رواية جلاب الهوى للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس
بعنوان ( وبدأت الحكاية )
تدثرت جيدا بمئزرها و هى تشعر ان البرد ينخر عظامها بعد تلك الرحلة العجيبة الى ومن البرالاخر حيث بيت مناع .. ابتسمت ابتسامة حالمة و هى تتخيل كل تفصيلة من تفاصيل تلك المغامرة و اندفعت اسفل غطاء السرير الوثير ربما يجلب لها بعض من دفء طاردا ذاك الشعور العجيب بالبرودة الذى يجتاح أعماقها .. احتضنت كوب الزنجبيل الذي أعدته لها الخالة وسيلة ليساعدها على استعادة الدفء لأطرافها و مدت كفها للرواية التي كانت قد قررت مطالعتها الليلة.. فتحت الرواية و بدأت في القراءة..
اندمجت بالاحداث و الشخصيات لحد كبير و بدأ الدفء يتسلل اليها بالفعل مشعرا إياها بالرغبة في النعاس.. كادت ان تغلق الرواية الا ان اسطر جانبية مكتوب بخط يدوي منمق استوقفتها.. حملقت في الأحرف المكتوبة على جانب الصفحة و بدأت فى القراءة هامسة في وجل:-
ياليتنى يوما رأيتكِ
قبل أَن تأتى الحروفُ.
وتعرفُ الأرضُ الحلالَ من الحرامْ
كنتُ انتزعتُ القتلَ من سُننِ الحياةِ
أقمتُ للعشاقِ مملكةً
وقصوراً من وئامْ
وتركتُ عمرى فى يديكِ سحابةً
تَمْضِى وتمطرُ كلما شاءتْ
وتغسلُ كل أدران العداوةِ والخصامْ
شهقت فى تعجب و تساءلت .. هل هو من كتب تلك الابيات على حاشية الكتاب !؟.. هل يحفظ الشعر و يكتبه حقا !؟..
أسرعت تفر صفحات الرواية في لهفة فلابد ان هناك اسطر تستثير به دوافع لكتابة تلك الابيات .. سقطت عيناها على المزيد من الابيات فهمست و دقات قلبها تتضاعف في سعادة عجيبة لا تدرك لها سببا:-
أحبك جدا وأعرف أني تورطت جدا
وأحرقت خلفي جميع المراكب
وأعرف أني سأهزم جدا
برغم الدموع ورغم الجراح و رغم التجارب
وأعرف أني بغابات حبك وحدي أحارب
وانني ككل المجانين حاولت صيد الكواكب..
اخذت من جديد تقلب و تقلب بين ضلفتيّ الرواية لتكتشف ابيات جديدة ما عادت تقرأ الرواية او تهتم لتفاصيلها بقدر ما اصبحت مولعة بالبحث عن اثار عفيف بين جنباتها و كانما قررت ان تقرأه هو و تفض أسراره و دواخله .. ما عادت الرواية تعنيها و لا الاحداث تثير انتباهها بقدر ما اصبح شغفها الاول هو كلمات عفيف المخبأة على حواف الصفحات.. لا تعلم كم ظلت على حالها من الاستطلاع حتى زارها النوم اخيرا و هى تتدثر اشبه بأحد رؤوس الملفوف فقدت شعرت ان البرد بدأ يزحف لأطرافها من جديد و ان النعاس بدأ يجذبها بقوة لعالمه حتى انها لبت الدعوة و هى تحتضن الرواية لصدرها و كانما تحتضن كلماته التي ودت لو كانت لها.. ابتسمت فى وداعة للخاطر و راحت في سبات عميق ..
همهم نديم بإستمتاع و هو يلوك اخر لقمة من طعامه بفمه مستمتعاً لتبتسم ناهد في خجل:- ايه يا باشمهندس .. كل الانبساط دِه عشان شوية عدس .. اومال لو كان المشمر و المحمر كنت عِملت ايه...!؟..
ابتسم نديم وهو يسند ضهره للأريكة خلفه في استرخاء هاتفا:- و ايه يعنى عدس.! نعمة .. و كمان لما يكون معمول بالطعم الجامد ده يبقى اكيد اكبر نعمة ..
وغامت عيناه فجأة بنظرات ملؤها الشجن لتنتبه هي الى تغير مزاجه لتتطلع اليه في قلق الا انه لم يطل حيرتها ليهمس قائلا:- بعد ما ماتت امي الله يرحمها فضي علينا البيت انا و دلال اختي .. كنّا بنشتهي اكلة سخنة لسه نازلة من ع النار معمولة بمحبة بأيد الغالية..
كنّا ممكن نقعد بالأسبوع على اكل بايت أو فول وطعمية ..طبعا الحالة المادية كانت مش ولابد .. معاش ابويا علينا انا ودلال .. هي كانت في تانية طب وانا ثانوية عامة .. دراستها صعبة ومش سايبة لها وقت لأي حاجة جنبها بجانب انها مكلفة و انا بقى بمصاريف دراستي و دروس الثانوية العامة .. لدرجة ان دلال كانت بتفكر جديا تسيب الكلية و تنقل اي كلية اربع سنين عشان توفر .. بس انا رفضت قلت لها لو سبتي الكلية .. انا كمان مش هكمل تعليمي وهنزل اشتغل.. كانت ايّام صعبة .. بس لولاها جنبى معرفش كنت هعديها ازاي..!..
تطلعت ناهد اليه في تعاطف هامسة:- ربنا يخليكم لبعض .. شوجتني أشوفها ..
ابتسم و قد عاد من شجن ذكرياته هاتفا بحماس:- انا متأكد إنكم هتبقوا أصحاب ..
همست دون ان تدرى انه ادرك همهماتها و سمعها بوضوح:- دِه لو ربنا أذن و الوشوش اتجابلت ..
صمت لحظة ثم نهض للحمام ليغسل يديه من اثر الوجبة الدسمة و ما ان عاد حتى وجد ورقة عليها بعض الطلبات الضرورية و فوقها وضعت هى خاتمها الذهبي ..
تصنع عدم الفهم هاتفا وهو يراها قادمة لحمل باقى الاطباق للمطبخ:- هى دي الطلبات .. هبقى انزل اجبها .. بس خدى بالك نسيتي الخاتم بتاعك هنا لحسن يتنطر في اي حتة ويضيع ..
ترددت قليلا وهو يقدم لها خاتمها لكنها لم تمد كفها لأخذه هاتفة:- انا اللى حطيته يا باشمهندس .. دي مساهمة بسيطة مني
فالمصاريف اللى مش عارفين هطول لأمتى ..و لا ..
هتف في ضيق:- متشكر .. لما ابقى اقصر ابقي فكري تساعدي ..
هتفت محاولة الدفاع عن وجهة نظرها:- مش انت جلت اننا ف مركب واحدة .. يبجى كل واحد يجدم اللى يجدر عليه .. و ده اللي ف مجدورتي..
هتف مؤكدا:- اه احنا ف مركب واحدة ..
وابتسم مازحا ومستطردا وقد أيقن حسن نواياها فأشارالى صدره فى تعالى هاتفا:- بس انا القبطان على فكرة .
ابتسمت ولم تعقب و دون ان تع وجدته يمد كفه ليلتقط كفها دافعاً بخاتمها في بنصرها من جديد .. ارتجفت كفها بين كفيه في اضطراب لفعلته .. حتى هو ادرك متأخرا انه قد تجاوز حده المعتاد معها .. فترك كفها وهو يتطلع اليها في حيرة وتعجب ..مما دفعها لتستأذن في عجالة و تندفع لحجرتها تلوذ بها ..
طرقات متتابعة على باب حجرته جعلته ينتفض فزعا يتطلع حوله في تعجب قبل ان يتنبه ويستيقظ بكامل وعيه مندفعا ليفتح الباب على عجالة هاتفا:- ايه في !؟..خبر ايه!؟..
انفرج الباب بقوة عن محيا الخالة وسيلة الملهوف هاتفة في ذعر:- ألحجني يا ولدي .. الداكتورة دلال..
سأل في لوعة:- مالها الداكتورة!؟ خير ..!؟..
لم ينتظر منها جوابا بل اندفع للدرج وما ان خط أولى خطواته هابطا حتى تذكر ان الذهاب لحجرتها من حجرة مكتبه اقرب و أسرع فعاد مسرعا متوجها للمكتب و مندفعا من بابه و الخالة وسيلة في أعقابه تجاهد لتلحق بخطواته المتسعة رعبا و حفيف جلبابه الذى كان يشى باندفاعه الغير معتاد لشخص مثله يمشى دوما واثق الخطوة يعلو مدللا على هرولته المضطربة ..
وصل لعتبة بابها و ما ان هم بالاندفاع للداخل حتى جذبه تعقله ليعود القهقري ينتظر وصول الخالة وسيلة بفارغ صبر ..
أخيرا وصلت لاهثة و دفعت باب الحجرة لينفرج قليلا حتى تدخل ليلمح دلال ممددة على فراشها تتأكلها الحمى .. و يبدو انها تهزى بهمهمات تصله حيث موضعه الذي وقف متسمرا فيه يغض الطرف بأعجوبة.. لا هو قادر على الاقتراب او حتى الوقوف هكذا مكتوف الأيدي و أخيرا هتفت الخالة وسيلة وهي تضع كفها على جبينها صارخة:- لساتها جايدة نار.. انا جمت اصلي الفچر ذي كل ليلة و جلت هتحصلني لكن لما صليت و رچعت سمعت صوتها جلت بتنادم علىّ لكن لجيتها غايبة وبتخترف و جتتها مولعة چريت اجولك ..
اندفع عائدا لحجرته لتستوقفه الخالة وسيلة هاتفة:- على فين يا ولدي..!؟...
أكد وهو يدلف للحجرة خالعا جلباب نومه ليضع اخر ويندفع خارجا يضع عباءته على كتفيه:- رايح اجيب داكتور بالعربية .. الداكتورطارج داكتور الوحدة ف أچازة ..
ضربت على صدرها فزعة:-.. هتسوج دلوجت ع الأرض المربربرة و ف العتمة دي ..!؟..
هتف و هو يدفع باب الدار خارجا:- امال يعنى هنسبوها كِده !؟.. ادعيلى بس ألجى داكتور يرضى ياچى معاي الساعة دي ..
خرج مندفعا بعربته والذي انتفض غفيره الناعس بديل مناع الذي استأذنه للبقاء الليلة بقرب زوجه و وليده لنفيرها والذى أطلقه ليفتح البوابة ..
خرج مسرعا على الطريق يحاول الوصول لأقرب مدينة يمكنه جلب طبيب منها و العودة به مجددا .. كان مظهرها وهي مستلقية تنازع بهذا الشكل يمزق نياط قلبه .. لابد وانه البرد والمطر اللذان تحملتهما في طريقها لبيت مناع و خاصة في وقت العودة عندما نسيت سترتها الصوفية الثقيلة ببيت مناع و عادت دونها ..
شعر بارتجافة فجذب العباءة على جسده اتقاءً لبرد الجبل القارص الذى تسلل اليه من خارج العربة في مثل تلك الساعة من الفجر ليكتشف انها نفس العباءة التي ألقاها على كتفيها اثناء رحلة العودة و التي أطاح بها جانبا عندما ادرك ان رائحة عطرها التي أصبحت جزءً منها هي من سلبت وقاره و قضت على ثباته ..لقد تناولها دون ان يعى لحظة اندفاعه ليرتديها وهو يخرج ..الان هو يتشبث بها اكثر.. يحيطها بجسده اكثر .. يلتحف بها اكثر.. لعلها تدفئ ذاك البرد الذي يتسلل لقلبه ما ان يتذكر محياها الشاحب على فراشها ..
همهم نديم بإستمتاع و هو يلوك اخر لقمة من طعامه بفمه مستمتعاً لتبتسم ناهد في خجل:- ايه يا باشمهندس .. كل الانبساط دِه عشان شوية عدس .. اومال لو كان المشمر و المحمر كنت عِملت ايه...!؟..
ابتسم نديم وهو يسند ضهره للأريكة خلفه في استرخاء هاتفا:- و ايه يعنى عدس ..!.. نعمة .. و كمان لما يكون معمول بالطعم الجامد ده يبقى اكيد اكبر نعمة ..
وغامت عيناه فجأة بنظرات ملؤها الشجن لتنتبه هي الى تغير مزاجه لتتطلع اليه في قلق الا انه لم يطل حيرتها ليهمس قائلا:- بعد ما ماتت امي الله يرحمها فضي علينا البيت انا و دلال اختي .. كنّا بنشتهي اكلة سخنة لسه نازلة من ع النار معمولة بمحبة بأيد الغالية..
كنّا ممكن نقعد بالأسبوع على اكل بايت أو فول وطعمية ..طبعا الحالة المادية كانت مش ولابد .. معاش ابويا علينا انا ودلال .. هي كانت في تانية طب وانا ثانوية عامة .. دراستها صعبة ومش سايبة لها وقت لأي حاجة جنبها بجانب انها مكلفة و انا بقى بمصاريف دراستي و دروس الثانوية العامة .. لدرجة ان دلال كانت بتفكر جديا تسيب الكلية و تنقل اي كلية اربع سنين عشان توفر .. بس انا رفضت قلت لها لو سبتي الكلية .. انا كمان مش هكمل تعليمي وهنزل اشتغل.. كانت ايّام صعبة .. بس لولاها جنبى معرفش كنت هعديها ازاي..!..
تطلعت ناهد اليه في تعاطف هامسة:- ربنا يخليكم لبعض .. شوجتني أشوفها ..
ابتسم و قد عاد من شجن ذكرياته هاتفا بحماس:- انا متأكد إنكم هتبقوا أصحاب ..
همست دون ان تدرى انه ادرك همهماتها و سمعها بوضوح:- دِه لو ربنا أذن و الوشوش اتجابلت ..
صمت لحظة ثم نهض للحمام ليغسل يديه من اثر الوجبة الدسمة و ما ان عاد حتى وجد ورقة عليها بعض الطلبات الضرورية و فوقها وضعت هى خاتمها الذهبي ..
تصنع عدم الفهم هاتفا وهو يراها قادمة لحمل باقى الاطباق للمطبخ:- هى دي الطلبات .. هبقى انزل اجبها .. بس خدى بالك نسيتي الخاتم بتاعك هنا لحسن يتنطر في اي حتة ويضيع ..
ترددت قليلا وهو يقدم لها خاتمها لكنها لم تمد كفها لأخذه هاتفة:- انا اللى حطيته يا باشمهندس .. دي مساهمة بسيطة مني
فالمصاريف اللى مش عارفين هطول لأمتى ..و لا ..
هتف في ضيق:- متشكر .. لما ابقى اقصر ابقي فكري تساعدي ..
هتفت محاولة الدفاع عن وجهة نظرها:- مش انت جلت اننا ف مركب واحدة .. يبجى كل واحد يجدم اللى يجدر عليه .. و ده اللي ف مجدورتي..
هتف مؤكدا:- اه احنا ف مركب واحدة ..
وابتسم مازحا ومستطردا وقد أيقن حسن نواياها فأشارالى صدره فى تعالى هاتفا:- بس انا القبطان على فكرة .
ابتسمت ولم تعقب و دون ان تع وجدته يمد كفه ليلتقط كفها دافعاً بخاتمها في بنصرها من جديد .. ارتجفت كفها بين كفيه في اضطراب لفعلته .. حتى هو ادرك متأخرا انه قد تجاوز حده المعتاد معها .. فترك كفها وهو يتطلع اليها في حيرة وتعجب ..مما دفعها لتستأذن في عجالة و تندفع لحجرتها تلوذ بها ..
دخل مناع لحجرته يطمئن على زوجه سعدية وولدهما عفيف الصغير .. دخل على أطراف أصابعه حتى لا يوقظهما ولكي يلتقط بعض حاجياته ليستعد للذهاب للبيت الكبير.. لكنه وجد سعدية مستيقظة تطعم صغيرها وقرة عينها..
اقترب في سعادة منحنيا يقبل جبينها هامسا:- ايه !؟..عفيف الصِغير مش مخليكي تنعسي !؟..
همست بصوت واهن:- معلش .. العيال كلها كِده .. بس انت خلاص بتچهز ورايح البيت الكبير .. !؟..
أكد قائلا:- اه يا دوب أفطُر و اروح طوالي ..
همست باسمة:- طب سلملي ع الداكتورة دلال .. ربنا يخليها و الله لولاها ما كنت عارفة كان ممكن يچرالي ايه ..!..
أكد بايماءة من رأسه:- حاضر من عنايا .. و الله صدجتى هى الصراحة تتحط ع الچرح يطيب .. ربنا يرزجها بواد الحلال اللي يستاهلها ..
اكدت سعدية متخابثة:- ما هو موچود .. و الله ما تلجى ذييه ..ربنا يچعلهم نصيب ف بعض ..
زم مناع ما بين حاجبيه مستفسرًا:- جصدك ايه ..!؟.. عفيف بيه !؟.. يا ريت ... و الله يبجى امه دعياله صح و أمها هي كمان دعيالها .. هو في ذي عفيف بيه ..!.. بس يعنى هي تجبل تسيب مصر و تاچي تعيش هنا ف النچع ..!؟.. مظنيش ..
هتفت سعدية و هي تتطلع لمناع في عشق:- و الله لو بتحبه كيف ما بحبك يابو عفيف لتاچي من اخر الدنيا وتفضل معاه ..
ابتسم مناع منتشيا و هو يميل ليقبل جبين زوجه في محبة هامسا:- ربنا يخليكِ ليا .. دِه انى كنت هروح فيها النهاردة .. و لما ولدتى و جالولى انك بخير اتردت لي روحى ..
ابتسمت في دلال ليغيب في محياها للحظات قبل ان ينتفض مبتعدا و قد أيقن انه تأخر كثيرا هاتفا:- اني أتأخرت جووى .. لازما اروح دلوجت ..
و خرج مودعا إياها هامسا في محبة:- خلى بالك على حالك .. يا ام عفيف ..
انتشت للقب الجديد و شيعته مودعة بابتسامة سعيدة ..
لا يعرف لما هو واقف هكذا امام غرفتها حيث سمح للطبيب الذي احضره منذ لحظات للدخول اليها ..
انه يقف كليث جريح لا يقوى على الاعتراض و طعنات الغيرة العمياء تتوالى على قلبه بهذا الشكل ..
و تسمر للحظة هاتفا في جزع:- غيرة .. !؟.. غيرة ايه يا عفيف .. شكلك اتچننت و رسمي كمان .. دِه الداكتور اللى انت چايبة بيدك دي .. مالك .. شكلك اتخبلت .. و غيرة ايه اللى بتتكلم عنيها .. شكل جلة النوم ليلة امبارح اثرت على عجلك..!؟...
سخر هاتفه الداخلى منه:- طب و هي جلة النوم دى ما هي اللى كانت سببها .. تنكر .. و نارك الجايدة عشان الداكتور عنديها تسميها ايه..!؟ .. ان مكنتش غيرة تبجى ايه..!؟.. رد يا عفيف بيه ..
لكنه لم يمتلك وقتا كافيا للرد بعد ان قاطع سيل أفكاره انفراج باب الغرفة عن محيا الطبيب و هو يقول في قلق:- الحمد لله انى جيت ف الوقت المناسب .. كان ممكن يحصل مضاعفات لكن انا عملت اللازم و باذن الله خلال أسبوع بكتيره هتكون بخير مع الانتظام على الأدوية دى و التغذية الجيدة..
استفسر عفيف:- يعنى هاتبجى كويسة يا داكتور ..!؟..
ابتسم الطبيب هاتفا:- باذن الله .. بس واضح انها غالية على حضرتك قووى عشان تسوق ف الجو ده و المسافة دى كلها عشان تجبني ...مش هى المدام برضو..!؟..
اضطرب عفيف و لم يجب على سؤال الطبيب بل هتف مناديا مناع الذى شاهده عند وصوله مؤكدا عليه مرافقة الطبيب و إعادته حيث يريد و شراء الأدوية المطلوبة ..
نفذ مناع في سرعة كعادته .. و عاد هو مرة أخرى لغرفتها يطرق على بابها برفق لتطل الخالة وسيلة من خلفه ليبادرها متسائلا:- هااا .. هي عاملة ايه دلوجت يا خالة .. مش احسن ..!؟..
اكدت الخالة هامسة:- اه يا عفيف بيه .. الحرارة نزلت و بطلت الخترفة .. و اهى رايحة ف سابع نومة .. انا هروح اعمل لها اكلة ترم عضمها ..
أكد عفيف هاتفا:- مسلوج يا خالة .. أكلها كله مسلوج زى ما جال الداكتور أوعى تنسي ..
هتفت في تأكيد:- لااه .. أنسى كيف .. ربنا يجومها لنا بالسلامة .. و انت كمان .. تعالى معاى اعمل لك لجمة تاكلها .. دِه انت على لحم بطنك من الصبح ..
اعترض هاتفا:- لااه يا خالة تسلمى .. ثم اندفع لغرفة المكتبة هامسا:- ماليش نفس .. خليكِ انت چارها و تابعيها .. و باذن الله تصحى رايجة..
اومأت الخالة وسيلة رأسها إيجابا و هي تغلق علي دلال بابها و تندفع للمطبخ تعد الطعام ..
رأته يستعد للخروج فهمست بنبرة خجلى:- انت نازل تجيب طلبات البيت ..!؟..
أكد هاتفا:- اه .. عايزة حاجة اجبهالك معايا!؟..
اكدت مترددة:- الصراحة عايزة .. عايزة اچى معاك ..
صمت للحظات قبل ان يهتف مبتسما:- طب و ماله .. روحى اجهزى و انا مستنيكِى اهو .. بس بسرعة ..
اندفعت في فرحة لحجرتها هاتفة:- ف ثوانى .. مش هتأخر ..
خرجا سويا من باب البناية ليطالعها البحر ضاربا وجهيهما برائحته المميزة و هواءه البارد في مثل ذاك الوقت من العام و رغم عن ذلك انتشت في سعادة و هي تتطلع لذاك الفضاء الأزرق الواسع ..
كانت المرة الأولى التي تخرج فيها منذ جاءا الى الإسكندرية بعد تلك الليلة التي امضياها فالقطار الى هنا .. منذ تلك اللحظة لم تخالط بشرا و لم تتبادل الحديث مع إنسان غيره .. تشعر انها كالنبتة التي ابصرت الشمس أخيرا بعد طول الظلام ..
وقف هو يبتاع الأشياء الضرورية للمنزل ووقفت هيا تطالع الشارع العريض و البشر السائرون هنا و هناك لكنها فجأة انتفضت و أسرعت تختبئ خلفه عندما سمعت من ينادى بأسمها .. تنبه نديم لذعرها و توجهت أنظاره تجاه المنادي فإذا به اب ينادى على ابنته التي تركت كفه لتجرى مسرعة و للصدفة كانت تحمل نفس الاسم ..ناهد ..
غامت ملامح وجهها و قرأ نديم حزنها المرسوم على تلك الملامح النقية بكل سهولة كقراءته لجريدته الصباحية .. فانتشل الحاجيات التي اشتراها بالفعل و أجّل الباقى ومد كفه ليمسك بكفها ليعود بها للبيت و قد لمس ان هذه رغبتها في تلك اللحظة ..
سارا متجاوران لا ينبس احدهما حرفا فما الذى يمكن ان يقال في ظل ما يشعر به كل منهما من الغربة المخلوطة بالحسرة و الألم..
وصلا شقة سمير ليفتح الباب و ما ان انفرج حتى اندفعت هي للداخل متوجهة لحجرتها و قد أغلقت بابها خلفها بقوة تنبئ عن مدى صعوبة الشعور الذى يعتريها و الذى حاولت كتمانه كثيرا حتى تعود وحيدة مرة أخرى لتفرغه كما يعلم جيدا دموعا سخية يسمع همهماتها ليلا و يدرك اثرها على عينيها النجلاوتين صباحا .. لكن ما بيده حيلة فهو ليس بأقل منها حزنا و ألما ويعلم تماما انها محقة في حزنها ولها كامل الحرية للتعبيرعنه كيفما شاءت .. اما بالنسبة له فلم يحن بعد أوان الوجع …عليه ان يكون قويا لكلاهما ومن أجلهما معا .. قويا بالنيابة عنها وعن نفسه ..
وقف عفيف ينتظر على باب غرفتها لتعلمه الخالة وسيلة بحالتها.. كانت لاتزل تهزي فقد ارتفعت حرارتها مرة اخرى ..
اكد عليها عفيف هاتفا:- عتطيها الدوا اللي جال عليه الداكتور يا خالة !؟..
هتفت الخالة وسيلة:- معرفاش يا ولدي .. مش جادرة اچلها من مكانها عشان اعطيهولها .. ادخل ساعدي ..
اضطرب عفيف .. يدخل !؟.. الي اين !؟.. الي حجرتها التي اصبحت مزار مقدس ما ان وطأتها قدماها منذ اللحظة التي قدمت فيها الي النعمانية !؟..
استجمع شجاعته و دفع الباب برفق و دخل يغض الطرف عنها حتى وصل لطرف الفراش حيث ترقد و الخالة وسيلة راقدة على الجانب الاخر .. مد كفا مضطربة وضعها اسفل رأسها الذي تخلى عن غطائه و يا لوجيعته .. و يالأرتجافة روحه و هو يرى شعرها الغجري منثور هكذا بفضوضية بعثرت ثباته بكل ارجاء الارض ..
انحني مقتربا يرفع رأسها عن وسادتها ليضعها فى وضع مستقيم نسبيا حتى تبتلع دواءها لتسقط بلا اتزان على كتفه .. كاد يشهق مصدوما و هو يستشعرها بأحضانه.. تناول حبة الدواء بكف مرتعش من الخالة وسيلة هامسا بصوته المتحشرج اضطرابا باسمها كانها ستسمعه:- فوجي يا داكتورة ..خدي بس الدوا ونامي ..
وضع حبة الدواء داخل فمها وتناول كذلك كأس الماء من الخالة وسيلة و بدأ في مساعدتها لتبتلعها وهى شبه غائبة عن الوعي ..
تأكد انها ابتلعتها فأعاد رأسها على الوسادة من جديد وبدأ يبتعد وهو يسحب كفه من اسفل عنقها فتشابكت أصابعه بجدائله و كأنه يتمسك به متوسلا الا يرحل تاركا اياه .. نظر لتلك الخصلات في تيه و اخيرا نفضها عنه وتحرك مبتعدا امرا الخالة وسيلة:- اشتغلي ع الكمادات يا خالة و انا چارك ف المكتب لو عوزتي حاچة…
اندفع كالممسوس خارج الغرفة فما عاد قادرًا على البقاء لحظة و ما عاد لديه الشجاعة ليتطلع اليها ..فقد شعرانه فقد شيئا ما غاليا لا يدرك كنهه لكنه يستشعر ايضا انه لا يجد ضالته المفقودة تلك الا بقربها .. أي جنون هذا !؟.. ما عاد يدرك ..
فتحت الخالة وسيلة باب غرفتها ببطئ شَديد حتى لا توقظها ظنا منها ان لازالت تغط في نوم عميق من جراء تلك العقاقير الطبية التي تتناولها لكنها كانت مستيقظة بالفعل تطالع احدى الروايات التي وجدتها على جانب فراشها موضوعة على تلك المنضدة التي تحوى تلك الاباجورة النحاسية .. و التي تشع نورا يجعل الغرفة أشبه بقصص الحكايا القديمة فينقلها بشكل كلى الى جو الرواية التي تطالعها ..
لابد و انه هو من بعث بها الخالة وسيلة حتى اذا ما استيقظت تجد ما يشغل وقتها و هي لاتزل طريحة الفراش .. ابتسمت في ود مجرد ان مر ذاك الخاطر على مخيلتها .. انه يهتم .. بالفعل يهتم بها .. أسعدها ذلك سعادة مبهمة لا تعرف مصدرها لكنها سعيدة و هذا ما يهم .. هتفت ما ان طالعها رأس الخالة وسيلة المطل من فرجة الباب الضيقة تتأكد انها بخير:- تعالى يا خالة .. انا صاحية ..
دخلت الخالة و سيلة مستبشرة و هي تهتف في سرور:- الف بركة جومتك بالسلامة .. خلعتينا عليكِ يا بتي .. حتى عفيف بيه اللى ما كان يتهز ولا الجبل .. كان ناجص يطول السما بيده اول ما جريت اجوله ألحجها .. ده ساج ف الفجر و طريج الچبل واعر عشان يجيب لك داكتور مخصوص..
تضرجت وجنتيها بحمرة محببة ما ان سمعت تفاصيل الثلاث ليالى الماضية و ما فعله لأجلها ..
هتفت بتعجب:- عجيب عفيف بيه .. يعمل ليه كل ده عشان واحدة اخوها مسبب له مصيبة .. !؟.. ده انا قلت ممكن يسبنى اموت و اهو ينتقم من اللى حصل معاه بسبب اخويا .. !؟..
هتفت الخالة وسيلة:- يسيبك تموتى كيف !؟.. دِه من اول ما وصلتى و اللى على لسانه .. دي أمانة عندينا يا خالة .. هي ملهاش ذنب يا خالة .. خلى بالك عليها .. شوفي كل طلباتها ..
ثم تنهدت الخالة وسيلة مستطردة بعد صمت طال لثوان:- بالك يا بتي .. ما في حد يعرف عفيف بيه كدب .. المثل بيجول اللى ربى خير م اللي اشتري .. و هو رباية يدي.. حفظاه كيف ما واعية لكفي دي.. عفيف بيه لو شفتيه مع ناهد اخته و چلعه فيها مش هتصدجي انه عفيف اللى صوته بيهز الچبل اللي جصادنا على مدد شوفك دِه .. سبحان الله عفيف مخدش من النعمانى الكَبير غير شكله .. لكن طبعه كله طبع ابوه .. سيدى راغب الله يرحمه ..
انتفضت دلال بعد ان كانت مأخوذة كالعادة بحديث الخالة وسيلة كلما تحدثت عن ماضي النعمانية و أسرارهم .. لكن تلك النقطة بالذات جذبت انتباهها لتهتف في استفسار:- قصدك ايه ان عفيف بيه شبه جده النعماني في الشكل ..!؟.. يعنى نفس طوله و عرضه وكده !؟..
اومأت الخالة وسيلة مؤكدة:- ايوه يا بتي ..هو بالمظبوط .. محدش من عيلة النعمانية كلها يشبه النعمانى الكَبير كيف عفيف بيه .. كنهم فولة واتجسمت نصين .. نفس الطول و العرض و الهيبة و الصوت اللى يهز الچبل هز .. نفس الطلّة اللى توجف چريان الدم ف العروج .. لكن الحنية والطبع اللين .. كني واعية لسيدى راغب ابوه بالمظبوط .. صدج من جال .. اللي خلف مامتش ..
وأخيرا ادركت دلال من ذَا الذى يزورها في أحلامها العجيبة عن تلك المرأة الحبلى التي تستنجد بها .. انه ليس عفيف بل جده .. لكم اراحها هذا الخاطر .. لا تعرف ما سبب تلك الراحة الداخلية التي غمرت روحها لذلك الاكتشاف .. لكن سمة سكينة عجيبة شملتها جعلتها تتنهد و كأن حمل ما كان يجثم على صدرها و أخيرا تخلصت منه ..
و لكن عليها استغلال رغبة الخالة وسيلة في البوح و الحديث عن ماضى النعمانية لتسألها في فضول لازال مشتعلا منذ المرة السابقة التي قصت لها بعض من الحكاية و أغفلت بعض تفاصيلها لذا هتفت في لهفة:- لكن مقلتليش يا خالة ..
تنبهت الخالة وسيلة بكامل وعيها لدلال و تطلعت اليها بعيونها الدائرية الصغيرة التي تشبه عيون العرائس البلاستيكية لولا انها تنبض بالحياة الخالصة و يشع منها بريق وثاب ..
استطردت دلال بنفس النبرة الملهوفة:- ايه اللى خلى مرات النعماني الكبير .. اللى هي جدة عفيف بيه متسامحش جوزها طول مدة جوازهم و تموت حتى قبل ما تسامحه على الرغم انك قلتيلي انه كان بيعشقها ..!؟..
توترت الخالة وسيلة و همت بالنهوض محاولة تغيير الموضوع الا ان دلال كان فضولها أقوى من ان تترك المرأة تذهب لحال سبيلها دون ان تذكر كافة التفاصيل التي تريحها .. لذا هتفت بالخالة وسيلة مستعطفة:- قوليلى يا خالة .. متخافيش الكلام ده مش هيطلع لحد .. هو انا بكلم مين يعنى هنا غيرك..!..
تنهدت المرأة العجوز و عادت لتجلس على طرف الفراش من جديد هامسة بتردد:- ليه هتخلينى انبش ف الجديم يا بتى .. ما راح لحاله مع صحابه .. الله يرحم المراحيم كلها ..
هللت دلال بطفولية و هي تشعر ان الخالة وسيلة نفسها عندها رغبة كبيرة بالافضاء بتلك الأسرار التي تختزنها في جوف صدرها منذ سنوات بعيدة:- قولى بقى يا خالة عشان خاطرى ..
اومأت العجوز برأسها و بدأت في سرد قصة الماضى البعيد هامسة بصوت يأتي من أعماق بعيدة .. بُعد ذاك الزمن الذى تحكى عنه حتى انه جعل دلال ترتعش رغما عنها برهبة:- صلي ع النبى يا بتي..
أطاعت دلال في خشوع و تدثرت وهى تستشعر انها ستسمع حكاية من حكايا الماضي في تلك البلاد البعيدة التي يحكمها العرف و تقيدها العادة و يسوسها السادة و يخضع لملكهم صغيرها و كبيرها .. وبدأت الخالة في سرد حكايتها ..او بالأدق حكاية النعمانية منذ ان كانت قطعة ارض جرداء بحضن الجبل الغربي…