رواية تراث عشقي للكاتبة حنين محمد الفصل الثاني عشر
كان يحلس في غرفته بهدوء و سكينة بعد أن ألقي بجسده علي الفراش، جلس يسترجع ذكرياته الماضية كلها، كل ما يحدث له يشتت تفكيره و مشاعره و قلبه، تذكر عندما رأي جويانا لأول مرة و كيف أعجب بها بشدة و احبها و تمناها زوجة و حبيبه له و لكنه نسي أن ليست كل القلوب جميلة مثل الوجوه، و ان ما يكمن وراء البعض يكون حقيقته مرَّة للغاية ..
جاءت في عقله صورة أهيلا تذكر يومها الاول هنا و كم عدد القتلي الأبرياء الذين ماتو بسبب سهامهما و قوسها، ثم تذكر كيف كانت صلبة بعد أن ماتت والدتها و علمت بخيانة عمها لهم، و من بعدها جاء وجهها و صراخها و هي تتلقي طعنة الخنجر بدلاً منه، و تذكر عندما كانا في الغابة سوياً و كل ما حدث، كان بيتسم بين الحين و الاخر و هو يتذكر كل ملامحها و تفاصيلها البسيطة التي تمكن من حفظها بسهولة في فترة قصيرة، تذكر كلمات شاكتي له اليوم و أبتسم بعفوية، هل من الممكن انه يحبها فعلاً ؟ و لكن لم تكن هذه اعراض الحب لديه عندما كان يحب موناي، هل من المعقول أن ما يشعر به مع اهيلا هي أعراض العشق ؟!
سريعاً ما أنتفض من فراشه و هو يتذكر الشبه الكبير بينهما، تذكر كيف أنهما دارسان للطب، و كيف وهب شاكتي خنجره الثمين لأهيلا، الآن ها قد بدأ يجمع الخيوط سوياً، انهما أخوة ! لهفته و قلقه عندما أصيبت، حديثه عنها و انها تحبه كيف سيعلم بمشاعرها و كل هذا ان لم يكن يتحدث معها كثيراً و كيف سيتحدث مع جارية و تبوح له بحبها او يسألها عن علاقتهما ؟! لحظة واحدة .. يتذكر أنه سمع من قبل أن الملك كانتي كان يملك المانيا و أسبانيا، شاكتي هو أبن كانتي و هو أمير أسبانيا صحيح ! أكانت أسبانيا أم أيطاليا ! لا يتذكر جيداً، كيف سيتأكد من شكوكه ان لم يتذكر اي البلاد كانت لكانتي !
يا الله ما الذي يحدثه معه يشعر و كأن هناك عاصفة بداخل رأسه لا بل أعصار يقتلع عقله حاول كبت غضبه و إسكات أصوات كثيرة بداخله تخبره أنهم اخوة حتي يتأكد، حاول أن يهدأ كثيراً و يسيطر علي تلك العاصفة التي تقتلع عقله و جذوره و لكن كانت ذكري موت موناي و طفله في رحمها قد قطعت أخر أوتار عقله، اندفع كالثور الهائج الي المعتقلات التي تم أعتقال اهيلا بها، دلف اليها وأشار للحراس أن يخرجوا فنفذوا امره سريعاً، اقترب من أهيلا ولا يمر في شريط ذكرياته سوي كل ما سببته أهيلا و عائلتها من ألم له و لعائلته..،
لم يستطع كبت غضبه الذي خبئه بداخله عندما ماتت زوجته و طفله، و ها هو أنطلق غضبه هذا بل أزداد أضعافاً، لم يعد يقوي علي السيطرة علي نفسه و لا يرغب سوي في أن يتخلص من أهيلا في الحال، سيقتلها أنتقاماً لحبيبته و طفله، انشغل كثيراً عن هذا الأنتقام و أعتقد انه حان الوقت للثأر منها، أقترب بيديه من عنقها و بدأ في خنقها بشدة، ففتح اهيلا عيناها في فزع و هي تحاول ان تتخلص من قيدها الحديدي المثبت في الحائط حتي تبعد صقر عنها، و لكن لم تقدر، بدأت في الأختناق بالفعل و هي تري أنعكاس صورتها في عينين صقر القاتمة و الغاضبة، تجمعت الدموع في عينيها كانت قد قررت ان تلقي بثأرها خلف ظهرها و تلتفت لمن أحبه قلبها و عشقه و لكن الآن علمت أنها كانت خاطئة ...
كان صقر يصرخ عليها بشدة و هو يسرد ما حدث له و لزوجته و لطفله الذين تسببت في موتهم، ظل يصرخ كثيراً و هي تختنق تحت يديه، أزرق وجهها و أستعدت للموت، فلا نجاة لها من الموت أو هذا ما كانت تظنه ..
في لحظات كانت جودا في المعتقل و تبعد صقر عن أهيلا في محاولات فاشلة فلم تتمكن في حين ظل يصرخ صقر:
- أبعدي عني، لازم تموت زي ما قتلتهم، هموتلك أخوكي يا أهيلا شاكتي اللي كنتوا فاكرين اني مش هتكشفكم، مش هسيبه عايش بعدك يا خونة.
أقتربت منه جودا مرة أخري ثم لطمته بقوة علي وجنته فنظر لها بصدم و أبتعد عن أهيلا التي لازمتها نوبة من السعال، لم يتحدث صقر و لكنه ظل صامتاً مطأطأً رأسه، امسك جودا بيده و خرجت من المعتقل معه ثم وقفا في الردهة، فرفع رأسه و نظر لها و مازالت الصدمة تحتل كيانه، هذه المرة الأولي التي تصفعه فيها جودا و تكون بعد أن بلغ الأثنان و الثلاثون ! لم يستطع التحدث ولا سؤالها عن سبب ما فعلته، و لكن سريعاً ما تحدثت هي لنقذه من حيرته:
- أيه اللي كنت بتعمله ده يا صقر أنت أتجننت !
صمت و لم يتحدث و لكن كانت عيناه تتابعها فقط، فصرخت في وجهه:
- رد عليا ساكت ليه، أنت كنت هتقتل أهيلا انت واعي للي كنت بتعمله، فيه ملك عاقل يتصرف بالشكل الهمجي ده يا صقر، نسيت الملك محمد و قسمك ليه، نسيت اهيلا اللي ضحت بنفسها علشانك و كانت هتموت، نسيت انك حابسها علشان أخوك و فرحه و نسيت اختها و كسرة قلبها لما ماتت
صمتت قليلاً قبل أن تكمل بحسرة:
- كنت فاكرة أني عرفت أربي يا صقر و ان صقر أبن الملك محمد عاقل واعي راجل ناضج و حكيم بيقدر ياخد قراراته صح مش بيمشي ورا ده.
ثم ضربته علي صدره عدة مرات و بقسوة، هبطتت دموعها و هي تكمل:
- مكنتش اتخيل ان بعد السنين دي كلها هضربك يا صقر، أتكلم دافع عن نفسك، قولي أني غلطت لما ضربتك
صرخت به من جديد و بقوة أكبر:
- اتكلم متفضلش ساكت
حاول صقر أن يتحدث و لكن لم يتمكن، هبطتت دموعه و رأتها جودا و لكن سرعان ما مسحها و حاول ان يتحدث من جديد:
- أهيلا خاينة، هي و شاكتي أخوات.
كان فؤادها ينسحق و يعتصر و هي تري دموعه تهبط و تراه و هو يحاول التبرير و منع دموعه من الهبوط، و لكن سرعان ما تماسكت هي الاخري و تحدثت:
- فين دليلك يا صقر ؟
نظر لها من جديد و صمت فأعادت عليه سؤالها فأجابها:
- هو و أهيلا شبه بعض جدا و فيهم حاجات كتير مشتركة، و مواقفهم سوا و لما كان ملهوف و قلقان عليها لما كانت هتموت.
نظرت له بسخرية و نطقت:
- بجد يا صقر هو ده دليلك ؟ هو انت متعرفش ان الدليل ده مش بيكون نابع من أحساسك و قلبك، يا بيكون دليل مادي يا بيكون شهود يا صقر، و انت كنت رايح تقتل أهيلا علشان حسيت و شكيت انها أخت شاكتي، طب لو هي فعلا أخته هتروح تقتلها ليه
اجابها بجمود غريب:
- طالما هما الاتنين هنا في القصر يبقي أكيد بيخططوا لحاجة
سألته بنفاذ صبر و حيرة:
- أنت شوفت أهيلا و هي بتموت علشانك ؟
هز رأسه بالايجاب و هو يعلم نهاية حواره معها، فسألته من جديد:
- عارف انها بتحبك ولا لأ ؟
هز رأسه من جديد فسألته بأستغراب:
- و أزاي جه في بالك أن لما واحدة تعشق واحد زي ما أهيلا بتعشقك ممكن تأذيه، الحب مش كده أبداً
نظر في عينيه و تحدث:
- و انا بحبها و بمجرد ما شكيت فيها روحت علشان أقتلها، الحب مش كده أبداً، و لا ممكن اكون مش بحبها
أقتربت منه و أحتضنت وجهه بين كفيها و تحدثت:
- أنت بتحبها أكتر ما هي بتحبك يا صقر و بكتير، انا امك اللي مربياك أنا اللي عارفة قلبك في ايه و بفهمك من نظرة واحدة و عارفة أنك واقف قدامي دلوقتي بعد ما فوقت من دوامة الغضب اللي سيطرت عليك و انت مكسوف من نفسك من اللي عملته من غير دليل قاطع، و عارفة انك عاوز تعيط دلوقتي و ماسك نفسك، و عارفة انك عاوز تروح تطمن علي اهيلا بس كبريائك مانعك و انك عاوز تعتذر ليها لحد ما تسامحك حتي لو فضلت عمرك كله تعتذر بس بردوا بتقول لنفسك لا، عارفة أنك عاوز ترمي نفسك في حضني دلوقتي و تعيط بس عاوز تفضل زي الجبل صامد و مش عاوز تضعف، انا اكتر حد عارفك في الدنيا دي كلها يا صقر انا عارفة ايه اللي بيدور في عقلك و في قلبك لأني أمك .. انت غلطت يا صقر.
هز رأسه بالايجاب مردداً:
- عارف بس غلطي الوحيد كان أني اتسرعت و مستنتش دليل، بس أنا متأكد أهيلا خاينة و شاكتي اخوها و الاتنين هيتعاقبوا و مش هسكت قبل ما أثبتلك ده يا أمي، أهيلا و شاكتي بيخططوا لحاجة كبيرة انا كنت شاكك في اهيلا من الاول و عارف هي عاوزة تعمل ايه بالظبط، بس حاولت مديهاش فرصة تنفذ خطتها بس مقدرتش و ضعفت و قولت هي بتحبني و انا بحبها أكيد مش هتعمل حاجة و هتنسي أنتقامها، بس لا يا أمي أهيلا مش ناسياه و مش هتنساه قبل ما تاخد حقها، اهيلا أه مترددة و متضطربة بس مش ناسية انتقامها و عندها استعداد تضحي بحبها و بقلبها بس تجيب حق اهلها.
قاطعته جودا قبل أن يكمل قائله:
- طب هي أيه خططتها انت تعرف عنها حاجة ؟
هز رأسه بالايجاب ثم نظر بعيداً و هو يخبرها:
- أه عارف .. أهيلا عاوزة تخلف مني ولي العهد بس ايه السبب معرفش
نظرت له جودا بتعجب و سألته:
- و انت عرفت منين ؟
ألتفت الي جودا و أرتفع صوته قليلاً:
- لما عرفت أني هتجوز وقتها بدأت تحاول تتقرب مني بس أنا كنت ببعدها، الطبيبة قالتلي أن أهيلا راحت ليها و طلبت أعشاب معينة و بعد ما ادتها ليها أكتشفت ان الاعشاب دي بتعمل خلطة تخليها تبقي حامل اول ما أقرب منها، و فضلت كده لحد ما عرفت ان اللي هتجوزها هي جويانا و أكيد كانت عارفة انها هتحاول تقتلني، لأنها حاولت تحذرني و انا مسمعتش منها علشان كده بدأت تبعد تاني لحد ما تحل موضوع جويانا و قبل جوازي بيومين جت عندي الاوضة بالليل و أنا قربت منها، معرفش كانت عاملة حسابها ده يحصل ولا لأ و معرفش خدت الخلطة دي ولا لأ، بس اللي أتأكدت منه انها عاوزة تخلف مني يا أمي.
تحدثت جودا بتعجب:
- طب ليه مفكرتش انها ممكن تبقي علشان بتحبك عاوزة تخلف منك، او حتي لو علشان تبقي ملكة و ام ولي العهد و ترجع لمكانتها الاولي، ليه ربطت ده بأنتقامها؟
لوح بيده في الهواء أمام جودا نافياً:
- اهيلا مش عاوزة تبقي ملكة أو اميرة، أهيلا طول ما مكانتها عندي انها أميرة و بعاملها بالاساس ده هو ده بالنسبالها التاج اللي يخليها اميرة، و لا مش علشان بتحبني و عاوزة تخلف مني أهيلا مش البنت التقليدية اللي عاوز يبقي عندها راجل يحبها و تجيب منه ولد و يبقي حتة منه ولا كل الكلام الفاضي ده، دي مش أهيلا أنا عارفها كويس جدا.
نظرت له جودا بعدم فهم، ثم تخلل أفكارها سؤال فتحدثت:
- طب ولو بعد فترة طلعت حامل يا صقر هتعمل ايه ؟
رفع سبابته أمام وجهها متحدثاً:
- مش هيشوف النور يا أمي، أهيلا مش هتخلف مني مهما حصل، بس لحد ما نعرف هي حامل ولا لأ نكون لقينا دليل يأكد كلامي أنها اخت شاكتي و بكده يتعاقبوا بتهمة الخيانة و هحكم عليها وقتها بالموت.
نظرت له بأستنكار و سألته:
- - لو قولنا ان كلامك ده صح، هتعمل ايه مع رقية ؟ انت عارف هما بيحبوا بعض ازاي، ولا كمان مش واضح ان شاكتي بيحب رقية يا صقر
هز رأسه بالنفي متحدثاً:
- لا يا أمي واضح و دي المشكلة، الاتنين بيحبوا بعض بس شاكتي يوم ما يختار هيختار أخته زي ما انا يوم ما هختار هختار رقية
وضعت جودا يدها علي رأسها بتعب:
- القصر أتقلب من لما دخلوا حياتنا، و انتو قلوبكم بقت علطول في حرب مع عقولكم، بتحب أهيلا بس هي خاينة و هي بتحبك بس عايزة تنتقم لأهلها، شاكتي بيحب رقية بس أخته أكتر و رقية بتحبه بس هتتوجع لو جراله حاجة بسببك، حتي مولان حبت ليث و ماتت بسبب حبها ليه و ليث حبها اوي بس أهي ماتت و نسمة رجعتله بس هو بردوا لسه بيحب مولان.
ثم أكملت بحزن دفين:
- ليث واقع في حيرة و حرب بس في قلبه بس، مبقاش عارف هو بيحب مين فيهم، و حاسس ان حبه لأتنين ده تصرف شاذ و حاسس انه شخص مش كويس و انه كده فعلا السبب في موت مولان
رفعت نظرها الي صقر الذي يراقبها بعينيه:
- انتو ليه بيحصل فيكم كده بس، قلبي بيتقطع عليكم و انا شايفة كل واحد فيكم بيعاني و انا مش قادرة أساعده، حتي جنتي الله اعلم مصيرها من الحب أيه ؟!
ضمها صقر الي صدره بقوة و تحدث:
- احنا بنقوي بيكي يا أمي، قوينا انتي بس و متسبيناش، أنتي علطول كنتي ذكية و انا متأكد اني اقدر اعتمد عليكي علشان تكشفي كل الحقايق، و اتمني اكون غلطان .. لأني فعلا حبيت أهيلا و اعتبرت شاكتي أخويا.
أشرقت الشمس معلنة عن يوم جديد، أستعد الجميع لأستقبال الملك يامن و مراد و الذي كان بمثابة دليل مهم علي حقيقة شاكتي، تم الاستقبال علي اكمل وجه و توجه يامن و مراد الي غرف خاصة بهم حتي يرتاحوا من مشقة الطريق ..
كانت تجلس بجوار جنتي التي تفرك يدها بتوتر، و لكنها ملت من صمتها و من حديثها غير المترابط فتحدثت بصراحة:
- جنتي مالك في ايه ؟ أتكلمي مالك ؟
طأطات جنتي رأسها و تحدثت في احراج كبير:
- رقية أنتي من لما كنت هنا مع شاكتي قبل جوازكم و دخلتي لقيتيني بحضنه و انتي مش بتكلميني و متجاهلاني، أنا أسفه جدا لو زعلتك بس صدقيني أنا مكنش قصدي أي حاجة أبداً و
كادت ان تكمل حديثها و لكن قاطعتها رقية بعد ان تذكرت حديث شاكتي معها بعد أن ذهبت جنتي:
- حبيبتي أنتي بتعتذري مني علشان ايه أصلا ؟ أنتي أختي و مش هبطل أوثق فيكي أبداً، انا مكنتش متجاهلاكي علشان كده، بس الايام اللي فاتت كانت ملغبطة جدا و انتي شوفتي بنفسك أهيلا و جويانا و صقر و الدنيا قلبت خالص حتي ليث و رجوع نسمة، فأنا مكنتش متجاهلاكي يا حبيبتي.
أبتسمت جنتي بفرحة أطفال:
- يعني انتي مش زعلانة ؟
هزت رقية رأسها بالنفي فأقتربت منها جنتي و احتضنتها بقوة وبعفوية شديدة، فتعالت ضحكات رقية و هي تضمها هي الاخري الي صدرها، فدلف شاكتي الغرفة فجأة و أبتسم متحدثاً:
- الله الله ايه كل الحب ده، مليش شوية حب انا كمان..
ابتعدت جنتي عن رقية التي مدت يدها الي شاكتي بحب:
- ليك الحب كله يا حبيبي تعالي أقعد
جلس شاكتي بينهما، فكانت رقية علي يمينه و تجلس جنتي علي يساره و سرعان ما سألته:
- أستقبلتوا الملك يامن و أبنه ؟
هز شاكتي رأسه مع أبتسامة مجيباً:
- أه بس راحوا يرتاحوا علشان السفر.
سألته جنتي بفضول شديد و بسعادة:
- و أبنه معاه صح ؟ عنده كام سنة 8 مثلا ولا 9
هزت رقية رأسها بأستنكار:
- لا أكيد اكبر من كده ممكن في نفس سنك مثلا
هز شاكتي رأسه مؤكداً حديث رقية:
- فعلا هو تقريباً قدك في السن يا جنتي
تحدثت جنتي بحزن و ضيق:
- قال و انا اللي كنت فرحانة اني فيه طفل جاي و هلعب معاه براحتي و هجري وراه بدل قصر العواجيز ده.
تعالت ضحكات كلاً من رقية و شاكتي فأكملت جنتي بفرحة:
- أنتو مش هتخلفوا ولا أيه أنا عاوزة أولاد و بنات كتير يملوا القصر كله
أبتسمت رقية بخجل بينما ربت شاكتي علي كتف جنتي بحنان:
- إن شاء الله يا حبيبتي، و انتي كمان بكره تتجوزي و تجيبي أطفال كتير
وقفت جنتي معترضة و هي تضع يدها علي خصرها:
- لا أنا لسه صغيرة أنا عندي 19 سنة، لسه صغيرة اوي علي الجواز.
تذكر شاكتي مولان و تحدث بتأثر:
- معاكي حق لسه صغيرة أوي
أبتسم بإنكسار و حزن:
- تعرفي كان عندي اخت صغيرة شبهك كده، عفوية و طفلة و عندها 19 سنة بردوا
صفقت جنتي بيدها بسعادة و سألته:
- بجد ! طب هي فين ؟
طأطأ شاكتي رأسه مجيباً:
- ماتت.
قوست جنتي فمها و كادت أن تبكي بحزن في حين وضعت رقية يدها علي ظهر شاكتي متسائلة:
- مجبتليش سيرة قبل كده ليه عنها يا شاكتي ؟
حاول ان يبتسم ليخفي حزنه و نظر لرقية:
- مجاش مناسبة بس يا حبيبتي
- ثم نظر الي جنتي و وقف و احتضنها بقوة:
- هتعيطي ولا ايه يا سمو الاميرة، فيه اميرة حلوه كده تعيط ؟
اجابته و هي تحاول أسر دموعها في عينيها:
- انا اسفه مكنش قصدي أفكرك بيها ولا ازعلك
وضع قبلة حانية علي رأسها و نظر في عينيها:
- ولا يهمك يا حبيبتي، يلا روحي أوضتك أرتاحي شوية
هزت رأسها بالموافقة و تركتهم و ذهبت فجلس شاكتي بجوار رقية من جديد و تحدث:
- فيه موضوع مهم لازم نتكلم فيه يا رقية
نظرت له باهتمام:
- موضوع أيه ؟
- أعتقد كفاية تضييع وقت لحد كده و المفروض نرجع أسبانيا بقا ولا أيه ؟
صدمت رقية قليلاً مما تفوه به و لكنها تحدثت سريعاً:
- أيوه يا شاكتي بس أنا اتعودت علي أني أفضل عايشة هنا
أمسك بكفيها مطمئناً أياها:
- متقلقيش القصر اللي في أسبانيا في نفس مستوي القصر هنا
هزت رأسها بالنفي:
- لالا مش ده قصدي انا أعيش معاك في اي مكان، بس قصدي اني عشت عمري كله هنا، حتي لما كنت متجوزة عمرو كنت هنا.
شعر شاكتي بالضيق نوعاً ما بمجرد ذكر عمرو و لكنه أجابها:
- ده لانه كان أبن عمك و ده قصر العيلة فكنتم هنا
شعرت بأنزعاجه فأمسكت بيده و أبتسمت:
- طب كلم صقر بكره و شوف الترتيبات علشان نسافر
ظهرت أسنانه البيضاء من أبتسامته التي تخطف قلبها و سرعان ما اختضنها مردداً:
- بحبك أوي يا رقية و الله بحبك
- و انا كمان بحبك أوي يا عمرو.
صدم شاكتي و تخشب جسده و سرعان ما دفعها فتحدثت رقية بتلعثم في محاولة لتبرير ما قالته للتو:
- شاكتي أسمعني بس، مكنش قصدي و الله
نظر لها بأستنكار و حسرة و صدمة شديدة و هو يشعر أنها قد وجهت خنجر للتو الي قلبه و تحدث:
- أنتي معايا و في حضني و بتفكري في عمرو يا رقية
وقف ليذهب قبل أن تهبط دموعه امامها و لكن سرعان ما أمسكت هي بيده و تحدثت:
- شاكتي و الله انا مكنش قصدي أهدي بس.
نزع يدها من ذراعيه بعنف و تركها و خرج من الغرفة و دموعها تشق الطريق الي وجنتيها و هي تحدث نفسها:
- مش هيسامحني بسهولة بعد اللي قولته ده
خرج من جناحه بعد ان تركها و هو يشعر بالاختناق و رغبة شديدة في البكاء، كم هذا شعور بشع هذا الذي يشعر به الان ؟ شعر و كأن هناك قبضة قوية تعتصر قلبه او ربما شخص ما وضع حجر ضخم علي صدره فأصبح يختنق و هو يحارب من أجل ان يمنع عينيه من البكاء ..
رأي مراد يقف في الردهة ينظر الي ساحة القصر أسفله فأقترب منه متسائلاً:
- مروحتش ترتاح ليه ؟
نظر له مراد بإبتسامة مجيباً:
- مبسوط اني جنبكم لدرجة اني مش عارف انام
ثم تحدث بحماس شديد و خجل:
- امال فين حبيبتي ؟!
ساد الصمت للحظات حاول فيها شاكتي ان يجد جواب مناسب لسؤال مراد ثم تنهد مردفاً:
- فيه حاجات كتير حصلت و انت متعرفهاش يا مراد.
- كل حاجة اعرفها بعدين عادي، المهم فين مولان اوصلها ازاي دي وحشاني اوي
صمت شاكتي من جديد ثم نظر الي اسفل، فقابلت أنظاره الساحة في منتصف القصر و التي تبتعد امتار كثيرة عن مكان وقوفهم، ثم نطق:
- توصلها لو نطيت من هنا
أنقبض قلب مراد، و شعر ان هناك شئ سئ قد حدث في غيابه، او ربما انه تمكن من فهم ما حدث و لكنه رفض تصديقه، فسأل شاكتي من جديد بصوت مرتعش:
- قصدك أيه يا شاكتي ؟!
- تعالي ورايا يا مراد.
ذهب مراد خلف شاكتي في اتجاه الغرفة الشمالية الغربية من القصر حتي لا يتمكن احد من رؤيتهما، و بمجرد أن دلفا، دار مراد في الغرفة بقلق مردفاً:
- في ايه فين مولان ؟! هي مش موجودة هنا ليه يا بابا قولي !
تنهد شاكتي قبل ان يتفوه بالحقيقة كاملة امام مراد:
- مراد انت عارف اني بحبك جدا انت و مولان و بعتبركم ولادي كمان مع ان الفرق بينا مش كتير اوي بس ده لأني ربيتكم، و أنا ياما قولتلك قولها يا مراد بس المرادي انت اتأخرت جامد يا مراد، و مولان ماتت.
صمت مراد للحظات يحاول استيعاب ما تحدث به شاكتي ثم أبتسم بصدمة:
- انت بتضحك عليا صح ؟! هز شاكتي رأسه بالنفي ثم أقترب من مراد و احتضنه بقوة و لكن سرعان ما ابتعد مراد و هز رأسه بالنفي رافضاً تصديق حقيقة موت حبيبته الاولي مولان، ثم تحدث:
- لالا، مولان مماتتش .. انا ملحقتش اقول ليها اني بحبها، ملحقتش اعيش معاها و اتجوزها
ثم صرخ بأسمها بقوة نتجت عن أنهياره، و اكمل:
- هي ملحقتش تعيش حياتها يا شاكتي ملحقتش.
ثم بكي و هو ما زال يصرخ بشاكتي و اكمل:
- انا طول الطريق بفكر فيها، قررت اقولها النهاردة يا شاكتي، قررت نخلص من اللي احنا فيه ده و اتجوزها، يعني ايه اتأخرت عليها و ماتت يا شاكتي
هبطت دمعة حزينة من مقلة شاكتي الذي مسحها سريعاً حتي يكون قوياً كفاية لإخماد نيران الحزن بداخل هذا الصغير أمامه، و تحدث بقوة و جبروت:
- مولان مماتتش عادي يا مراد، دي اتقتلت، اتقتلت بعد ما اعرفت للأمير ليث بحبها و بعد ما قالت للجواري، اتقتلت بسبب ليث و حبها ليه، بس للأسف لحد دلوقتي محدش عارف مين عمل كده، بس احنا مش هنسكت و حق مولان لازم يرجع يا مراد فاهمني.
تجمدت الدموع في عينيه و هو يحاول استيعاب صدمة جديدة، قتلت حبيبته نتيجة حبها لشخص آخر، صعدت روحها الي السماء و في قلبها حب شخص اخر، شعر لوهلة من شدة الحزن ان قلبه قد انفطر الي نصفين .
اخرج خنجره بعينان لا تريان سوي الأنتقام و الكره متحدثاً:
- أكيد صقر اللي عمل كده مش هسيبه عايش لا هو ولا ليث
أقترب منه شاكتي بسرعة و قيده بين ذراعيه مرادفاً:
- مراد اهدي هتتسبب في موتنا كلنا هنا علي ايديهم.
نظر له مراد ثم إنهار باكياً علي الأرض بين يدي شاكتي الذي بدأ في التربيت علي ظهر مراد سارداً كل ما حدث:
- مولان كانت جارية عند ليث و للأسف حبته و مقدرتش تسيطر علي مشاعرها لدرجة انها كانت اخدت قرار انها هتقف جنب ليث و مش هتقف جنبنا
لكل قمة قمة أخري، لم يعرف مراد معني تلك الجملة التي تتلوها أهيلا علي مسامعه دائماً الإ الآن، لا ينتهي من صدمة موتها فعلم بقتلها ثم بقلبها الذي تملكه حب شخص آخر، و الآن جسدها الذي أصبح لغيره قبل مماتها، بل و الأكثر من ذلك كانت علي استعداد لأن تتخذ صف حبيبها ضد عائلتها .
رفع مراد عينيه المليئة بالدموع و التي تشوش كثيراً علي رؤيته مردفاً:
- كانت جارية إزاي ؟! قوانين مصر بتقول أسري الحروب خادمات
- ما عدا دول، صقر انتقم فيهم من الملك كانتي اللي قتل ابوه، خلاهم جواري علشان يذلهم
هذه المرة وقف مراد و رفع خنجره بدون تردد متحدثاً:
- مش هسيبهم عايشين اكتر، هيموتوا الليلادي و علي إيدي.
أقترب من الباب ليخرج و لكن وقف أمامه شاكتي، و دار بينهما حوار قوي ملئ بالدفعات من الطرفين، و لكن أنفلتت زمام الأمور، و أستقر السكين في جسد شاكتي بدون قصد من مراد الذي سيطرت عليه الصدمة و هو يري شاكتي يضع يده بألم حول السكين و نظر الي السكين، ثم نظر الي مراد بضعف و هو يسقط علي ركبتيه بإنهيار، ثم أنتهي به المطاف ممدد علي الأرض و معدته تتدفق منها الدماء و ما زال السكين بداخله، و أخيراً تحدث شاكتي بوجع شديد و صوت تقطعه تأوهاته:
- امشي من هنا حالاً، بقولك أمشي يا مراد.
جلس مراد علي ركبتيه أمام شاكتي و تحدث بدموع:
- أنا أسف، مكنش قصدي
سيطرت الصدمة تماماً عليه فلم يعرف حتي معني الكلمات التي خرجت من بين شفتيه، فرد عليه شاكتي بقوة منافية لوجعه:
- اسحب خنجرك حالاً و امشي من هنا بقولك
أمسك شاكتي يد مراد بيده المرتعشة و وضعها علي الخنجر، ثم أمره و هو يغمض عينيه بقوة:
- اسحبه يا مراد يلا
- مش هينفع أسيبك كده و امشي، مش هينفع اسيبك تموت يا شاكتي لا مش هينفع.
ربت شاكتي علي يد مراد بخفوت:
- اوعدك انا هكون كويس، شد خنجرك و امشي يا مراد أنا هتصرف، يلا أمشي
أمسك مراد خنجره بيده المرتعشة ثم نظر الي وجه شاكتي الذي أغمض عينيه بقوة، ثم أغمض مراد هو الأخر عينيه و سحب الخنجر بسرعة فأنتفض جسد شاكتي الذي حاول كتم ألمه بداخله، ثم أقترب مراد من رأس شاكتي و قبلها و قد سقطت دموعه علي وجه شاكتي مردفاً:
- انا اسف
- امشي
وقف مراد ثم ركض بسرعة خارج الغرفة و هو يحاوب كبت دموعه حتي يري الطريق امامه الي غرفته
أستقيظ من نومه علي صوت عالي ينادي بأسم صغيرته مولان، نظر ليث حوله و لكن لم يجد سوي نسمة، ظن أنه كان يحلم، ففرك وجهه بيديه ثم أرتشف بعض الماء، فتحركت نسمة في نومها و نظرت له و سألته:
- فيه حاجة يا ليث ؟!
- لا بس قلقت من النوم، هقوم اتمشي شوية و راجع كملي انتي نوم.
أقترب منها مقبلاً خدها ثم نهض عن الفراش و خرج من غرفته و سار في القصر و سمع صوت همس بسيط، نظر حوله فمن من الممكن أن يأتي الي هذا الطابق من القصر في هذا الوقت، هذا الطابق لا يوجد به سوي جناح ليث و نسمة و جناحه الخاص بالإضافة الي غرفة موناي القديمة، و هذه الغرفة البعيدة، فمن أين يأتي الصوت .
ركض بهدوء بين الغرف باحثاً عن مصدر الصوت حتي أقترب من الغرفة البعيدة و كلما أقترب كلما زاد الصوت، حتي وقف خلف الباب و بدأ في الإستماع الي حديث مراد و شاكتي، اللذان تعرف علي صوتهما سريعاً و تعجب من وجودهما سوياً في هذا المكان، و لكن زال تعجبه و حلت الصدمة عندما تأكدت شكوكه، هذا هو شاكتي الحقيقي شقيق أهيلا !
مرت دقائق قبل أن يهرول مراد من الغرفة و قد أختبأ ليث حتي لا يراه مراد، ثم دلف الي الغرفة ليجد شاكتي علي الأرض متألماً، فتحدث:
و تعجب من وجودهما سوياً في هذا المكان، و لكن زال تعجبه و حلت الصدمة عندما تأكدت شكوكه، هذا هو شاكتي الحقيقي شقيق أهيلا !
مرت دقائق قبل أن يهرول مراد من الغرفة و قد أختبأ ليث حتي لا يراه مراد، ثم دلف الي الغرفة ليجد شاكتي علي الأرض متألماً، فتحدث:
- أديني سبب واحد يخليني أعالجك و أسيبك عايش.
- صدمة احتلت كيان شاكتي الذي سيطر عليه الخوف من قتل أهيلا او مراد، فنطق بدون تردد و بصوت مهزوز:
- مش عاوز اعيش، بس سيب أهيلا و مراد و عمي يعيشوا.
توضيح: هذه الرواية متوقفة حاليا لا نعلم الأسباب.
إذا كنت مهتما بمعرفة ما إذا تم استئناف النشر يمكنك الدخول لصفحتنا على الفيسبوك وعمل لايك أو فولو لمتابعة أي جديد:
من هنا: قصص و رورايات