رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة الفصل الخامس
كانت ضحى تنام بجوار صغيرها فى حجرته، عندما فتح الباب بهدوء، ليدلف شهاب الى الحجرة، اقترب منهم بخطوات بطيئة، لتشير له ضحى بالصمت فأخيرا قد نام صغيرها لينظر اليه شهاب بحنان وهو يميل عليه يقبله بخفة فى جبينه ثم يعتدل مشيرا لضحى بموافاته بالخارج، لتومئ برأسها موافقة..،
غادر شهاب فمالت ضحى تقبل تيم فى جبينه بحنان ثم تغادر بهدوء وهى تذهب خلف زوجها لتدلف الى حجرتهم تبتسم وهى تراه ينزع ربطة عنقه ويفك أزرار قميصه رفع رأسه اليها فور شعوره بدلوفها الحجرة ليقول بسرعة:
ضحى، معلش جهزى نفسك بسرعة عشان عندنا عشا عمل مهم، جه فجأة ولازم تيجى معايا..
نظرت اليه قائلة برفض قاطع:
مش هينفع آجى معاك ياشهاب، انت عارف تيم تعبان ومش هقدر اخرج وأسيبه لوحده
عقد حاجبيه وهو يتوقف عن حل أزرار قميصه قائلا فى حدة:
يعنى ايه مش هتقدرى تيجى معايا عشان تيم تعبان ياضحى، اللى أعرفه ان تيم بقى أحسن وحرارته نزلت انبارح ومفيش حاجة ممكن تقلقنا عليه، وبعدين احنا مش هنسيبه لوحده، الدادة اللى احنا جايبينهالوا واللى معملتش أى حاجة من يوم ما جيبنهالوا، فى الأوضة اللى جنبه، وممكن تقعد معاه وتخلى بالها منه..
قالت بضيق:
لأ ياشهاب مش هبقى مرتاحة وانا سايباه لوحده مع الدادة، روح انت وسيبنى قاعدة معاه، بلاش أنا المرة دى، مش لازم يعنى
اقترب منها وقد تجمدت ملامحه تماما ليقف أمامها مباشرة وهو يميل لينظر إلى عينيها مباشرة بنظرة جليدية غاضبة قائلا:
بقولك عشا عمل مهم ولازم تكونى موجودة معايا، تقوليلى مش لازم؟
تراجعت خطوة الى الوراء بتوتر قائلة:
فيها ايه بس ياحبيبى، انت مكبر الموضوع ليه؟
رفع حاجبه الأيسر قائلا بسخرية:
مكبر الموضوع ليه؟
لتعلو نبرات صوته وهو يقول بغضب:
لأ ياضحى على فكرة انا لسة مكبرتش المواضيع، بس عيونى، أكبرهم وحالا لإنى بجد اتخنقت، اتخنقت من انى دايما نمرة اتنين فى حياتك، اتخنقت من اهمالك لية و اهتمامك بابنك وبيتك وحتى صاحباتك، الكل ياضحى، بتهتمى بالكل إلا انا
نظرت اليه بصدمة من ثورته الغاضبة، وترقرقت الدموع بعينيها، كادت أن تقول شيئا ربما تدافع به عن نفسها، ليصمتها وهو يضع اصبعه أمام فمه، اشارة لها بالصمت، قائلا بنبرات تشتعل من الغضب ويملؤها الصرامة:
انهاردة بقى، انا اللى هتكلم وانتى بس هتسمعى، انا صبرت عليكى كتير، كل يوم بصبر نفسى واقول هتعقلى وتاخدى بالك انك مقصرة من ناحيتى، كل يوم أقول هترجع ضحى مراتى اللى أنا حبيتها، ده انا قلتلك أد ايه اهملتينى واهملتى نفسك، قلتهالك صريحة ياضحى جايز تفوقى..،
لكن انتى لا فقتى ولا رجعتى ضحى بتاعة زمان، ولإنى خلاص حاسس انى مش فارق معاكى، فمن النهاردة، كل واحد فينا هيبقى لوحده، وفى حاله، وياريت ارجع بالليل ألاقى حاجتى منقولة الأوضة التانية، لإننا خلاص انتهينا ياضحى
اندفعت الدموع من عينيها لتقول برجاء وهى تمسك ذراعه:
شهاب اسمعنى، أنا،،،
قاطعها وهو ينزع يدها من فوق ذراعه، قائلا ببرود:
انا خلاص أخدت قرارى ومش هرجع فيه ياضحى، عن اذنك
ثم ابتعد عنها وهو يأخذ ملابسه تاركا اياها ليدلف الى الحمام ويغلق الباب خلفه بهدوء، انهارت قدميها ولم تعد تقوى على احتمالها لتجلس على السرير وهى تضع يدها على قلبها الذى تشعر فيه بوجع هائل، تتساءل بصدمة عن سر تلك الثورة التى قام بها شهاب، ماذا فعلت لكى تستحق منه ذلك القرار بالهجران، هل أهملته قليلا؟هل هذا سببا كافيا لكلماته القاسية لها؟ربما أخطأت، ولكن أكان يجب أن يكون عقابها بكل تلك القسوة؟
أدركت الآن ودموعها تنهمر بشدة أن زوجها شهاب قد تغير، فحبيبها لم يكن ليقسو عليها هكذا، لم يكن قادرا على ذبحها بتلك الطريقة، ليجادلها قلبها قائلا:
أتضحكين على نفسك؟، او لم تتغيرى بدورك، فتلك ليست ضحى التى أحبها وتزوجها، أولم تبتعدى عنه كما قال، تهتمين بالجميع ما عداه، تعتمدين على عشقه كى يسامحك على كل اخطائك، حتى عندما طب منكى طلب بسيط كاصطحابك معه الى عشاء عمل هام، رفضتى بكل بساطة، غير مراعية لمشاعره واحتياجه اليكى، ضاربة بعرض الحائط كل تنبيهاته لكى بأنك تهمليه، ألم تفعلى؟
خرج شهاب من الحمام دون أن يلقى عليها نظرة، ليقف أمام المرآه يعدل من هندامه بينما ضحى فى عالم آخر، ترفض كل ما يحدث غافلة عن نظرة سريعة ألقاها اليها شهاب عبر المرآه ليلاحظ دموعها التى أغرقت وجهها ويشعر بالوجع فى صدره، ود لو التفت اليها ليقترب منها ويمسح دموعها بشفتيه مبديا ندمه على تفوهه بتلك الكلمات القاسية و جرحها بهذا الشكل..،
ليصرخ به عقله ناهيا اياه عن فعل ذلك فهى من بدأت بالخطأ وهى من عليها تحمل العواقب، ليلتفت مغادرا الحجرة وهو يخشى ضعفه واستسلامه لقلبه، أغلق الباب خلفه بهدوء لتنهار ضحى كلية وتتصاعد شهقاتها الباكية لا تصدق أنها النهاية بينهما، بينما وقف شهاب على الجهة الأخرى يضع جبهته على الباب، يغمض عينيه بألم وهو يستمع لشهقاتها، يقبض على يده بقوة، ليفتح عينيه، ويظهر بهما ألمه ووجع قلبه، ليلتفت مغادر المنزل بأكمله بخطوات سريعة وكأن شياطين الدنيا تلاحقه
خلاص بقى يابدور ميبقاش قلبك اسود، أنا اعتذرتلك مليون مرة
قال نزار تلك العبارة برجاء وهو يجلس بجوارها على تلك الأريكة الموجودة بحجرتهن والتى تنام عليها منذ رجوعه من السفر، رافضة اقتراح زين بأن يذهب لينام بحجرة أخرى فيعرف الخدم وينقلون أخبارهما لعمها وزوجته، فكفاهم جفاء نزار تجاههم ولا حاجة لهم ليدركوا عذابها مع ولدهما..،
فتلك خيبة أمل أخرى يضيفها نزار إليهم، ظلت صامتة تنظر امامها فى جمود، اقترب نزار منها وهو يمد يده برقة يلمس ذقنها ويلفها ناحيته قائلا:
وحياة أغلى ما عندك، وحياة حبنا، لو لسة فى قلبك ذكرى حلوة ما بينا، سامحينى
نظرت اليه نظرة عتاب طويلة لتترقرق الدموع بعينيه وهو يمسك يديها الصغيرة بيديه الكبيرتين مستطردا:
علشان خاطرى بلاش النظرة دى، أنا عارف انى غلط وغلطتى كبيرة كمان، بس أنا طمعان فى قلبك الطيب يسامحنى وأوعدك مكررهاش تانى
قالت بدور بحزن:
ياما وعدتنى وخلفت وعدك، يانزار افهمنى، انت لازم تبطل شرب، لما بتشرب بتبقى واحد تانى، مبتبقاش نزار اللى أنا حبيته ووقفت قصاد الكل عشان أتجوزه، بتبقى واحد قربت خلاص أكرهه من عمايله فية..
وضع اصبعه على شفتيها قائلا برجاء:
وحياتى عندك بلاش تقوليها حتى لو حسيتيها، بتوجعنى أوى يابدور
مدت يدها لترفع اصبعه عن شفتيها قائلة فى رجاء:
طيب بطل شرب وأنا كمان مش هقولها ولا هحسها، يانزار لو مش عشان خاطرى يبقى عشان خاطر البيبى اللى جاى..
نظر الى عينيها بصدمة لا يصدق ما تسمعه أذناه، لينظر الى بطنها ثم يعود بنظراته اليها قائلا بسعادة:
انتى بتتكلمى بجد يابدور، انتى حامل؟
أومأت برأسها فى إيجاب، لم تدرى لماذا لم تستطع أن تشعر بالسعادة وهى تنقل له ذلك الخبر، احتضنها نزار بقوة وهو يضمها اليه يكاد يعتصرها بين ذراعيه، قائلا بفرحة طاغية:
فرحتينى أوى يابدور، ياأحلى بدور..
ليبتعد عنها وهو يضع وجهها بين يديه قائلا فى حزم:
من النهاردة مفيش شرب، وده وعدى ليكى ياحبيبتى، خلاص مش هشرب تانى ولا هلمس الخمرة، وده عشان طفلنا وعشانك يابدورى، انتى متعرفيش أنا بحبك أد ايه
قالت بدور بأمل وفرحة مترددة بين جنبات صدرها تخشى التصديق:
بجد يانزار، خد بالك ده وعد، ومش هينفع ولا هرضى المرة دى تخلفه، لو شربت تانى هتخلص حكايتنا يانزار، صدقنى..
ابتسم وهو يقترب منها هامسا أمام شفتيها:
خلاص ياقلب نزار، ده آخر وعد، وحياة ابننا اللى جاى ما هقرب للخمرة تانى
ليميل على شفتيها مقبلا اياها بشوق ولهفة، لتبادله قبلته وهى تخمد تلك الظنون التى تملأ قلبها وتشعر أن هناك أمل فى تلك الحياة البائسة التى كانت تعيشها، وذلك الأمل جاء على بشارة حملها لتشعر بأن ذلك الطفل القادم هو فرحتها التى انتظرتها طويلا، طويلا جدا
كان سليم يجلس مع زين فى الحديقة يحكى له كل ما حدث أثناء غيابه وعودة نور الى حياته مرة اخرى، ليقول زين بعصبية:
تانى ياسليم، هنرجع لوجع القلب تانى؟
قال سليم بضيق:
أنا مش بحكيلك علشان تلومنى يازين
قال زين بحدة:
أمال بتحكيلى ليه ياسليم؟، عشان أشجعك وأقولك برافو، انت اتصرفت صح، لأ، آسف ياصاحبى، مش من طبعى الكدب، ولا أنا راضى عن اللى بيحصل، اللى انت عملته غلط مية فى المية، اللى اسمها نور دى أنا عارفها وعارف صنفها كويس ولما شفتها يوم الخطوبة..،
حذرتك بعدها منها، بس انت مسمعتش كلامى، اللى زيها مش لازم تقربها منك ولا تآمنلها، البنات اللى هى شبههم مغرورين ومتكبرين والخيانة فى دمهم، وانت بنفسك جربت خيانتها ليك لما اتخلت عنك فى عز أزمتك، يبقى ليه تعيش التجربة من تانى وانت عارف نهايتها، احنا ما صدقنا انك بدأت تفوق من صدمتك فيها
زفر سليم بقوة قائلا:
افهمنى يازين، انا مش بقول انى حنيتلها، انا بس بديها فرصة تثبت كل الكلام اللى قالتهولى عن ندمها، ولو فعلا ندمانة، ...
قاطعه زين قائلا بنفاذ صبر:
ها، قولى لو فعلا ندمانة هتعمل ايه ياسليم؟
تنهد سليم فى حيرة قائلا:
مش عارف والله يازين، المشكلة ان أنا نفسى بقيت فى حيرة من مشاعرى، انت عارف كويس انى كنت معجب بيها اوى لما كنت بكلمها على الفيس، وأد ايه خطفتنى برقتها وكلامها و صفاتها اللى تقريبا كنت راسمها لشريكة حياتى، حسيت انها الإنسانة اللى بدور عليها، ولما خطبتها قلتلك بنفسى انها مش نفس البنت اللى كنت بكلمها، ورغم تحذيرك لية بس كان فيها حاجة بتشدنى، شقاوتها يمكن أو أنوثتها اللى عرفت تلعب بيها على أوتار قلبى، وقلت جايز دى حتة فيها مكنتش باينة فى كلامنا وأهى بتكمل صورتها..،
لغاية لما حصلتلى الحادثة واتخلت عنى بكل برود وقسوة قلب، قعدت سنة كاملة أقوى قلبى وأفوقه من صدمته فيها، وأتخيل اليوم اللى هشوفها فيه من تانى وأنتقم منها على اللى عملته معايا، بس لما رجعت وقعدت معايا الفترة اللى فاتت دى، حسيتها واحدة تانية خالص غير نور اللى خطبتها، تعرف حسيت برقتها، باهتمامها، بخوفها علية، عيشتها خدامة فى بيتى، هنتها وجرحتها، واستحملت، بدأت أصدق ندمها وحبها لية، مبقتش عارف أفكر، ولا اتصرف معاها ازاى، عايش فى حيرة وقلبى قايد نار يازين، عشان كدة كلمتك ترجع، يمكن يكون عندك حل للى أنا فيه..
هز زين رأسه بحيرة قائلا:
والله ياصاحبى ما عارف أقولك إيه، كل الموضوع انى خايف عليك، وشاكك ان نور راجعة وطمعانة فيك، خايف عليك من الوجع لو رجعت تحنلها وتكتشف ان كل هدفها فلوسك ياسليم
قال سليم بحسرة:
تفتكر مفكرتش فى كل الكلام ده، أنا تفكيرى مبينيمنيش طول الليل، بس مش قادر أمنع نفسى إنى أحب قربها منى، برتاح أوى فى الكلام معاها، حتى لو كان اللى بينا أوامر وكلام فارغ بس صوتها بيريحنى أوى يازين، نبرته هادية وزى،، .
قطع كلماته وهو يشعر باقتراب خطواتها، تتسلل اليه رائحة عطرها الهادئ والذى يريحه بل انه يشعر أنه أصبح يدمنه كادمانه إياها، ليقول بصوت هادئ لا يعكس ثوران مشاعره:
تعالى يانور حطى العصير وقولى لدادة سعاد تحضرلنا الغدا
التفت زين ليرى تلك الحية التى يمقتها، لتتلاقا عينيه بعينى نوران، لينهض واقفا وتتسع عينيه بصدمة، لتدرك نوران ان هذا الشخص هو زين صديق سليم الذى لطالما وصفه لها وتعرفت عليه من كلماته عنه، وتدرك أيضا انه يعرف نور وأنه أدرك أنها ليست هى، لتقع الصينية من يدها محدثة دويا هائلا لينتفض سليم واقفا بدوره وهو يقول بقلق:
خير ياجماعة، فيه ايه، انتى كويسة يانور؟
نظرت نوران فى تلك اللحظة الى عينى زين الغاضبتين، لتدرك أن بقاءها الى جوار سليم أصبح مستحيلا، وأن خطتها على وشك ان تفشل، وقد باتت على قاب قوسين او أدنى من افتضاح أمرها..