رواية حب أعمى للكاتبة شاهندة الفصل الخامس عشر
دلفت ضحى خلف شهاب الى حجرتهم قائلة فى توتر:
ياشهاب اسمعنى، سليم بقى جوز نوران، يعنى،
التفت اليها قائلا بغضب:
يعنى ايه سليم بقى جوز نوران،، ها، فهمينى، بقى أخوكى مثلا، أبوكى، طب حتى لو بقى كل دول، أنا بغير عليكى من ابنك مش هغير عليكى من سليم ياضحى
أحست بقلبها يفيض حبا لذلك الرجل، شهاب، ذلك الزوج الذى تعشق حبه لها وغيرته عليها، والتى تجعله كشعلة نار لا تهدئها سوى لمستها، لتتقدم منه وهى تلمس ذراعه بعشق ناظرة الى عينيه وهى تقول برقة:
خلاص ياسيدى، حقك علية، أنا آسفة
أحست بملامحه تلين قليلا، لينظر اليها بنظرة عتاب طويلة، اقتربت أكثر حتى أنه شعر بأنفاسها الساخنة على وجهه تلفحه بنارها وهى ترفع احدى حاجبيها مستطردة:
خلاص بقى ياشيبو، ميبقاش قلبك اسود، وحياتك عندى ماهزعلك تانى وهاخد بالى من كلامى معاه..
رفع احدى حاجبيه لتسرع قائلة:
مش هتكلم معاه خالص لو ده يرضيك، أنا مش عايزاك تزعل منى تانى، .انت أهم واحد فى الكون ده كله بالنسبة لى، ورضاك عندى بالدنيا ياشيبو
استسلم لكلماتها ورقتها وعشقها ليأخذها بين ذراعه معتصرا اياها بقوة وهو يقول:
أنا بحبك، بعشقك، بموت فيكى ياضحى، أنا عارف ان غيرتى صعبة وممكن تخنقك بس غصب عنى أنا لو واحد بس بصلك او جاب اسمك على لسانه بحس انى بموت.
خرجت من حضنه دون أن تخرج من محيط ذراعيه قائلة بلهفة:
بعد الشر عنك ياحبيبى، متجيبش سيرة الموت ياشهاب
تأمل ملامحها الفاتنة بقلب ينبض عشقا ليرفع يديه و يضم وجهها بينهما قائلا فى حنان:
ياه ياضحى على حبك ورقتك وحنانك، أنا كنت أغبى راجل فى الدنيا لما كنت هضيعك منى، ولغاية دلوقتى مش مصدق انك بين ايدية من تانى وانك بجد سامحتينى، ...
وضعت يدها على فمه تمنعه من مواصلة كلماته قائلة فى حنان:
احنا قلنا اللى فات مات، واحنا ولاد انهاردة
لترفع يدها عن فمه ولكن ليس تماما بل فقط كى تمرر أصابعها على شفتيه قائلة بعشق:
مش كفاية بقى كلام..
ابتسم فى سعادة وهو يرى رغبتها بعشقه كما هى رغبته تماما ليهبط بشفتيه مقبلا شفتيها وملبيا كل رغباتها ليغوصا فى بحر العشق يغوصون فى أمواجه الثائرة، مرحبين بثورته
وقف نزار مع ممدوح عند الصائغ ليختار نزار هدية لبدور يصالحها بها، أصابه التردد كثيرا ليقول ممدوح بملل:
ما تختار بقى أى حاجة يانزار، أهو أى خاتم وخلاص هيظبط الدنيا.
قال نزار دون ان ينظر إليه وعينيه تتنقلان بين خاتمين يحاول أن يختار بينهما:
استنى بس ياممدوح، انت مش فاهم حاجة، بدور مش أى حاجة بتعجبها، بدور بتحب تختار أرق حاجة فى أى حاجة تخصها يعنى لازم الخاتم يكون رقيق ومميز زيها بالظبط
لتستقر نظراته على ذلك الخاتم الذى لفت انتباهه أول مرة، وهو خاتم على شكل فراشة صغيرة بفصوص ماسية يليق حقا بيدها الرقيقة، مشيرا الى الصائغ بأن هذا هو الخاتم المنشود، غافلا عن ذلك الذى ابتسم بسخرية وهو يستمع الى كلماته، يدرك أن محاولات نزار لمصالحة بدور ستبوء بالفشل الذريع، وأنه فى سبيله إلى خسارتها للأبد، اختفت ابتسامته على الفور حينما التفت اليه نزار وهو يبتسم مقربا علبة الخاتم من ممدوح قائلا:
ها، إيه رأيك بقى؟
القى ممدوح نظرة على الخاتم ليقول بابتسامة صفراء:
جميل يانزار بس ياريت يعجبها..
أغلق نزار علبة الخاتم ووضعها فى جيبه وقد اتسعت ابتسامته قائلا:
هيعجبها ياممدوح، وهتسامحنى، وبكرة تشوف..
اومأ ممدوح برأسه ليتجه نزار لدفع الحساب يتبعه ممدوح الذى ابتسم فى سخرية وهو يقول بصوت خفيض:
بكرة نشوف يانزار، بكرة نشوف
استيقظ سليم يفتح عيونه ببطء يشعر بجانب نوران من السرير فارغا، تلمس مكانها فى حيرة فلم يجدها، تحسس ساعته ليدرك أن الوقت مازال مبكرا للغاية، تساءل فى قلق عن مكانها، ترى الى أين ذهبت فى هذا الوقت المبكر؟ هل أخطأ فى شئ، هل آذاها؟ هل ندمت على حبها واستسلامها لرجل أعمى؟
ليغمض عينيه بألم، يشعر بالمراره، يمزقه أن تكون احدى تلك الاحتمالات صحيحة، لقد قضى البارحة أروع ليلة فى حياته كلها، لقد أحس بين ذراعيها بمشاعر لطالما حلم بها، أدرك البارحة أنه يذوب عشقا فى تلك الفتاة التى غمرته بفيض من المشاعر، من الرقة والحنان، وعشق لا ينضب، وكم كان هو أيضا شغوفا بها،
لقد تبادلا مشاعر الحب حتى الساعات الأولى من الصباح لتنام أخيرا بين ذراعيه، ليظل هو يستنشق عطرها الرقيق حتى غفا بدوره ليستيقظ الآن على ذلك الشعور بالفراغ، مرر يده فى شعره بقلق، ليسمع باب الحمام يفتح ويتهادى اليه عبيرها وصوتها الرقيق الخجول وهى تقول:
صباح الخير.
اتسعت عينيها بدهشة حين رأت سليم ينهض بسرعة متجها إليها وآخذا إياها فى حضنه يعتصرها بين ذراعيه بقوة، يتنفس عطرها لتفيق من دهشتها وتضمه بدورها، دون الاهتمام بخجلها لوجودها بين ذراعيه لاترتدى سوى منشفة صغيرة لفتها حول نفسها بعد أن اخذت حماما، مطمئنة لنوم سليم العميق بعد ليلة حافلة، أفاقت على صوته الهامس بأذنها قائلا:
بعد كدة متقوميش من السرير قبل ما أقوم، مفهوم؟
أومأت برأسها دون وعى لا تدرك سبب طلبه الغريب هذا، ولكن هذا هو سليم، حبها الأول والأخير، طلباته أوامر، فليأمر وهى فقط عليها الطاعة، هو حلمها المستحيل والذى صار حقيقة بين يديها، أخرجها سليم من حضنه وهو يلاحظ لأول مرة هيئتها من خلال احساسه بجسدها العارى تحت يديه، ليصعد بيديه على طول ذراعها فى رقة مثيرا القشعريرة فى كيانها كله ومحطما ما تبقى من رغبتها فى النوم بعد هذا الحمام الذى أراح جسدها وأعصابها، ليميل عليها هامسا برقة:
خدتى حمام من غيرى كمان، اممم، أنا شكلى هعاقبك يانوران..
نظرت اليه فى حيرة لا تستطيع استيعاب كلماته من تلك المشاعر التى تثيرها لمساته فى قلبها وجسدها لتقول متلعثمة:
هت، .هتعاقبنى؟
رفع يديه يحيط بها وجهها هامسا أمام شفتيها مباشرة:
تعرفى الزوج لما ييجى يعاقب زوجته، بيعاقبها ازاى؟
ابتلعت ريقها فى صعوبة قائلة فى همس:
ازاى؟
ليلتقط شفتيها مقبل اياهما بشوق، بلهفة، بشغف، مثيرا مشاعرها بلمساته لجسدها العارى تحت يديه لتدرك دون كلمات ماهية ذلك العقاب، لتعشق كل شئ فى سليم، حتى عقابه..
كانت بدور تجلس على سريرها داخل حجرتها، تضم قدميها الى صدرها وهى تلف ذراعيها حول قدميها وتضع ذقنها عليهما، تنظر إلى الأمام فى شرود، لقد ظلت على هذا الوضع منذ البارحة، منذ ان شاهدت ذلك الفيديو لزوجها مع تلك الفتاة، تشعر بالصدمة، بالتحطم، بالانهيار، والضعف، .
لم تأكل أو تشرب شيئا منذ البارحة، لا تشعر بالجوع، لا تشعر بأى شئ، فقط الفراغ والألم، تتساءل فى لوعة، فيم أخطأت، لماذا يحدث معها كل هذا؟
ألأنها أحبت، فقط احبت، أيكون جزاء الحب هو الغدر والخيانة؟، اذا فاللعنة على ذلك الحب، واللعنة عليها ان تمسكت به، شعرت بالباب يفتح بهدوء، رفعت عينيها تنظر الى ذلك الدالف إلى حجرتها، نزار، زوجها الخائن، وقع عينيه عليها ليراها ف تلك الحالة ليترك باقة الورد تقع أرضا وهو يسرع اليها قائلا فى قلق:
بدور حبيبتى مالك؟
نظرت اليه بجمود، وكأنه شخصا غريبا عنها لا تعرفه، ليزداد قلقه وهو يقترب منها ليلمس ذراعها قائلا:
بدور !
انتفضت كمن لسعتها أفعى وهى تقول بشراسة:
ابعد ايديك عنى..
تراجع فى صدمة قائلا:
بدور !
وضعت يدها على اذنها قائلة فى مرارة:
مش عايزة اسمع اسمى على لسانك، مش عايزة أشوفك..
لتنزل يدها ناظرة اليه بكره قائلة:
أنا بكرهك، بكرهك يانزار
أفاق من صدمته على كلماتها التى يدرك أنها تقصدها، فنظرتها تؤكد ذلك، وحروف كلماتها التى تقطر كرها تؤكد ذلك، ليقترب منها ممسكا ذراعها بغضب وهو يقول:
انتى بتقولى ايه يابدور، انتى اتجننتى؟
نفضت يده قائلة فى حدة:
بالعكس أنا عقلت، لأول مرة من يوم ما عرفتك، أشوفك على حقيقتك، أعرف اد ايه كنت عامية فى حبك، صدق من قال الحب أعمى، بس انا فتحت يانزار
ضرب كفا على كف قائلا بغضب:
لأ، ده انتى أكيد اتجننتى، أنا مش عارف بس ايه اللى مخليكى بالشكل ده..
أمسكت هاتفها وفتحته ووجهته إليه وسط حيرته من تصرفاته ليرى ما يحتويه الفيديو وتتسع عينيه بصدمة، ليدرك سبب ثورتها، أغمض عينيه بألم ليفتحهما مجددا على نبرات صوتها التى فقدت الحياة وهى تقول:
طلقنى يانزار
اتسعت عينيه فى صدمة لايصدق ما تسمعه أذناه، ليردد قائلا فى دهشة:
بتقولى ايه؟
تغيرت ملامحها التى فقدت الحياة الى ملامح نافرة يعلوها الاشمئزاز وهى تقول:
بقولك طلقنى يانزار، لإنى بجد قرفت منك
شعر نزار بعروقه تنتفض غضبا ليقول بحدة:
احترمى نفسك يابدور، انتى ازاى تكلمينى كدة، خدى بالك من كلامك بدل ما أوريكى وشى التانى
أطلقت ضحكة ساخرة أصابته بالذهول فتلك أبدا ليست بدور التى احبها وتزوجها، توقفت بدور عن الضحك فجأة لتنظر الى عينيه قائلة بشراسة:
يابجاحتك ياأخى
نهرها قائلا بنفاذ صبر:
بدوووور
قالت بغضب:
بدور خلاص زهقت منك ومن حياتها معاك، أيوة زهقت، ضحيت عشانك بأهلى، استحملت كل حاجة عملتها فية وكل ده عشان فى يوم اتنيلت وحبيتك، لكن توصل للخيانة يبقى أدوس على قلبى بالجزمة، ويبقى خلاص خلصنا لإنك نزلت من نظرى يانزار، بجد نزلت من نظرى
اشتعلت عينيه غضبا وهو يقول فى حدة:
قلتلك يابدور خدى بالك من كلامك وياريت لو تخرسى خالص
صرخت بمرارة:
مش هخرس، أنا خلاص مبقتش طايقاك، بكرهك يانزار، بكرهك
صفعها بقوة قائلا:
قلتلك اخرسى، انتى ايه مبتفهميش؟
لم تصمت وكأنها مغيبة فى عالم آخر ترى كل ذكرياتها المريرة معه، لتقول بلوعة:
ياريتنى ما قابلتك،، ياريتنى ما عرفتك، أنا بكره اليوم اللى شفتك فيه
صفعها مرة أخرى بقسوة وغضب لتدفعها صفعته جانبا بقوة لترتطم بطنها بالطاولة لتصرخ بألم وهى تقع أرضا ليندفع اليها نزار قائلا فى قلق:
بدور، انتى كويسة؟ بدور ردى علية؟
نظرت اليه بوهن ترفع يدها الغارقة بالدماء لينظر الى تلك الدماء بصدمة تسرع نظراته تتفحص جسدها بجزع لتستقر نظراته على تلك البقعة الكبيرة من الدماء والتى تغرق تنورتها لتتسع عينيه بخوف وهو يعود بنظراته إليها يراها تغمض عينيها تستسلم لسواد أحاط بها ليصرخ فى لوعة قائلا:
بدوووور..