رواية حب خاطئ للكاتبة هاجر الحبشي الفصل الثامن
- من المؤلم أن أسخر منك وأنت الأقرب إلى قلبي -.
في الصعيد..
أنهي إرتداء ملابسه بضجر وهو يسبها بضيق، هل أتت لكي تتسوق هُنا؟ من أين يأتي لها بكل تلك الطلبات؟ لايوجد هُنا صالونات تجميل كي تذهب وتصفف شعرها المجعد اللعين، هل قال أنها تملك خصلات تضاهي جمال خصلات ندي الذهبية، أحمق، وتم خداعه من تلك الشيطانة، انها حقاً شيطانة، فقط يتمنى أن يكون وجهها قناعاً هو الآخر كي يرتاح نهائياً..
طرقت الباب بخفة وهي تبتسم ثم دلفت عندما سمعت صوته يأذن في الدخول..
اتسعت ابتسامتها عندما وجدته يضع من عطرة النفاذ ببذخ الذي وصلت رائحته الطيبة إلى أنفها بعد إن أنتهي من إرتداء بنطاله و قميصه الأسود: بتعمل ايه يا قمر إنت يا قمر..
قهقهة عمّار وهو يمشط ذقنه بتركيز، إنتهى و استدار ينظر لها بتفحص عندما وجدها ترتدى عباءة سوداء! لـ يهتف بابتسامة مستفهمة: اللبس هنا عجبك ولا ايه؟
أومأت بسعادة وهي تدور حول نفسها ثم قالت بحماس: جداً جداً كل حاجة هنا حلوه يا عمّار بجد تحفة تحفة تحفة..
ضحك وهو يمسد جبهته ولا يعلم حقاً هل هي حمقاء أم أنه يكره حياته كثيراً ولا يجد ما هو جميل بها!.
حاوط كتفيها وسار بها إلي الخارج وهو يبتسم ثم سألها بتعجب: مالك طولتي كده ليه فجأة؟
قهقهت ورفعت طرف عباءتها ثم رفعت قدمها الصغيرة في الهواء كي يرى ما ترتدي: أصلي لابسه صندل عالي حلو الاستايل ده أوي عباية مفتوحة وصندل وايشارب شفاف بحب كده..
قهقهة وهو يتفحصها من جديد ثم سألها بتعجب: مش فاتحة العباية؟
أومأت وأضافت وهي تبتسم: أه ماما هي اللي فاتحاها ولبستها بالعافية لما اتحايلت عليها كمان، غمغم بضيق وهو يومئ لها وتابع السير..
أوقفتهم دهب في منتصف الرواق كانت صاعدة إلى الأعلى ثم سألتهم باستفهام: مهملينا ورايحين فين دلوك؟
نظر لها عمّار بتفاجئ ثم سألها بتعجب: إنتِ لسه إهنِه يا بومية يابوذ الإخص؟
ضحكت بسخرية ثم تقدمت منه وسألته وهي تلاعب حاجبيها: إنت متِعرِفش اللي حوصول؟
هز رأسه وهو ينظر لها بازدراء ثم هتف بحنق: جولي يا وش المصايب جولي..
امسكت جديلتها وهي تحرك كتفها يميناً ويساراً تبتسم كـ العادة ثم قالت كـ فتاة خجولة: اول حاجة يا واد عمي أبوي جالي أجعد معاكم إهنِه شهر كومان..
لاحت على شفتيه ابتسامة ساخرة جعلتها تضرب صدره بغيظ وتابعت وهي تنظر الي نادين بابتسامة: عمي شيِع لـ بتاع الذهب عشان العروسية تختار شبكتها يا مضروب..
شهقت نادين بسعادة ثم رفعت يديها أمام شفيتها وأطلقت زغرودة سعيدة تعلمتها من ذهب جعلت عمّار يضرب كفية معاً وهو ينظر لها ثم دفعها علي غرفة والدتها وهتف بسخط: إنتِ لو قعدتي هنا أكتر من كدا هتسحري بالحمار ادخلي ادخلي، ضحكت بخفة ثم تركته ودلفت إلى ليلى كي تستعجلها..
جذبها من جديلتها بغيظ وهتف بحنق: شكله هيبقي شهر مغفلج علي دماغك يا صعرانة إنتيّ..
ضحكت بتسلية ثم قالت له بنبرة ذات مغزى: ديّ هتبجي مغفلجة عليك إنتِه يا واد عمي خليل النتن كان إهنِه من ساعتين واللي عرفتهُ إنه إتفج مع عمي خلاص وعتتجوز ندى ههههههههههه..
قلد ضحكتها بسخرية وهو يدحجها بنظرات ساخطة بشدّة ثم دفعها من وجهها بضجر أسقطها أرضاً وذهب لكنها وقفت سريعاً ولحقت به..
أمسكت ذراعه وهتفت بترجي بنبرة مرتجفة وأعين دامعة على وشك أن تبكِ: عمّار سيء عليك النبي توافج، لو عتحب ولاد عمك صوح وافج وهملهالي، مش هتُبرد نار جلبي غير لما آخد حج إخواتي اللي إتجتلوا ظلم يا عمّار..
عانقها بحنان وتعاطف معها لتبكِ على صدره وهي تنتحب بحزن على فراق شقيقيها اليافعين الذي أخذهم الموت من بين أيديهم، فصل العناق وكوب وجهها بين يديه وهتف بحنان وصدق: وحياة حرجة جلبك ديّ يا دهب عجبهالك حداكي وإسجيها الحنظل ومحدش عيجولك إنتِ عتعملي ايه؟
هزت رأسها وهي تنظر له بامتنان ثم محت عبراتها بألم وقبل تتحدث سمعت صوت والدتها التي وبختها عندما رأتها: هملتي فرشِتك ليه يا بتي؟ الحكيم جالك متتحركيش كَتير..
قطب عمّار ما بين حاجبيها وسألها باستفهام: حكيم؟
ضربت حُسنة كتفها وهي تضيق عينيها ثم سألته: مجلِتلكش ولِّيه؟، هز رأسه بنفي متعجباً لتتابع حُسنة وهي تبتسم بسعادة: دهب حِبله يا وَلدي..
ابتسم بسعادة ثم ضحك بعدم تصديق وهو ينظر لها نظرة ذات مغزى جعلتها تطبق جفنيها بقوة منتظرة سخريته تعلم ما سيقول تعلم..
حاوط عمّار كتفيها وهتف بتسلية موجهاً حديثة إلي حُسنة التي كانت تبتسم بحنان وهي تنظر الى ابنتها التي تحني رأسها بخجل: اني مش عتجوز وِلد المحروجة دِيه يا عمّار مش عيجرب من جتتي هولع في نفسي ياما هجتله لو جرِب مني هجتله..
هزت كتفيها بضيق كي يبتعد لكنه ضحك ورفع ذقنها بإبهامه ونظر داخل خضراويها بعمق ثم هتف بابتسامة: حبيتي وِلد المحروجة يا دهب وعتتحرجي وياه، ضربته بغيظ ثم تركته وعانقت والدتها بعبوس بيّن جعلته يضحك ثم إبتسم وتقدم منهما وعانقها بحنان ثم قبل جبهتها بخفه وهنئها بسعادة: مبروك يا حبيبتي تجوملنا بالسلامة إن شاء الله، خلي بالك على نفسك كُلنا محتاجين الواد دِيه..
هزت رأسها بنفي وهتفت بنبرة متمنية: إحنا مش محتاجين غير ولدك إنت يا عمّار يكون من صُلبك..
إبتسم وربت على شعرها بحنان لـ تعانقهما حُسنة معاً وأردفت بحنان وحُب: ربنا يخلف عليك بالخلف الصالح يا وَلدي..
هتفت نادين بضجر وهي تستلقي على فراش ليلى: كفاية يا مامي لعب في شعرك بقى مش هيتفرد مش هيتفرد..
توقفت ليلى عن تمشيط شعرها وهي تزفر ثم قالت بعصبية: وإنتِ مجبتيش معاكي بيبي ليس ليه بس؟
قهقهت نادين بتسلية وهي تتفحص الغرفة بنظراتها لـ تقع عينيها على القلادة الطفولية الموضوعة على الكومود..
التقطتها بابتسامة وهي تتفحصها ثم سألت ليلى: بتاعة مين السلسلة الحلوه دي يا مامي؟
استدارت ليلى وهي تقطب حاجبيها باستفهام ثم ابتسمت عندما رأتها وقالت بهدوء: بتاعتي..
أومأت نادين وهي تحدق بها بانبهار وإعجاب، فوقفت ليلى وتقدمت منها، أخذتها من بين يديها وقامت بوضعها حول رقبتها وهي تبتسم بحنان ثم هتفت وهي تقبل وجنتها: بس متغلاش عليكِ يا حبيبة مامي..
بعد بعض الوقت..
توقفت في الأسفل بتعجب وهي تأخذ تلك الحلوي من حُسنة ثم سألتها باستفهام: ايه ده بمناسبة ايه يا أم عمّار؟
أبتسمت حُسنة وقالت بسعادة: دهب بتي حِبله عجبال عوضك يا حبيبتي..
ابتسمت ليلى بنعومة وهنئتها بسعادة: بجد، مبروك ربنا يطمنك عليها يارب ويقومها بالسلامة، ثم صمتت قليلاً و قطبت حاجبيها بتعجب عندما راجعت بقية قولها وقبل أن تتحدث هتف عمّار بعدم فهم: عوضها دِيه هتجيبه منين يا أم؟
ضربت حُسنة جبهتها براحة يدها ثم أعادت بأسف: معلهش يا حبيبتي من فرحتي بـ دهب مش عارفة بجول ايه عجبال نادين ان شاء الله لما تجيب واد كيف الجمر زي أبوه..
إبتسمت ليلى وردت بنبرة متمنية دافئة: إن شاء الله يا أم عمّار إن شاء الله..
حثها عمّار على التحرك وهو يسير مبتعداً إلى الخارج: يلا يا حماتي عشان مش فاضي، نظرت في أثره باقتضاب لـ تربت حُسنة على كتفها وهتفت بحنان: معلاهش يا حبيبتي أعذرية ده فيه اللي مكفيـ..
توقفت عندما سمعت صوت والده الخشن يسألها: عمّار فين؟
استدارت حُسنة سريعاً كي ترد عليه بينما ليلى ظلت توليه ظهرها بعدم إهتمام وهي تلعنه هو وابنه لأن عمّار بالتأكيد فظاً لوالده..
ردت حُسنة بهدوء: عمّار راح مشوار صِغير وجاي..
هز رأسه متفهماً ثم قال بهدوء وهو يرمق ليلى بطرف عينية: لما يعاود شيِعهولي عشان نحل مشكلة العيلة المِغبرة ديّ مش هنجعد في المرار الطافح والمشاكل دِيه كَتير..
هزت رأسها بخفة وظلت صامتة تراقب عودته إلى الأعلى لـ تتنهد و استدارت لتذهب فوجدت ليلى مازالت تقف محلها جامدة، نظرت لها بتعجب ثم تقدمت منها..
وضعت يدها على كفتها جعلتها تنتفض بتفاجئ وهي تلتفت تنظر لها سريعاً بوجهه شاحب جعلتها تتعجب: مالك يا بِتي شردتي في ايه و مال وشك؟
هزت ليلى رأسها بنفي وهي تعود للتنفس بانتظام ثم ربتت على كتفها وهي تقول: مفيش، مفيش، أنا خارجة استنوني برا كتير..
استقلت السيارة بهدوء وجلست في المقعد الخلفي ونادين بجانبه في المقدمة وظلت صامتة، وطوال الطريق تتابع القمر من النافذة بهدوء دون أن يتوقف جسدها عن الإهتزاز قط بسبب المزالق و الطريق الغير مستوي..
ضربت نادين كتف عمّار وسألته بابتسامة عندما رأته يبتسم أثناء القيادة: عمّار بتضحك لوحدك ليه؟
إبتسم و هتف بهدوء أثناء تركيزه في القيادة: عشان دهب حامل..
اتسعت ابتسامتها وهتفت بحماس وفرح: أنا برده مبسوطة عشانها أوي عقبالك يابو العيال..
قهقهة بخفة وهو يهز رأسه لـ تقع عينية على ليلى في المرآة الأمامية و تختفي ابتسامته وهو يراقب شرودها وتحديقها في الخارج عبر النافذة بهدوء، وجهها الصغير هذا وسط كل تلك الخصلات المجعدة المتناثرة خلفها لوحة فنية تحتاج إلى الرسم حقاً، تلك الخصلات المجعدة تروقة، ليس بسبب أنه شعرها هي! لا إنه يفضل الشعر المجعد والوجه الصغير وطابع الحسن الذي يزين ذقنها هذا، ياإلهي، هو فتنة وحده وكم يتوق إلى تقبيله، فهو عندما يفعل لن تكون قبله لها بل إلي ذقنها وهذا لا يعنيها صحيح؟ لن تغضب، فهذه ستكون مكافأة لعملها الجاد طوال تلك السنوات داخل ذقنها دون أن تختفي، هذا تفكير طفولي، صحيح؟.
ضحك عمّار بسخرية جعل نادين تتعجب ونظرت له بتفحص، يا إلهي عمّار لقد أصبحت حالته صعبة، نظر في المرآة الخارجية يراقب الطريق ومازال يضحك لأنه أصبح محط للسخرية لنفسه حقاً! هل وصل إلى تلك المرحلة كي ينظر إلى امرأة أكبر منه سناً بعد كل تلك النساء الذي لم يلتفت لهن! إن أستمر بفعل هذا وفقد زمام الأمور ستصبح هذه نقطة سوداء في تاريخه الخالي من النساء تقريباً، وهذه هي العلة هل ظل طوال تلك السنوات صائماً كي يفطر على ليلى؟!، قطب حاجبيه بانزعاج وهو يسأل نفسه مابها ليلى؟
إنها الأكثر أنوثة وفتنه هُنا..
مابها لاشيء سوى أنها تملك منحنيات صارخة ممتلئة في أماكن معينة تعجل عقله ينفجر عندما يفكر بها، وقِد نحيل مُغرى يتساءل كيف سيكون إن رقصت، يا إلهي، لن يتخيل لن يفعل، وعينان عسليه تضاهي الغزال جمالاً وشفتين مثيرتين ارتوي منها كثيراً في خياله القذر، وهو سيتهور ويقبلها في يومٍ ما وهي تخبره بكل بساطة أنه خنزير، فلتحذر..
توقف بالسيارة ومازال يبتسم ثم هتف بهدوء: اتفصلوا وصلنا..
نظرت ليلى من النافذة تتفحص المكان بتثاقل فهي كادت أن تغفي بسبب دفء السيارة وعبقة الذي ملئ المكان، تثاءبت ثم قالت بسخرية: ده محل شوزات ده انا عايزه صالون تجميل؟
إبتسم باصفرار وهتف من بين أسنانه وهو ينظر لها عبر المرآة: الصالونات اللي هنا لو دخلتيها هتخرجي شعرك واقف وأكرت أكتر ماهو أكرت..
خلعت تلك العباءة عن جسدها بضجر وألقتها على المقعد ثم هتفت بسخط: مفيش حاجة كارتة هنا غير دقنك المقشة..
ضرب المقود بخفة وهو يلعن دهب ذات اللسان السليط ثم قال إلي نادين بنفاذ صبر: نادين خدي أمك وإنزلي ياحبيبتي بدل ما ارجع وشوفي مين بقي اللي هيخرجكم تاني..
أومأت له بهدوء ثم إستدارت ونظرت إلي ليلي من خلف مقعدها وقالت بعبوس: أنا عاوزة أشتري شوز ليا ممكن؟
أومأت لها وهي تبتسم بحنان رغم ثورانها وعصبيتها من ذلك المستفز، وضعت يدها على المقبض لكن قول عمّار المتهكم وهو يحدق بها عبر المرآة أوقفها: إنتِ هتنزلي كدة؟ حطي العباية دي على جتتك..
ابتسمت بِغل ثم كورتها بين يديها بغضب وقذفتها عليه لتضرب مؤخرة رأسه مع شهقة نادين المتفاجئة وقولها ببغض: مفيش جتة هنا غيرك يا خروف..
نظرت نادين إلى وجهه الممتقع وملامحه المتهجمة وحركت شفيتها مع ذراعها كي تهدئة فأجفلها صوت ليلى الحاد المرتفع: إنتِ هتعملي ايه إتفضلي انزلي دلوقتي..
هزت رأسها سريعاً وفتحت باب السيارة وهمست باعتذار: معلش يا عموري، ياإلهي، عموري!
جأر بغضب ثم شقها نصفين بقوة وهو يتوعدها ثم قذفها من نافذة السيارة و ترجل منها وصفق الباب بعنف وذهب خلفهما..
دفعت ليلى الباب كي تدلف لكنها وجدت شاب صغير يخرج من الداخل ثم تحدث معتذراً عندما رآهم: أسف المحل هيقفل دلوقتي..
كتفت ليلى يديها أمام صدرها ونظرت له بضيق ثم قالت بإزدراء تؤنبه: إنت شايف الدنيا برد ازاي وجيين مشوار طويل ومش لابسين تقيل كمان وموقفنا علي الباب وبتقولي قفلتوا؟ والله! مش ذنبي، و دفعته من أمامها ودلفت عنوة وهي تدفع الباب للداخل ثم هتفت باسم نادين بحزم، فـ هرولت خلفها وهي تهز كتفيها بقلة حيلة الي الشاب مع همسها بخفوت وأسف من تصرفات والدتها المزاجية: سوري..
استدار مشدوهاً وهو يحرك أهدابه بتعجب مراقباً تحركها داخل المتجر من خلف الزجاج كأنه متجرها، ما هذا الآن؟ يُجب أن يذهب!
استفاق من شروده على يد عمّار التي وضعت على كتفه أجفله وهو يسأله: سرحان في ايه؟ وسايب حماتي وخطبتي لوحدهم جوا!
ابتسم الفتى بتفاجئ ثم سأله هو يحدق داخل المتجر: همه دول تبعك يا عمّار بيه؟
أومأ له عمّار بهدوء، ليتحدث الفتي مرحباً بهم بحرارة: دول في عنيا، وتحرك ليذهب لكن صدح صوت هاتفه، أخرجه من جيب بنطاله وتحدث باحترام تحت أنظار عمّار: خليل بية! تشرفني طبعاً هستناها مش هقفل، أغلق الهاتف بوجه عابس حزين فهو لم يذهب اليوم، معه عمّار وإبنه خليل الطحاوي وهذان لا يقول لهما أحداً لا هُنا، ينقصهم فقط فقط رجال عائلة الزناتي كي يكتمل يومه، تلك العائلة التي تزوجت دهب إحدي رجالها..
تجولت نادين في الداخل بحماس باحثة عن حذاء مناسب، بينما ليلى كانت تقف تراقبها تارة وتارة أخرى تجول عينيها علي الأحذية المرتفعة..
تقدمت من صف الأحذية المعلقة، ألتقطت أحدها كان لونه أحمر فاقع دم غزال وجلست كي تقيسه..
هتف الشاب مقترحاً عليها عندما وجدها تُعافر كي ت تُدخل الحذاء داخل قدمها: تحبي أساعدك؟
أومأت له باستلام وهي تتنفس بتعب من جهدها في هذا..
زفر عمّار وهو يُراقبه جاثياً يدخل الحذاء بقدمها ويمسك كاحلها الناعم بين يديه، تلك الغبية التي لا تسمع ولا تقلع عن إرتداء تلك الفساتين الضيقة العارية حتى في البرد القارس!، تقدم منهما وهو يبتسم بعصبية عندما وجد سيارة تتوقف أمام المتجر..
دفعة من كتفه بضيق وقال بحنق: في زباين جت روح شوفهم، أومأ الفتي الشاب وهو يبتسم ثم وقف وتركهم.
إنحني عمّار وأمسك كاحلها بقسوة ثم أدخل الحذاء عنوة وقسوة ألمها جعلها تشد شعرة وهي تصق أسنانها مع قولها بخفوت بجانب أذنه: رجلي يا قاسي ياللى معندكش قلب..
ضحك بسخرية وهتف بسخط وهو ينزع ذلك الحذاء الأحمر المرتفع عن قدمها بنفس القسوة: ياما نفسي أدخل كعب الجزمة ده في عينك..
اختطفته من يديه ثم وقفت أمامه وهتفت بسخط مماثل وهي ترفع الحذاء أمام وجهه مع حاجبيها بتحدي: وانا نفسي أخرملك دماغك دي بنفس الكعب ده برده..
نظر لها مطولاً بسخط وأعصاب مشدودة صانعاً تواصلاً بصرياً معها هو ينظر داخل عسليتيها بعمق، تلك العسليتين التي تطلق شراراً إتجاه خضراوية مُعلنة الحرب عليه، حرباً باردة لا يعلم إن كان سينتصر بها أم سيتسلم ويعلن هزيمته ُ بمنتصفها!
قطع ذلك الصمت وتلك الحرب قبل أن تبدأ قول الفتى الشاب وهو يبتسم بسعادة مُرحباً بها بحرارة: ندي هانم الطحاوي المحل نور إتفضلي!.
إلتفت عمّار وليلى معاً، ليلى عندما سمعت صياح نادين وهي تركض اتجاهها بحماس تحمل حذاء جميل بين يديها!، وعمّار عندما إخترق صوت الشاب أذنه أصمه، شعر لوهلة أن أذنه توقفت عن العمل ولا يسمع، هل قال ندي الآن؟
إلتفت سريعاً بلهفة وحدقتية تجول في المكان بانفعال بيّن باحثاً عنها ليتوقف قلبه لثوانٍ قليلة كاتماً بها أنفاسه المرتجفة ثم عاد يضرب قفصة الصدري كـ المطرقة من جديد، بسرعة غير طبيعية!، من المفترض أن يحدث له شيءً أو أي ردة فعل بسبب هذا لكنه ظل جامداً متحجراً محلة كـ الفزاعة الضخمة يحدق بظهرها!.
يتابع حركة يدها الناعمة البيضاء التي أبعدت حجابها الشفاف عن رأسها ليستقر حول رقبتها كـ وشاح، ثم إبعاد تلك الخصلات المتمردة المجعدة الذي تخيل نفسه يستنشقها ألاف المرات بانتشاء إلى الخلف مع بقية شقيقاتها خلف ظهرها وجلوسها على المقعد باستقامة ووضع ساقها فوق الأخرى منتظرة أن يأتي لها الشاب بمجموعة الأحذية الجديدة..
تحدث الشاب متسائلاً باستفهام: عمّار بيه أجيبلك الكرسي؟، لم يأته رد، فروحة تحلق في السماء الآن..
أعاد وهو يهز كتفه جذب انتباهه: عمّار، بيه؟
إستفاق وهز رأسه للجانبين سريعاً مبعداً هذا التيه عنه ثم مرر يده على وجهه يمسحه بعصبية عدة مرات وهو يهز رأسه بنفي وصدره يعلو بقوة ملحوظة من ذلك الثوران والبركان الذي تأجج داخل صدره يحرقه حياً بلا هوادة، فكم يتمنى اقتلاع ذلك القلب بكل قسوة بسبب ذلك الذُل والضعف الذي يشعر بهم عندما يتعلق الأمر بها بلا استثناء لشيءٍ ما..
سأله الفتى بتعجب وذهول وهو يراقب صدرة النابض بعنف: عمّار بيه إنت كويس؟
أومأ بخفة وهو يمسد جبهته بملامح مرهقة ذاهلة ليجد أنامله ترتجف بانفعال، أنزلها ببطء وهو يصك أسنانه، أدخلها داخل جيب بنطاله بارتباك كـ طفلٍ ثم إستدار و ظل يحملق بحماته وابنتها بتركيز علمياً أما فعلياً هو حقاً لا يرى شيء أمامة سواها لا يرى..
هو لم يرى وجهها بعد ويفعل هذا ما سيحدث أكثر إن رآها إذاً؟
همست ليلى إلى نادين وهي تنظر له: شوفي الصنم ده واقف كده ليه؟
أومأت وتقدمت منه، توقفت أمامه ولوحت بيديها أمام عينيه كي ينتبه لكنه ظل شارداً، ابتسمت ليلى وأخذتها خطواتها إليه مع الحذاء وتقدمت منه لتتوقف بجانب ابنتها ثم رفعت الحذاء وقربت كعبة الرفيع من عينيه بتروي، مستمرة بتقريبه من حدقتيه وهي ترفع حاجبيها هل هو لا ينتبه أم يتصنع هذا..
زفر وأخذ الحذاء من بين يديها بضيق وسألها من وسط أنفاسه المتسارعة: خلصتوا ولا لسه؟
أومأت ليلى وهي تنظر حولها: خلصت، أنا مش عايزه اشتري حاجة من هنا أصلاً!
إنتقل بنظره إلى نادين كي ترد على سؤاله لكنها باغتته بسؤالٍ آخر : انت بتتنفس بسرعة ليه؟
هز رأسه بنفي وقال بعدم إهتمام: مفيش لو خلصتوا يـ، قاطعة طلب الفتى الشاب: ممكن الجزمة دي يا عمّار بيه؟
نظر عمّار حوله بتعجب وعدم تركيز يبحث عن ذلك الحذاء الذي يتحدث عنه ليقول الفتي وهو يبتسم: دي في ايدك!
حرك عمّار أهدابه قليلاً بتعجب ثم أعطاه الحذاء ببطء وكأنه طفلاً يدرك الأشياء مُتأخراً، نظر خلفه بعد ذهاب الفتى لـ تنقبض عضلات صدره في غضب جامح وهو يراه يمسك كاحلها يساعدها في ارتدائها كما فعل مع ليلي، لكن هذه ليست ليلى! لم يشعر بتلك النيرات المحترقة داخل صدره وهو يرى ليلى! لما يُجب عليها أن تظهر الآن تعذب روحه بتلك الطريقة لما؟
فرقعت ليلي أصابعها أمامه وهي ترفع حاجبيها بسبب ذلك الشارد وهي تسأله: مش هنمشي؟
هز رأسه بـ بلا سنذهب ثم سبقهم إلى الخارج بخطوات شبه مترنحه متناسياً أن الباب يدفع إلى الخارج فاصطدم به ظناً أنه سيفتح وحده كـ المتاجر الكبرى في القاهرة، أصدر جسدة ضجيجاً انتبهت له ليلى فقط، لعن تحت أنفاسه ثم دفعه بغضب وذهب..
ضحكت ليلى بخفة وتعجب وهي تهز رأسها بعد ذهابه ثم سألت نادين في توجس وهي تتفحصها: معاكِ فلوس؟
هزت نادين رأسها بعبوس ثم قالت بحزن: مش هاخد الشوزة كده؟ إنتِ مش معاكِ برده!، أومأت بضيق وهي تنظر حولها بعصبية..
ابتسم الفتى وهو يقدم لهم الحقيبة التي بها الحذاء وقال بهدوء: الحساب عند عمّار بيه متقلقوش، أخذتها نادين وهي تبتسم بسعادة ثم هرولت إلى الخارج..
ضرب رأسه في المقود عدة مرات بغضب وقوة عقاباً لنفسه، يُجب أن يسيطر على نفسه اللعينة فكيف سوف يتصرف عندما يراها وعندما تأتي إلى منزلهم مثلها يتحدث الجميع كيف؟ سيكون محط سخرية إن لم
يتحكم بنفسه؟، هو لا يعرفها حتى كي يتأثر كل هذا التأثر من رؤية شعرها فقط، ياإلهي!.
هتفت بصياح وهي تجلس بجانبه: عمّار، مالك مش عاجبني النهاردة..
رفع رأسه عن المقود وأسند مرفقة محلها قائلاً بهدوء وهو يضع يده على ذقنه: مفيش يا نادين مفيش، فين حماتي؟
كانت تقف في الداخل محلها تحدق بظهر تلك الفتاة الجالسة بتركيز، فهي منذ أن دلفت وانقلب حال عمّار بشكل ملحوظ فمن هذه؟
قطع شرودها قول الفتى الذي ظن أنها تريد شيءً ما وظل واقفاً بجانبها: بتدوري على حاجة معينة؟
التفتت له بتفاجئ ثم بللت شفتيها بطرف لسانها وهي تسأله: مين اللي قاعدة هناك دى؟
نظر الفتى خلفه ببلاهه كأن المتجر ملئ بالنساء ونظر فقط كي يعرف من تقصد ثم قال بابتسامة: دي ندي الطـ، قاطعة سؤالها بصوتٍ رقيق خافت: لو سمحت هشتري ديّ..
أومأ الفتي لها بخفه وتقدم لِتحين منها التفاتة وهي تبتسم برقة لتقع عينيها بأعين ليلى، ابتسمت لها بهدوء فبادلتها ليلى ابتسامتها بأخرى باهتة ثم استدارت وذهبت..
دفعت الباب الزجاجي لتصطدم رأسها بصدره وهو يندفع إلى الداخل كي يأتي بها، تأوهت بألم ووضعت يديها على جبهتها ليمسك هو الباب وسألها بانفعال: مش قولتي خلصتي اتأخرتي ليه؟
هتفت من بين أسنانها وهي تكشر بوجهه: كنت بشوف مين البنت اللي جوا دي؟
نظر إلي الداخل بكل براءة وبلاهه هو الآخر كأنه لا يعرف من هي ليشعر بذلك الوخز بقلبه عندما رأها، رأها تبتسم بذلك الوجه الدائري الناعم، سُحقاً له لما عاد، فليموت..
صرخت به بعصبية وهي تدفعه إلى الخارج: ايوا هتقف تسرح تاني وتسبِّلها أنا هقول لـ نادين، وهرولت الي السيارة ولم تترك له فرصة الرد، فلعنها وذهب خلفها، دون أن يختلس نظره أخرى لها كما أراد..
توقف بالسيارة أمام المنزل، ترجل منها الجميع وصعد كل واحد إلى غرفته بصمت دون التحدث عدي عمّار الذي أوقفته حُسنة بمنتصف الطريق وأخبرته بهمس: عمّار يا ولدي أبوك شيِعلك وكان متضايج جوي أكيد في حاجِة فوت عليه وشوف في ايه!
وضع يديه داخل جيب بنطاله يخفي ارتجافه ثم هز رأسه بنفي وهتف بتعب: أني طافش دلوك جوليلة إني تعبان ونعست..
هزت رأسها بنفي وهي تضع يدها علي كتفه ثم قالت بقلق: مفَكْره عيسكت عاد؟ ده هياجي ويكسر عكازة فوق دماغك اليابسة ديّ يا وَلدي روح شوفهُ إعمل معروف إنت عارف جلْبِتُه!
مسد وجهه بضيق وانفعال وهو يزفر بحرارة ثم هتف بإرهاق ظهر جلياً علي ملامحه جعلها تنظر له بحزن: خلاص جوليلة عمّار إتجتل، وتركها وسار مبتعداً يتابع صعوده إلي غرفته تحت ذهولها من قوله ثم صراخها بحدة وهي تخلع حذائها وقذفته عليه: واه! جطع لسانك يا مخبول إنتِه إن شاء الله اللي يكرهك!
دثرت نفسها تحت الغطاء بعد أن أخذت حماماً دافئ وهي تفكر به، لقد أرعبها اليوم لكنها تعاطفت معه، إنه يتألم ويتعذب بسببها، ولا تعرف كيف تساعده، ولاتريد أن تخطأ!، تنهدت بحزن وهي تطبق جفنيها بقوة وهي تتذكر ماحدث ظهراً..
توقف بالسيارة أمام المنزل لكنه لم يترجل ولم يصفها، بل تحرك من جديد ودلف إلى مرآب السيارة على غير العادة فلا يفعل هذا دوماً!.
نظرت حولها باستفهام بعد أن أغلق باب المرآب وحده خلفهم، نظرت له بعدم فهم ثم سألته: إحنا بنعمل ايه هنا يا آدم؟
نظر لها بهدوء صخري غير مناسب لسؤالها بالمرة ومن دون سابق إنذار أو توقع منها وجدت مقعدها يميل إلى الخلف وجثم آدم فوقها ولم يعطها فرصة التفاجئ بل قبلها بنهم وحرارة ورغبة دون توقف وكل ما كان يردده بهستيريا وسرعة: إنتِ بتاعتي، إنتِ ملكِ، فاهمة، بتاعتي أنا..
شهقت باكية وهي تهز رأسها بنفي ثم قالت بنبرة مرتجفة ضعيفة وهي تدفع صدره: مش كده يا آدم، مش كده، توقف بأنفاس متلاحقة وصدره يعلو ويهبط بعنف مستعيداً وعيه من جديد، نظر لوضعيته فوقها باستنكار ثم نظر لها بعين زائغة نادمة وهو يرى حالتها، فهي لا تتحمل ذلك العنف، سقط أرضاً بجانب قدمها وأراح رأسه على فخذها وقال بنبرة أقرب إلى البكاء: أنا آسف، والله آسف، معرفش حصلي ايه؟ متخافيش مني أنا عمري ما هأذيكِ أبداً عمري، لكن لم يسمع سوى صوت أنينها الخافت المتألم الذي أدرك من خلاله قدر خذلانها وخيانة ثقتها التي منحتها إياه، قبل فخذها المستند عليه من فوق بنطالها وهتف بندم وعذاب: أنا آسف، أنا، أنا تعبان يا تالين ومحدش حاسس بيا، ولا إنتِ حاسة بيا، إنتِ لو مطلقتيش صدقيني هقتله والله هقتله..
محت عبراتها بأنامل مرتجفة وهي تهدأ نفسها ثم رفعت نفسها واستقامت جالسة، ربتت على شعره بحنان وهي تكتم شهقاتها فرفع رأسه ونظر لها بأعين مدميه مليئة بالحزن نادمة ثم قبل يدها وهتف معتذراً بأسى: متخافيش مني أنا مش وحش، مش وحش، أنا بس مش قادر أشوفك معاه، سبيه حتي لو مش عايزاني بس سبيه..
أومأت بعيون دامعة ثم كوبت وجهه بين يديها وقالت بنبرة حنونة دافئة: عارفة إنك شخص كويس وبتعمل كده غصب عنك، هسيبه يا آدم بس مش عشانك عشان نفسي بس مش هقدر دلوقتي عشان مش عايزه اظلمه معايا، وبجد بجد لو بتحبني إنساني يا آدم إنساني، مش هينفع أطلق من أخوك واتجوزك وأعيش معاكم في نفس البيت من تاني..
هز رأسه بنفي وهتف بسرعة وهستيريا: مش هتقعدي هنا أنا مجهز بيت لينا هنعيش فيه لوحدنا لو مش عايزه حد يعرف نتجوز ومش هنقول لحد ومحدش يعرفة محدش هيجيلك ولا هيأذيكِ أنا مقدرش أنساكِ إنتِ بتطلبي مني المستحيل يا تالين بتطلبي المستحيل..
ضمت رأسه إلى صدرها ومازالت تربت على شعره بحنان وهي تبكِ ثم قالت بترجي: آدم، إنت بتحسسني بالذنب كل ما أشوفك، إنت بتتعبني..
حرر تلك العبرات الحارة التي كتمها لوقتٍ طويل ثم قال بروح معذبة وهو يدفن رأسه داخل صدرها أكثر: أنا بقالي سنين بشوفك..
حركت شفتيها كي ترد عليه لكنه رفع رأسه وهزها بأسى كي لا تكمل ولا تضيف شيء يزيد همه أضعاف مضاعفة، صمتت وظلت تنظر له بحزن بتلك الملامح الرقيقة والوجه المتورد بنظرة أقرب إلى الشفقة..
وضع يده داخل شعرها من الخلف، قرب رأسها غير متجاهل أضطرابها بخوف، قبل جبهتها بنعومة كـ إعتذار، ثم رتب شعرها وعدل ياقة قميصها من أسفل المعطف بحزن بسبب فعلته المتهورة ثم أعاد بندم مضاعف: آسف..
هزت رأسها بخفة دون أن تبتسم بوجهه ثم استدارت و لملمت كُتبها الملقاة في الخلف ثم حملت حقيبتها وترجلت من السيارة وذهبت دون أن تضيف شيء..
استفاقت من شرودها على تلك الأنامل الرقيقة التي تمحي عبراتها التي خانتها وانسابت على وجنتيها وهي تتذكر..
شهقت بتفاجئ وهي تنتصب جالسة ثم هتفت بوجه شاحب وهي تنظر إلى باب الغرفة المغلق ثم عادت بنظرها إلى آدم الجالس أمامها على المقعد التابع إلي المرآة الذي تجلس تتزين عليه كيف أتي به دون أن تنتبة؟: آدم! إنت بتعمل ايه هنا؟ دخلت ازاي الباب متفتحش!
إبتسم بخفة و سألها بقلق وهو يداعب وجنتها بنعومة: بتعيطي ليه؟
قطبت ما بين حاجبيها بتعجب ثم وضعت راحة يدها على وجنتيها لتجدها مُبللة! محت كل تلك العبرات سريعاً ثم قالت بهدوء وهي تهز رأسها بعدم إهتمام: مفيش أنا بس افتكرت حاجة كده..
ابتسم وقال ساخراً من نفسه: إفتكرتي آدم المثير للشفقة؟.
اهتزت مقلتيها ونظرت له بحزن ثم هتفت بضيق: آدم أنـ، قاطعها رده على سؤالها وهو يلتقط قدح القهوة الذي صنعه من أجلها من على الكومود: أنا جيت من البلكونة لما لقيتك مخرجتيش وعملتلك قهوة كمان، ها لسه زعلانة؟
هزت رأسها بنفي وهي تأخذ قدح القهوة من بين يديه، إرتشفت منه القليل ثم قالت بهدوء وهي تنظر داخله: مش زعلانه يا آدم، عشان أنا واثقة فيك وعارفة إن ده مش هيتكرر تاني صح؟
أومأ لها وهو يبتسم وهتف مؤكداً: صح..
هزت رأسها بتفهم وهي تتحاشى النظر له بارتباك تقبض على الكوب بقوة ثم هتفت بهدوء وهي تبتسم ابتسامة مهتزه: حلوه أوي يا آدم تسلم أيدك، ثم صمتت قليلاً وهي تفكر بعقل مشوش وتوتر وتابعت بنبرة قلقة: آدم مصطفي دلوقتي هييجي ومينفعش يشوفـ، توقفت الكلمات بحلقها وهربت الدماء من وجهها عندما سمعت صوت فتح و إغلاف الباب في نفس الثانية..
إبتسم آدم وهتف وهو ينظر إلى تالين الشاحبة التي توقف قلبها ويكاد يضحك على تعبيرها المضحك: أهو مصطفى جه أهو كُنا لسه جيبين في سيرتك دلوقتي..
إبتسم مصطفي وجلس على المقعد القريب منه وبدأ يخلع حذائه بتعب وإرهاق من العمل ثم سألها بقلق عندما رآها: إنتِ عيانة ولا ايه؟
ظلت جامدة بلا لون وصوت ضربات قلبها هو ما كان يسمع ولم تتحدث وهي تقبض على الكوب بيدها بقوة كأنه أمسكها بالجرم المشهود تخونه، ضحك آدم بخفة وهو ينظر لها ثم هتف بتذمر وهو يحادث شقيقة: تخيل عشان شغلت التكييف النهاردة فى العربية عمالة تقولي أنا عييت بسببك فا عملتها ينسون وجبتهولها مع برشامة عشان أنا إنسان نبيل..
إبتسم مصطفي وهتف بامتنان: شكراً ليك جداً يا نبيل، وبمناسبة الينسون انا شايفك ماسك مج عامل لنفسك ينسون ولا ايه؟ إنت عارف إني بحبه برده!
إبتسم آدم وأخذ الكوب من يد تالين جعلها تشحب أكثر وهي تسمع قوله: خُد الينسون بتاع تالين، الأحمق إنها قهوة، اختطفتها من بين يديه بقوة والشرار يتطاير من عينيها كادت تسقط عليها ثم قالت بسخط: لأ ده بتاعي أنا أسكت خالص..
قهقهة مصطفي عليها ثم قال لآدم: هات بتاعتك هي مش هترضي تديني بتاعتها وبعدين هي تعبانة إنت مش تعبان يلا..
هز آدم رأسه موافقاً لترتجف شفتها وتزداد ضربات قلبها عنفاً وخوفاً وهي تراقبهُ هل التي معه ليست قهوة؟ وقف عن المقعد ثم ناوله كوب الينسون وهو يبتسم مراقباً ارتشافه منه بتلذذ بثقب وهو يتمنى له نوماً هنيئاً..
نظر إلي تالين الشاحبة وهي تراقب مصطفي كيف يرتشف بهدوء بعدم فهم ثم نظرت إلى آدم باستفهام ليغمزها بعبث، جعلها تتنفس الصعداء براحة وهي تشتمه بقلبها، هذا اللعين يرعبها بتصرفاته..
تراجع خطوتين إلى الوراء ومال يأخذ الكوب من يدها وهو يهمس لها بخفوت: هينام دلوقتي متتخضيش هستناكي في البلكونة ودفي نفسك كويس..
وتركها وذهب ثم أخذ الكوب من يد مصطفى بعد أن أنهاه وهو يبتسم ثم أخبره بهدوء: تصبح على خير..
أغلق الباب خلفه وهو يبتسم ليجد والدته تسير في الرواق مُتجه صوب غرفتها..
هتف بصوت مرتفع وصل لها: تصبحى على خير يا ماما، متنسيش خطوبتي هاا بدل ما أفضل قاعد في أرابيزك كده كتير..
صفقت الباب خلفها بعنف جعلت الطابق الثاني جميعة يهتز مع ضحكه آدم المتسلية فهو لن يكون آدم إن لم يجعلها تجن ويلقيها داخل أقذر مشفى للأمراض العقلية..
أمسك برأسه بقوة وهو يترنح أثناء سيره كي يصل الى التخت تحت نظرات تالين المتوجسة..
هتف بتقطع وهو يشعر برأسه يدور: تـ، تالين، هو، هو، ايـ، شهقت بخضه وهي تجده يسقط بطوله الفارع على قدمها، نهضت وتركت الفراش ليسقط فوقة عرضاً وبدأ شخيره في التعالي، ضحكت بشدّة وعدم تصديق وهي تراقبه ثم أخذت وسادة وغطاء و تسطحت على الأريكة وهي تقهقهة، لقد غير مزاجها هذا المشهد مئة وثمانين درجة..
شعرت بشيءٍ بادر يلامس قدمها، استقامت والتقطته من أسفل الغطاء بيدها لتجده كتاباً كانت تدرس به، فتحته وظلت تقرأ به قليلاً حتى غفيت، فهي لم تكن ستدلف إلى الشرفة على أي حال عقاباً له، كي يعلم قدر خطأة حتى إن سامحته..
تنهد بحزن وهو يعقد يديه أمام صدره، فهو كان يعلم أنها لن تأتي، هي غاضبة أو خائفة لن تفرق لأن الاثنان سيئين من وجه نظره، ماذا يفعل الآن كي ترضي، هو الغبي لأنه فعل هذا، يتمني فقط لو تعذره قليلاً فهو كان مُغيباً ولا يرى أمامه سوى ذلك المخنث الذي كان يسحبها معه عنوة ملامساً جسدها بتلك القوة وبذلك القرب، إنه يحبها ويغار عليها وهذا ليس ذنبه..
فقط لا يعلم من أين له كل هذا الصبر والقوة التي يملكها تجاه شقيقه، رُبما لأنه شقيقه وزوجها، وهذا وحده يجعله يضع أقذر حذاء قد يجده أمامه داخل فمه ويصمت..
زفر بحده وهو يعتصر رأسه بين يديه يفكر بعمق يُجب أن يجدها يُجب أن يجدها فهي جعلته يقع بحبها وذهبت وهو لن يتركها تذهب بتلك السهولة سوي عندما يحصل على مايريد، ولا يريد سوى جسدها، لن يتركها لقد بحث عنها بعد ذلك اليوم في المطعم وظل يراقب قُصيّ طوال الأسبوع ولم يجدها معه فأين هي إذاً؟.
أخرج الهاتف من جيب بنطاله ثم ضغط على رقم جاسم وحادثه بهدوء: ألو، جاسم إنت فين؟!
طيب أنا جايلك هعزمك على الغدا إنت وعشق سلام..
أغلق جاسم الهاتف متعجباً ثم دلف إلى متجر الملابس الذي تقيس به جـنّـة بعض الفساتين من أجل الحفلة..
وقف أمام غرفة تبديل الملابس ينتظرها في الخارج لكنه قطب حاجبيه بتعجب عندما سمع صوت أحداً يتحدث معها بهمسٍ في الداخل و للمصادفة سمع همسها الخافت هي الأخرى! تعجب وظن أنه توهم لكن الصوت ارتفع قليلاً، أبعد الستائر بأعصاب مشدودة كي يرى ما يحدث في الداخل ليجدها تقف ومعها فتاة المتجر تحاول غلق سحاب فستانها!.
زفر براحه وهز رأسه يبعد تلك الأفكار السيئة التي راودته ثم تحدث مقترحاً: محتاجين مساعده؟!
تحدثت العاملة بإرهاق: ياريت عشان بنعاني هنا..
تأففت جـنّـة بضيق بسبب الفستان الذي لايغلق على ظهرها بفضل خامته السميكة فهو مصنوع من الجلد الخالص ويريد قبضة قوية كي تغلق السحاب الخاص به..
دلف جاسم وهو يبتسم ثم طلب من العاملة بهدوء: خلاص سبيها أنا هتصرف، أومأت بخفة وتركتهم وذهبت الي عملها..
إبتسم عندما قابل نصف ظهرها العاري أمامه..
ازدرد ريقه وهو ينظر له، أطبق جفنيه بقوة و تعالت وتيرة أنفاسه الحارة التي كانت تضرب بشرتها ترد في قلبها، فتح عينيه وهو يأخذ شهيقاً طويلاً أخرجه زفيراً متقطعاً ثم أغلق السحاب بهدوء وتركيز لتلامس أناملة بشرتها الناعمة بخفة ليقشعر جسدها وترتجف بخفة من ملمس يده، وضعت راحة يدها على المرآة وأطبقت جفنيها بقوة وصدرها يعلو ويهبط باضطراب في محاولة لضبط ضربات قلبها الثائرة، ليبعثر بقية مشاعرها عندما طبع قبلة ناعمة علي كتفها العاري جعل أنفاسها تثقل وهي تشعر بذقنه الخشنة توضع على منكبها، ضمت قبضتها بنفاذ صبر مع إرتخاء أعضائها وتحول قدميها إلى هلام أثناء ضرب أنفاسه الدافئه عنقها..
ازدردت ريقها وهي تقضم شفتيها برغبة كي لا تلتفت وتقبله الآن لكنها لم تستطع كبح نفسها أكثر أمام فيضان المشاعر تلك هو زوجها وحقها صحيح؟.
التفتت سريعاً لـ تتناثر خصلات شعرها حول وجهها كـ حورية، طوقت عنقه بنعومة وهجمت على شفتيه تقبله دون سابق إنذار بكل ما أوتيت من قوة وحب جعلت عينيه تجحظ من تفاجئة من تلك الجرأة فجأة لكنه أدرك نفسه وحاوطها خصرها النحيل بقوه وحرك شفتيه ضد شفتيها و بادلها القبلة المحمومة بشغفٍ بعثرها أكثر..
فصلت القبلة وأسندت جبينها على جبينه تلهث وراحة يدها تداعب وجنته برقة غير قادرة على تهدئة نفسها..
نظرت داخل زرقاويه بثمالة ثم مالت وقبلته من جديد وهي تقرب جسدها منه أكثر لـ يرفع يده بدوره ويتحسس ظهرها العاري بشوق وهو يضمها بقوة ورغبه تدمرة تدميراً..
تتنفس بقوه بعد أن فصل القبلة عندما شعر بحاجتهم إلى الهواء، لـ يبصرها وهي تغمض عينيها بقوة وإبتسامه رقيقه تعتلي ثغرها فابتسم وطبع قبلة خاطفة على شفتيها ثم هتف بتعب و أنفاس متهدجة: مش هنتجوز بقي..
حركت جفنيها ببطء وصدرها يعلو ويهبط باضطراب، فتحت عينيها بتروي ثم ضحكت برقة عندما رأت ملامحه المتذمرة وهو ينظر لها..
مررت يدها على وجنته بنعومة صانعة تواصلاً بصرياً معه وكُلاً منهما يعبر عن شوقه للآخر بنظرته الخاصة، ليعود جاسم إلى الإقتراب مائلاً عليها بوجهه، كاد يقبلها لكنه توقف أمام شفتيها عندما سمع الفتاة تهتف من الخارج بريبة: كل حاجه تمام؟!.
تحمحم جاسم منظفاً حلقة ثم هتف بهدوء ونظراته تتآكل جسد جـنّـة وهو يطالع هيئتها المهلكة لمشاعرة: ممكن تجيبي اللون الأسود..
=: حاضر حالاً..
ضحكت جـنّـة ثم هتفت بتذمر تأنبه: اللي انا لابساه الأسود وأخر واحد حرام عليك هتتعبها كده!.
جذبها من خصرها بقوه لتلتصق به أكثر، أراحت يدها على صدره كـ ردة فعل منتظرة أن يتحدث فمال عليها عليها وهتف بعبث أمام شفتيها: سبيها تدور..
ضحكت وهي تبعد رأسها إلى الخلف وتساءلت وهي تداعب أنفها بأنفه: تدور علي إيه؟!
هتف بأنفاس متهدجة وهو يميل على شفتيها: على ده، والتقط شفتيها في قبلة عميقة ملهبة اكتسحتها بها دون توقف لتتحول إلى عدة قبلات حارة..
لدي عشق..
كانت جالسه على الفراش الخاص بها في المشفى تحدق تجاه النافذة بحزن، لا بل بؤس، إنها بائسة وحيدة مهمله لا تملك أحداً، فهي مُنذ أخبرت قُصيّ بحقيقتها تركها وذهب دون أن ينبس ببنت شفة ولا حتى كلمة واحدة وهذا ما جعلها تقلق أكثر فإن صمت قِصيّ فهناك مصيبة قادمة ولن تسقط سوى فوق رأسها هي وحدها ولا أحد آخر..
دلف الطبيب بعد أن طرق الباب ثم تحدث بابتسامه : عاملة إيه دلوقتي؟!
ابتسمت له وقالت بهمس بالكاد خرج: الحمد لله يا دكتور..
تقدم منها وأردف بنبرة تحفيزية وهو يقوم بقياس ضغطها: لو بقيتي كويسه لحد بليل تقدري تخرجي وخلي بالك من نفسك الحياه مش رخيصة اوي كده عشان تفرطي فيها بالسهولة دي لازم تعافري حتى لو سراب علي الأقل مش هتندمى عشان هتقولي لنفسك حاولت بكل مجهودي...
أومأت له بابتسامة ثم قالت بامتنان: شكراً يا دكتور..
أبتسم لها وهتف بود: حمدالله على السلامه مره ثانيه، هزت رأسها بهدوء وتابعت تحديقها تجاه النافذة بشرود..
تركها وغادر، فعاد إلى الاستلقاء ودثرت جسدها أسفل الغطاء وتكورت على نفسها عندما سمعت صوت إغلاق الباب، تريد تغفي وترتاح قليلاً فهي متعبه ومرهقة كثيراً ولا أحد يستطيع أن يخفف عنها ما يثقل كاهلها، إضافة إلى الحمى التي بدأت تزحف إليها أصابتها بدوارٍ وجعلت الرؤية مشوشة لديها، لكن السؤال هل تركها قُصيّ هكذا ولن يعود!
في مقر عمله..
كان جالساً على المقعد خلف مكتبه يبحث عن الملف الذي يحمل معلومات عنها بعصبيه هستيريه بملامح لا صخرية جحيمية يتوعدها إن كانت صادقة، يتمنى أن تكون كاذبة، هل تظن أنه دُمية كي تلعب به! هو فقط من يلهو ويترك النساء وليسوا هُن! هو لن تعبث معه أمرأةٍ من قبل قط، سوف يجعلها تندم على ذلك الكذب، بالتأكيد كان أضحوكة وأبله أمام تصرفاته معها، يا إلهي، لقد كانت أول شخص يكون صادقاً معها ويحافظ على وعده لكنها لم تكن صادقة مثله بتاتاً، هو الغبي لأنه وعدها، وجزائة لأن نيته لم تكن سالمه بتاتاً اتجاهها في البداية، لكن إنقلب كل شيءً عليه عندما سحرته لا يستطيع وصف هذا غير سِحر هو مسحور بالتأكيد، و يستحق هذا لأن هذا هو المتوقع أن يحدث مع شخصٍ مثلهُ، خائن، زانى، خطاء، بلا ضمير، لكن رغم هذا تملك مكاناً ليس بقليل داخل قلبة، كم هذا جميل!
أخرجه ثم أغلق الدرج بعنف أصدر صوتاً مزعجاً، وضعه أمامه على جدار المكتب ثم أسند مرفقية عليه وأطبق جفنيه قليلاً وهو يضم قبضتيه بقوة وتشنج يتنفس بانفعال هي تكذب بالتأكيد يتمنى أن تكون كاذبة تلك المرة..
بدأ قراءته بهدوء بحاجبين مقطوبين بشدّة و مقلتيه تمر على كل كلمة بتركيز كأنه مازال يتعلم القراءه، يقرأ كُل حرفٍ على حِدى كـ طفلاً تتوسع حدقتيه أكثر فأكثر بذهول كلما قرأ، اللعينة، لقد كانت متزوجة عندما تعرف عليها من البداية!
صرخ بإسم مساعده بعصبية مفرطة: فخري فخري..
دلف مهرولاً له سريعاً وهتف بقلق: نعم يا فندم
أردف بحدة يسأله: إنت إزاي متقوليش إن عشق مرات جاسم؟
قطب ما بين حاجبيه بتفكير ثم أطلق أهه خافته عندما تذكر: أه عشق يا فندم أنا كنت هقول لحضرتك أكثر من مرة لكن إنت وقفتني وقولتلي مش عايز تعرف وأنسي إني جبت أي معلومات عنها!
مسح وجهه وهو يزفر بنفاذ صبر فتابع فخري: أنا قولتلك في نفس اليوم ده إنت مش هتصدق دي طلعت مين لكن مادتنيش فرصة أكمل!
هز رأسه بعصبية وهو يطرق بأنامله علي المكتب ثم هتف بغضب: بس خلاص فاكر فاكر سبني دلوقتي وهاتلي قهوه، أومأ له باحترام وتركه وغادر..
ألقى ظهره إلي الخلف ليستقر على المقعد وهو يتنفس بعنف يحاول أن يفكر قليلاً لكنه لم يستطع فهو يشعر بنيران تنشب داخل جسده، إنه مغفل، وقف وقام بقذف كل ما كان علي جدار المكتب أرضاً بجنون وهو يجأر لاهثاً بعنف فهو قد حصل على أكبر خدعة في حياته لقد ضحكت عليه وجعلته أحمق بمنتهي السهوله لن يغفر لها لن يتركها تحيي سعيده لن يفعل..
حل المساء..
كان سامي يجلس بإحدي الملاهي الليلية بزاويه وحده يحدق بتلك الدعوة بثقب، فإن كانت تستطيع أن تنطق لأخبرته أن يتوقف عن الحملقة بها بتلك الطريقة، لقد جاءته منذ قليل مع أحد العاملين هُنا مع الكأس الخاص به كي يحضر ذلك الحفل وربما بالمصادفة أو بالتخطيط وجد بداخل المظروف كلمات كتبت بخط صغير: عشق هتبقي موجوده، رفع حاجبيه وهو يقرأ هذا ثم قلب الدعوة بيده يحاول إيجاد أسم صاحب الحفل أو توقيعه حتى لكنه لم يجد أي شيء كُتب..
قذفها أمامه على الطاولة بعدم إهتمام ثم التقط كأسه وبدأ يرتشف منه بهدوء وكل برهة وأخري ينظر إلى الدعوة كأنها ستتحدث وتخبره من أين أتت! هو سيذهب ولن يفوت عليه تلك الفرصة كي يرى معشوقتة لايهم من المرسل سيذهب وانتهى الأمر..
لدي جاسم..
توقف جاسم أمام المنزل وقام بإخراج الحقائب ووضعهم بيد جـنّـة وتحدث بهدوء وهو يبتسم: أنا هروح أصلح العربيه على طول وجي..
أومأت له بهدوء وهي تراقب ذهابه بالسيارة ثم تحركت وسارت إتجاه باب المنزل لكنها توقفت بمنتصف الطريق و قطبت ما بين حاجبيها بتعجب ثم التفتت ونظرت إلى تلك السيارة البيضاء التي تقف بالجهة المُقابله لها بريبة!، شردت قليلاً وهي تتذكر أين رأت تلك السيارة؟، نعم، إنها هي نفسها التي ضربت مرآة سيارة جاسم صباحاً..
وضعت الحقائب من يدها في الحديقة ثم عدلت حجابها وأخذتها خطواتها إتجاه السيارة ببطء وحذر ولا تعلم لما توقفت أمامها وظلت تحدق داخلها من النافذه لكنها وجدتها فارغة عندما ضرب زجاج السيارة ضوء فجأة جعل كل شيء بالداخل يتبين لها، رفعت رأسها واستدارت وظلت تتلفت تبحث عن مصدر الضوء فوجدت باب المنزل خلفها مفتوحاً على مصراعيه ويبدو أن الحِراسة التي كانت على المنزل صباحاً لم تعد موجودة بعد الآن!.
أخذت تلك الفكرة تلوح برأسها فجأة وهي تتساءل بنفسها أتذهب إلى هُناك أم تعود أتذهب أم تعود وقبل أن تفكر وجدت قدمها تتحرك لا إرادياً وسارت إلى هُناك ومن دون تردد توقفت أمام الباب الذي وجدته مفتوحاً ثم دلفت إلى الداخل..
توقفت في البهو تحدق في أرجاء المنزل بعد أن تخطت الباب بهدوء، يبدو أن صاحب المنزل يملك زوقاً راقي نادر، ابتسمت وهي تلتفت تنظر هُنا وهُناك دون أن تنبه إلي الوقت، ولا تعلم ماذا حدث لها لتفعل كل هذا وتدخل بيت لا تعرف من صاحبه، لكن بالرغم من هذا تابعت تجول في المنزل حتى توقفت أمام الغرفة المغلقة في الأعلي، كادت تذهب لكن المفتاح الذي نساه قُصيّ في القفل بعد إغلاقه لفت نظرها، فتحت الغرفه بهدوء ووضعت قدمها اليمني داخلها وأخرت اليسرى كما العاده لكنها عادت أدراجها إلى الخارج بسبب سماع صوت اغلاق بوابة المنزل الرئيسية..
نظرت إلى الأسفل من خلف السور الحديدي في الأعلى بتوجس، رأت رجل يدلف وهو يفك رابطة عنقه ثم جلس بغرفة الجلوس على إحدى الأرائك بضيق ومد قدميه على الطاولة وهو يزفر ويبدو عليه الغضب، لكن مع هذا لم تراه بوضوح بسبب ملامحه التي لم تتبين لها، سارت بضع خطوات حثيثة بطيئة وجلست علي بدايه الدرج بوجهه شاحب باهت هرب منه الدماء وهي تزدرد ريقها بخوف من ما سيحدث إن أمسك بها؟!
بدأت تنزل الدرج ببطء وتمهل عله لن يراها حتى وصلت إلى الباب بسلام، مدت يدها المرتجفة إلى المقبض لكي تفتحه لكن صوته الساخر أوقفها: عشق..
ازدردت ريقها بخوف وهتفت بنبرة مهتزة قبل أن تركض إلى الخارج دون النظر له: أنا، أنا، مش عشق، جحظت عيناه عندما علم هوية صاحبه تلك النبرة فانتفض من على الأريكة وهب واقفاً ثم ركض إلى الخارج وهو يهتف بإسمها بصوت مرتفع: جـنّـة، جـنّـة، جـنّـة، جـنّـة..
لكنه لم يجدها لقد اختفت نهائياً، نظر حوله بعين زائغة يتابع بحثه عنها لكن الأرض انشقت وابتلعتها، هو حتى لم يراها هو فقط توقع أن تكون عشق عندما سمع صوت خطوات متسللة! ظن أنها أتت كي تأخذ ملابسها وتهرب، ضرب جبهته بقوة ولا يعلم أكان يتوهم بسبب تفكيره بها كثيراً أم ماذا؟! فهو أصبح يفكر بها بالفتره الأخيره بطريقة مبالغاً بها!، وما يُحيرهُ إنها أين سوف تذهب وتختفي كل تلك المدة فهي ذات أخلاق حميدة ولا أحد يستطيع التشكيك بها أين ستهرب إذاً ومن أين جاءتها تلك الفكرة فهي ليست طائشة مثل عشق؟! هذا فقط ما يحيره وكم يتمني أن تكون جميع ظنونه خطأ وتظل جـنّـة جـنّـة التي عرفها دوماً حتى إن كانت لا تحبه، فلا يريد صدمة أخري كـ عشق المتزوجة!، لكنها كانت له هو فقط بالرغم من هذا صحيح؟ هو لم يرى صور زفافٍ بعد؟!
حركت رأسها من خلف باب المنزل الذي كانت تسند ظهرها عليه وهي تتنفس بعنف وانفعال تطبق جفنيها بقوة وألم أثر نبضاتها المتسارعة فهي منذ دخولها ركضاً تقف خلف الباب خشية أن يكون قد رآها وجاء خلفها، ازدردت ريقها بحلق جاف ثم وضعت يدها على قلبها النابض فهي تشعر أنها تعرفه، نبرة صوته تلك تعرفها ليس غريباً تعرفه وهي متأكده من هذا، هل هو قُصيّ الذي أخبرته عنها فتاة المتجر في الإسكندرية؟ فهي لا تعرف لا تعرف حقاً لكن هو يعرفها تمام المعرفة ويعرف إسمها!.
صعدت إلى غرفتها وأخذت حماماً دافئاً ثم أوت إلى فراشها وهي تفكر بعمق، أمسكت المرآة الموضوعة بجانبها على الكومود ورفعتها أمام كتفيها ونظرت له باقتضاب واستفهام ثم شردت متذكره ما حدث في المتجر اليوم..
فصل القبله عندما سمع صوت الفتاة من الخارج تتأسف: الأسود مش موجود في الوان ثانيه حلوه برده اجيب؟!
تنهد وهو يسند جبهته على جبهتها وهتف بصوتٍ لاهث مرتفع نسبياً وصل لها في الخارج: خلاص الأسود طلع معانا شويه وخارجين، ابتسمت جـنّـة وهي تدفعه إلى الخلف بخفه ثم تطلعت إلى نفسها في المرآة وتساءلت وهي تحدق في انعكاسها: حلو الفستان يا جاسم..
حاوط خصرها بتملك ثم قبل رقبتها بخفه وهتف بحنان وهو يضع ذقنه فوق منكبها ناظراً لها عبر المرآة: أي حاجه عليكِ جميله مش محتاجه رأيي، أومأت وهي تبتسم بنعومة ليسألها وهو يديرها إليه ونظرة معلق على كفتها: أومال فين الوحمه؟!
قطبت ما بين حاجبيها بتفكير وتساءلت: وحمة إيه؟!
تحدث بجدية يذكرها بها وهو يداعب مكانها بأنامله برقة: كان في وحمه على كتفك؟
استدارت و أولته ظهرها ثم حدقت بكتفها عبر المرآة بتركيز ثم هتفت بتسلية: تلقيها غيرت المكان وراحت الكتف التانى..
إبتسم بهدوء لكنه أعاد وهو يأشر فوق كتفها على مكانها تحديداً: هنا كان في وحمه والوحم مش بيختفي راحت فين؟!
حركت أهدابه بتعجب وهي تنظر له بفيروزتيها المتسعتان بجهل بدت لطيفة ثم تحدثت وهي تهز كتفيها: هعرف منين يا جاسم هو أنا إللي هخفيها يعني؟!
أردف بانزعاج وهو ينظر إلى كتفيها: أيوه كنتي بتخفيها دايماً بالميك آب..
عقدت يديها أمام صدرها بانزعاج ثم تحدثت بضيق وهي ترمقه بنظرات نارية : وطالما إنت عارف بتسأل ليه؟!
رفع حاجبيه بتفاجئ ثم ضيق عينيه وسألها باقتضاب: يعني خفيتيها؟!
ردت باقتضاب مماثل وهي تهز كتفيها: لا مخفتهاش ومش عارفه راحت فين وإتفضل برا عشان هغير، ودفعته خارج الغرفه بانزعاج، وتابعت ارتداء ملابسها وهي تفكر، عودة إلى الوقت الحالي..
تنهدت وهي تتحسس كتفها بتفكير حقاً أين ذهبت؟! فهي قد رأتها ببعض الصور لها دون حجاب أيضاً وهذا ما جعلها تتسائل أين ذهبت فهي لا تختفي مثلما أخبرها جاسم؟!
في المستشفى..
زفرت عشق بضيق بأنفاسها الحارة وهي ترتدي ملابسها بوهن ونظرها معلق على تلك العلامة التي على كتفها فكم تبغضها وتتمنى لو تختفي..
أكملت أرتداء ملابسها ببطء وكل دقيقة تقريباً كانت تجلس على طرف الفراش من الدوار الذي يُداهمها ثم ظلت تبحث حولها عن أي مسحوق للتجميل كي تتبرج فهي تشعر أنها ميتة بذلك المظهر الهزيل الباهت لكنها بالمشفى فمن أين ستأتي بهم؟!
تحركت وسارت بكل هدوء، تركت الغرفة وتابعت سيرها إلى الخارج بترنح متجنبة الحديث مع أي أحد حتى أنها لم تكمل إجراءات خروجها وذهبت متجاهلة نداء إحدي الممرضات لها..
توقفت أمام باب المشفى الرئيسي وهي تشعر بالعالم يدور بها وجسدها يشتعل بِحِمم بركانية حارة من الحِمى، نظرت حولها تبحث عن سيارة أجرة برؤية ضبابية وجبينها بدأ يتفصد عرقاً، رأت واحدة قادمة من بعيد وأمامها سيارة سوداء، سارت خطوتين إلي الأمام مستعدة كي تأشر لها وتجعلها تقف، لكن وجدت تلك السيارة السوداء توقفت أمامها هي، نظرت اتجاهها بغضب ووجه احمر حانق من الحمى والبرودة والغضب، كادت تسب السائق بسبب تضييع سيارة الأجرة منها لكن وجدت رجلاً يبدو كـ حارس شخصي يترجل من السيارة وهو يغلق أزرار سترته يتقدم منها بكل هدوء، يحدق بها بطريقة مريبة أثارت خوفها..
تراجعت الى الخلف بخوف وركضت إلى داخل المشفى بتعب لكنه كان أسرع منها، أمسك بها ثم حملها عنوة على كتفيه قلبها رأساً على عقب تحت مقاومتها الضعيفة وصرخاتها التي أصمته وألمت رأسها وركلها الهواء بقدمها بقوة وضرب ظهره براحة يدها كانت مداعبة بالنسبةِ له، قام صديقه بفتح باب السيارة له، ساعده وأدخلها معه ثم أمر السائق بهدوء أن يتحرك..
صرخت بشجاعة وغضب بينما داخلها ترتجف خوفاً: إنتوا عارفين أنا مين حاميني وهيعمل فيكم إيه لو عرف؟ قُصيّ رشدان يا حيوانات..
تبادل الرجلان النظرات معاً ثم إنفجر كُلاً منهما ضحكاً بسخرية، تجولت بنظراتها بينهم وهي تتنفس بثوران وخوف تضاعف مسبباً لها الذعر لكنها هدأت عندما علمت المغزى من سخريتهم، قُصيّ هو من يخطفها وليس أحداً غيره، هذا مطمئن قليلاً علي الأقل علمت أنها ستكون بخير، حتي ان لم تكن يكفي أنه قُصيّ..
دلف جاسم إلى المنزل وقام بنداء جـنّـة ببعض الغضب: جـنّـة، جـنّـة، هي فين؟!
تساءلت والدته بقلق عندما وجدته غاضباً وهذا نادر : إيه ياحبيبي في إيه؟!
تحدث بضيق وهو يحمل الحقائب التي التقطها من الحديقة بين يديه: الشنط إدتها لــ جـنّـة عشان تدخلها سبِتها في الجنينة!
ابتسمت والدته بحنان ثم ربتت على صدره بخفة وهي تهدئه: تلاقيهم كانوا تُقال عليها وبعدين ايه يعني حصلهم حاجة؟.
هز رأسه بنفي و تحدث بحدة: لا مش تُقال ولو كانوا تُقال كانت تقولي مش ترميهم في الجنينه الله!.
حركت أهدابها بتعجب وهتفت بعدم فهم بسبب حدته: إيه يا جاسم متعصب ليه كده؟!
زفر بنفاذ صبر ومرر يده على وجهه بضيق: مفيش مفيش الحاجه هنا أهي لما تسأل عليهم تاخدهم..
وتركها وصعد إلى غرفته بعصبيه لا يجد لها تفسير..
بينما هي كانت قد ذهبت في ثباتٍ عميق لا تدري بما يحدث حولها..
ألقاها على الأرض الصلبة بقوة، فسقطت متحاملة على معصمها لتصرخ بألم لكنه لم يهتم بل أغلق عليها كما أُمر وذهب، رفعت رأسها ونظرت حولها بأعين زائغة وهي تحرك جفنيها بوهن، فلم تجد سوى نافذة صغيرة أعلي الحائط تدخل لها بعض الضوء ولن تصل لها مهما حاولت وإن وصلت لن تستطيع الهرب لأن مساحته لا تخرج قطة كي تخرجها هي فتلك الغرفة مظلمة وكئيبة تشبه السجن كثيراً..
رفعت معصمها من على الأرض وهي تعود إلى الخلف بجسدها، اسندت رأسها على الحائط وهي تشهق باكية بحرقة تمسد ساعدها من الألم والخدر الذي تشعر به، فهي تشعر أنها مثيرة للشفقة بطريقة لا تستطيع تحملها فهي تستحق ما يحدث معها، تستحق كل هذا، لكنه كثير عليها كي تتحملة..
محت عبراتها بأنامل مرتجفة وأبعدت خصلاتها خلف أذنها بعنف وهي تستنشق ما بأنفها الوردية، وقليلاً فقط وعادت عبراتها تنساب على وجنتيها الرقيقتين الناعمتين من جديد وهي تتذكر مقابلتها الأولى مع قُصيّ..
خرجت من بوابة الجامعة الرئيسية وكل وهدفها وأمنيتها وحياتها وإرادتها متوقفة على أن تقطع الطريق كي تشتري أي شيء تأكله فهي تضور جوعاً وتعلم أنها ستفقد الوعي إن لم تأكل فذلك الاختبار الذي قامت بحلة الآن استنفذ كل طاقتها..
قطعت الطريق سريعاً دون النظر بجانبها دون أن تنتبه إلى تلك السيارة التي تقترب لكن صوت بوق السيارة المرتفع المُحذر اخترق أذنها جعلها تلتفت..
جحظت عينيها وجفت الدماء بعروقها ولم تستطع التحرك بوجه شاحب منتظرة الموت، أغمضت عينيها بقوة منتظرة أن تدعسها لكنه ضغط المكابح سريعاً على بعض إنشات منها فقط لـ يحتك إطار السياره بالأرض بعنف وهو يتنفس بقوه وانفعال بينما هي إرتخي جسدها وسقطت أرضاً وهي تفتح فمها على مصراعيه تأخذ شهيقاً طويلاً تملأ به رئتيها لأنها تكاد تختنق..
ترجل من السيارة سريعاً بعد أن صفق الباب بقوة، كان يرتدي بنطال خامة الجينز أسود وكنزة بيضاء وحذاء رياضي أبيض ويرتدي بمعصمه ساعة يد سوداء ونظارة شمسية حجبت عنه الشمس، جثا أمامها وتحدث ببحة رجولية قلقة: انتِ كويسه يا أنسه؟!
هزت رأسها بنفي وهي تلهث وترتجف بخوف فأمسك يدها وحاوط خصرها برقة وأوقفها معه وقال بهدوء: تعالي أوديك المستشفى..
هزت رأسها بنفي وتحدثت بحلق جاف ونبرة مرتجفة: لا، لا، أنا، أنا كويسه..
نظر لها بتفحص مراقباً شحوب وجهها وارتجاف يديها بين يديه وانتفاضة جسدها وهذا جعله يقول مستنكراً قولها: كويسه ايه انا لو سبتك هتقعى!
ردت بخفوت متعب وهي تحاول الأبتعاد: ده عشان جعانه بس مش أكتر أنا كويسه سبني..
غمغم بعدم إهتمام وهتف بإصرار: يبقى اعزمك على الغدا بقي طالما جعانه..
تأففت ثم تحدثت بضيق وهي تحاول إبعاد يده عن خصرها: لو سمحت ابعد بقى إنت عايز تاخدني وخلاص قولت أنا كويسه!، رفع نظارته الشمسيه فوق رأسه، رفعت رأسها بضيق ليقع نظرها داخل تلك المقلتين الأسرة..
نظرت داخل مقلتيه البُنيه مباشرةً تحت أشعة الشمس التي أظهرت قدح القهوة خاصته ليتحدث بإصرار أكثر: معلش ضميري هيفضل يأنبني لو سبتك كده؟!، ثم إبتسم عندما وجد تحديقها بوجهه طال كثيراً فقال بعبث مغلف بمكر: عارف إن أنا وسيم و عيني حلوه في الشمس..
أبعدت نظرها عنه وأطرقت رأسها بإحراج وعينيها أخذت تتجول علي كل مكان عداه فضحك بخفة وتحدث بهدوء وهو يبتسم: إهدي إهدي بهزر أصلي نسيت أقولك زيادة علي إني وسيم وعيني حلوه دمي خفيف كمان، وإبتسم بنهاية حديثه فبادلته بأخرى صفراء وتحركت لتذهب لكنه وضع يده أمام جسدها ورفع حاجبيه وتحدث بصدق: نص ساعه بس هدفع أنا متخافيش..
زفرت بضيق وتحدثت وهي تلوح بيدها أمام رأسه فأوقعت نظارته أرضاً بالخطأ وقبل أن ينحني ويأخذها مرت سيارة ودهستها حولتها إلى فُتات، شهق وتحدث بدراميه وهو يضع يديه على قلبه: نظارتي إنتِ عارفه دي بكام إحنا بنتكلم بهدوء لازم تشكلي بايدك يعني لازم امشي بقي الله يسهلك؟!
قضمت شفتيها بحزن وشعرت بالذنب فاقترحت عليه بخفوت: تاخد حقها طيب؟!
نظر لها بدون تعبير وهو يزفر فقالت سريعاً: خلاص موافقه تعزمني على الغدا..
ضحك وهو يمرر يده داخل شعره ثم قال بسخرية: إنتِ بتهزري يعني! إنتِ دمرتيلي النظاره عادي كده وجايه بكل بجاحه تقوليلي موافقة تعزمني، قطبت مابين حاجبيها بانزعاج ولاتعلم ماذا تفعل له كي يرضي فتابع وهو يبتسم بعبث: بدل ما تقوليلي هدفع انا برضه، اتسعت ابتسامتها وتنفست الصعداء براحه ثم ضربته على كتفه بعفوية: ما تقول كده من الأول وقعتلي قلبي، انحني ومد يده أمامه بدراميه وقال سريعاً: إوعي..
هتفت بتعجب وهي تراه يجلس القرفصاء: إيه في إيه؟!
رفع نظره لها ليتبين لها أهدابه الطويلة و مقلتيه البُنيه التي تحولت للون العسل الخالص بفضل الشمس مع ملامحه الشرقية الرجولية: مستني قلبك يقع عشان أمسكه!
نظرت له بامتعاض وهتفت بسخط : بايخ اوي، ثم تركته واستقلت السيارة دون أن يخبرها أن تفعل..
وقف وذهب خلفها، استقل السيارة ثم هتف وهو يحرك المقود يستعد إلى القياده: مالك مرتاحه كده ليه في القاعدة كأنها عربيتك لسمح الله؟!
لفت وجهها كي تنظر له ثم تحدثت بامتعاض: بقولك إيه يا إنت بطل استظراف أنا معرفكش ومفيش حاجه هتجمعنا غير الطفحه اللي هنطفحها شويه كده وخلاص..
لوى شدقيه وهز رأسه ولم يتحدث وبدأ القيادة حتى وصل إلى المطعم المطلوب، جلس على إحدى الطاولات وهي أمامه، جاءه النادل فأشر عليها كي يأخذ طلبها أولا؟!
قالت بهدوء ورقة: عايزه إندومي..
رفع قُصيّ حاجبيه وطلب من النادل: بص إرجع هناك وانا هنادي عليك تاني وانسي خالص إللي إنت سمعته ده يلا، أومأ له بطاعة وذهب وهو يبتسم..
عقدت يديها أمام صدرها وتساءلت بتهكم: إنت بتعمل إيه؟!
تحدث باستهزاء: شكلك عشان هتدفعي بتطلبي اندومي اندومي؟! هو ده أكل؟!
تحدثت بتعجب وهي تضرب كفيها معاً: إنت مالك إنت؟!
عاد النادل أمامهم من جديد وتحدث باحترام: تطلبوا إيه يا فندم؟!
تحدثت بتحدي وهي تحدق بـ قُصيّ: إندومي..
فطلب هو الأخر وهو يسخر منها: عاوز شعرية بالسكر أصلي متعشتش من إمبارح، أومأ النادل له وهو يكتب طلبهما ثم ذهب..
زفرت وابعدت نظرها عنه ناظرة بالاتجاه الأخر فتحدث قاصداً أن يأنبها: لو مشيت جعان هتبقى إنتِ السبب عشان تبقي عارفه!
ردت بعصبية مفرطة من بين أسنانها: حد قالك إطلب شعريه يا نُغه؟
رفع زاوية شفتيه بسخرية وتابع بتهكم: يا توتو أومال مين الكميله اللي هتاكل إندومي دي؟
زفرت بضيق وهتفت مُبررة : قولت اطلب اللي انت عايزه معايا فلوس اسكت بقي..
عقد يديه أمام صدره ثم طلب منها: اطلبيلي إنتِ طيب..
ضمت قبضتها بغضب كي لا تلكمه الان وتحدثت وهى تجز على أسنانها بنفاذ صبر: تطلب إيه حضرتك..
ابتسم وعرف عن نفسه: قُصيّ إسمي قُصيّ رشدان عشان أنا لسه متعرف عليكِ ممكن تقوليلي قُصيّ..
وضعت راحة يدها أسفل وجنتها وتساءلت بسخرية: أومال لو تعرفني من زمان هتخليني أقولك إيه؟!
وهز كفتة وقال بهدوء : قُصيّ برده عادي..
هزت رأسها وهي تخفي ابتسامتها فأشار بإصبعه علي شفتيها التي تحاول أن تخفيها لكنه أمسك بها وهتف وهو يبتسم: أيوا أيوا هتخرج أهي أهي شدي حيلك..
ضحكت وهي تضع يدها على فمها وباليد الأخرى لوحت له وهي تسأله: أشد إيه إنت بتقول إيه؟!
إبتسم بجاذبية وهو يراقبها ثم تحدث بهدوء: ضحكتك حلوه أوي ليه لابسه الوش الخشب بقي، رفعت حاجبيها ونظرت له باقتضاب وكادت تتحدث لكنه أوقفها بيده مع قوله بسخط: خلاص خلاص مش عايز أعرف هاكل وهمشي، ابتسمت وبدأت تأكل بهدوء وهي تقهقه كل تارة أخرى وهي ترى تعابير وجهه الممتعضة وهو يأكل تلك الشعرية التي ندم على طلبها، عودة إلى الوقت الحالي..
ابتسمت بحزن وهي تشهق فكم تتمنى لو كان ضربها بالسيارة وماتت، تتمنى لو لم تذهب معه لو كانت أولته ظهرها ولم تقابله لكانت الآن أكثر راحة، من يصدق أن كل هذا سيحدث؟!
توقفت عن البكاء وهي تشعر بالوهن و حرارتها قد ارتفعت أكثر فهي خرجت من المشفى الآن ويجب أن ترتاح ويعتني بها أحداً!، حركت شفتيها و حاولت التحدث ورفع صوتها كي يستمعوا لها من في الخارج لكنها لم تستطع فظلت على وضعيتها تلك جالسه على الأرض تسند رأسها على الحائط وخصلاتها التي تجعدت تغطي وجهها كاملاً وأنفاسها قد ثقلت وبدأت تلتقطها بصعوبة والرؤية أصبحت مشوشة وضبابية لديها هي فقط تتمنى الموت..
تسائل بوجوم وهو يسير ورجله يسير بجانبه: جبتوها؟!، أومأ الحارس ليتابع قُصيّ مستفهماً: وعملت إيه اتعصبت شتمت ضربت عملت حاجه؟!
=: أيوا يا باشا أول ما خطفناها وبعدين هديت وفضلت ساكته ومتكلمتش تاني..
أمره بهدوء عندما توقف أمام الغرفة المحتجزة بها : طيب روح انت و جهزلي العربية..
=: حاضر ياباشا، وتركه وغادر، دلف هو إلى الداخل، ابتسم بسخرية عندما أبصرها وهو يتقدم منها ظناً أنها نائمه بكل راحة غير عابئة بكونها محتجزة هُنا، تنفس بعنف وهو يمرر يده على وجهه بنفاذ صبر ضاماً قبضته بقوة متمالكاً نفسه يكبح رغبته كي لا يقوم بأذيتها لأنه سيؤذها ورغبته بهذا تتفاقم كلما رأى وجهها البرئ هذا..
جثي أمامها وهو يطالع هيئتها ببعض التشفي، أبعد خصلات شعرها إلى الخلف بعنف وتحدث بغضب وهو يصك على أسنانة: الحفله هي إللي أنقذتك من تحت إيدي للأسف لازم أخد مرافق معايا وملقتش غيرك بس برده هتتحاسبي، لم يأته رداً منها ولا حتى همس!، نظر لها بتركيز أكثر فوجد عينها مغلقه نسبياً رغماً عنها كأنها لا تستطيع فتحها ووجهها إكتسب حُمره مبالغ بها وأنفاسها ثقيلة واهنه بالكاد خرجت وشعر بها عندما وضع راحة يده أمام شفتيها وصوت أنينها الواهن لم يستطع تجاهله..
تحسس جبهتها بهدوء لتجحظ عيناه بتفاجئ، اللعنة إنها تشتعل!.
هتف بإسمها بقلق وهو يصفع وجنتها بخفه: عشق عشق، عشق، لكنها لم ترد عليه، وضع يديه تحت فخذيها والأخري خلف ظهرها وحملها بين يديه
طوقت عنقه بيدها بضعف وهتفت بوهن وشفتين مشققة شاحبة وحبات العرق يتفصد من جبهتها: قُـ، صيّ، وسقطت يدها عن رقبته بضعف علم من خلالها أنها فقدت الوعي ليسرع بخطواته أكثر بقلب مضطرب خائف، تباً له هل قال أنه سيعاقبها؟!
في السادسة صباحاً، بعد ليلة حالكة السواد إلى ضوء النهار الساطع، صوت تغريد العصافير صباحاً يملئ المكان، مع تساقط الندى فوق النباتات زادتها لمعاناً وتفتحاً..
فى الشرفة، كان جالساً شارداً، لا يعلم عدد الساعات التي ظل جالساً بها هكذا لكنه أدرك هذا عندما أشرقت الشمس، من أمس وهو جالساً تلك الجلسة بملابسة دون أن يتحرك يميناً أو يساراً، فقط جالساً أرضاً يسند جذعة إلى سور الشرفة و يحدق في الفراغ، والمشكلة العويصة أنه لم يتوصل لشيء! من المفترض أنه يفكر كل هذا الوقت بمشكلاته وما سوف يفعل لكنه كان يتأمل الطبيعة هارباً من التفكير بها وكأنه أول مرة يرى هذا المنظر! غيرعابئاً بذلك الصقيع والهواء البارد الذي يضرب جسده، فهذا أفضل من التفكير بها التفكير في كيفية تدفئة جسدة أهون لديه من التفكير بها..
هو يرى أن رأسه مكونة من أكوام قش مختلفة هبت رياح قوية أدخلت هذا بذاك وانقلب كل شيء رأساً على عقب وكانت ندى هي تلك الرياح، وهو عاجز عن التصرف الآن، ولا يعلم ماذا يفعل؟، فإن ضحك على عقل نادين لن تقبل ليلى أن تكون إبنتها زوجة أولي أو ثانية بل سوف تستغل هذا كي تهرب، هي تكرهه وهذه فرصة ذهبية بالنسبةِ لها بالتأكيد..
زفر وهو يطبق أجفانه ليشعر بتلك الحرقة داخل عينية من قلة النوم لأن اجفانة يشعر بها باردة وحارة في أنٍ واحد ولا يعلم كيف، ثني إحدى أقدامه الممددة أمامه ومسدها براحة يده وهو يفكر بهدوء، والده ماذا يُريد؟ بالتأكيد لن يأخذه كي يذهب ويطلبها إلى الزواج..
أطبق جفنيه بقوة ونفاذ صبر عندما باغتته صورة وجهها المبتسم من جديد، هي لم تتوقف عن الظهور أمام عينيه طوال الليل كي تباغته الآن!!لقد كان يراها تتراقص هي وشعرها وسط الأرض الخضراء أسفل الأمطار وهي تضحك بسعادة، لقد رأى نفسه يقبلها داخل ذلك الكوخ الأقرب إلى قلبه، لقد رأى أكثر لحظاتهم الرومانسية الحارة معاً، رأى نفسه معها وهو يمتلكها قلباً وقالباً بكل حب، لقد تخيل أكثر الأشياء قذارة التي من الممكن أن يفعلها معها ويتوق لفعلها، لقد كان معه الليل بكامله كي يتخيل ما يُريد، لكن يا أسفاه لن يحدث كل هذا، اللعنة على حياته البائسة..
شعر بشيءٍ رقيق يتوقف على كتفه، التفت ليجد عصفوراً صغير يقف على كتفه، ابتسم وظل يراقبه بهدوء واهتمام لما يفعل..
دثرت جسدها داخل ذلك الوشاح الثقيل جيّداً ثم فتحت الشرفة ببطء وتروي كي لا يباغتها الهواء البارد بسبب الطقس، تطايرت خصلاتها إلى الخلف بقوة لتبتسم بنعومة وهي تحتضن جسدها إليها بدفء، أسندت مرفقيها على سور الشرفة وكورت قبضتها ثم رفعتها وأسندت وجنتها إليها وهي تنظر إلى السماء كـ طفلة حالمه..
اختفت ابتسامتها عندما وقع نظرها على ذلك المنزل البارز وسط كل تلك المنازل الصغيرة بسبب ضخامته لا يبعد عن هُنا كثيراً..
خفق قلبها بعنف وارتجفت قدميها و علت وتيرة أنفاسها المرتجفة، جلست أرضاً محلها وهي تطبق جفنيها بقوة وأمسكت بتلك الأعمد الحديديه التابعة للسور بقوة وهي تسند جبهتها عليه كأنها في سجن خلف الباب!، زفرت ببطء وتمهل وهي تهدأ من روعها، يجب أن تهدأ يُجب أن تهدأ..
حركت جفنيها ببطء و نظرت بجانبها، لتصرخ بفزع عندما رأته جالساً أفزعته معها وجعلت العصفور يتغوط على كتفه ثم حلق بعيداً..
حدق بكتفه بتقزز ثم هتف بسخط وهو يراقب تحليق العصفور بعيداً: وحياة أمك إنتِ الثانية! كل ده عشان دي؟.
قاطع ثورته مع العصفور سماع صوت ضحكات ليلى الرقيقة بسعادة وهي تنظر له، بادلها نظراتها بضيق وهو يضيق عينية ثم هتف بفظاظة: عجبتك اوي؟
أومأت وهي تضع يدها على فمها و مازالت تضحك بتسلية، تنظر له بتعجب بسبب ملابسه الخفيفة، تقسم أنه لا يملك إحساساً ولا يشعر كي يظل جالساً هكذا؟ بالتأكيد توفي ألف مرة كي يكون بذلك الصمود أمام تلك البرودة..
ابتسم بخفه وهو يحدق في الأسفل عبر الشرفة ثم وقف وتقدم منها وهو يتحدث باحترام: كويس إنك صحيتي عايز خذ رأيك في حاجة..
وقفت مقابلة ومازالت تبتسم ثم هزت رأسها موافقة وقالت بهدوء: إتفضل سمعاك..
تحدث بجدية وهو يقف مقابلها: بصي يا حماتي، هنقول إن ولاد عمك الاثنين اتقتلوا ظلم تمام والعيلة اللي قتلتهم دي عايزة تحل الخلاف ده من غير دم وعندهم بنت المفروض انك تتجوزيها وفي نفس الوقت هتتجوزي واحدة تانية المفروض بقى تعملي ايه كـ عمّار؟
صمتت قليلاً تحدق به وهي تحرك أهدابها بتعجب ثم انفجرت ضاحكة دون توقف..
زفر وقال بامتعاض: أنا مش بهزر بتضحكي علي ايه؟
هزت رأسها وما زالت تضحك لسببٍ لا يعرفه، استند بجذعه على الحائط وعقد يديه أمام صدره وظل يراقبها بسخط منتظراً أن تنتهي، لكن في تلك الدقائق القليلة لن يغفل عن ابتسامتها الرقيقة وصوتها الرنان الخافت فهي رقيقة بشكل لا يوصف! تلك الخصلات المجعدة التي لا يفهم كيف تحولت من تلك النعومة إلى هذا التجعيد فجأة إضافة إلى لونه الأسود الباهت قليلاً تحيره بشدّة!
إستفاق على فرقعة أصابها أمام وجهه وهي تسخر: مالك بس من امبارح مش على بعضك يا جوز بنتي!
قهقهة بخفة ثم سألها وهو يرفع حاجبيه: جوز بنتي! خلاص نولت الرضي؟
ابتسمت وقالت بهدوء وهي تضم طرفي قميصة من الأعلى: لازم تنول الرضى بعد اللي قولته ده طبعاً عشان زي ماتقول كده عرفت هخلص منك ازاي..
ضحك وهو يهز رأسه ثم قال بحزن مصطنع: كنت عارف إنك هتعملي كده..
أومأت مؤكدة وهي ترفع حاجبيها ثم قالت بتسلية وهو تسير في أنحاء الشرفة: أنا هقولك هعمل ايه كـ عمّار، هز رأسه موافقاً وكله آذانٍ صاغية لها..
تحدثت بهدوء وهي تفكر: أول حاجة طبعاً هتجوزها عشان ده إجباري مش إختياري ده قرار عائلي وكده وبعدين طبعاً هخلي حياتها جحيم بمعني، مثلا هخليها خدامة وهدي أجازة جماعية لكل الشغالين اللي عندي وبعدين هفضل اهنها في الرايحة والجاية مثلا اتريق على عليتها عليها هي لكن مش هتوصل اني أشتمها متهيألي انت متعملش كده!، ثم ضحكت بسخرية وتابعت: هجرح أنوثتها في الرايحة والجاية إنتِ مش حلوه مالكيش لازمة متساويش في سوق الحريم تعريفة مع العلم إنك قبلها بدقايق كنت مغتصبها خمس سِت سبع عشرين مرة كده..
ضحك بتسلية وهو ينظر لها ثم سألها بجدية: هي دي فكرتك عني؟ مين قالك اني مش بشتم؟ انا ملاك كده بقي!
هزت كتفيها وقالت باستياء: كنت فاكرة إن فيك حاجة حلوة!
إبتسم بعبث ومال برأسه إلى الجانب وهتف بمكر: الحلو مبيخرجش غير للحلو بس وإنتِ لسه موصلتيش للمرحلة دي..
ضحكت بسخرية وتقدمت منه ثم هتفت بسخط بيّن ومازالت تبتسم باستفزاز: أنا لو وصلت للمرحلة دي معناها إني بقيت نكرة زيك بالظبط..
ضحك بسخرية ورفع رأسه ينظر إلى السماء وهو يُمرر لسانه على شفتيه لأنهُ يرغب بصفعها الآن..
وقبل أن يتحدث سألته هي ببرود: وبنتي يا عمّار؟
سألها بهدوء وهو يهز كتفيه: مالها؟
ابتسمت بعصبية وسألته من بين أسنانها: لما إنت تتجوز بنتي هتبقي ظروفها ايه؟
حرك شفتيه ليتحدث لكنها رفعت يدها أمام وجهه أوقفته وقالت ببرود: مش هقبل تكون زوجة اولى ولا ثانية إنت فاهم؟ ولو فاكر عشان هي عبيطة وهبلة تعرف تقنعها وتحايلها بإنها هتبقي الاولي و الثانية خدامة ليها تبقى غلطان! ومتهيألي كفاية بقى كده ونمشي شكراً لحسن استضافتكم لينا وخلاص بقي كفاية..
هز رأسه بسخرية وسألها بضيق: ونادين رأيها ايه؟ ليه بتكرري عنها و فاكرة إنك صح يعني؟
ردت بصوت مرتفع حاد: أنا أمها وأي حاجة هقولها هتبقي في مصلحتها فاهم ولا لأ؟
زمجر بغضب وهتف بخشونة وصوت مرتفع أخافها: لأ مش فاهم عشان إنتِ أنانية ومش بتفكري غير في نفسك وبس بدليل إنك مستعدة توافقي على أي كلب معدي عشان يتجوزها ومش موافقة بيا أنا ليه؟ عشان بتكرهي الصعايدة ليه؟ عشان ليكِ ذكري زي الزفت معاهم يبقي دي أنانية ولا مش أنانية؟
صرخت به بحدة شديدة وهي تلكز صدره بسباتها: لأ مش أنانية عشان مش انت الراجل اللي هيحافظ عليها ليه؟ عشان كلكم هنا شبه بعض بدليل الوشم اللي إنت عاملة بإسم ندى ومسمي الحصان بتاعك ندى وجي تتجوز نادين والمفروض إني ادهالك بسهولة عشان لاقياها في الشارع أنا مش كده؟ خليك صريح كده واحلف انك بتحبها، إحلفلي كده وقولي بحب نادين ومش بحب واحده ثانية..
صفع يدها بقسوة كانت كـ صفعة مؤلمه وهتف ببرود: دي حاجة متخصكيش وبمزاجك او غصب عنك هتجوزها..
نظرت له بمقتٍ شديد ثم سألته بعصبية: طيب ايه اللي عاجبك فيها؟ مش هكذب وهقولك إن مفيش واحدة ممكن تبصلك عشان إنت مش وحش ولما تيجي تتجوز مش هتختار نادين وإنت عارف و فاهم قصدي ايه؟
إبتسم وهو يمرر يده على ذقنه ثم سألها باستفهام: يعني انتِ دلوقتي بتقوليلي إن بنتك مش حلوه كفاية عشان تملي عيني..
احتقن وجهها بحمرة غاضبة ثم قالت بحدة: لا بتكلم على أساس إنها مش من الزبالة اللي إنت عرفتهم عشان إنت مش بيملى عينك غير الزباله..
إبتسم وهو يهز رأسه ثم قال مؤكداً وهو ينظر داخل عسليتيها مباشرةً: عندك حق فعلاً، بس أنا معرفتش في حياتي غير واحدة بس زبالة إسمها ندي الطحاوي..
ارتجف قلبها وزال هذا الثبات مع أهتزاز مقلتيها وحركة أهدابها البطيئة المشدوهة وهي تنظر له بوجه شاحب، ليتابع بصوت أشبه بفحيح الأفعى بانفعال ظهر على خضراوية المشوبة بحُمرة يتحداها: دي حُب حياتي، لأ مش حب حياتي بس أنا بعشقها عارفة يعني ايه بعشقها وعلى أد مابعشقها بكرهها عشان بعشقها! هعذبها وهضربها وهعيشها في جحيم زي ما قولتيلي بالظبط وزيادة عليه كمان بس هفضل أحبها برده هعمل فيها العِبر بس هفضل أحبها، انه مريض!.
هزت رأسها بتفهم وهي تبتسم بِـ بهوت مع إنتهاء حديثة وهو يتنفس بانفعال ثم انفجرت ضاحكة بهستيريا وهي تبعد إلى الخلف كأنه ألقي على مسامعها نكته هزلية الآن..
حدق بها بتعجب وهو يضرب كفيه معاً يراقبها كيف تضحك تلك المريضة بتقطع دون توقف حتى ذرفت العبرات من كثرة الضحك..
توقفت عن الضحك بصوت مرتفع وهي تضع يدها على قلبها النابض بقوة وما زالت تضحك بخفوت..
تقدمت منه بخطوات مترنحة ثم صافحته بحرارة وهي تضع يدها الأخري فوق يده وهتفت بسعادة: مبروك يا عمّار بالتوفيق مع ندى ومتنساش لما تخلف بنوتة صغيرة تسميها ليلى، ها؟، ثم رفعت يدها وداعبت وجنته الباردة بأناملها بنعومة جعلته يقطب حاجبيه متعجباً وهو ينظر ليدها بطرف عينه ليزداد تعجبة وهو يجدها تتحسس ذقنه وهي تقول بابتسامة رقيقة: بالتوفيق مع ندى، ثم انفجرت ضاحكة من جديد جعلته يطبق جفنيه بنفاذ صبر ثم أبعد يدها عن وجهه ودفعها إلى الخلف..
تابعت ضحكها وهتفت بسخرية وهي تتشبث بـ سور الشرفة كي لا تسقط من قوة الدفعة: براحة يا عمّار لازم تتعلم الرقة شوية عشان ندى حُب عمرك..
لعنها بغضب وسبها سباب لاذع ليجدها تمط ذراعيها وهي تتثاءب بنعومة ثم قالت بابتسامة سعيدة: أروح بقي أجهز حاجتي أنا ونادين عشان نمشى، ثم دلفت داخل غرفتها وهي تضحك من جديد..
هتف بسخط وهو ينظر داخل غرفتها: يلا يا مجنونة..
إنهارت وسقطت أرضاً بضعف خلف باب الشرفة ومن ثم انفجرت في نوبة بكاء حادة وهي تضع يدها على قلبها الذي سيقتلع من مكانه من شدّة ضرباته العنيفة، سوف تموت إن ظلت على هذا المنوال وسط كل تلك الصدمات، ماذا يحدث بحق الجحيم؟ ماذا يحدث..
دلفت حُسنة إلى الغرفة وهي تبتسم لـ تختفي ابتسامتها عندما وجدت ليلى تجلس أرضاً تضم نفسها وهي تبكِ بحرقة، هرولت لها بقلق، جلست أمامها وعانقتها بحنان وربتت على شعرها وهي تسألها بقلق: بتبكي ليه يا حبيبتي بتبكي ليه؟ مين زعلِك إهنِه؟.
هزت رأسها بنفي وهي تشهق ثم قالت بخفوت: مفيش، مفيش..
قبلت حُسنة رأسها بحنان وقالت باستياء: بجي تبكي إكدِه في يوم زين زي دِيه بردك؟
محت عبراتها بظهر يديها وهي تستنشق ما بأنفها وسألتها بخفوت: ليه هو في ايه النهارده؟
اتسعت ابتسامة حُسنة وقالت بسعادة: نادين جاعدة تحت بتنجي الشبكة ويا دهب يلا البسي وإنزلي نجي معاهم..
سألتها باستفهام: هي نادين صحيت بدري كده؟
أومأت حُسنة بتعجب وقالت مؤكدة: واه لازم تصحي تنجي شبكتها!، أومأت ليلى وهي تبتسم ثم قالت بهدوء: حاضر هنزل أهو..
اقترحت عليها حُسنة وهي تساعدها في الوقوف بابتسامة: أني اللي هساعدك النهاردِة تلبسي كيف ما بتلبس أم العروسية عندينا، أومأت ليلى موافقة وهي تبتسم لها بود ثم ذهبت معها..
هتف بانفعال وعدم رضي مقاطعاً قول والده: مش موافج طبعاً مش موافج، ماتجول حاجة يا عمي ده حج ولادك وااااه! لو معملتش حاجة أنا اللي هغفلجها على الكل!
ضرب متولي عصاه أرضاً بعدم رضى هادراً بحدة خشنة محذرة: لما أكون بتحددت يا عمّار تُحط بُلغة جديمة في خشمك وتنكتم..
صمت ونظر له بوجوم وهو يهز قدمية بتوتر واضعاً يده على فمه، ليتابع حديثه بنبرة آمرة: عتتجوزها يا عمّار كيف ما تكون واللي إنت بتخطِتله مع دهب مش عيحصل عاد عشان البنتِه حِبله من طليجها..
توقفت قدميه عن الإهتزاز وصمت قليلاً ثم إنفجر ضاحكاً ولا يعلم أمن ذهولة أم سخرية القدر أم أن عدوه ليلى أصابته؟
ربت عمه على كتفه وقال مواسياً: لايمها يا ولدي ووافج كفاية علينا وجودك جارينا..
إنقبضت عضلات صدره بغضب مع انفعاله وهتف بتحذير وأعين جاحظة من الغضب برز أثرها ذلك العِرق النافر في جبهته: وربي كيف ما تكون ان شاء الله تكون جايِة بتخلِص مش عتسلم من يدى إن شاء الله تسجط حتى!، ثم سأله بعصبية: وايه اللي يجيبها وهي حِبله؟ جاية تغير جو عشان المحروق اللي شايلاه ولِّيه؟ عجطع خبرها لو نضرتها يا بوي..
زفز متولى بحدة وهتف بغضب ونفاذ صبر وهو يسند راحة يديه فوق العصى: وبعدهالك عاد يا ولدي هجوم أدهملك أجوازاً وأفرادً دلوك وعتعمل اللي عجولك عليه بردك!.
ضرب عمّار كفية معاً وهتف بعصبية وجنون: إنت إكدِه عتخليني كيف اللي واخد مِغرز في جنبه ومش جادر يجول أي!
وقف والده بغضب ورفع عصاه وضرب صدره بقوة قاصداً جهه قلبه بتلك الضبه السوداء في مؤخرة العصي يقصد بها الوشم وهو يتحدث بتهكم وقسوة: ومالك محموج إكدِه ليه عشان مش حِبله منيك ولِّيه! ولا تكونش فاكر إني معرفش مين المحروجة اللي نجشلي إسمها على صدرك، ثم زادت يديه قسوة وهو يدفعها أكثر يريد إدخالها داخل قلبه وتابع: مش ديّ اللي إتكفيت على خلجتك كيف برميل الطُرشي عشانها؟ وجايني رمح تعيط كيف النسوان وتجول حُب ومخبرش ايه صوح؟
لم يرد عليه ولم ينظر له بل ظل يقبض على يد المقعد الخشبي بقوة حتى أبيضت عروقة متحملاً الألم دون أن ينبس ببنت شفة كما إعتاد دوماً أن يفعل، لـ يبتسم والده وهو يزيد ضغطه أكثر بقسوة كأن من يجلس أمامه ليس بشراً ويشعر مثله، وتابع: مالك إتخرست يعني؟ حديتي مش لادِدْ عليك إياك؟ الحجات ديّ محتاجة العجل مش تصرفاتك الهوجة ديّ فهمت يا وَلدي؟
رفع عمّار رأسه وهتف بطاعة وهو ينظر داخل عينا والده التي تسبح في القسوة: إللي تؤمر بيه يا بوي..
ابتسم برضى وأنزل عصاه ثم قال بهدوء وهو يبتسم: جهز نفسك النهاردِه بعد الضهر في مشكلة عتحلها وعشيِه كُبّرات البلد جايين عشان يفرحوا معاك بـ شبكتك وبعدين خليل عياجي مع بِتُه، نظر له عمّار بدون تعبير ثم هتف بهدوء شاعراً بقلبه الذي ينبض بالألم: حاجة تانية..
هز رأسه نفياً وهو يجلس على المقعد ثم هتف بقسوة: لع إجلب دلوك، أومأ بهدوء وترك الغرفة وغادر..
نظر والده في أثره بهدوء حتى غادر، تنهد ونظر أمامه ليجد شقيقة ينظر له بعتاب ثم قال بلوم: كفياك جسوة عاد ياخوي وهمله شويّ!
هتف متولى ببرود وهو يأشر على الباب بعصاه باعتبار أن عمّار مرّ من هُنا: الجسوة ديّ هي اللي خلِتُه الراجل اللي إنت شايفه دلوك وفرحان بيه..
أعاد عبد الغفور بحزن: راجل من غير جلب كيف أبوه..
هز رأسه بعدم اهتمام وهتف باستفهام: عيعمل ايه بجلبه يعني؟ مش هيوكله عيش يا خوي بس هيضعفة عشان إكدِه شيعت لـ بت الفاجر ديّ عشان يشوف المسخرة اللي هيبجي فيها إياك بس ميبجاش شوربه خورج ويعاود لِـ عجلة ويعرف انه عيخسر كَتير لو فضل يحبها، ثم ضرب عصاه أرضاً وهتف بجدية دون مزاح: أنا وَلدي محدش عيشاركني فيه عاد ولا ههمله لـ حُرمة واصل!.