قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية بأمر الحب للكاتبة تميمة نبيل الفصل الرابع

رواية بأمر الحب للكاتبة تميمة نبيل الفصل الرابع

رواية بأمر الحب للكاتبة تميمة نبيل الفصل الرابع

تحركت حور تصعد أولى درجات السلم والتي كانت حنين تجلس عليها ضامة معتز المتسع العينين الى صدرها، وما أن مرت حور بهما حتى التقت عيناهما في حوارٍ طويل، حوارٍ يظلله العتاب في عيني حنين، نظراتٍ متهمةٍ بألم، فاستشاطت حور غضبا وهي ترد اليها نظراتها بشراسة، رفعت ذقنها بقوةٍ وألقت عليها نظرة استعلاءٍ واضحة ثم تجاوزتهما لتصعد الى غرفتها...

هي لا تهتم بأيٍ منهم، هي لا تهتم، أخذت ترددها بنفسها أثناء صعودها، لقد حصلت على ما أرادت وبمنتهى السهولة فلماذا تنظر الى الوراء، فلتفكر في نفسها، فأمامها الطريق الأصعب الآن، اكتساب قلب نادر، وياله من طريقٍ طويل...

أثناء ترتيبها لملابسها في الحقيبةِ الموضوعة على الفراش وقلبها ينبض بجنون الترقب للعودةِ اليه، جاءت حنين ووقفت بالباب المفتوح تنظر اليها بجمود، القت عليها حور نظرة لا مبالية ثم أعادت نظرها الى ما تفعله، وهي تقول ببرود (يبدو أن لديك ما تريدين قوله، لكن اعذريني لست مهتمة لسماعه).

ظلت حنين صامتة لعدة لحظات ثم قالت بصوتٍ خافت (لقد تسببتِ في شرخٍ كبير بينك وبين عاصم، دون سببٍ معقول، هل تظنين أن تلك هي الطريقة المثلى لتعودي لنادر، وماذا بعد أن تزول تلك العلامات من على وجهك، الى ماذا ستلجأين وقتها؟).

توقفت حور عما تفعله، ثم اقتربت منها ببطءٍ شرس وهي تحدق في عينيها بتهديد، الى أن توقفت على بعدِ خطوةٍ منها وهمست (كيف تجرؤين على التدخل فيما يخص حياتي، من أعطاك الحق لتبدي رأيك أصلا، يبدو أننا قد تهاونا معكِ طويلا، أفيقي، أفيقي يا حنين واعرفي مركزك في هذا المنزل، هل اعتقدت حقا بأنك بمثابة أختنا ولك نفس حقوقنا؟).

شعرت حنين بنصلٍ سام يغرس في قلبها، لطالما عاملتها حور على هذا الأساس، لكنها المرةِ الأولى التي تنطقها بمثلِ هذه القساوة، فغرت شفتيها قليلا وهي غير قادرة على ابعاد عينيها عن عيني حور المخيفتين بالرغم من جمالهما...
ابتلعت ريقها ثم همست باختناق (لو كان عمي لا يزال حيا، لما أسمعتني هذا الكلام).

ضحكت حور ضحكة قاسية وعينيها تلمعانِ بشر ثم قالت (اتركي تلك النغمة الحزينة يا حنين، فقد مللت منها، اتظنين حقا أنني لا أعرف السبب الحقيقي لاستياؤكِ؟)
عبست حنين وهي تهمس بألم (من قال أنني مستاءة؟)
ضحكت حور بغنجٍ مرة أخرى ثم اقتربت من وجه حنين المصدوم وهمست (لن تستطيعي إخفاء مرارتك من أن عاصم لم يفكر في الزواج منكِ، ليفضل عليكِ دانا ابنة العز و النسب، لا تستطيعين تمني السعادة لغيرك اليس كذلك؟).

شعرت حنين بأنها ماتت في هذه اللحظة الف مرة. إنها لم تحب عاصم يوما ذلك الحب الذي تكنه لعمر، بل من الظلم المقارنة أصلا، عاصم بالنسبة لها ليس اكثر من أخ، الآن فقط تعرف بأنه لو كان تزوجها بالفعل لكانت وقعت بيدهاعلى شهادة توقف حياتها...
لكن طريقة حور في سرد الموضوع الآن قد أظهر لها مقدار ضآلة مكانتها في أعينهم هنا في هذا المنزل، الجميع ينظر اليها بشفقة ٍ لا تستحق غيرها، زادت بعد أن خطب عاصم غيرها...

بادلت نظرات حور الفلاذية بنظراتٍ مجروحةٍ ندية، دون أن تستطيع انكار ما كان جليا لهم، همست باختناق (أنا، لم، عاصم لم يكن، يوما الا أخي، وهذا الكلام لا يصح)
ابتسمت حور وهي تمد يدها لتلاعب خصلاتِ شعر حنين الناعمة وهمست (فقط أحببت أن أنبهك، بدلا من اهتمامك بشؤوني الخاصة، اشغلي نفسك بالتفكير في وضعك الجديد)
نظرت اليها حنين بدموعٍ حبيسةٍ وهمست بتلعثم (أي وضع؟).

قالت حور بتشفي (بعد خروجي من هنا سيكون وجودك في هذا المنزل محرجا جدا بوجود عازبين به، وحتى بعد زواج عاصم، فلازال مالك موجود، وهذا وضعا لا يصح)
اتسعت عينا حنين بالم و اخذت تهذي متلعثمة (أنا، أنا هنا منذ سنين، فمالذي سيختلف الآن؟).

اجابتها حور بلامبالاة وهي تستدير لتتجه الى حقيبتها بعد أن أكملت مهمتها المؤذية، (كان عمك على قيدِ الحياة، أما الآن فالوضع اختلف ولن يعجب الناس اللذين يتهافتون على ابتداع الاخبار عن غيرهم، وأنا أعتقد أن أمي لن ترضى بمثل هذا الوضع).

أخذت حنين تنشج من هذا الجو الخانق من حولها والذي أوشك ان يطبق على صدرها، ما هذا الكابوس المحدق بها، استطاعت، أن تهمس مختنقة في النهاية ودمعتين قد فرتا من عينيها الى وجنتيها (فليوفقك الله يا حور بما يسعد قلبك)
ثم استدارت لتغادر الغرفة جريا الى غرفتها الآمنة، مبتعدة عن الأذى المفجع الذي أصابتها به حور...

توقفت يدا حور عما تفعله واحنت رأسها مغلقة عينيها وهي تفكر، الى متى يضيع بها الطرق، الى متى ستجرح كل من يعوق جموحها، لقد كذبت في كلِ كلمةٍ نطقت بها الآن بمنتهى الخسة و الوضاعة.

تابعت ما تفعل والفرحة بداخلها تهتز دون الإكتمال وكأنها تأبى أن تمنحها الأمل وقفت للحظةٍ مرة أخرى، تلتفت الى مرآتها لتنظر الى صورتها، هل زاد تشوه وجهها أم أنها تتوهم؟، صورتها بعيدة كل البعد عن الجمال، هناك شيئا ناقص، لاتعلم ما هو، وهي متأكدة بأن هذا الشيء هو الذي يبعد نادر عنها، لو وجدت ما تكمل به وجهها المشوه في المرآة لعاد اليها نادر في طرفة عين، أم أن التشوه اعمق و أكثر اثرا مما تظن، هناك شيئا غائرا يفسد كل ما تفعل، أو هو سبب كل ما تفعل، تفقد السيطرة على نفسها يوما بعد يوم، لكن ليس الذنب ذنبها، الذنب ذنبه هو، هو من يغذي فيها تلك الروح الهاجعة التي تحرق من حولها، حسنا، حسنا، لم يفت الوقت بعد، هي تعرف حق اليقين بأنها تكون أفضل معه، أنقى و أجمل، لذا تريد قربه ليتلاشى تشوهها بين أحضانه، هو دائها ودوائها، هو إكسير عشقها المضني، ابتسمت تحاول طمأنة نفسها، كل شيء سيكون على ما يرام...

كان وداع الحاجة روعة لحور مؤلما غاية الألم لها تعتصرها بين ضلوعها، لتعاود تركها واحتضان معتز الصغير، ثم تعود لضم حور مرة أخرى، متألمة من طريقة عودتها بهذا الشكل الذي لا يليق بابنة الحاج اسماعيل لكن في نفس الوقت قلبها كأم لا يتمنى الا أن تعود المياه لمجاريها، وما الذي تتمناه الأم الا استقرار ابنتها في زواجها، لكن ما حدث بالأمس بين ولديها، لم يكن ليريح والدهما في قبره...

من ناحيته عاصم لم يتحرك من مكانه لتوديعها، بل رماها فقط بنظرةٍ بلا روح، أغفلت عنها عمدا وهي تسير حاملة حقيبتها و حقيبة معتز، تتعثر بهما، فتناولهما نادر منها و الذي كان عابسا بشدة، ومرسوما على ملامح وجهه، أنه قد وقع في الفخ...
خرجت حور وهي تلقي الى أمها الباكية نظرة وداع وابتسامة مشجعة تحاول أن تطمئنها بها، ثم أغلقت الباب خلفها مصدرة صوتا كئيبا على كل من بالمنزل...

جلست حنين أرضا مستندة بظهرها الى ساقي زوجة عمها بعد خروج عاصم هو الآخر، تستمتع بوضع رأسها على ركبتيها المريحتين كما كانت تفعل منذ أن كانت طفلة، و زوجة عمها تمشط لها شعرها في تلك الضفيرة الطويلة، عيناها متورمتانِ من البكاء وقلبها كسيرا ينزف، لقد تأذت جدا بسهامِ حور، لكنها فضلت أن تظن زوجة عمها بأن بكاؤها سببه فراق حنين ومعتز...

تنهدت وهي تستمع الى بعض نشيج زوجة عمها الباكي الناعم، فهمست حنين بحزن (كفى بكاءا عمتي، الستِ سعيدة بعودة حور الى زوجها؟)
تابعت تضفير شعرها وهي تقول من بين دموعها (لم أكن أتمنى أن تعود بتلك الطريقة القاسية، ومعتز، كيف سأتحمل فراقه)
ابتلعت حنين غصة في حلقها لكنها تماسكت وقالت (الأفضل له أن يكون بين والديه).

أومأت الحاجة روعة برأسها، وهي تكفكف دموعها ثم قالت بصوتٍ حازما (هيا أيتها الصغيرة لقد انتهيت، و أنتِ قد تأخرتِ على عملك اليوم)
تفتح قلب حنين قليلا و هي تسمع كلمة العمل
ربتت الحاجة روعة على شعرها الناعم وهي تقول بحنان (هيا، الآن، كفى كسلا واذهبي لعملك)
أومأت حنين برأسها على مضض، آخذة نفسا عميقا، ثم قالت قبل أن ترحل (ألم يبيت هنا مالك بالأمسِ أيضا؟).

هزت الحاجة روعة رأسها بأسى وهي تقول (لا، لقد قضى ليلته في البيت القديم كما يفعل أحيانا، لكني أحمد الله أنه لم يكن موجودا بالأمس، والا لكانت قامت الحرب بينه وبين أخيه الأكبر)
وافقت حنين على كلامها، بالرغم من توجعها قلبها على مالك، الذي لايزال الى الآن يذهب في بعض الليالي الساكنة ليقضيها بجوار ذكرى بعيدة...

مع شروق الشمس كانت تلك الألوان الوردية تلون السماء، لتكمل الصورة الرائعة مع أسطح البيوت القديمة و مآذن الجوامع والبحر الظاهر من بعيد، مهما طال به الزمن سيظل يعشق تلك اللوحة...

جالسا على السور الأحمر القديم، رافعا إحدى ساقيه علية، ينظر متشربا كل تفصيلة من هذا الصباح الرائع، بينما يظل قلبه الحزين أسيرا لتلك الذكرى، ذكرى بعيدة، أسيرا لها بقرارٍ منه، يأبى أن يعطيه الاذن بالحريه، كان بامكانه النسيان و التجاوز منذ زمنٍ بعيد، الا أنه كان يعود ليذكرنفسه عمدا بكلِ تفصيلةٍ تخص تلك الصغيرة، ضحكتها، نظرتها المترقبة، نوار، ابتسم بحنان وهو يتذكر تذمرها بشأن اسمها، هاتفة بحنق أنه اسم يليق بالصبيان، لكنه كان يضحك مقنعا إياها بأنه اسما على مسمى، زهرة الفاكهة الصغيرة، كان هناك رابطا سحريا يربط بين صبيا و طفلة، منذ أن كانت في الخامسة، بخصلاتها الذهبية التي تماثل هذه الشمس الدافئة...

أمسك بتلك الدمية القديمة الموجودة بجواره ليتأملها مبتسما بحزن، تلك الدمية بان أثر الزمن عليها، منذ سنين وهو يخفيها هنا في هذا السطح بداخل الجرة الطينية التي لم تتحرك من مكانها منذ سنين، كلما جاء ليبيت هنا في البيت القديم يصعد الى السطح ليجلس الى سوره ممسكا بهذه الدمية، يخاطبها و يقص عليها كل أخباره...
لقد صار عمرها الآن خمسة وعشرون عاما، ابتسم وهمس (عيد ميلاد سعيد يا نوار، عيد ميلاد سعيد يا صغيرة).

ثم قام من مكانه ليضع الدمية الحبيبة في الجرة القديمة، حيث مخبئها الآمن، ثم أمسك بالدمية الجديدة التي جلبها تماما كما يفعل كل عام، حتى صار عددهم خمسة عشر دمية، موضوعاتٍ بعناية داخل صندوقٍ قديم، من ضمن الأشياء القديمة المرمية في السطح هنا وهناك...
ثم نفض بنطاله الجينز من الأتربة، وأخذ نفسا عميقا يملأ صدره بهواء الصباح المنعش وهو يقول (ها قد بدأ يومٌ جديد، تمني لي الخير يا نوار الصغيرة).

ثم غادر السطح مغلقا بابه الخشبي القديم بكل حرص، حيث يحفظ فيه كنزه الغالي...

إن أعصابها على وشكِ أن تنهار، منذ ساعة تقريبا وهي تقف هنا منتظرة دخول السيارة السوداء، نظرت الى ساعة يدها فوجدت أنه قد تأخر نصف ساعة على غير المعتاد، فالمعروف عن عاصم رشوان أنه دقيقا في مواعيده كالساعة، فمالذي أخره اليوم؟، طبعا طالما أنها تريده فمن المؤكد بأن شيئا ما سيعرقل الأمور، أنه الحظ العاثر و الذي يلازم أسرتها منذ فترة...

لقد تعبت قدماها من الوقوف، لكنها لن تستطيع التحرك من مكانها فلقد انتظرت طويلا الى أن استطاعت التسلل الى المرآب ما أن اختفى الحارس للحظة...
أخذت تنقل ثقلها من قدمٍ لأخرى وهي تتلاعب بعصبيةٍ بقماشِ تنورتها السوداء البسيطة التي تصل الى ركبتيها، ترفع يدا لتلف خصلة منسابة من شعرها على إصبعها بنعومةٍ وهي تعض على شفتها بتوتر.

تلك المقابلة هي أملها الوحيد في أن يقبل عاصم رشوان الإستماع اليها، بعد أن أبلغتها سكرتيرته بأن لا وقت لديه أبدا للمقابلات، لكنها تعرف تماما بأنه رفض مقابلتها بعد أن عرف باسمها كاملا، فهو غير مستعد للخوض في جدالات عقيمة، كل مايريده هو اخلاء البيت...
لذا لم يكن لديها سوى أن تقابله رغما عن أنفه، إن كان ذلك سيحول دون رميهم في الطريق...

توقفت عن التفكير تماما حين وصل اليها صوت دخولِ سيارة، فأطلت برأسها لتنظر، إنها هي، إنها هي، السيارة السوداء
سيارة عاصم رشوان...
أعادت رأسها بسرعةٍ خلف العامود الخرساني المختبئة خلفه، الى أن سمعت صوت وقوف السيارة، وصوت الباب يفتح ثم يغلق، حينها خرجت من مخبئها، ليطالعها شابا ذو قوام رياضي رشيق معطيا ظهره لها مستعدا للخروج من المرآب...
فنادت بسرعةٍ قبل أن يغادر (سيد عاصم).

توقف الشاب مكانه ثم التفت اليها مندهشا، للحظةٍ نسيت ماكانت على وشكِ قوله، أهذا هو عاصم رشوان؟، كانت تظنه أكبر سنا، هي لم تقابله من قبل لأن كل التعامل كان مع محاميه...
لم تتخيل أنه بهذه الجاذبية و، يبدو أنها نسيت فمها مفتوحا كعادتها دائما لعدة لحظات الى أن رأته يتحرك ببطءٍ تجاهها فوقف أمامها تماما يتأملها عابسا بحيرةٍ لكن مع ابتسامة، يالهي ما أجملها، ماهذا الحنان المتدفق من ابتسامته المتحيرة...

ابتلعت ريقها وهي ترمش بعينيها فتطوع هو ليبدأ الكلام حين شاهد تلك الصعوبة التي تحاول بها التقاط كلمتين لتقولهما (عذرا، هل تقصدينني؟)
أومأت برأسها وهي تحاول عبثا استحضار بداية تلك الخطبة الطويلة التي ظلت تحفظها طوال اليلة الماضية، الى أن استطاعت في النهاية أن تهمس متلعثمة (نعم، أنا، أنا، لقد كنت أنتظرك منذ فترة، لقد تأخرت اليوم).

اتسعت ابتسامته تسلية مع ارتفاع حاجبيه قليلا فعضت على شفتها مرتبكة تلعن غبائها، مطرقة برأسها، يبدو أن أن الحوار سيفشل قبل أن يهدأ، لم تستطع منع الدموع من الظهور في عينيها فأبقت رأسها منخفضا حتى لا يراها...
ترك لها لحظة وهو يقف بصمتٍ أمامها مبتسما برقة ثم قال أخيرا برقة (أعذريني إن كنت قد جعلتك تنتظرين طويلا، لكن لم أكن أعرف أن هناك من ينتظرني، في المرآب).

رفعت عينيها اليه وهي تسمع صوته الهادىء الذي يحوي لمحة مزاحٍ رقيقة، فقالت أخيرا مرتبكة بسرعة (لم، لم أقصد، أعني، كنت أنتظرك من أجل، أنا في مشكلةٍ كبيرة، و أنت كنت ترفض مقابلتي دائما، لذا لم).

لم تستطع أن تكمل وهي تشعر أن الأمر يزداد سوءا، كانت تريد أن تباغته بعد رفضه لمقابلتها، وكان أسلوبها المنمق في الكلام الذي أخذت تتدرب عليه طويلا هو وسيلتها الوحيدة لتجعله يستمع اليها، لكن بعد دفعة الفشل التي أصابتها الآن فربما على الأرجح سينادي على الحارس ليرميها بالخارج، كما سيفعل مع أسرتها خلال اليومين القادمين...

لكن أثناء تفكيرها المبتئس سمعته بدهشةٍ يبادر بالقول (لما لا تعرفيني على نفسك أولا، ثم ننظر الى مشكلتك)
يالهي بالفعل انه لم يعرفها بعد، وكيف سيعرفها، فقالت بتردد مختنق وهي تخشى من ذكر اسمها الذي سيجعله يرميها خارجا دون تردد (أنا، أنا أثير القاسم)
انتظرت هدير غضبه ما أن يسمع اسم القاسم، لكن لدهشتها أعاد اسمها هي وحدها همسا وهو يقول مبتسما برقة (أثير، اسمك جميل للغاية يا اثير).

نظرت اليه بذهولٍ للحظات ثم ضحكت بعصبية وهي تهذي تقريبا (ليس إن سمعت بأنه في الكيمياء عبارة عن سائل عضوي لا لون له، يذيب الموادَّ العضويةَ)
ضحكة بخفة وهو يتطلع الى رأسها المنخفضة خجلا بخصلاتها النحاسية الناعمة، ثم قال برقة (لكنه أيضا يعني المفضل)
ابتسمت بخجل ووجها يتحول الى اللون الأحمر القاني، فتابع بعد أن لاحظ هدوءها أخيرا (الآن يا أثير، كيف دخلتِ الى هنا؟).

عادت لتعض شفتيها من جديد دون أن تملك القدرة على النظر اليه، فقال برفق (لا تكوني مرعوبة بهذا الشكل، أنا أسألك فقط، تكلمي ولا تخافي)
قالت بخفوت بعد أن اطمئنت لصوته الرقيق (لقد تسللت دون أن يراني الحارس)
ثم ما لبثت أن رفعت وجهها اليه بعينين خائفتين متسعتين وهي تقول بسرعة (لقد تسللت دون أن يراني، ليس خطؤه أبدا، أرجوك لا تعاقبه).

عاد ليبتسم من جديد وعيناه تشعانِ دفئا وتسلية، ثم قال (حسنا أثير، لا تقلقي على الحارس و أخبريني عن مشكلتك)
نظرت اليه بحيرةٍ و حرج ثم همست وهي تتمنى أن تنشق الأرض و تبتلعها (أنت تعلم المشكلة يا سيد عاصم، كل فقط ما نريده هو المزيد من الوقت، نحن لم نستطع أن نتدبر أمرنا الى الآن)
عبس قليلا ثم قال بلهجةٍ رقيقة (لما لا تقصين الأمر باختصار، فأنا تتوه منى الأمور قليلا).

ارتبكت أكثر وعبست، هل يعقل أن يكون قد نسي، هل هو قاسي القلب الى هذه الدرجة، يكاد أن يرميها هي ووالدها خارج بيتهم و يرفض مقالبتها تماما، ثم ينسى بكلِ بساطة...

قالت بصوتٍ لا يكاد يسمع، حتى أنه أحنى رأسه قليلا ليستطيع سماعها وهي تهمس (بيت القاسم، لقد أبلغتنا بموعد الإخلاء، بعد يومين، والى الآن لم نستطع أنا ووالدي أن نجد مكانا ليأوينا، أنا أعرف أنك قد منحتنا وقتا أطول مما ينبغي، لكنك تعرف حالة والدي، فقط لو تتكرم وتمهلنا بعض الوقت)
سألها بهدوءٍ تام بعد فترة صمت قصيرة (هل تم البيع بالفعل؟، هل قبضتم الثمن؟).

عبست أكثر لكن دون أن ترفع رأسها اليه، ماذا به؟، بالطبع يعرف أنهم قد قبضو الثمن، أم يريد أن يفهمها الإجابة بتلك السخرية الفجة...
قالت بصوتها الخجول (أعرف أنه بعد أن أخذنا المال من المفترض أن نترك المنزل، لكن الى الآن لم نتمكن من ايجاد مكانا آخر فلو تكرمت بإمهالنا مزيدا من الوقت)
لم يجبها، بل سألها بعد فترة صمت (هل كان المبلغ أقل من ثمن المنزل الحقيقي؟).

مرة أخرى ازداد احمرار وجهها وهي تشعر به يعايرها بأسئلته فأجابت بحزن (كان مناسبا تماما أنا أعرف ذلك جيدا)
(انظري إلى وأنتِ تتكلمين)
صعقت تماما حين قاطعها بهذا الأمر الهادىء فرفعت اليه عينيها السماويتين الناعمتين، فابتسم وهو يقول برقة (لا تحني رأسك لأحدٍ أبدا مرة أخرى).

ظلت ناظرة الى عينيه دون أن تجد القدرة على النطق بشيء، في الحقيقة بالإضافة الى احراجها من التذلل له الا أن النظر في عينيه يصيبها باضطرابٍ يجعلها تنسى ما تريد قوله، لكنها حاولت رغما عنها التركيز على الرقة النابعة من جملته، هل سيلين لطلبها؟..

يبدو أنه ليس ذلك الظالم الذي ظنته، فلربما يتعطف عليها، فهمست باستعطافٍ منبعثٍ من تلك العينين الشبيهتين بزهرتي بنفسج (هل ستمنحنا بعض الوقت يا سيد عاصم؟، أعدك ألا يطول الأمر، سأفعل ما بوسعي لكي أتدبر مكانا لاقامتنا في أسرع وقت).

ظل ينظر الى عينيها بعينيه الغريبتين اللتين تجمعانِ بين الرقةِ و الحزنِ معا، ثم قال بصوتٍ هادىء (هل أستطيع أن أسأل لما لم تستخدموا المال في ابتياع شقة ملائمة الى الآن؟، بإمكاني مساعدتك في ايجاد شقة ٍ مناسبة بالمبلغ المدفوع)
ارتبكت مرة أخرى، وعادت الى النظر أرضا وهي تلوي قماشِ تنورتها بعصبيةٍ بين أصابعها المتعرقة، فقال بهدوءٍ حازم (قلت لكِ انظري إلى يا أثير، لا أحب مخاطبة من لا ينظر الي).

رفعت وجهها المرتسم عليه ملامح الأسى دون أن تلتقي عينيها بعينيه، الى أن تمكنت من النطقِ باختناق (لقد، ذهب المال، كله)
ارتفع حاجبيه قليلا، الا أنه لم يتكلم منتظرا إياها لتكمل إن أرادت، فتابعت بعد فترة بصوتٍ أكثر اختناقا (كانت والدتي في حاجة الى إجراء جراحة عاجلة و خطيرة لكن، لهذا اضطررنا لبيع البيت).

للوهلةِ الأولى أدرك قميصها الأسود البسيط و تنورتها السوداء البسيطة كذلك، و أدرك أنها قالت الآن بأنها تريد الإنتقال هي ووالدها فقط دون ذكر امها، لذا استنتج الأمر فقال برفقٍ أكبر (البقاء لله).

أومأت برأسها وهي مختنقة بدموعها، لقد فشلت تماما في الحوار المنطقي الذي كانت تنشده، لذا التزمت الصمت بدلا من أن تنفجر البكاء و حينها ستكون عبارة عن كارثة بشريةٍ لن يتوانى عن طردها في الحال، فهو بالتأكيد لا وقت لديه لمثل هذا الإستعطاف الإستعراضي
عاد ليسأل فجأة (كم عمرك يا أثير)
للمرةِ الثالثة تندهش من أسئلته الغير متوقعة لكنها أجابت بصوتها المنخفض بفعل الدموع المحجوزة (خمسة وعشرين).

ابتسم ابتسامة شاردة قليلا لكنه لم يعلق، الى أن قال بعد فترة (حسنا يا أثير، اتركي الأمر لي، لا تقلقي)
اتسعت عيناها بأملٍ ملهوف وهي لا تصدق ما سمعته، هل وافق بهذه البساطة، بعد كل عذاب الفترة الماضية من الانذارات بالاخلاء و رفض المقابلة، فهمست بذهول لتتأكد (هل، تعني ذلك، حقا؟، هل ستمنحنا بعض الوقت؟)
أومأ برأسه وهو يقول بهدوء (نعم، سيكون لكما الوقت اللازم الى أن نرى حلا للموضوع).

حل؟، ما الحل الذي يستطيع تقديمه لها؟، لكنها لم تشأ أن تفسد فرحتها باللحظةِ الراهنة بالتفكير في المستقبل الصعب، لذا قالت بلهفةٍ و امتنان يكاد أن يقفز من عينيها (أشكرك، أشكرك جدا يا سيد عاصم، لا أستطيع، أنت لا تعرف كم، أنا حقا)
ضحك برقةٍ وهو يقول (حسنا، حسنا يا أثير لقد فهمت، استجمعي كلمتين مفهومتين).

ابتسمت وهي تنظر اليه ممتنة من بين الدموع المظللةِ لعينيها، واللتين تعلقتا بعينيه لأطول من لحظة، فأشاحتهما بعدها ووجنتيها تحمرانِ بشدة، سمعته يقول بعدها مداعبا (حسنا أثير، أنا مضطرا للصعود الآن، والا لكنت قضيت معك المزيد من الوقت الممتع هنا).

اتسعت عيناها و ارتاعت نظراتها وهي تعي بانها كانت تحتجزه هنا في المرآب لتشغله عن عمله الذي أتى اليه متاخرا أصلا فقالت برعب (أنا آسفة، أنا آسفة جدا، لقد عطلتك جدا، لقد كنت في طريقي للخروج)
قطعت كلامها وهي ترى بريق الدعابة في عينيه، وابتسامته، يالهي ما أجمل ابتسامته، هزت رأسها وهي تنهر نفسها لتحثها على الخروج حالا، فقالت بخفوتٍ مرتبك (عن اذنك، وأشكرك جدا، على كلِ شيء).

واستدارت بالفعل تنوي المغادرة، لكنه قال من خلفها (أعتقد أنه من الأفضل أن تخرجي معي، لأن الحارس لن يتركك تخرجين بسهولة)
تسمرت مكانها وهي تعض على شفتها، نعم بالتأكيد، كيف كانت ستخرج هكذا من المرآب الخاص بسيارة عاصم رشوان...
لكنه لم يتركها لإحراجها طويلا و تحرك ليصبح في محاذاتها وقال مبتسما وهو ينظر اليها (هيا بنا).

احمر وجهها بشدة حتى أنه خشي أن تنفجر وجنتاها لذا لم يزيد في الحديث رأفة بخجلها المريع، تحركت الى جواره وهي تتطلع بطرف عينيها الى كتفه الذي هو على مستوى نظرها، كم هو طويل، كيف يرى العالم من هذا الطول العالي...
أخفضت نظرها وأكملت سيرها، وما أن اقتربا من البوابة حتى توقف والتفت اليها مبتسما ليقول برقة (نسيت أن أخبرك شيئا واحدا يا أثير، عاصم لديه عملا ينهييه بالخارج، أما عني، فأنا مالك رشوان، هيا بنا).

فتحت شفتيها وعينيها ذهولا، مالذي حدث للتو، مالذي قاله، اليس هذا عاصم، بعد أن ترجته و شرحت له كل الوضع المخجل، كانت تكلم الشخص الخاطىء، مالك، من هو مالك...
ابتعد عنها مالك عدة خطوات ثم التفت اليها ليجدها متسمرة كتمثال منحوتٍ بفمٍ مفتوح ببلاهة، فكتم ضحكته بصعوبة وهو يقول (هيا أثير، و أغلقي فمك أعتقد أنكِ نسيتيه مفتوحا).

اشتعل الغضب بداخلها في لحظةٍ واحدةٍ و برقت عيناها غيظا، فاقتربت منه بخطواتٍ خرقاء جذبت نظره الى ساقيها المتقدمة تجاهه بتهديدٍ صامت الى أن وقفت أمامه ورفعت نظرها البراق اليه كقطةٍ منفوشة الشعر بتحفز، وهتفت متناسية الى من تتخاطب (الست عاصم رشوان، و تركتني أتكلم كل هذا عن أمورٍ خاصة، كيف تستطيع أن)
قاطعها وهو يضع إصبعه على فمه قائلا بهمس (هششششش، سيسمعك الحارس و موقفك سيكون سيئا للغاية).

زمت شفتيها بحنق فتابع بهدوء وهو يمد يده اليها (يبدو أنك لم تلاحظي الإسم الأخير، أنا مالك، رشوان، شقيق عاصم، لذا لا تقلقي فالموضوع في داره).

يالهي، كل يوم تتفنن في أن تثبت لنفسها بأن غبائها لا مثيل له، لقد صرخت للتو في شقيق عاصم رشوان، لكنها لم تجد بدا من أن ترفع يدا مرتجفة ليده القوية، وما أن أحاطت أصابعه بأصابعها حتى توقف الزمن للحظات، شعرت، شعرت بشعورٍ غريب وكأن تلك الأصابع الدافئة، قد واستها للتو، كحضنٍ دافىء، انتزعت يدها بسرعةٍ قبل أن يظهر عليها أيا مما شعرت به...
ثم همست بصوتٍ تمكنت من اخراجه بصعوبة (اعتذر، اعتذر عن كل ما).

لم تستطع الإكمال فتطوع مالك ليقول عنها مبتسما (لم تفعلي شيئا لتعتذري عنه يا أثير، لكن لا مانع من سماع اعتذارك).

ثم استدار ليعاود السير، فحثت خطاها لتسير خلفه، تكاد أن تكون ملاصقة لظله، شاردة في طيفه وهو يسير أمامها، تفكر بصمت، من أين انبعث اليها، في هذا الوقت تحديدا، وكأنه كان ينتظرها ليلبي طلبها، عادت لتنهر نفسها حتى لا تمني نفسها بالمستحيل، فهي تعرف أن عاصم رشوان هو الآمر الناهي، لكن فلتأمل خيرا، فلربما بعثه الله اليها ليساعدها بالفعل...

حين تجاوزا الحارس الذي القى التحية الى مالك رشوان باحترام محدقا في أثير بحيرة، التي اخفضت رأسها بارتباك وهي تعلم جيدا ما يدور في رأسه، لابد و أنه يتسائل كيف لم يلحظها جالسة في سيارة مالك رشوان أثناء دخوله الى المرآب و الا لكيف دخلت الى هنا، ما أن خرجا الى الشمس الدافئة ووقفا متواجهين حتى تنفست الصعداء، فالساعة الأخيرة كانت مرهقة عصبيا لها بشكلٍ يفوق قدرتها على التحمل، أخذت نفسا عميقا من هذا النسيم الدافىء لتملأ به رئتيها مغمضة عينيها المرتفعتين للشمس...

بعد نفسا آخر سمعته يقول بقلق و لمحة دعابة (هل سيكون على أن أحملك الآن إن سقطت مغشيا عليك ِ؟، سيكون منظرنا مريعا و أنا اصعد حاملا اياكِ).

لكم كانت محتاجة لأن تضحك في هذه اللحظة، لماذا هذا الشخص الذي لم تكن قد رأته من قبل الساعة الماضية يثير فيها هذه الرغبة المضنية للإبتسام. بل وحتى الضحك، كل كلمةٍ ينطق بها تستحثها مستجدية لترسم بسمة على شفاهها، والآن لم تلك القدرة على رفض استجداء كلماته، فابتسمت ببطء، لتنفجر الإبتسامة ضحكة، لتنفصل الضحكة الى ضحكاتٍ عاليةٍ رنانة. تصاحبها دموعٍ ناعمة من عينيها اللتين تبرقانِ ارتياحا، للحظاتٍ ظل مالك ينظرمبتسما الى ضحكها الجميل، يتركها لينظر حوله ليتأكد من أحدا لا يرى مظاهر الجنون على تلك الغريبة، ثم يعود لينظر اليها مبتسما من جديد، كم يحب أن يرى ضحكة فتاةٍ صغيرة مبتسمة للشمس، لوحة يحب أن يرسمها كثيرا، و لقد رسم العديد منها، الفتيات الضاحكات للشمس...

وها هو يرى لوحة جميلة سيرغب بالتأكيد في رسمها، يوما ما...
حين هدأت قليلا رفع يديها لتمسح دموع الضحك المنبعثة من عينيها المرهقتين دون أن يفقدا بريقهما الناعم، ثم نظرت اليه وهي تلهث قليلا، وهمست (هل سأكون مملة إن شكرتك مرة أخرى؟)
اتسعت ابتسامته ثم أومأ برأسه وهو يقول مرحا (نعم ستكونين مملة للغاية في الواقع، هيا اذهبي، لقد أخرتني جدا).

عادت لترتبك احراجا مرة أخرى لكن هذه المرة ظلت الإبتسامة مظللة لشفتيها وهي تومىء برأسها، رفعت يدها لتلوح له بخفة من عند رأسها، ثم استدارت لتغادر، أوقفها صوته الرقيق ليقول (هل تريدين أن أرسل معك من يقلك الى المكان الذي تريدين؟).

التفتت قليلا وابتسمت له وهي تهز رأسها نفيا، فأومأ برأسه دون أن يتكلم، متابعا إياها بنظره وهي تبتعد بخفة راقصة باليه، تكاد لا تلامس الأرض القاسية بقدميها الصغيرتين المنتعلتين حذاءا يشبه ذلك الخاص بالباليه...
قد يرسمها وهي تضحك لكن مع حركة رقصٍ ناعمة، ستكون رائعة و سيكون الأروع اظهار طفولة روحها المنبعثة من عينيها في تلك اللوحة...

دخل عاصم الى مكتبه بكلِ هيبته المخيفة. لكنه شكله اليوم كان مثيرا للرهبةِ بشكلٍ أكبر، عيناه حمراوين، ذقنه النامية قليلا غير حليقة على عكس عادته، أصابعه متوترة على حباتِ سبحته...
ما أن أغلق الباب خلفه حتى التفت اليه الشاب الواقف ينظر من النافذة، وقال مبتسما (صباح الخير، لقد تأخرت).

نظر اليه عاصم بنظرةٍ تجمع مابين الغضب و القسوة، وظلا من الأسى المتبقي من ليلة الأمس، مماجعل مالك يعبس قليلا وهو يسأله برفق (ماذا بك يا عاصم؟، هل كلِ شيئٍ على ما يرام؟).

جلس عاصم بتعبٍ على كرسي مكتبه، يعدد حباتِ السبحة وكأنها السبيل الوحيد لراحته، ينظر أمامه واجما مما جعل مالك يتأكد من أن شيئا قد حدث فاقترب من عاصم ليضع يده فوق كتفه وهو يسأل بقلق (عاصم هل أمي و حور بخير؟، لم أكلمها الى الآن، لقد أقلقتني)
قال عاصم باقتضاب دون أن ينظر اليه (لقد عادت حور الى بيتها)
ازداد عبوس مالك مع الدهشة الظاهرة في عينيه، ليقول بحيرة (أي بيتٍ هذا؟).

تنهد عاصم وهو يضغط أعلى أنفه مابين عينيه بإجهاد ثم قال (لقد جاء نادر و أخذها هي ومعتز صباحا).

ازدادت دهشة مالك وهو ينظر اليه، نادر، الم يكن كل طلبه الإنفصال عن حور، حتى لأنه قد بنى في قلب مالك حاجزا من ناحيته، بالرغم من كلِ طباع حور الصعبة، الا أن مالك كان يعرف بداخلها شيئا ضعيفا، قبسا من براءةٍ تحاول أخفاؤها منذ سنين، وحين رأى بعينه حبها العاصف لنادر تأمل خيرا، و شعر بأن حور قد وجدت ضالتها ومن سيمسك بيدها و يمسح الغبار عن روحها المخفية بقسوة منها، رأى بنفسه كم كانت تحاول أن تهذب من تلك الروح المجنونة وتطوعها من أجل نادر، فقط نادر دون غيره، لكنه كان متفائلا بالرغم من ذلك، للأسف لم ينجح أحد في احداث هذا التأثير على حور الا نادر...

لكن لم يكد يمر على زواجهما عدة أشهر حتى أعادها نادر اليهم، غاضبا يتكلم بتهذيبٍ معتذر لكن مع عنفٍ مكبوت وكأنه لايطيق أن يتحملها لأكثر من لحظةٍ أخرى، وحتى مجيء معتز الى الدنيا والذي كان قد نما بداخلها حين أعادها، لم يشفع لها عنده، حينها شعر بأنه قد بدأ يكره نادر قليلا، شعورٌ بغيضٌ من كرهٍ لم يعرفه من قبل، وهو يرى حور بكلِ عنفوانها تنكسر نظرتها أمام شخص واحد، وهو من استأمنوه عليها...

لذا يأتي عاصم الآن ويخبره بكل بساطة بأن نادر قد قرر المجيء صباحا متعطفا ليأخذهما معه، بعد عامين كاملين من الفراق، تاركا إياها معلقة دون زواج او طلاق!..

لم يستطع مالك من منع الهتاف الغاضب الذي خرج منه (كيف سمحت بهذا يا عاصم؟، كيف؟، بعد عامين؟، ليأتي هكذا و يصطحبهما دون تنازلات)
لم ينظر اليه عاصم بل ظل ناظرا الى حباتِ سبحته، شاردا بملامحٍ قدت من حجر، الى أن قال أخيرا بجفاء (أنت لا تعلم مالذي تكبدته حور في سبيل ذلك، لقد خسرت أخاها من أجل ما أرادته، فقط فلتأمل الا تعود مرة أخرى، لأنها حينها ستكون قد خسرت كل شيء).

عبس مالك وهو ينظر الى الملامح القاسية، مالذي فاته، ومالذي تسببت فيه حور هذه المرة فسأل عاصم بصوتٍ خافت قلق (مالذي حدث بينكما؟)
لم يرد عاصم ولم تفقد ملاحه قسوتها ولا ظل الإجهاد النفسي من خلفِ عينيه المسبلتين، يرفض النظر الى مالك فقد يرى في عينيه انعكاس الليلة الماضية، لذا لم يقل سوى (فلتتمنى لها ما ما تمنته هي).

تنهد مالك بغضب وهو يستدير مبتعدا، يتذكر كلمات والده قبل أن يموت، حور، حور بحاجتكما، حور وحنين أمانتكما فيإكما والتفريط في ما أمنتكما عليه...
وبالرغم من ظروف حنين، الا أنه يشعر بأن حور هي من تستوجب القلق ما بداخلها قابلا للشرخ إن لم يكن قد شرخ بالفعل، بينما هو مطمئن القلب على حنين، حنين البريئة تمتلك قوة بداخلها تذكره بصخرة صغيرة صامدة بشموخ في سيلِ نهرٍ مندفع لا يستطيع جرفها...

قال وهو معطيا ظهره لعاصم (وأين سيذهبان؟، إلى شقتهما؟، أنا أعرف أنه تركها الآن ليسكن بجوار مقر عمله في حيٍ متواضع).

سكت عاصم للحظة ثم قال بهدوء (لا علم لي الى أين سيأخذها، مكانها عند زوجها أيا كان موجودا، وقد آن الأوان للتحمل المسؤلية، إنها في السادسة والعشرين يا مالك، الى متى ستظل على هذه الحالة من الضياع دون هدفا في حياتها، لقد سعيت لأوفر لها عملا مناسبا كما فعلت مع حنين الا أنها فشلت تماما لعدم التزامها، حتى ابنها لا تستطيع التواصل معه أبدا، بل أن حنين هي من تنجح أكثر في التواصل معه بالقليل من المجهود، أنها ليست حياة تلك التي تحياها بل هي مجرد تضييع لسنوات عمرها، لذا فقد يكون خيرا رجوعها لزوجها أخيرا، ونادر رغم كل عيوبه الا أنه هو الوحيد القادر على توجيهها، فقط إن استطاع الصمود معها دون ارجاعها الينا مرة أخرى).

تنهد مالك مرة أخرى بغضب، لكنه لم يستطع إنكار بعض الحق في كلام عاصم، والأهم في الموضوع كله هو معتز الذي هو في أمس الحاجة لوجوده بين والديه، فالحالة الاجتماعية المستقرة له ستسهل تأقلمه مع حالته الخاصة...
لم يشأ عاصم أن يسترسل أكثر في موضوع حور والذي يسبب له ضغطا خانقا منذ الأمس فقال محاولا تناسي ماجرته حور الى ارتكابه بكلِ سذاجة منه (أخبرني، هل اطلعت على أيا من مشروعاتنا الأخيرة).

التفت اليه مالك مبتسما قليلا بحرج وهو يحك شعر رأسه ثم قال بهدوء (لم أجد الوقت الكافي، لكن أعدك أن)
لم يدعه عاصم ليكمل وهو يقول بصرامة (لا أعرف لماذا تؤخر العمل معي كل هذا الوقت، أصبحت أحتاج الى مساعدتك حتى لا أعتمد على شخصٍ غريب، فما المميز في عملك حتى ترفض تركه والعمل معي، اخرج لتقرأ اللافتة المكتوب عليها أولاد الحاج اسماعيل رشوان وأنا الوحيد الذي يعمل فيها من بين ولديه).

أطرق مالك برأسه متحرجا من حديث كل يوم، هو سعيدا بعمله كمهندس انشائات في شركةٍ حديثة مكونة من مجموعة شباب، يريد أن يسلك الطريق من بدايته، والى الآن وصلو الى مرحلة لا بأس بها من النجاح، فلما يتخاذل ويتخلى عنهم الآن...
لكن عاصم معه حق في تحمله كل هذا العبء وحده، فجأة أثناء تفكيره برز الى عقله عينان مستعطفتان في زرقةِ بحرٍ ساكن...

ابتسم قليلا، لقد نسي في غمرة قلقه على حور تلك الزوبعة الصغيرة التي قابلها منذ قليل مختبئة في المرآب، فالتفت الى عاصم يقول برقة (اذن إن كنت تريد التحدث حول العمل، ما هي آخر المشاريع المعمارية المتعقدة معك).

للحظة برقت عينا عاصم واشتعلتا، فقط للحظة واحدة لم يستطع اخفاؤها عن عيني مالك المتفرستين باهتمام، أعاد عاصم نظره ال سبحته وهو يتراجع الى ظهر مقعده، بملامحٍ قاسية أخبرت ماللك الكثير، هاهو قد وصل الى بيتها، فليواصل الدخول، فقال بخفة (هل هو مستعصٍ الى هذه الدرجة؟)
أجاب عاصم بشراسةٍ مكتومه (ليس هناك ما يستعصي على عاصم رشوان، لكن الخصم، يدفعني لدخولِ حرب ٍ لا أريدها وليست من شيمي).

حرب!، فكر مالك بغضب وهو يتخيل عاصم بكلِ قوته وجبروته يحارب تلك الزوبعة الصغيرة لينتهي به الأمر ساحقا إياها بين أصابعه
تنفس مالك بعنفٍ خفي، لكن ما الذي يستدعي الحرب، فمهو يستطيع رميها و والدها الى الطريق في أية لحظة بعد أن صار البيت ملكه، هل يتكلم عن غيرها؟، سيكون من الأحسن أن يكون غيرها هو المقصود بذلك التهديد الشرس الظاهر في عيني عاصم رشوان...

الا أن أمله قد خاب حين رفع عاصم إصبعا وحيدا وهو ينظر اليه قائلا (امراءة، امراءة وحيدة، إن لم تكن فتاة صغيرة، تقف أمام عاصم رشوان لتتحداه بكل صلف وقلة حياء).

ثم ضم اصبعه الى قبضة ابيضت مفاصلها وهو يضرب بها على سطح المكتب بغضب، فلمعت عينا مالك بشراسةٍ موازية لا تظهر الا نادرا دفاعا عما يؤمن به، أو عما يأخذه على عاتقه، لكنه سيطر على غضبه بمهارة اكتسبها عبر السنين بعكس عاصم الذي لم ينجح يوما في اكتساب مثل هذه المهارة
فقال بهدوءٍ خطير (الأمر لا يستحق حربا يا عاصم، لماذا تفقد أعصابك بهذا الشكل؟، إنها ليست سوى فتاةٍ بظروفٍ صعبة).

نظر اليه عاصم وهو يقول بغضب (أيه ظروفٍ صعبة؟، هل تتخيل المبلغ؟، سيجعلها ملكة)
أجاب مالك محتدا قليلا (لكنك لم تستمع اليها، الى ظروفها التي منعتها، لم تقبل حتى بمقابلتها)
نظر اليه عاصم بدهشةٍ غاضبة وقال (لقد ذهبت اليها بنفسي، لكن من أين لك تعرف بكلِ هذا؟)
سكت مالك تماما، هل كانت تخدعه لتستدر عطفه؟، فأجاب بوجوم (وأنا أيضا قابلتها، ووعدتها بالتدخل).

قام عاصم من كرسيه محتدا وهو يقول بعنف (قابلتها؟، أين ومتى؟)
أطرق مالك برأسه وهو يقول (اليوم منذ قليل أتت إلى لتطلب المساعدة، وقد أعطيتها كلمتي، إنها مجرد فتاة ضعيفة و تتحمل الكثير).

نظر اليه عاصم بغضبٍ لا يعرف له سبب، لماذا منذ أن قابلها وهي تبث فيه هذا الطوفان الأحمق بكلِ ما يخصها؟، وماذا إن قابلت مالك؟، هل تظن أنها بهذا ستأمن منه؟، هل هذه هي حركتها السريعة؟، لا فهي اذن واهمة، وذلك الأحمق الذي ينظر اليه بنظره الفارس الممسك بدرعه ليحمي الأميرة، صاحبة بركتي العسل، لا بد وأنها قد أسبلت الأهداب الحريرية له تجعله في مثل هذه الحالة الدفاعية، أما بالنسبةِ له فكانت تواجهه كشوكةٍ مسننة...

لعن بداخله غاضبا من مظهر التحفز المرتسم على وجه مالك، بالطبع، ومن يراها ولا يبذل الكثير في سبيل مساعدتها خاصة حين تتهادى اليه بنفسها...
كان مالك ينظر اليه مسمرا نظراته في العينين الغاضبتين، ما باله عاصم يمنح هذا المنزل غضبا خاصا، حتى بعد أن صار يملكه، كيف نجحت فتاة صغيرة في رقتها في اثارة عداوة عاصم رشوان الى هذا الحد، أم أن الأمر يتعدى ذلك، ولم تعجبه الإجابة التي قفزت الى رأسه...

فقال مالك محاولا التحدث بعقلانية (أعرف بأن الثمن كان عادلا و يوازي قيمة المنزل، لكن)
هتف عاصم غاضبا وهو يتميز غيظا (لا تثير جنوني و تخبرني بأنه معادلا لقيمة المنزل، لقد وصلت الى رقمٍ خيالي يفوق قيمته الفعلية، ومع ذلك رفضته بكلِ عنجهية و غرور أعرفه جيدا من أمثالها، أولائك الذين يظنون أنفسهم في رفعةٍ عن)
قاطعه مالك فجأة متحيرا (لحظة، لحظة، من تلك التي رفضت؟، كنت أظن أنك دفعت).

تنهد عاصم بنفاذ صبر وهو يهتف حانقا (إن كنت قد دفعت فماذا أفعل أنا هنا شارحا منذ فترة، مالذي أخبرتك به تحديدا؟)
قضب مالك جبينه، لا مجال للخطأ، لماذا تكذب في أنها قد باعت و قبضت الثمن، الا اذا كان عاصم رشوان في هذه الفترة لا عمل له الا مواجهة الفتيات العنيدات
ابتسم وهو يكتف ذراعيه سائلا عاصم (هل تتحدث عن بيت القاسم؟، لأني الآن لا أعتقد ذلك).

اشتد عبوس عاصم وقد صمت تماما لعدة لحظات، ثم انفجر أخيرا (هل تتحدث كل هذا الوقت عن بيت القاسم؟، لقد أصبح ملكنا منذ شهور، ومن هي تلك اذن التي قابلتك؟، نعم نعم، إنها بالتاكيد تلك اللحوحة التي تصر على مقابلتي منذ أن بعثت بانذارٍ اليهم ليخلو المنزل).

لا، ليست لحوحة أبدا، قد تكون مجنونة قليلا، متهورة ولا تحسن التصرف في المواقف الصعبة، لكن ليست لحوحة من الأفضل أن يتولى الكلام الآن قبل أن يزيد عاصم في نعتها بصفاتٍ لن تعلمها بينما هو سيضطر لسماعها، وهذه الفتاة صارت ضمن نطاق حمايته منذ الآن، لم يخذل يوما من لجأ الى مالك رشوان ولن يبدأ الآن...

قال مالك محاولا استحضار كل مهارته في الإقناع (عاصم، اعطهم الفرصة ليجدو مكانا ملائما، فقط بعض الوقت، الرحمة يا عاصم، والدك رحمه الله لم يكن ليرد سائلا أبدا).

التفت اليه عاصم منفعلا ليقول هادرا (الآن أصبحت ظالما؟، هل تعرف كم من الوقت منحتهم؟، شهور طويلة، كان من المفترض الآن أن يكون المنزل قد هدم وصبت أساسات الأبراج الجديدة، ثم مالذي يؤخرهم والمبلغ المدفوع سيمكنهم من السكن في أرقى الأحياء و أفخمها بدلا من ذلك المنزل المتواضع).

هل سيكون من العقل اخباره الآن بأن المال لم يعد في حوزتهم؟، فمن ناحية يريد أن يستثير عطف عاصم حين يخبره بوفاة أم أثير و المبلغ الذي ضاع في الجراحة والعلاج، لكن من ناحية أخرى يخشى إن أخبر عاصم بأن المال لم يعد موجودا فسيعتقد أنهم باقون لا محالة...
لذا حاول أن يأتي النهاية دون دباجةٍ طويلة فقال بمنتهى البساطة (لقد لجأت لي يا عاصم و أعطيتها كلمتي، فهل يرضيك أن تتخاذل كلمة ابن اسماعيل رشوان رحمه الله؟).

بعد فترة عبوسٍ طويلة أخذت ملامح عاصم في اللينِ تدريجيا الى أن قال أخيرا بما يشبه الدعابة (هل تبتزني عاطفيا يا مالك؟)
كتف مالك ذراعيه وهو ينظر الى عاصم متحديا مبتسما و أجاب (نعم)
ضحك عاصم قليلا ثم أومأ قائلا برفق (حسنا يا صاحب الدرع، لن تتخاذل كلمتك الآن، لكن لفترةٍ محدودة، وستكون أنت المتولي أمر هذا البيت تحديدا، وحين نتسلمه ستشرف بنفسك على المشروع القائم على الأرض، أتوافقك تلك الصفقة؟).

اتسعت ابتسامة مالك وهو يقول بهدوء (ليس تماما، لكن ما باليد حيلة، وها أنا أتورط في أحد مشروعاتك)
ثم تابع ملوحا بيده (اعذرني الآن فأنا مضطرا للذهاب الى العمل فقد تأخرت جدا).

لكن قبل أن يتحرك كان عاصم قد اقترب ليمسك بكتفه ليديره اليه وهو ينظر في عينه ليقول بحزم (مالك، لقد تعبت بشكلٍ يفوق قدرات البشر حتى أصل الى ما وصلت اليه، لذا فلا مجال للعواطف في هذا العمل، الأرض، هي كل ما يجب أن تصبو اليه، لقد قارب اسم رشوان أن يكون على نصف أراضي المدينة، هل تعرف معنى أن تمتلك ما يقرب من نصف المدينة، دع هذا في عقلك وثبته يا مالك، الأرض، أراضي رشوان).

أومأ مالك برأسه متفهما غير مقتنعا، طموح عاصم لا سقف له، لاحدود أو حواجز تمنعه و إن وجدت فإنما وجدت لتهدم بالثغرات أو بالقوة الغاشمة دون أن يخالف ضميره، تركيبة غريبة لا يستطيع أن يقرر صوابها من خطأها، الا أن الأكيد هو اختلافهما على النقيض، لكن سيظل عاصم علما مميزا في حياته...

استدار مالك لينصرف، وعند الباب نظر الى عاصم بخبث وهو يقول مبتسما (لم تذكر لي من هي تلك النمرة التي وقفت في مواجهة عاصم مهران)
عاد عاصم لعبوسه وهو ينظر بعينين مشتعلتين الى مالك والذي ضحك وهو يخرج مغلقا الباب خلفه دون أن ينتظر الإجابة.

هل تدخل أم لا؟، هل تدخل أم لا؟، انها أمام مكتب عمر و تريد أن تلفي اليه التحية فهل تمتلك الجرأة لتفعل؟، إنهما أصدقاء الآن، أم هل تتعجل الأمور؟، انها فقط تريد القاء التحية، فهل هناك قانونا يمنع ذلك؟..

أخذت نفسا عميقا وهي تطرق الباب برقةٍ، وما أن سمعت صوته الهادىء يسمح لها بالدخول حتى ابتسمت و فتحت الباب بهدوء لتدلف الى مكتبه، وجدته واقفا بجوار مكتبه فالتفت اليها ما أن دخلت، لماذا ارتبك هكذا؟، هل أتت في وقتٍ غير ملائم؟..
حسنا فلتلقي اليه التحية ثم تنصرف سريعا، قالت بهدوءٍ و ارتباك وهي كالعادة تحمر خجلا مبعدة خصلة شعرها الناعمة عن عينيها (مرحبا، فكرت أن ألقي اليك التحية و أخبرك أن).

للحظةٍ أوقفت كلامها وهي تلاحظ حركة بجوار النافذة الجانبية البعيدة، يالهي هناك شخصا كان معه واقفا و ظهره الى الباب، كيف لم تشاهده ما ان دخلت، انه موقف غباء مثالي في تلك اللحظة...
تلعثمت وهي تقول بضعف (أنا، أنا أعتذر للغاية، لم أكن أدرك أن)
توقفت كلماتها هذه المرة لكن مع اتساع عينيها بصدمة، وشهقة صامتة أفلتت من بين شفتيها حاملة اسما قديما دون صوت، عمره عشر سنوات منذ آخر مرة تذوقته، جاسر!..

طالعها الوجه الوسيم بإجرام، وعينانِ مشتعلتانِ بشراسةِ الماضي، هل هو كابوس من جديد، أغمضت عينيها و فتحتهما لعلها تصحو منه لكن همسة من خلف عمر جاءت مشتعلة بشوق، حنيييين...
لحظتها كانت اللحظة المثالية لتسقط، تماما كما ينتابها منذ سنين، لكن هذه المرة ما ان لامست الأرض حتى شعرت بذراعين قاسيتين تتلقفانها الى صدرٍ عضلي ضمها من قبل، وصوتا يهمس في اذنها دون أن يسمعه عمر، (لقد تلقيتك زوجتي، فلا تخافي)
.

حينها غاب عنها الوعي بكل ما يحمله من ماضٍ كانت قد دفنته طي النسيان.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة