قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث عشر

رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث عشر

رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل الثالث عشر

خطوة نحو الموت
(الكاتبة).

احياناً الاخلاص والمشاعر النقية تكون اسمى لدينا من كنوز معروضة علينا. تجعلنا نتجاهل الطبقات والاختلافات. ان ينبض قلب من اجلك افضل من بنك يكون تحت تصرفك، تلك كانت التضحية التي اقدم عليها يزن بعد سنين من مصارعة ذاته والمضي بالطريق الذي كان يراه مناسباً لنفسه. احياناً كثيرة تكون قرارات العائلة صحيحة. ولكن احياناً اخرى ربما من الافضل ان نتجاهل ما يمليه علينا عقلنا. لنحظى بتلك السعادة. تلك السعادة التي تؤذينا بشكل نستمتع بتجرعه مهما كان. فقط لأننا نحب!

- اريد ان اتزوج رنا خالة سعاد!
قالها يزن بحزم بينما سعاد اكتفت بالتحديق به بغرابه. هذا الفتى اما انه ثمل او فقد عقله. لم تتقبل سعاد احتمال ثالث!

حولت بصرها اتجاه رنا فوجدت ان وجهها هي الاخرى يطفو على الوان الكريسماس. تارة اخضر تارة اصفر ومرة يتحول للاحمر. اصابعها تتشابك مع بعضها مرة وتنفتح اخرى. تعض شفتيها لثانية وتضمهما لبعضهما في الثانية الاخرى. انها عادات طفولتها حين تتوتر وترتبك فادركت سعاد ان يزن يتحدث بجدية!
تنفست عبر انفها بحزم بينما تغلق فمها بإحكام ثم قالت بنبرة اقرب للصرامة: - منذ متى وانتما على علاقة؟!

فهتف كلاهما بنبرات الاعتراض وقالت رنا مبررة: - لسنا كذلك امي اقسم لكِ. نحن فقط.
وقطعت بقية كلماتها مع ارتفاع حاجب والدتها الايسر بحدة. تكون السيدة سعاد لطيفة بكل شيء عدا هذا. لقد حافظت على ابنتها وتعبت في تربيتها كي لا تسمح لأحد ان يقول عنها الاقاويل فقط لأن من ربتها امرأة ولا وجود للرجل في حياتهم. ارادت ان تثبت للجميع ان الاخلاق تغرس فينا وليس وجود الرجل هو من يفرضها علينا. وقد نجحت بذلك بالفعل!

وجهت نظرها مرة اخرى اتجاه يزن وهو يقول: - نحن نحب بعضنا خالة سعاد. وانا ارغب بالتقدم لرنا رسمياً. فما ردكِ؟
رفعت حاجبيها بدهشة وقالت: - هل تدرك اننا في منتصف الليل يا يزن؟ وهل يعلم ابيك ذاتاً بهذا الامر؟
تردد بإحراج من البوح بالامر ثم قال بخفوت وكأنه يريد ان يعترف وان لا يعترف بذات الوقت: - اجل. يعلم
- وما رأيه؟
عاد ليتلعثم بكلماته مرة اخرى ثم قال:
- طردني من المنزل!

توسعت حدقتيها بصدمة فاردف فوراً قبل ان يؤثر الامر بشكل سلبي عليها:
- كان هذا اتفاقه معي منذ سنين. اني ان بقيت مصراً على رنا فلن اعود ابنه!
في الوقت الذي كانت فيه سعاد مصدومة كانت رنا تحلق بعالم اخر من السعادة البلهاء وهي تستمع لحديثه. لقد تخلى عن كل شيء. فقط من اجلها هي!

جلست سعاد بروية فوق اريكتها ذات الخشب المترهل تحاول استيعاب ما يقوله يزن لها حقاً. جلس هو الاخر على ذات الاريكة وقال بجدية: - خالة سعاد. ادرك جيداً ان رنا ابنتكِ الوحيدة وانكِ تتمنين لها من هو افضل مني من حيث شهادته وقبول اسرته لها. ولكن اقسم لكِ انكِ لن تجدي من يحبها ويحافظ عليها مثلي. لقد تخليت عن كل شيء فقط من اجلها هي. لذلك لا تقفِ ايضاً في طريقنا كما فعل ابي اتوسل اليكِ!

نظرت اليه وقالت بنبرة ذات معنى: - وهل ستبقى تذكّرها بهذا طوال حياتها؟
قطب حاجبيه بعدم فهم وقال: - اذكّرها بماذا؟
- بأنك فعلت كل هذا من اجلها؟ هل كل ما سيحدث بينكما خلاف ستذكّرها انك تخليت عن اسرتك من اجلها؟ هل كل ما سترفض لك طلباً ستذكّرها؟
استقام بظهره وقال بثقة:.

- انا لم افعل هذا بناءٍ على طلبها. لقد فعلت هذا بإرادتي. فعلت هذا لأني ادرك جيداً ان سعادتي لن ترتبط بغيرها. لذلك هي ستكون صاحبة الفضل ان قبلت بي بحالتي هذه ولست انا صاحب الفضل لأني تخليت عن حياتي، فأنا تخليت عن حياتي لأحصل على سعادة لن اجدها لدى غيرها!

تبسمت سعاد برضا دون ان تتسع ابتسامتها. كانت ابتسامة طفيفة بالكاد يمكنه من خلالها رؤية ارتفاع زاوية فمها بعض الشيء. ابتسامة لم يستطع التماس معناها جيداً لتدخل الطمأنينة الى قلبه!
قالت سعاد بعد لحظات من التفكير: - قرار كهذا لا يمكنني اتخاذه بمفردي. السيد عادل رباها منذ صغرها وله الحق ان يكون مسؤولاً عنها. لذلك على استشارته اولاً!

اومئ يزن موافقاً وبعض الامل يتسلل الى قلبه فنهض وقال: - اذاً غداً مساءاً سأمر على منزل السيد عادل لأعرف القرار.
نهضت سعاد بدورها وقالت بأستغراب: - واين ستذهب الان؟
- لي صديق في الاعظمية سأذهب للمكوث عنده.

- اجلس يا ولد في اي ليل تريد الخروج؟ الشوارع خالية واولاد الحرام كثر. وايضاً ان شاهدك احد الشرطة او الجيش قد يأخذك للسجن ان اشتبه او لم يرتح لأمرك لخروجك في الليل. لذلك لا تجلب لنا مصيبة نحن بغنى عنها. ستنام هنا في الصالة!
فرد فوراً باعتراض:
- لا يجوز بقائي هنا خالتي ولا يوجد رجل معكما!
وهنا كان دور الصامتة لتنطق وهو تقول بسخرية لتستفزه:
- كان عليك التفكير بهذا قبل ان تطرق باب دارنا.

حسناً. ربما لو كانا بمفردها لعرف بما يرد. ولكن وجود سعاد وضعه بوقف محرج لتغدو بشرته الحنطية حمراء قاتمة مما دفع تلك البلهاء لكتم ضحكتها بصعوبة وهي تشاهد بعض حبيبات الماء المالحة تقطر من جبينه بينما يتلعثم بالاجابة!
- اغلقي فمكِ انتِ الاخرى!
قالتها سعاد بتأنيب وعادت لتلتفتت باتجاه يزن وهي تقول:
- هذا قراري النهائي. انت لن تخرج!
فكر يزن لثواني ثم قال واخيراً:.

- لن ابيت معكما ولكن لن اخرج من الكاظمية. سأذهب لأبيت في منزل رسلان.
اومأت سعاد برضا وهي تقول:
- حسناً، لا بأس بذلك!
- اذن. مع السلامة الان!
ورمق رنا بنظرة سريعة وهو يمر من جانبها بينما هي تنظر له خلسة، حب عذري يطوقه الخجل قبل الجرأة والصراحة.

وقف امام باب منزلهم الحديدي متردداً ما بين طرقه وما بين الإعراض عن الفكرة. ما بين خجله واضطراره. واخيراً رفع يده وطرقه بحياء، لا جواب! رفع رأسه من فوق الباب المنخفض نسبياً فوجد المنزل يغط بظلام لا يوحي على استيقاظ اصحابه. عاد مرة اخرى لطرقه بصورة اشد هذه المرة فشاهد ضوء الصالة يشتعل ومن ثم يليه باب المنزل الداخلي وصوت رسلان ينبعث:
- من هناك؟!
فرد يزن بخفوت:
- انه انا يا رسلان.

قطع رسلان ممرهم الحجري الضيق وصولاً الى الباب الذي فتحه فوراً وهو يطل على يزن بعينيه الناعسة ويقول باستغراب شديد:
- يزن؟ ماالذي جاء بك في هذا الليل؟
وحين شاهد الخجل يطفو على ملامح يزن من سؤاله هذا فتح الباب اكثر وقال يحثه على الدخول:
- تفضل تفضل. البيت بيتك!
دخل يزن بتردد وقال بصوت هامس:
- هل والدك مستيقظ؟
- لالا انه في الغرفة اخر البيت ولن يسمع الباب بسهولة. فبابهم موصد!
فقال يزن بشيء من الارتياح:.

- هذا افضل!
اغلق الاخر الباب ودلفا معاً نحو المنزل ليستقرا في الصالة حيث فراش رسلان ممدود هناك بحكم ان المنزل لم يكن يحوي سوى غرفة واحدة يشغلها والديه.
جلس يزن على الاريكة المجاورة للفراش فجلس رسلان بالقرب منه وقال بقلق:
- هل كل شيء بخير يا يزن؟
- انا اعتذر ان سببت لكم الازعاج في هذا الليل
- كفاك سخافات اي ازعاج هذا؟ نحن اهل يا يزن.
تبسم يزن بامتنان وقال:
- شكراً لك.
ثم اردف فوراً:.

- كنت انوي الذهاب نحو الاعظمية ولكن الخالة سعاد رفضت ذلك!
قطب رسلان حاجبيه بتعجب وهو يسأله:
- الخالة سعاد؟ واين رأيتها؟
اخذ يزن نفساً عميقاً وبدأ بسرد كل شيء على رسلان ورسلان يكتفي بالصمت احياناً والهمهمة احياناً اخرى يحثه على المواصلة من غير تعليق، الى ان ختم يزن كلامه قائلاً:
- وهكذا انا انتهى بي الامر مطروداً من المنزل!
تبسم رسلان وقال ممازحاً:
- لا اعرف لما اشعر اني اشمت بك!

نظر اليه يزن بنظرة قاتلة وهو يقول:
- ذاتاً كل هذا بسببك لأنك جعلتني اتبع مشاعري ولعبت لي فيها دور روميو في الوقت الذي انت فيه تتجاهل مشاعرك!
- وهل انت نادم لأنك تبعت مشاعرك؟
حك يزن مؤخرة رأسه وقال بابتسامة طفولية:
- في الحقيقة لا!
فضربه رسلان على رأسه وقال:
- اذاً كفاك تذمراً!
ضحك كلاهما بعد هذا قبل ان يردف يزن بجدية:
- والان ما الحل يا رسلان؟

- الحل هو ان تريح رأسك وتخلد للنوم ومتأكد ان كل شيء سيكون بخير دام ان العم عادل سيتدخل!
- اتمنى هذا بالفعل!
طبطب على كتفه مشجعاً ثم قال:
- سأذهب لأحضر لك وسادة وغطاء
ثم تبسم واردف:
- اليوم سنجعلك تجرب نوم الاريكة
تبسم يزن بدوره وهو يقول:
- بسبب تلك المعتوهة رنا جربت كل شيء!
ضحك رسلان على جملته وذهب كي يحضر له الاغطية.

رتب الاريكة جيداً وافترشها بغطاء جديد ووسادة من الريش ووضع له غطاء خفيف يتناسب مع حرارة الجو المعتدلة واحضر له ملابس مريحة من عنده بدل ملابسه هذه.
تمدد كلاً منهما في فراشهِ الى ان قطع صمت الليل يزن وهو يقول بينما يحدق بالسقف:
- رسلان؟!
همهم الاخر كإجابة بينما يغمض عيناه فأكمل يزن:
- متى بدأت بحب لوجين؟!
تبسم رسلان بينما يفتح عيناه وقال:
- هل انت جاد يا يزن؟ هل سنتحدث الان كفتاتين مراهقتين؟

قهقه يزن ثم قال:
- انا جاد يا رسلان. كيف عرفت انك تحبها؟ اريد ان اقارن مشاعرك بمشاعري!
تنهد رسلان مع ابتسامة تغزو ثغره وقال بعد لحظات:.

- صدقاً لا اعرف متى. كانت مقربة مني منذ طفولتنا. وكنت اهتم لأمرها منذ طفولتنا ايضاً. انت تدرك ان الخالة سهير والعم عادل اعتنوا بي بشدة حين لم يرزقا بطفل لذلك كنت معتاد على قضاء اغلب وقتي في منزلهم حتى بعد ان ولدت لوجين لذلك كنت اقضي يومي باكمله العب مع تلك الصغيرة، كبرت وصارت تعتمد على في كل شيء وكم كنت احب تدللها على وتبخترها امام جميع اولاد الحي من اني سأضربهم ان لم يعطوها ما تريد!
ضحك يزن وقال:.

- يا اللهي كم كنت اكره تنمرها علينا بسببك. لم نكن نهنئ بلعبة ان كانت لوجين مشتركة بها.
فأكمل رسلان بذات الضحكة:
- خصوصاً لعبة الغميضة!
- يااللهي، لا تذكّرني! كنا نقع بورطة ان وجدها احدنا لأنها ستبدأ بالبكاء والعويل والاسراع اليك لتفسد لنا لعبنا فأصبحنا ندّعي عدم رؤيتها كي نستمر باللعب!

استمر رسلان بابتسامة عريضة وهو يطالع السقف بعيون حالمة يسترجع ذكريات الماضي ويقارنها بالحاضر. لتتلاشى ابتسامته تدريجياً وادرا ظهره ليزن واستلقى على جانبه الايسر فأدرك يزن ما خالجه في هذه اللحظة، كم تكون الذكريات جميلة ونحن نسترجعها. وكم تكون مؤلمة حين ندرك ما آلت اليه الامور!

كانت ليلة جميلة للبعض ومؤلمة للبعض الاخر. ولكنها كانت الاطول بالنسبة للوجين. تقلق لها الافكار مضجعها وتقلبها ذات اليمين وذات الشمال لتطرد النوم منها رغم النعاس، تتمنى شيء ولكنها تعيش شيء اخر. في كل ليلة تنزل خلسة الى الصالة وترفع سماعة الهاتف وتتصل على رقم منزله. تدرك ان الهاتف قريب منه ولن يجيبها غيره في هذا الوقت، تستمع لصوته الناعس. لتذمره من هذا المتصل عديم الاحساس في الايام الاولى. ثم بقاءه على الخط في الايام التالية وقد بدأ يشك انها المتصل. يعلم انها تحتاج وجوده فقط. تكتفي بسماع انفاسه على الطرف الاخر لتستكين روحها المتعبة وتخلد بطمأنينة الى فراشها، ولكنه انتظر اتصالها مطولاً هذه الليلة ولم تفعل. وسهرت هي اكثر من المعتاد ولكنها لم تنزل لتتصل به. تحاول قمع اشتياقها بكل ما تملك من قوة. تحاول ان تبتعد عنه في هذه الفترة ولكنها تزداد تعلقاً به فحسب. وهكذا قلبتها الافكار طويلاً الى ان غطت بنوم عميق!

- لوجين؟ لوجين؟
فتحت عيناها بتثاقل على صوت والدتها التي قالت فوراً:
- ستتأخرين عن الجامعة ان لم تنهضي الان!
خبأت وجهها تحت غطائها وقالت بتكاسل:
- لا رغبة لدي في الذهاب اليوم.
سحبت والدتها الغطاء عن وجهها ونهرتها قائلة:
- انهضي قبل ان اجعلكِ تنهضين بطريقتي!
زفرت بضيق وقامت بتذمر نحو الحمام ولم تنجح في اثارة شفقة والدتها كونها مريضة او كون الضمادات لاتزال تحوط معصمها.

لقد كانت سهير تدرك جيداً ان بقاء لوجين في المنزل لن يجلب لها سوى المزيد من الضغط النفسي وهي تعزل نفسها هكذا في الغرفة لذلك الحل الامثل كان بخروجها.
شطفت وجهها ونظفت اسنانها ولبست ملابسها لا على التعيين ورفعت شعرها من غير اهتمام بتسريحته والتزمت بوصية - او بأمر- رسلان بعدم وضع الكحل مجدداً. ذاتاً حالتها النفسية لم تكن تشجعها على الاعتناء بمظهرها كثيراً.

نزلت الى الاسفل فوجدت سعاد تتحدث مع عادل بامر ما بينما رنا وسهير تتهامسان في المطبخ. حدقت بالطرفين بعدم اهتمام وخرجت من المنزل بصمت دون ان يلاحظها احد. لم تعد حتى اقرب الاشياء اليها تثير اهتمامها. وكأنها جثة تسير خطواتها ببطئ نحو مقصلة نهايتها!

وقفت تنتظر الباص في نهاية الشارع العام البعيد عن منزلها تحدق بضياع بلا شيء وتكتم حتى صوت انفاسها من الارتفاع. انها متعبة لدرجة تشعر انها فقدت القدرة على النطق!
- صباح الخير جميلتي العزيزة!
هل جربتم في يوم ان تكرهو احدهم لدرجة ستشعر برغبة في التقيؤ حين يتم ذكر اسمه او سماع صوته؟ هكذا تماماً كان شكلها وهي تلتفت بملامح منقبضة ومتشائمة نحو كامل الذي نزل من سيارته واقترب منها!

وصل اليها وهو يرسم ابتسامته التي تمقتها بشدة فقال بينما يرتكز كعادته فوق حزام بنطاله المثقل بالسلاح والرصاص:
- لقد كنت انتظر قدومك هنا كل يوم. فلما كنت تتغيبين عن الجامعة؟
بقيت تنظر اليه بملامحها الممتعضة من غير رد. تتمنى انها بهذا ستثير غضبه. ان يكرهها. او حتى ان يسحب سلاحه ويقتلها فلن تبالي، فمقدار الكره الذي خلق بداخلها نحوه لم يعد يجعلها تبالي بشيء!
- لوجين؟ انا اتحدث اليكِ.

قالها كامل بنبرة حادة فقالت هي بنبرة باردة معاكسة له:
- حسناً، ان لم تكن تعلم فأنا حاولت ان انتحر لأتخلص منك. لذلك لم استطع القدوم للجامعة!
حدق بوجهها لثواني قبل ان تتوسع حدقتيه بصدمة وهو يتمتم بشرود:
- هل. هل انتِ جادة؟
رفعت زاوية فمها بابتسامة ساخرة ورفعت القميص عن معصمها وقالت:
- بإمكانك ان تتأكد يا سيدي الفاضل!
فهتف بها بعصبية:
- هل جننتِ؟ كيف تجرؤين على فعل هذا؟

انزلت قميصها وقالت بحقد اقرب الى فقدان العقل:
- لأني اكرهك يا كامل. اكرهك لدرجة لم اكره احد بهذه الطريقة في حياتي ولن اكره احد من بعدك بهذا الشكل ومن المستحيل ان احبك في يوم، انا اكره رؤيتك او سماع صوتك. لذلك ان اردت ان تقدم تلك الورقة اللعينة فلست ابالي في الحقيقة، وان اردت ادلة اكثر لتدينني فتباً لك ولابن رئيسك السافل زير النساء السكير الذي لا هم له سوى ال.

وقبل ان تكمل كلامها تلقت منه صفعة ادمت لها شفتها السفلية فوراً وسحبها من زندها بقوة غير مبالياً بصراخها نحو سيارته فتهافت اليها الناس ليخلصوها من بين يديه فرفع مسدسه في الهواء واطلق بضع رصاصات كما فعل حراسه وصرخ بالمتجمهرين قائلاً:
- ان تحرك احدكم خطوة واحدة فسأزرع الرصاصة في رأسه الان!

فلم يجرؤ احدهم ان ينطق ولو بتأتأة حرف فأدخلها كامل سيارته وانطلق بها وحراسه يتبعونه والناس يتفرجون من غير حيلة. بل ومن هم ليعترضوا؟
وللمرة الثانية في حياتها تتمنى لوجين لو انها تعيد الزمن للوراء كي تكتم كلمات غضبها قبل ان تقع بورطة، لا بل مصيبة!
بقيت تنظر لكامل بخوف بينما تكتم شهقات بكائها بصعوبة وتدلك عضدها برفق متألمة من سحب كامل لها بوحشية!

كان طريقاً طويلاً قطعه كامل بسرعته المفرطة التي كادت ان تتسبب لهما بحادث. قطع حي بعد اخر ومنطقة بعد اخرى دون ان يتوقف
- اين تأخذني يا كامل؟
قالتها لوجين بخوف فاجاب من بين اسنانه بغيظ:
- الى الجحيم!
وهنا بدأ جسدها بالارتجاف كغصن شجرة متهالك وهي تدرك ان نهايتها قد حانت، اغمضت عيناها بألم وارجعت رأسها للخلف تبكي بجزع دون ان يرأف بها من يجاورها!

حين نعيش موقف مماثل سنتذكر كل لحظاتنا الجميلة. انه الضعف الانساني الذي سيدفعك للتشبث بالحياة اكثر حتى وان حسمت قرارك ان تتخلى عنها.
ستتذكر من تحب. ستندم على اعترافات كتمتها. ستشتاق حدالموت وستدفع اي شيء للقاء اخير. ستشعر ان الموت يطرق بابك. يسحبك من يدك. يغلف وجهك. يكتم فمك. ويأخذك بعيداً بغفلة عنهم!

خرج عادل من المنزل مستقلاً سيارته ولكن بدل ان يقصد مكان عمله اتجه نحو شركة ابا عمار، والد يزن. لم يبالي بمجموعة الناس المتجمهرة مع بعضهم نهاية شارع حيهم. لم يسمع ثرثرتهم المتعاطفة عن تلك الطالبة المسكينة التي غلفها رجال الامن واخذوها، وقطع طريقه باعتيادية لا يشغل باله سوى موضوع رنا ويزن.

وصل نحو شركة السيد خليل واتجه مباشرةٍ نحو مكتبه. القى التحية على سكرتيرته وطرق الباب ودخل فاستدار خليل من خلف مكتبه ليصافحه ويجلسا على الاريكة في احدى اركان المكتب ليبادره خليل بالسؤال:
- ماذا تحب ان تشرب؟
فقال عادل معترضاً:
- لا داعي يا خليل، لقد افطرت وشربت كوب الشاي الصباحي. جئت هنا لنتحدث وليس لنتسامر.
كانت الجدية التي كان يتحدث بها عادل كفيلة بجذب انتباه خليل ليقول فوراً بقلق:.

- ماذا هناك يا ابا لوجين؟!
نظر اليه عادل بنظرات معاتبة وهو يقول بلوم:
- هل حقاً طردت يزن من المنزل؟!
وهنا زفر خليل بامتعاض وقال باستياء:
- وهل تدرك لما طردته؟!
- وهذا هو سبب عتبي يا خليل!
قطب الاخر حاجبيه بعدم فهم ليأخذ عادل نفساً سريعاً يعبر عن تضايقه ثم اردف بهدوء:
- يا خليل. نحن لسنا كذلك. لطالما كنت الرجل الصالح الذي يساعد الجميع ويعطف على الفقراء
فرد خليل بسخط:.

- اعطف عليهم يا عادل، وليس ان ارتبط بهم. انه ابني ومن حقي ان ابحث به عن زيجة تناسبه.
- وهل تريد منه ان يرتبط بفتاة ثرية؟ لما تريد ذلك؟ هل ينقصك المال؟
- ليس الامر انه ينقصني المال او لا. ولكن على الاقل نسب نفخر به امام الناس
- أو لا تفخر بنسبي؟
فسكت خليل فوراً بخجل ليردف عادل:.

- من يسألك عنها فقل انها ربيبة عادل وهي بالفعل كذلك. وسعاد ليست خادمة يا خليل. سعاد هي من ربت لي لوجين، وليس ذنبها على الاطلاق ان زوجها قد مات ليتركها دون معيل، لذلك لا تحمل الناس ذنباً لم يرتكبوه واجبرتهم الحياة على عيشه. رغم اني لا ارى الفقر ذنب!
ولما اكتفى خليل بالصمت اكمل عادل:.

- رنا غالية على مثل ابنتي يا خليل ولا تظن ابداً اني كنت سأسمح بزواجها من اياً كان. هي يتيمة وامانة لدي وانا احافظ على الامانة جيداً. ولولا ادراكي اني سأحافظ عليها مع يزن ووسط اسرتكم ما كنت اتيت نحو شركتك ولكنت انا ذاتاً رفضت هذه الفكرة!
زفر خليل بضيق وهو يقول:
- الامر صعب يا عادل. انا ارفضه منذ سنين
طبطب عادل على كتف خليل وقال:.

- يزن ابنك يا خليل، وابنك هذا ترتبط سعادته بهذه الشابة يا خليل. لذلك لا تحرمه من السعادة فقط لترضي مجتمعك. فهم سينسون هذا الارتباط بعد شهر واحد. ولكن يزن سيعيشه طوال حياته.
نظر اليه خليل مفكراً ليردف عادل:
- أتظن انه بطردك له من المنزل انت قد حللت الامر؟ انه زدته سوءاً فحسب. لقد اصر يزن على موقفه اكثر وجاء ليطلب رنا مني غير مبالياً باحد ومستعد ان يعيش حياتها متخلياً عن حياتكم.

وهنا توسعت حدقتي خليل بصدمة ليكمل عادل:
- اولاً واخراً انت ستعيده الى المنزل يا خليل. وانت مجبر انت تتقبل زوجته معه. وبهذا الشكل لن تتحسن علاقتكم ابداً. سيظل يزن يراك دائماً تقف بوجه سعادته، اما ان قبلت برنا الان وجعلت يزن يشعر انك تقف بجانبه وليس ترضخ للأمر اكراهاً فهذا سيغير الكثير من الاشياء.
اكتفى خليل بالتنهد بحيرة ليستغل عادل صمته ويكمل:.

- انهم كل ما نملك في هذه الحياة يا خليل. لذلك دعنا لا نفضل العرف والتقالييد على سعادتهم ومصلحتهم!
- يا عادل ضع نفسك مكاني. هل كنت سترضى بزيجة كهذه لابنك؟
تبسم الاخر وقال:
- ابني؟ ويكون معي بذات المنزل وبذات المستوى الاجتماعي؟!
استغرب خليل التهكم في نبرة عادل قبل ان يكمل الاخر موضحاً وجهة نظره:.

- انا ذاتاً قبل سنة كنت قد تحدثت مع ايمن ذات مرة بخصوص ارتباط رسلان ولوجين. اي ليس مثل ابنك يعيش معك في منزلك وبذات مستواه الاجتماعي. لوجين كانت ستعيش بطبقة اقل بكثير من طبقتها.
فهتف به خليل بلوم:
- كنت ستزوجها لابن البقال؟
فوضع عادل يده مرة اخرى على كتف خليل وقال:.

- كنت سأزوجها لرجل يا خليل. رجل سأغمض عيناي دون ان اقلق على ابنتي ان دارت بها الايام فمعها شخص سيفعل كل ما بوسعه وحتى ما ليس بوسعه ليوفر لها الراحة، لرجل ترك حلمه ليعيل اسرته وليس لفتى مدلل يذهب لجامعته بسيارة اشترتها لها امه ويأخذ مصروفه من ابيه. حين افكر بمستقبل ابنتي فأنا لا افكر لها ببنك يوفر لها مصروفها. بل برجل يحميها ويحافظ عليها. رجل لن يبيع ماء وجهه كي يحصل على درهم. لقد رفض كلاهما هو وابيه ان يعملا معي فهما يعرفان جيداً اني سأتساهل معهما وسأعطيهما راتب اكبر من جهدهما. لذلك رفضا، رجل كهذا يا خليل سأستودعه ابنتي وثروتها وانا ادرك جيداً انه سيحافظ عليها ويصونها دون ان يستغلها.

- ولا يزال مشروع الخطوبة هذا قائماً؟!
تنهد عادل بألم وقال:
- كان من المفترض ان يكون كذلك، ولكن حصلت لنا مشكلة في الفترة جعلتنا نوقف كل مخططاتنا.
قطب خليل حاجبيه باستغراب وهو يقول:
- مشكلة ماذا؟!
ليتنهد عادل مرة اخرى وهو يقول:
- لا تشغل بالك. فذاتاً هذا ليس موضوعنا!
ثم التفت اليه واردف:
- والان ما ردك؟!
تنفس خليل بعمق وقبل ان يرد وقف عادل مبتسماً وهو يمد يده للمصافحة ويقول:.

- اذاً موعد الخطوبة يوم الاربعاء ان شاء الله!
وقف خليل معترضاً:
- يا عادل دعني على الاقل اتح.
فسحب عادل يده وهو يصافحه مقاطعاً حديثه قائلاً:
- اذاً سنجعلها يوم الثلاثاء
اراد خليل التحدث فقاطعه عادل مرة اخرى:
- اقسم بذات الله ان اعترضت سأجعلها اليوم!
فضحك خليل وقال:
- امري لله. حكم القوي!
فربت عادل على يده وقال بابتسامة دافئة ولكن نظرة محذرة:.

- رنا ابنتي. لذلك حين تأتي لتخطبها فأنت قادم لتخطب ابنتي. واي اهانة بحقها اليوم او غداً او مستقبلاً فسأعتبرها اهانة بحقي يا خليل!
- لا تشغل بالك يا عادل. لن يحصل سوى ما تريده!
- إذن على بركة الله. موعدنا يوم الثلاثاء ان شاء الله!
- ان شاء الله.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة