رواية حب في الزمن البائد للكاتبة سارة ح ش الفصل الأول
(لوجين).
تماماً في عام 1999م داخل سوق الكاظمية المزدحم في الساعة التاسعة والنصف صباحاً. اخترقت المارة كسرعة البرق احاول الوصول بلهفة نحو منزلي ولكن ولسوء حظي المعتاد فأني قد دست فوق بقعة ماء صغيرة تجمع الطين في قعرها فنظرت نحو حذائي الاحمر المفضل خشية انه تلوث. سعادتي ولهفتي في الوصول للمنزل منعتني من التوقف للحظة جانباً لأتأكد من نظافته وقررت النظر اليه وانا اركض. وسط ذلك الازدحام. وسط ذلك العدد من الناس. انا قد قررت انزالي ابصاري تاركة رؤية الطريق! كلمة واحدة تناسب تفكيري هذا. متهورة حمقاء.
فجأة شيئاً ما اصطدم بيدي بقوة بينما كانت نظراتي مشغولة بتفحص حذائي، تناثر جميع التفاح ارضاً وسقط قرب صندوقه. شغلني التفاح بالنظر اليه تاركة صاحب التفاح الواقف امامي لايفصلنا عن بعضنا سوى ذلك الصندوق الملقى بيننا، حسناً لأصدقكم القول اردت قول اسفة والمضي في طريقي دون ان ابالي. ولكن. عندما رفعت بصري بالصدفة ووقع داخل تلك العيون الخضراء المستائة دائماً لسبب لو لدونه فقدت اقدامي فوراً القدرة على المشي مجدداً وارتخت كادت ان تسقطني ارضاً، رسلان!
بقيت العن حظي السيء الذي لاينفك يظهر ابداعاتي في الغباء امام رسلان ابن صاحب محل البقالة السيد ايمن...
رسلان هو الاخر لم يلحظ وجودي ولم يعرف انها انا بادئ الامر واستمر بالتحديق بالتفاح المنثور بيننا بحاجبين ملتحمين وعيون مستائة بينما يطرح زفرات التململ من انفه عدة مرات، وكأنه يلعن حظه السيء ايضاً مثلي.
ازدردت ريقي بصعوبة ومسحت بأرتباك حبات التعرق التي اصطفت فوق جبيني والتي ما تفتئ ان تظهر كلما رأيت رسلان! جثوت من فوري على ركبتاي اول مارأيته ينحني ليجمعه وبدأت اجمعه معه وانا اقول بتوتر:
أأ أنا اسفة. لم اقصد.
وفجأة رفع رأسه نحوي دفعة واحدة كنائم افزعوه من حلم عميق وحرك عيناه اللامعة داخل عيناي بتفاجئ ولااعلم لماذا ولكنني احسست ببعض الارتباك يعتريه وتلك العيون المستائة تحولت فجأة للدهشة ووجهه المقتضب قد ارتخى فوراً. تمتمت شفتاه ببعض الحروف التي لم اسمع صوتها ورأيت الربيع يشرق فجأة فوق وجهه الوسيم مماشجعني ان امتلك الجرأة وابتسم له قائلة:
مرحبا رسلان!
وياليتني لم استبق الاحداث بسعادتي فغيوم الشتاء سرعان ماعادت لتخيم على وجهه مرة اخرى وعادا حاجبيه ليلتحما مجدداً بأقتضاب واطرق رأسه على الفور وسكت لثواني وهو يجمع التفاح، يااللهي! أحقاً سيسكت؟
ثواني قلية ثم قال بتردد وبنبرة بالكاد سمعتها وحروف صارعت كي تخرج من فمه:
أ. أهلاً. لوجين.
فليكن! حتى وان كان متردداً وكارهاً قولها فلابأس. المهم انه اجابني ولايجعلني تبدو كالبلهاء اتحدث الى الفراغ!.
سرعان ماسحب الصندوق بعيداً عني مانعاً اياي من مساعدته وقال بجفاء دون حتى ان ينظر لي:
اذهبي. انا سأكملهم.
لكني المخطئة، دعني اساعدك.
وقبل ان ينتهي حرف (الكاف) في فمي حتى قال رسلان بحدة وجدية تاركاً نبرة الهدوء والهمس التي كان يكلمني بها منذ لحظات: لا، اذهبي.
يا رباه! لماعليه ان يغضب مني دائماً بهذا الشكل؟ حسناً، صحيح انها المرة الثالثة الني اوقع فيها صندوق تفاح من بين يديه. ولكنه ليس سبباً يجعله يغضب مني هكذا طوال الوقت، أليس كذلك؟
قمت من مكاني وابعدت بعض ذرات التراب التي علقت فوق ثوبي.
حسناً، انا ذاهبة.
قلت هذا دون ان انتظر منه اي اجابة او تعليق وهممت بالانصراف، لا يااعزائي ليس كبرياء على الاطلاق. ولكني كنت اعلم ان رسلان لن يكون لطيفاً ويعلق بشيء مثل ان يقول حسناً مع السلامة...
ما ان رفعت قدمي عن الارض اريد المضي في طريقي حتى قال لي رسلان بحدة اكثر اقرب للعصبية: سيري بأعتدال مثل باقي الخلق ولاتركضي.
فأجبت انا بعفوية ومن دون اي قصد: وماالمشكلة؟ هناك كثير من الخلق يركضون.
رفع إلى بصره فوراً دفعة واحدة وهو يجحظ بعيناه بغضب ظناً منه اني اسخر من كلامه ولااخذه بجدية فجفلت فوراً في مكاني من نظرته الثاقبة تلك التي تكاد تنخر عظامي وقلت فوراً متداركة الموقف: حاضر!
ثم سرت مثل(الخلق) كما طلب مني رسلان تماماً، انا حتى لااعرف لما اطيع اوامره الصارمة هكذا معي، لاسيما معي. اشعر انه دائم الاستياء مني وكثيراً ماينتقد طريقة لبسي او وضعي لبعض مساحيق التجميل.
كل شيء كنت افعله كنت اتعرض للسخرية والانتقاد منه دون غيري رغم اني لم اكن ابالغ بملابسي ولابمساحيق التجميل كما كانت بقية الفتيات تفعل واللاتي لم سامع يوماً رسلان يقوم بأنتقادهن بل وكان يتقبل الامر بصورة اعتيادية ولم يكن يجد فيه اي مشكلة، اما انا، انا شيء اخر يااعزائي، انه يستغل الفرص التي يتمكن فيها من انتقادي ويبين لي كم هو متضجور مني ومن تصرفاتي، لااعلم سبب هذا الجفاء حقاً رغم اني وهو كنا اصدقاء مقربين جداً في الطفولة كما كان ابي وابيه(العم ايمن) اصدقاء منذ طفولتهما ايضاً. ورغم ان ابي كان من اغنى تجار(الكاظمية) والعم ايمن صاحب محل بقالة بسيط ألا ان هذا لم يكن يشكل اي تأثير على صداقتهما وكانت اروع ماتكون، وتخيلت اني ورسلان سنكون كذلك ايضاً وسنبقى اصدقاء طوال حياتنا. لقد كانت تجمعنا صداقة رائعة في صغرنا لدرجة ان اطفال الزقاق كانو يسموني(طفلة رسلان المدللة) فرسلان الذي يكبرني بثلاث سنوات كان من اقوى اطفال الزقاق واصدقائه لايقلون عنه في طوله وقوته والجميع كانو يخافونه لاسيما الاصغر سناً. وانا كنت استغل هذا، كنت استغله بشدة، فأن اردت شيئاً ولم يعطوه لي فأني لااتعب نفسي سوى بضع خطوات اذهب فيها لمكان لعبه مع رفقائه والذي كان يحرص على اختياره مكان قريب مني كي يسارع القدوم إلى ان احتجت له وكنت اخبره بمااريده او بما رفضو ان يعطوني اياه ومن دون اي تردد او ملل من كثرة طلباتي كان يأتي مسرعاً نحوهم مزمجراً ويجبرهم على تحقيق طلباتي لذلك اطلقو على هذا اللقب. وكم كنت اعشق هذا اللقب لوتعلمون! ولازلت في الحقيقة، فلقد اشعرني بالسيادة المطلقة عندما كان اقوى طفل في المنطقة يقوم بالدفاع عني ويجعلني سيدة اللعب...
وياليت هذا الامر استمر طويلاً. فما ان بلغ رسلان سن الخامسة عشر حتى تغير كل شيء. لم اعد تلك الطفلة المدللة بالنسبة له والتي لايجعلها تخطو خطوة من دونه.
بدأ يعاملني بجفاء وقسوة ويكون فظاً معي في اغلب الاوقات وحتى انه اصبح يتحاشى الحديث معي وان تحدث فأنه لاينظر إلى ويشتت بصره في جميع الارجاء شاغلاً نفسه بأي شيء. ألا بي، لم اكن اعلم سبب هذا ولم اجرؤ على سؤاله فنظراته الحادة والغاضبة خلقت رهبة منه في قلبي. لذلك سحبت نفسي بهدوء وطغى البرود على صداقتنا ولم يعد بيننا ألا السلام، وحتى هذا الاخير كان نادراً...
ولكن رغم مرور السنين. ورغم هذا الجفاء. انا بكل غباء قد وقعت بغرام معذبي!