ اليوم؟ ماالذي جرى لكِ؟
ليجيبني يزن بجفاء:
- اظنها محقة. فلا تملك الحق لتتدخل بهذا الامر!
وبدل ان اجيب انا هتفت به السيدة سهير:
- بل سيتدخل. على الاقل هو الطرف العاقل هنا وسط طيشكما!
لتهتف لوجين:
- لست طائشة!
لأقبض على يدها بقوة وانا اعنفها قائل:
- اخفضي صوتكِ والا قسماً بالله سأخرسه انا لكِ!
لتنهرني سعاد بعطف:
- يا ولدي الامور لا تحل بهذه الطريقة!
لأهتف بينما عيناي ثابتة داخل عينا لوجين:
- بل لا توجد طريقة اخرى. رغم ما فعلته ولا ترى نفسها مخطئة. اي هناك امكانية ان تكرر ما حصل هذا اليوم غير مبالية بقلق امها ولا بأي احد فينا!
سحبت يدها بقوة وهي تهتف بس بينما دموعها تتساقط بضعف رغم القوة التي تحاول رسمها على وجهها:
- انت بالاخص لا يهمني امرك ولست ابالي ان اثرت قلقك او لا. لا تملك الحق لتؤنبني او حتى تتحكم بتصرفاتي!
فقالت السيدة سعاد مرة اخرى محاولة تهدئة الوضع:
- يا ابنتي هو يفعل ذلك من باب حرصه عليكِ كأخيكِ الاكبر وليس لكونه يحاول التدخل بك!
ما لم اتوقعه هو صرخة لوجين القوية الغاضبة:
- هو ليس اخي...
ثم اكملت وهي تحدق بي من وسط دموعها:
- ولن يكون!
انكسارها اخرسني. نبرتها المرتجفة وهي تنطق عبارتها الاخيرة جعلني ادرك ما تمر به. ربما هم لم يفهموا. وربما اعتبروا انها اهانتني، ولكني فهمت، عيناها كانت كافية لتجعلني ادرك كل شيء!
ختم نقاشنا بشكل نهائي سعال رنا مرة اخرى فألتفت لوجين اليها وارتخت ملامحها المنقبضة لتتحول الى قلق فوراً وهي ترى رنا تستنشق من البخاخ. اسرعت اليها وربتت على ظهرها قائلة:.
- هل انتِ بخير عزيزتي؟
لتجيبها السيدة سهير بلوم:
- بسببكِ ركضت لمسافة طويلة وانتابتها نوبة الربو!
لم ترد لوجين على امها وبقيت تمسح على جانب وجه رنا وكأنها تعتذر بطريقة اخرى. تركت التحديق بهما لأنظر نحو يزن الذي قال فوراً:
- هل نأخذها للمستشفى؟
تقاسيم وجهه. نبرته. نظراته المتعلقة برنا، هذا ليس يزن الطائش. نظراته لرنا اعرفها جيداً، نظرات جعلتني احدق به مطولاً، أيعقل؟
نظر الجميع نحو رنا منتظرين اجابتها فرمقته الاخيرة بنظرة حادة بينما تجيب:
- لا. سأكون بخير!
اعدت ابصاري بأتجاه يزن لأرى الانكسار يحتل نظراته. وكأنه يعتذر منها من خلال عينيه. كتلك النظرات التي امنحها للوجين احياناً حين اكسرها بشكل اعجز عن ترميمه، أتمنى ان ماافكر به ليس صحيح!
مرت بعض الدقائق اعتلانا الصمت فقط وسط انفاس رنا المجهدة الى ان استعادت تنفسها الطبيعي بعد مدة. الامر الذي اعاد بعض الدماء لوجه لوجين الشاحب. فلو حصل لرنا شيء لم تكن ستسامح نفسها ابداً!
اخذت السيدة سعاد رنا نحو الطابق العلوي لترتاح قليلاً فأدرت ابصاري نحو يزن لأتأكد مما يساور عقلي من شكوك، شكوك بدأت تصبح نوعاً ما يقين! التفت إلى لترتبك نظراته من عيناي الثابتة داخل عيناه ثم اشاح وجهه والقى تحية الوداع وخرج من دون كلمة اخرى!.
اعدت ابصاري نحو السيدة سهير وهي تنهر لوجين قائلة:.
- الحماقة التي ارتبكتها اليوم ستكون اخر مرة. هل فهمتِ؟ وألا قسماً بذات الله سأخبر ابيكِ وخالكِ، وتعرفين جيداً ماذا سيفعل خالكِ ان تهاون ابيكِ في الامر!
يبدو ان العاصفة الترابية بداخل لوجين قد كانت قصيرة المدى. فهي لم ترد على والدتها هذه المرة واكتفت بأشاحة وجهها عنها بوجه مقتضب فقطع على السيدة سهير كلامها صوت رنين الهاتف فتركتنا وذهبت مسرعة اليه. فأقتربت انا من تلك المهرة الغاضبة ذات الخصلات النافرة التي ستسلبني عقلي في يوم، هذا ان تبقى لي القليل منه بوجودها!
حافظت على جمود ملامحي وانا احدق بوجهها بينما هي اعتلى الارتباك ملامحها رغم انها لاتزال تصر على اشاحتها جانباً!
- انظري الي!
قلت بأقتضاب فحركت كرتا عينيها بتردد لتثبتها واخيراً داخل عيناي الثاقبة، ذلك الخوف الذي يكتسح نظراتها كان يزيدني تعلقاً بها فحسب من غير مبرر. وكأنها ستبقى تلك الضعيفة التي تحتاجني دوماً، التي تخطأ وتلتمس مغفرتي تجنباً لغضبي، ستبقى تشعرني بهيمنتي الدائمة عليها. وهذا ما يدفعني للتمسك بها اكثر، لابقائها بجواري فقط. فلا يوجد غيري من سيحميها كما افعل. او حتى يؤذيها كما افعل!
اخذت نفساً سريعاً احاول من خلاله ضبط انفعالاتي ثم قلت:
- ما حصل اليوم لا اريده ان يتكرر يا لوجين!
ومن دون سبب وجدتها تبكي مرة اخرى ولكن هذه المرة بصمت وهي تحدق بعيناي بلوم، لو انها صرخت بوجهي لكان على اهون من نظراتها هذه فوجدت نفسي اضعف فوراً وانا اقول لها من دون وعي:
- لا شيء مما رأيته كان كما فهمته ايتها الحمقاء!.
وهنا حدقت بعيناي بعدم استيعاب وذهول ولكن في الوقت ذاته كانت السيدة سهير قد انهت مكالمتها فألتفت بسرعة نحوها فوجدتها تدون شيء ما فعدت بأبصاري نحو لوجين وقلت لها:
- سنتحدث لاحقاً. اتفقنا؟
بقيت تحدق بي كالبلهاء فأعدت جملتي بتأكيد:
- اتفقنا؟
فأومأت بسرعة بينما تمسح دموعها فدفعني الامر للابتسام من دون ارادة بينما اتخطاها لأخرج. لتتلامس ايدينا من دون قصد. لأشعر ببشرة يدها الناعمة التي لااذكر متى اخر مرة استقرت راحة يدها داخل يدي، لا في الحقيقة اذكر، كان الامر قبل سبع سنوات. حين كنت اوصلها الى المدرسة ونعبر الشارع معاً، عرفت من يومها نبضات قلب العاشق كيف تكون. انها نبضات مؤلمة. ولكن مؤلمة بشكل جميل! شعور لا يمنحه لي سوى لوجين. ولوجين فقط، وكانت هذه هي المرة الاخيرة التي لمست فيها يدها. التي عاملتها بلطف. ففي يومها انا قد ادركت ان لوجين بالنسبة لي ليست مجرد صديقة طفولة او كأخت صغرى يوصيني السيد عادل بها دائماً، لذلك حافظت على تلك الامانة. ولكن حافظت عليها من بعيد!.