قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل الثاني

رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل الثاني

رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل الثاني

مطيعة
(رسلان).

رحلت بعيداً عني وانا منحني التقط التفاح المتناثر فوق الارض، ماان استادرت نحو الجهة الاخرى وسارت مثل(الخلق) كما طلبت منها رغبت بشدة في الضحك على طريقتها الطفولية في مجادلتي. ولكن غضبي كان اقوى ليسيطر على ابتسامتي، لا. لم اكن غاضباً منها لأنها اوقعت صندوق التفاح. بالعكس تماماً. فلو استطعت لسجدت من فوري شاكراً الرب على اسقاطها الصندوق وجمعي بها للحظات! من الاساس هذه المجنونة قد اوقعت لي صندوقين مسبقاً، ولكنها بالطبع لم تعترف انها المخطئة، لااعلم لما اعترفت هذه المرة!

لقد غضبت لأن هذه الفتاة الطائشة التي تشارف على بلوغ التاسعة عشر لاتزال تركض كالطفلة البلهاء وسط الشارع، لم تستوعب بعد هذه المجنونة - التي ستسحبني لقاع الجنون معها - انها اصبحت شابة بالغة وانظار الناس تلتفت اليها وتنتبه لها!.

ولولا الحدود التي اجبر نفسي على رسمها بيننا لفقدت اعصابي الان ولن اكتفي بزجرها بل وسأسحبها من يدها بعنف لأدخلها نحو منزلها وامنعها من الخروج منه نهائياً بمفردها، ولكن حدودي تمنعني من ذلك. على دائماً معاملتها برسمية كالاخرين. بل واكثر رسمية من الاخرين؟.

تسألوني لماذا؟ هل ترون انه من المنطقي ان يقع ابن البقال بغرام ابنة اغنى تاجر في بغداد؟ وليس اي تاجر عادي، بل تاجر يملك نفوذاً بالدولة هو وزوجته، فالاخ الاكبر للسيدة سهير والدة لوجين هو ضابط مرموق في الدولة، واظن ان من عاش في العراق خلال النظام البائد سيعرف جيداً ماالذي سيعنيه ضابط جيش، انهم اشخاص ليس عليك حتى النظر داخل عينيهم. انهم السلطة الثانية من دون قاضي عادل يرأسهم، ان اسرة والدتها اسرة مرموقة جداً، اقل صديقات والدتها شأناً ستجدها تكون زوجة المحافظ او زوجة احدى ضباط الجيش، فأغلبهم هن زوجات الوزراء وزوجات اعضاء حزب البعث (الواصلين) كما كنا نسميهم، اما السيد عادل والدها فهو رجل كثير النفوذ. لهم مكانتهم المعروفة واحترامهم لدى الجميع...

هل عرفتم من لوجين الان؟ اذاً دعوني ابدء بتعريفكم على نفسي، رسلان، ابن البقال ايمن. لاداعي لكي اوصف لكم حياتي. فليس فيها مايستحق الوصف!.

تخرجت من الثانوية بمعدل ممتاز سمح لي بدخول كلية الهندسة المعمارية، ولكن لاتتفائلو كثيراً، لم اكمل دراستي فيها. تركت الجامعة بعد بضعة اشهر من التحاقي بها، اوضاعنا المالية لم تكن تسمح لنا بتسديد كل المصاريف الجامعية، تزامن مرض ابي مع فترة دخولي اليها وعدم مقدرته على العمل بشكل مكثف ليؤمن لي المال. ولم ينفع ايضاً ان ادرس واعمل. فأوقات عملي ستكون قليلة ولن استطيع الموازنة بين العمل والدراسة، فلم اكن اعمل لأومن مصاريف دراستي فحسب. بل كان على ايضاً تأمين مصاريف اسرتي بسبب صحة ابي المتدهورة، لذلك تركتها، فالاموال التي سأبذرها على الدراسة ستفيدني لأعين بها اسرتي، بالطبع والداي كانا شديدي الاعتراض على قراري. ولكني نفذته على اية حال، تركت الدراسة واعدت افتتاح متجر ابي للبقالة وطورت عمله، ورغم علاقة ابي والسيد عادل القوية ألا انه لم يتقبل منه اي اموال للمساعدة، فلوالدي عزة نفس تثير دائماً اعجاب المحيطين به...

علي اية حال، بقينا انا وابي ندير متجر البقالة. هو يدير الاشياء البسيطة من الحسابات والجرد وانا ادير الباقي والحمدلله اصبح وضعنا المالي افضل، ولكننا لن نضاهي ولو جزء بسيط من حياة السيد عادل، سأبقى انا ابن البقال. وهي ابنة التاجر الثري!

لذلك هل عرفتم الان الفرق بيني وبين لوجين؟ نعم انا اعرف ان اسرتها اسرة رائعة بالفعل ومتواضعة ولايهمهم امر الفوارق الطبقية التي بيننا ابداً. ولكن المجتمع سيرى. وانا ارى، لااريد ان احلم اكثر مما تفوق طاقتي ثم تأتي مطرقة الطبقات لتحطم لي كل ماحلمت به، ومثلما كنت اجعل لوجين خط احمر لااسمح لأحد بتجاوزه وضعت الخط ذاته بيني وبينها ومنعت نفسي ايضاً من تجاوزه معها، ولكن، وبأحيان كثيرة كنت انسى هذه الحدود واتجاوزها ثم اعود وبسرعة لأتدارك نفسي واسيطر عليها، ولكن تلك الحمقاء لايمكنها ان تفهم ابداً، فأحياناً عندما اجدها تضع بعض مساحيق التجميل -كما تفعل كل الفتيات ذلك- كنت استشيط غضباً وعندما اجدها لاتفهم مما انا غاضب تتزايد نيراني اكثر وابدأ بتأنيبها وانتقادها لأخفي عنها غيرتي دون التحذر بكلماتي الجارحة التي تنقطع فجأة عن لساني وانتبه لمدى سوءها عندما ارى عيون لوجين بدأت باللمعان وعاصفة مطرية على وشك الهطول بغزارة. فتتركني وترحل، لااعلم هل ترحل غاضبة؟! أم انها فقط تحاول اخفاء نفسها عني لتبكي؟ فأنا اعلم كم عزيزتي حساسة وسريعة البكاء!

(لوجين)
طرقت الباب طرقاً متواصلاً غير تاركة اي مجال لطبلة اذني كي تستقبل صوت السيدة سعاد بشكل جيد وهي تتذمر من هذا الطارق المزعج الذي لايمنحها الوقت كي تصل وتفتحه، اطلّت بادئ الامر بوجه مقتضب وهي متحفزة لتأنيب الطارق ان كان احد اطفال المنطقة. ولكن ملامح وجهها انفرجت فوراً بأبتسامة لهفة وهي تقول: - أبشري؟

رفعت الورقة البيضاء المطوية داخل يدي -والتي كانت سبب ركضي ولهفتي في الوصول للمنزل- وهتفت بفرحة: - بالتأكيد طبية!
انتم تعرفون بكل تأكيد العادات الكلاسيكة للنساء الشرقيات ماان يستقبلن خبر مفرح؟ هذا صحيح. بادئ الامر شكرت الرب ثم ملأت ارجاء المنزل بوابل من (الهلاهل).

السيدة سعاد هي مربيتي منذ ان كنت في الثالثة من عمري، نشأنا انا وابنتها رنا معاً فقد كنا في العمر ذاته، استشهد زوجها قبل سنين طويلة ولم يكن لديها اي اقرباء ليعيونها فتكفل ابي بذلك. ساعدها في شراء منزل بسيط على مقربة منا لتعيش هي وابنتها الوحيدة فيه، ابنتها الوحيدة هي نصفي الاخر واكثر من كونها اختي، لم يفرقا ابي وامي ابداً في معاملتنا وما كانا يشترياه لي يشتريا مثله تماماً لرنا سواء كانت من ملابس المدرسة واحتياجاتها الى ملابس الاعياد والمناسبات وبل وحتى معظم الملابس المنزلية. فنحن نعتبرهما جزء من اسرتنا وليست مجرد امرأة تعمل هنا منذ سنين!

شدتني السيدة سعاد اليها وضمتني بقوة بين احضانها لتبارك لي واغرقتني بالقبلات التي لطالما اعتدت على استقبالها منها، اغمضت عيناي واستنشقت رائحتها المميزة والجميلة التي كانت تمنحني حناناً صادقاً ونقياً، فبداخل احضان هذه السيدة لم اكن اجد الفرق الكبير عن احضان امي، انها بالفعل سيدة رائعة!
- ام لوجين. ام لوجين!

هتفت السيدة سعاد بأعلى صوتها منادية لأمي فخرجت الاخيرة من المطبخ تحمل ملعقة تحريك الطعام بيدها واول ماوقعت عيناها على منظرنا قامت هي الاخرى برد فعل لايقل عن الاولى وملأت المنزل بأصداء من(الهلاهل).
- لك الحمد ياالله، طبية. أليس كذلك؟
قالتها امي وهي تتجه نحوي فأجبتها ممازحة: - أتسأليني لتوكِ؟ اذاً لما زلزلتي المنزل المسكين بصوتك ان لم تتأكدي بعد؟

قرصتني من خدي برفق بينما تقول: - ألن تكفي عن تعليقاتك الساخرة هذه؟
عانقتني بقوة فقلت من وسط انفاسي المضغوطة تحت يديها: - امي ستقتليني قبل حتى ان اباشر يومي الاول في الجامعة!
ضحكت واطلقت سراح جسدي وهي تقول: - بالفعل امرك ميؤس منه!
لم يقل ردة فعل ابي عنهما كثيراً عندما علم بالامر بعد عودته من العمل. عدا انه لم يطلق(الهلاهل) بالطبع. ياليته فعل. منظره كان سيكون مضحكاً بحق!

جلسنا حول مائدة الطعام وبالطبع انا المدللة الغالية لم اشارك في تجهيزها في هذا اليوم فلقد جلست طوال الوقت بالقرب من ابي اسرد عليه قائمة طلباتي التي حضّرتها من اجله مسبقاً ان استلمت ورقة قبولي في كلية الطب، ابي كان يضحك تارة ويبتسم تارة اخرى ولايقول شيء سوى انتِ تأمرين، وبكل تأكيد بدأنا بتناول الطعام وطلباتي لم تنتهي بعد الى ان قاطعت امي سلسلة امنياتي:.

- حبيبتي لوجين. اتركِ والدكِ يأكل بهناء قليلاً. فلتؤجلي طلباتكِ لوقت لاحق!
نظرت لها بسخط طفولي وانا اقول:
- انا منذ 19 عاماً اتركه يأكل بهناء. دعيني اليوم على الاقل احرمه من هذا الهناء!
ضحك ابي على تعليقي وهو يقول:
- اتركوها تفعل مايحلو لها، اليوم كل طلباتها اوامر وستنفذ.
لوت امي شفتيها ساخرة وهي تقول:.

- اليوم فقط؟ وماذا عن كل يوم؟ ما شاء الله انت كبئر الاماني بالنسبة لها، طلباتها محققة على مدار 24ساعة.
فأجابتها السيدة سعادة مصطنعة الجدية:
- لالا عزيزتي ام لوجين لاتظلمي المسكينة، طلباتها تتحقق لمدة 16ساعة فقط، فثماني ساعات هي تخلد بها للنوم!
- اوه اجل صحيح، انه الوقت الوحيد الذي لاتطلب فيه لوجين شيء.

ثم شرعتا كلتاهما بالضحك معاً كعادتهما عندما يسخرا مني انا ورنا، وبالطبع السيد عادل لابد ان يشاركهما ضحكتهما، حسناً فليضحكو، المهم انهم سينفذون لي طلباتي!
بعد الغداء بدأت السيدة سعاد وامي في غسل الصحون وانا اجلس على المائدة التي تتوسط المطبخ يستخدموها اما لتناول الافطار او للراحة عليها اثناء تقطيع الخضار او تنظيف الارز، اما بالنسبة لي فكانت تمتلك مهمة اخرى، التطريز!

كنت احتلها دائماً لنشر ادواتي عليها والجلوس لساعات وساعات من دون اي ملل لأجل ان اطرز.

بدأ الامر كمنافسة فتيات بيني وبين رنا فيمن تطرز بشكل افضل، لكن مع مرور الوقت تحول الامر بالنسبة لي من مسابقة الى ولع واستغل جميع اوقات فراغي في التطريز الى ان اصبحت مبدعة حسب رأي رنا، لذلك اتخذت من طاولة المطبخ مكاني الخاص من اجل هوايتي هذه لأستمع في هذه الاثناء الى الاحاديث اللطيفة التي تخوضها امي والسيدة سعاد. وان اردت ان احظى ببعض الهدوء فأني سأختار طاولة الصالة حيث لايجلس عليها احد سوى في الوجبات، وفي المكانين لايشغلني شاغل سوى التطريز.

وبينما كنت شديدة التركيز في ما افعله انتشلني اسم مميز جداً يوقظني حتى من سباتي ان تم نطقه، ونطقه هذه المرة ابي وهو يقف عند باب المطبخ يخاطب امي:
- سهير، سأذهب نحو محل ابا رسلان لأشرب معه الشاي، فأنا لم اراه منذ ايام!

أتذكرون قطرات العرق تلك التي تصطف فوق جبيني ماان يذكرو اسم رسلان؟ ها قد عادت للظهور مجدداً بكل جرئة ومن دون تردد ماان سمعت اسمه في الحديث حتى وان لم يكن هو المعني في الكلام. المهم ان اسمه موجود!
كنت ادعي عدم انتباهي لحديثهم واطأطئ رأسي مدعية التركيز فيما اقوم به، رغم اني لم اكن كذلك على الاطلاق!.
اجابته امي بينما تمسح قطرات الماء عن يدها:
- حسناً، اوصل له سلامي!

- سأفعل، وايضاً سأوصيه على بضعة صناديق فاكهة فاليوم سنعد وليمة عشاء ندعو اليها الاقرباء والاصدقاء بمناسبة فرحتنا بقبول لوجين في الطبية!
عندها اتخذت من اسمي ذريعة كي ارفع رأسي وحولت بصري بأتجاه ابي وانا اقول بنبرة مترددة:
- ابي؟ كنت اتسائل. هل يمكنك، ان تعتذر من رسلان نيابة عني؟
تبسم ابي وهو يقول:
- ماالذي فعلته هذه المرة؟!
اجبته بجدية لاتناسب ابتسامته:
- في المرتين السابقتين هو كان المخطئ ولست انا!

فشهقت امي بتفاجئ وهي تدرك معنى عبارتي وقالت:
- يا للخزي! اوقعتي صندوقاً اخر؟
- لقد كنت اركض بأستعجال ولم انتبه!
- آه منكِ! لااعرف كيف يتحمل هذا الشاب تصرفاتك الطائشة!
يتحمل؟ لقد اغضبتني امي بهذه الكلمة بالفعل، هل اصبح هو من يتحملني؟ بل الفضل لي اني انا من اتحمل تصرفاته الفظة معي وبروده ولم افترسه الى الان!

عدت نحو التطريز مدعية اللامبالاة رغم مابداخلي ليس كذلك على الاطلاق. كنت عبارة عن بركان ثائر وتملكتني غريزة الهجوم فجأة، فقد سكتت وتحملت بمافيه الكفاية واصبحت ابسط كلمة تثير اعصابي وتوترني بسبب ذلك الرسلان.
حسناً لم اسكت طويلاً على تعليق امي، فسرعان ما تمتمت بأستياء بعد ثواتي قليلة:
- فلتنسو اني طلبت منكم الاعتذار له، فبالحالتين ستحملوني الخطأ، على الاقل سأتحمل الخطأ بكرامتي!
فأجابني ابي بجدية:.

- بل ستتحملين الخطأ وتعتذرين بنفسك ايضاً ايتها الانسة!
فرفعت رأسي اليه دفعة واحدة احاول الاعتراض واخباره اني اعتذرت له ولكنه رغم ذلك كان فظاً معي ولكن ابي قاطعني قائلاً:
- من دون اي اعتراض! ستعتذرين له وهذا قرار نهائي، وانتبهي على طريقك من الان فصاعداً!
فقلت انا بتضايق:
- ولما لاينتبه هو على طريقه؟ لو كان منتبهاً ألم يكن سيتفادى الاصطدام بي؟

حسناً انا اعترف، غضبي لايناسب الهدوء الذي كانو يتحدثون به الي، انا متأكدة انهم ادركو ذلك ايضاً. فالثلاثة الواقفين قربي منحوني نظرة الاستغراب ذاتها فأطرقت رأسي فوراً اكمل ماكنت افعله وانا اتمتم بسخط:
- دائماً يكون المدلل هو المحق بالنسبة لكما!

نعم لاتستغربو، هو المدلل بالنسبة لأبي وامي، لقد ربياه منذ طفولته ومن قبل حتى ان يرزقهما الله بي، وبالتأكيد ابي تمنى الصبي الذي لم يحظى به وكنت انا الطفلة الوحيدة لهما لذلك استمرا بمعاملة رسلان كالابن الذي لم يحظيا به، ابن ذات مسؤوليات اكثر من اللازم اتجاهي، فأبي سمح له التدخل بأمر ملابسي وامر مساحيق التجميل وامر خروجي ايضاً في حالة سفر ابي، جعله المسؤول علينا في غيابه، وبالتأكيد ذلك المزعج رسلان لم يمارس سلطته سوى على فقط!.

ابسط الاشياء حوله بدأت تغضبني وتثير سخطي، انا واثقة سبب هذا الغضب المفاجئ منه هو من شدة تفكيري به طوال الوقت، به وبتصرفاته الباردة معي التي احاول ايجاد اي تفسير منطقي لها واتمنى افتعال اي شجار معه طوال الوقت ولأسخف شيء فقط كي اتمكن من اخماد تلك النيران التي تحرقني بجفائه، ولكن بالتأكيد ما تتعانق عيناي بعيناه حتى انسى كل استيائي منه ويلجم لساني عن نطق اي كلمة قاسية قد تغضبه مني واعجز عن معاملته بنفس البرود الذي يعاملني به، أهذا ضعف؟ ام غباء؟ بالنسبة لي كلاهما يحملان المعنى ذاته!.

- يبدو ان اميرتي الغالية تشعر بالغيرة من احدهم!
قالها ابي ممازحاً فأكتفيت بأبتسامة مبعثرة فوق شفتاي كي ابعد عني اصابع اتهام لم تكن متوجهة إلى من الاساس، ولكن من شدة ادماني له اشعر ان الجميع يدرك ان مجنونة بحب رسلان!
ماان خرج ابي حتى التفت نحو السيدة سعاد في محاولة مني لتغيير مجرى الحديث بعيداً عن ذلك المستفز الذي يصيبني بتوتر الاعصاب دائماً:
- خالة، متى ستأتي رنا؟

التفت إلى بينما تغسل يديها من الغسول العالق بها:
- لقد نزل على رنا وحي النظافة اليوم، استيقظت منذ الصباح الباكر وقامت بقلب المنزل رئساً على عقب وبدأت بتنظيفه وقالت انها ستحضر فور انتهائها!
- اي ستحضر قبل العشاء أليس كذلك؟
- وقبل هذا الوقت بكثير!
تبسمت بأرتياح وانا اقول:
- هذا رائع!
تتاولت امي مني دفة الحديث وهي تقول بحسرة:.

- لقد آلمني بالفعل انه تم قبولها في الصيدلة وليس الطب، لقد كانت تنال علامات مماثلة للوجين!
لتكمل السيدة سعاد بأسى:
- الوعكة الصحية التي تعرضت لها في اواخر ايام امتحانتها قد اثرت بشكل كبير على معدلها، ولكن الحمدلله على كل حال.
لتتمتك امي برضا بقضاء الله:
- الحمدلله!

ماان سكتو عن موضوع رنا حتى عاد موضوع رسلان ليتلبسني مرة اخرى، وكأنه يقف على عتبات تفكيري مستغلاً اي فرصة للدخول مجدداً، هذا ان خرج من الاساس! فأحياناً اشعر انه كعملية الزفير والشهيق بالنسبة لي، مهما انشغلت فلن انسى ابداً ان اتنفس، وكأنه عملية فسيولوجية يقوم بها الدماغ بشكل ذاتي من دون اي ارادة من جسدي!.

مرت نصف ساعة تقريباً على جلوسي في المطبخ وخروج امي والسيدة سعاد منه، ولاازال شديدة التركيز في ما افعله، رن الهاتف رنيناً متواصلاً، وبالطبع التطريز كان اهم لدي من ان اتزحزح خطوة عن مكاني او حتى ان ارفع رأسي، مامرت ألا ثواني حتى اتجهت اليه خطوات سريعة تخترق الممر وتتجه الى الصالة ثم يليها صوت امي قاطعاً هذا الرنين وهي ترفع السماعة:.

- آلو؟ اوه اهلاً ابا عمار، كيف حالك؟! وكيف هو حال ام عمار العزيزة؟ الحمدلله على كل حال، نعم؟ لا في الحقيقة انه عند صديق له في المنطقة، أهو شيء مهم؟ اوه. حسناً حسناً لاتشغل بالك. دقائق وسأجعله يتصل بك. اجل اجل بالطبع، مع السلامة!

كان هذا ابا عمار. احد التجار الاثرياء وصديق مقرب لأبي، بالنسبة لي كان رجلاً لطيفاً هو واسرته، عدا ابنه الاوسط يزن! يزن كان مزعجاً بماتحويه الكلمة من كل معاني عميقة او سطحية! انا وهو لنا افكار متناقضة تماماً، ان كان يمين فأنا يسار. ان كنت شرق كان هو غرب، لااعلم لما انزعج منه بهذا الشكل رغم انه لطيف جداً معي، لطيف اكثر من اللازم!

هل ياترى لهذا السبب رسلان يتضجور منه ومن ذكر اسمه امامه؟ بالطبع لا، ها هي الافكار السخيفة تغزو عقلي مجدداً، منذ متى ورسلان يبالي بي ليغار على من الذين يهتمون بي؟ انا بالفعل ساذجة!
ثواني وانتشلني من افكاري السخيفة صوت امي وهي تخترق المكان وتمسك بيدها قصاصة ورق صغيرة وتقول بأستعجال وهي تلوح لي بيدها تحثني على النهوض:.

- لوجين حبيبتي! اسرعي نحو ابيك في محل السيد ايمن واعطيه هذا الرقم واخبريه ان ابا عمار يطلب منك ان تتصل به فوراً لحاجة ضرورية لاتحتمل التأجيل!
نهضت من مكاني بتكاسل فأكدت امي على اهمية الامر بقولها:
- ابنتي اركضي بسرعة!.
ماان سمعت كلمة(اركضي) حتى ارتبطت بها توأمها على الفور. (مثل الخلق)، اصبحت هاتين الكلمتين توأمين بالنسبة لي. ماان ينطقون الاولى حتى تلتصق بها الثانية فوراً...

اخذت القصاصة من يد والدتي وسرت بأعتدال مثل الخلق، ولكن ماان وصلت الى الباب حتى حثتني امي على الاستعجال:
- ياابنتي اقول لكِ اركضي الامر مهم!
رغبت بشدة ان اطيع اوامر امي وان اجعل قدماي تطيعان الاوامر التي يرسلها اليهما عقلي، ولكن جسدي خاضع للسيطرة التامة لأوامر رسلان ولااجرؤ على مخالفة اوامره، واقصى مااستطعت فعله هو الهرولة! لست راكضة ولكن امشي بسرعة. اظن ان هذا جيد ويرضي جميع الاطراف، أليس كذلك؟

وصلت نحو محل السيد ايمن ولم يعد يبعد عني سوى بضع مترات، جلت ببصري باحثة في الوجوه. كل عاقل سيفترض اني ابحث عن ابي. فمن اجله اتيت انا، ولكني لم تكن كذلك! كنت اود ان اضمن الوصول بذات سرعتي نحو المحل من دون ان يراني رسلان، واخيراً وقع بصري عليه، وياليته لم يقع!

كان يجحظ بعيناه على اوسعهما اتجاهي تكاد شرارات غضبه ان تلفحني لتتركني رماداً، لاافهم لما كل هذا الاستياء وهو ينظر الي. انا لم اركض انا اهرول فحسب. لامشكلة في ذلك. صحيح؟ لقد اقتنع عقلي بكل هذا الكلام السخيف الذي اقوله. ولكن قدماي الجبانة لم تخضعا لي وخففتا السرعة على الفور لأقصى حد ممكن حتى يخيل للمارة ان توقفت كلياً. سرت نحو المحل بخطوات بطيئة وكأني اسير في جنازة، وبكل تأكيد ذلك المستفز اشاح وجهه جانباً عندما ادرك ان نظراته المحذرة قد فهمت مغزاها!

عادت إلى قليل من شجاعتي المبعثرة وهو يبعد تلك الفيروزتان عني والقيت التحية بصوت خجول على السيد ايمن الذي بارك لي من فوره على قبولي الطبية. والتي على مايبدو ان ابي قد اخبره مسبقاً، وذلك الاحمق بالتأكيد قد عرف ولكنه لم يبارك لي، لا اعلم هل انعته بالغبي؟ ان انعت نفسي بالغبية لتوقعي منه اكثر من اللازم؟
قدمت القصاصة التي تطويها بيدي اتجاه ابي وانا اقول:
- السيد ابا عمار اتصل ويريدك بأمر ضروري!

لم يكن صعباً على ان اسمع زفرة الضيق التي اطلقها رسلان وتلك النظرة الجانبية التي يرمقني بها كلما اتيت على ذكر هذه العائلة، لااعلم لما تسللت ابتسامة خفيفة الى شفتاي واختلجت قلبي لذة سعادة دافئة، بل وودت لو اضحك بقوة من فرط سعادتي واود لو اقفز في المكان كالبلهاء، ها قد بدأت بوادر الجنون تظهر لدي. سترك ياربي!
ماان تناول ابي قصاصة الورق من يدي التفت نحو العم ايمن وهو يقول:.

- هاتف المحل يعمل، أليس كذلك ياايمن؟
كان محل العم ايمن عبارة عن ساحة ترابية كبيرة تتقدمها طاولات البيع وفي اخرها غرفة صغيرة تحتوي على مكتب صغير لايحوي فوقه سوى سجل الحسابات والهاتف. وتلك الغرفة هي التي يقضي فيها العم ايمن وقته لينجز الاعمال الورقية بينما يتولى رسلان بقية الاعمال الشاقة منها والسهلة!
اشار العم ايمن بأتجاه تلك الغرفة وهو يقول:
- بالطبع بالطبع. تعال معي!

دخل ابي والعم اليها. وبقيت انا وكتلة النار وحدنا، لم اذهب من فوري، فالسنين التي عشتها مع رسلان كافية لتجعلني افهمه جيداً، هناك شيء ما سيقوله، افسحو المجال لو سمحتم لوابل الانتقادات والتأنيبات ليمر رجاءاً...
واحد. اثنان. ثلاثة، لقد قلنا ثلاثة، ماهذا؟ ألن يؤنبني؟ لما كل تلك النظرات النارية قبل قليل؟

ادرت بصري في الارجاء بشكل عشوائي، وعشوائي، وعشوائي. وكأني غير قاصدة تلك النظرة الجانبية الاخيرة التي رمقتها به، آه يااللهي، لاتزال تلك النظرات النارية والحادة تسيطر على عيناه وهو يحدق بي، ارتعشت اطرافي بأرتباك مثل ارتعاشة نبضات قلبي المجنونة بحضوره وقررت ان اهرب قبل ان يصهرني بنظراته!

ماان رفعت قدمي عن الارض والتف جسدي للجانب اريد الاستادرة والرحيل حتى وصلتني همسته الحادة والمغلفة بالعصبية وهو يضغط على كل حرف من حروفه:
- سيري مثل الخلق!

وها قد وصلنا للرقم ثلاثة! وددت حقاً ان التفت اليه بسخط الان وافتعل اي شجار معه لأخمد براكيني التي خلقها هو بداخلي، وددت ان اطلب منه الكف عن التدخل بخصوصياتي واملاء اوامره على فأنا لم اعد صغيرة ولست عديمة الشخصية لأخضع لهذه الاوامر واتحمل اسلوبه البارد معي وعدم اهتمامه بي، كل هذا الكلام كان يعتمر صدري وودت لو اصرخه بوجه، ولكني عوضت عن كل هذه الكلمات الساذجة التي لم اقتنع بها من الاساس بكلمة واحدة فقط...

- حاضر!.
وسرت(مثل الخلق). تماماً كما طلب مني!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة