رواية الفريسة و الصياد الجزء الثاني للكاتبة منال سالم الفصل السابع
في النادي
تبادل رأفت الصياد حديثا شيقا مع عائلة السيدة صفاء، وقضى معهن وقتا طيبا..
لم يشعر رأفت بمرور الوقت، واستمر في حديثه معهن..
التفت رأفت بجسده ناحية كارما، ثم...
-رأفت متسائلا: على كده انتي خريجة ايه يا كارما يا بنتي؟
-كارما بصوت خافت: إدارة أعمال يا أنكل
-رأفت: ماشاء الله
-صفاء مكملة بصوت حزين: كارما كانت بتدرس وتشتغل في نفس الوقت، وكانت ناوية تحضر للماستر بتاعها بس للأسف آآ...
-رأفت وهو يهز رأسه: أها، الحمدلله على كل حال.
حاول رأفت أن يغير مجرى الحديث خاصة حينما شعر بنبرة حزن في صوت السيدة صفاء، تلك السيدة الرقيقة التي تحاول جاهدة أن تبدو شجاعة وقوية الإرادة رغم عجزها..
-رأفت: طب وانتي بتشتغلي فين دلوقتي؟
نظرت كارما إلى والدتها في توتر، فهي قد شعرت بالاحراج من سؤاله الأخير، فكيف تخبر هذا الرجل الوقور أنها قد طردت توا من عملها، فحفظا لماء وجهها حاولت أن...
-كارما بتردد وهي تفرك يديها: آآآ، والله، يعني أنا كنت شغالة في آآآ، شركة Territorial، بس آآآ...
لم ينتبه رأفت إلى اسم الشركة التي نطقت بها كارما، لأنه كان منشغلا بالنظر إلى السيدة صفاء الرقيقة، والتي كانت محدقة في ابنتها كارما...
لاحظت صفاء توتر كارما، فحاولت أن تغير مجرى الحديث وترفع عنها الحرج و...
-صفاء مقاطعة وهي تشير بيدها: احم، اشرب يا رأفت بيه قهوتك، دي زمانها بردت
-رأفت: أها، حاضر.
في منزل أدهم
هاتف أدهم أخيه خالد ليطلب منه اقتراض سيارته لكي يذهب بها إلى الغردقة لكي يحضر متعلقات يارا الشخصية من منزل جدتها الراحلة و...
-أدهم هاتفيا: هتبعتهالي أمتى؟
-خالد هاتفيا: أنا بكرة هاجيبهالك
-أدهم: فل أوي
-خالد: بس اعمل حسابك أنا جاي معاكو
-أدهم بتعجب: جاي معانا تعمل ايه؟
-خالد: ورايا كام حاجة كده عاوز أعملها هناك.
-أدهم بصوت هامس: بس اوعى تعمل حسابك انك تبان معانا، احنا عرسان، ها فهمني طبعا
-خالد مبتسما: اطمن، أنا مش رزل للدرجادي
-أدهم: الله عليك، حبيب قلبي.
أنهى أدهم المكالمة مع أخيه خالد، فالتفتت إليه يارا متسائلة عن..
-يارا: ها؟
-أدهم وهو يشير بيده: كله تمام
-يارا: يعني خلاص هنسافر بكرة
-ادهم: بأمر الله.
صفقت يارا بكلتا يديها، ثم شبكتهما سويا وظلت تنظر أمامها في سعادة و...
-يارا بتنهيدة: اخيرااااا
-أدهم غامزا: ها يا قلبي مافيش مكافأة ليا كده ولا حوافز
-يارا وهي تنظر إليه: نعم؟
-أدهم وهو يشير بيده: أي حاجة تشجعية كده، أنا برضوه بتعب
-يارا باستغراب: بتتعب فيه بالظبط؟ ده انت يدوب اتكلمت في التليفون!
-أدهم: شغل ده ولا مش شغل، ودي حاجة أوفر تايم، يعني لازم أتحاسب عليها بأد عشرة عشرين تلاتين بوسة ع الأقل.
-يارا وهي تشير بيدها: حيلك حيلك، ليه يعني؟
-ادهم بنبرة جادة: هو كده..!
وضعت يارا كلتا يديها في شعرها و...
-يارا بحنق: يابااااااااي!
-ادهم بصوت خافت وبثقة بالغة: ودي ميزة انك تكون صياد!
في النادي
عاد عمر لينضم إلى أصحابه، جلس على المقعد وهو في حالة غريبة، جلس إلى جواره رامي صديقه واستغرب من طريقته الغريبة وشروده الغير مبرر و...
-رامي متسائلا: في ايه يا عمر؟
ظل عمر صامتا ومركزا في نقطة ما في الفراغ، حيث شرد في تلك الفتاة الرقيقة التي صدمها بالكرة قبل لحظات..
فقاطع رامي شروده ب...
-رامي وهو يلكزه: انت يا بني! هووووه!
-عمر بضيق: ايه يا عم، في ايه؟
-رامي: انت اللي مالك
-عمر وهو يمط شفتيه: أعوذو بالله منك، الواحد كان سرحان في حاجات حلوة وانت قطعت حبل غسيلي!
-رامي: حاجات ايه دي
-عمر: انت مالك! أهي حاجات وخلاص
-رامي وهو يمسك بالكرة: طب تعالى نلعب بالكورة شوية.
-عمر وقد جذبها قسرا منه: إياك تلمس الكورة دي تاني
-رامي باستغراب: ليه؟
-عمر وهو يتأمل الكرة بنظرة غريبة: هو كده، كله إلا الكورة دي، دي، دي كورة الهنا!
شعر رأفت بالفخر من طريقة تربية السيدة صفاء لابنتيها بمفردها، وعزة نفسها، وعدم خجلها من حالتها الصحية...
استمع إلى ذكرياتها مع المرض وكيف صمدت ولم تنهار، وكيف عاونتها ابنتيها في جعل أحوال الأسرة تستقر...
حاول رأفت أن يتعرف أكثر على ابنتي السيدة صفاء، فتوجه بحديثه إلى كنزي و..
-رأفت: وانتي ناوية تخشي ايه يا كنزي؟
-كنزي: أنا علمي يا أنكل
-رأفت: ربنا يعينك، أنا عارف ان العلمي صعب
-كنزي: اها.
-رأفت: عمر ابني مدوخنا معاه في دراسته، ربنا يسهل ويفلح فيها
-صفاء: كل الأولاد كده، متعبين في مذاكرتهم.
-رأفت وهو يوجه حديثه لكارما: بس انتي اشتغلتي كويس على نفسك يا كارما
-كارما: الحمدلله، أنا بحب الشغل اللي بعمله فعشان كده تلاقيني باستمتع بيه
-رأفت: ماشاء الله، اللي زيك قليل اليومين دول
-كارما: في كتير يا أنكل بس مش بياخدوا فرصتهم، وأنا ناوية أدور على شغلانة غير اللي اتطردت، آآآ، قصدي حاجة أحسن.
أطرقت كارما رأسها في خجل لأنها بدون قصد أخبرت رأفت بمسألة طردها من العمل السابق..
فكر رأفت الصياد في طريقة ما لكي يساعد بها السيدة صفاء دون أن تشعر منه بالحرج، فقد أشفق على حالها، وأعجب بصمودها واصرارها على تربية ابنتيها بمفردها وعلى الرغم من عجزها دون أن تمد يدها للأخرين وتتسول منهم..
لذا اقترح رأفت على كارما أن...
-رأفت: ايه رأيك يا كارما لو تيجي تشتغلي عندي في الشركة؟
-كارما بدهشة: اشتغل عند حضرتك
-رأفت مبتسما: ايوه
-كارما وهي تهز رأسها بالنفي: لألألأ، شكرا لحضرتك.
-رأفت: يا بنتي أنا مستخسر كفاءتك دي تضيع كده، وبصراحة أنا مش عاوز واحدة زيك مميزة تضيع من ايدي وما استفدتش من مهارتها.
ابتسمت كارما في خجل عقب عبارات رأفت التشجيعية لها..
ظل رأفت يحاول اقناع كارما بقبول العمل في شركته، وهي مصرة على الرفض..
شعرت صفاء أن عرض رأفت بالعمل قد جاء في الوقت المناسب، وأن الله عوض ابنتها عن ظلمها في عملها السابق، ولكن في نفس الوقت خشيت أن يكون عرض العمل هذا مجرد وسيلة للاشفاق على حالها ومساعدتها، فتدخلت في الحوار و...
-صفاء: شكرا يا رأفت بيه على عرضك الكريم، بس بنتي آآآ...
-رأفت مقاطعا: مش هاقبل الرفض يا صفاء هانم، كارما دي بنتي، وأنا بصراحة مش هاسيبها تشتغل عند الغريب.
-صفاء: انا بنتي مش بتشتغل عند أي حد، دي كانت شغالة عند آآآآ...
-رأفت مقاطعا باصرار: أنا مش عاوز أعرف هي كانت شغالة عند مين، أنا يهمني الوقتي انها تكون من ضمن فريق العمل الخاص بيا في الشركة، ولعلمك يا صفاء هانم أنا أصلا عامل اعلان عن توفير فرص عمل للشباب يعني بنتك هاتكون زي أي حد متقدم للوظيفة، بس الفرق انها هتدرب في مكتبي شخصيا
-صفاء بصوت خافت: أنا مش عارفة أقول لحضرتك ايه.
-رأفت مبتسما: انا مش عاوز غير انها تشتغل معايا، وهستناها بكرة في الشركة ان شاء الله، تمام؟
تنهدت صفاء في ارتياح لأنها شعرت برغبة رأفت في تشغيل ابنتها فقط لرغبته في الاستفادة من كفاءتها في العمل وليس اشفاقا بحالها...
نظر رأفت في ساعته، فوجد أن الوقت قد تأخر تماما، فاستئذن بالانصراف بعد أن أعطى كارتا صغيرا للسيدة صفاء مدونا عليه أرقامه لخاصة وعنوان شركته..
ابتسمت له السيدة صفاء ابتسامة عذبة وشكرته على ما فعله، وانصرف هو في هدوء...
ظلت صفاء تتناقش مع ابنتيها في عرض العمل المغري الذي جاء به رأفت إلى ابنتها، وحمدن الله كثيرا على نعمه ورزقه الذي يأتي بدون ميعاد...
زفرت فريدة في ضيق حينما رأت رأفت قادما عليها، وبدأت في توبيخه ونهره بحدة لعدم التزامه بميعاده و..
-رأفت بضيق: حصل خير يا فريدة، مش لازم الاسطوانة دي كل يوم
-فريدة: انت عارف أنا بقالي أد ايه مستنياك؟ ولولا ان أصحابي جوم أعدوا معايا أنا مكونتش عديت ده بالساهل
-رأفت وهو يمط شفتيه: استغفر الله العظيم
-فريدة على مضض: هاتغدى ايه؟
-رأفت باقتضاب: مش عاوز.
-فريدة بنبرة غاضبة: هو ايه اللي مش عاوز، انت عارف كويس اننا جايين النادي النهاردة عشان نتغدى، فياريت تطلب الغدى بدون خناقة
-رأفت بنبرة ضيق: تعبان يا فريدة، مش قادر أكل، عندي حموضة، الله!
-فريدة وهي تزفر في ضيق: اوووف، مش بتهنى معاك على خروجة
-رأفت وهو ينظر إليها من زاوية عينه: ولا أنا!
انضمت شاهي ووالدتها إلى فريدة ورأفت بعد ان انتهت كلتاهما من اعداد حقائبهما للعودة إلى فيلتهم من جديد...
أمسكت شاهي بهاتفها المحمول وحاولت أن تتصل بإسلام لكي تطمئن على أحواله، ولكن للأسف كان هاتفه غير متاح..
انتاب شاهي القلق، فتلك هي المرة الأولى - منذ أن تعرفت إلى إسلام – التي يتجاهل فيها مكالماتها الهاتفية..
-شاهي في نفسها بضيق: قافل موبايله ده بس ليه، يوووه، كده برضوه يا إسلام! طيب أما ترد عليا بس!
في فيلا ناهد الرفاعي
في المساء
أوصل خالد خالته ناهد الرفاعي هي وابنتها شاهي إلى فيلتهما، ثم اطمأن عليهما، وتأكد من وجود حارس على بوابة الفيلا، والخادمة بصحبتهما، ثم انصرف..
ظلت شاهي تحاول الاتصال بإسلام طوال الليل، ولكن دون جدوى، فإن كان هاتفه غير متاح لا يجيب على اتصالاتها المتتالية، ولا يرد على رسائلها المتعددة..
شعرت شاهي بالضيق لتعمده تجاهلها، ودار في رأسها ما أخبرتها به خالتها فريدة من قبل وهما جالستان تتسامران على الأرجوحة و..
-شاهي بنبرة قلقة: يا خوفي يكون كلام أنطي فيرووو صحيح، بكرة انا هحكيلها ع اللي حصل من اسلام وأشوف هاتقولي أتصرف ازاي، هي أكيد هتقولي ع طريقة أردله بيها اللي عملوه ده! بس أنا زعلانة منك يا إسلام، كده برضوه، ماشي!
في صباح اليوم التالي
وصل خالد بسيارته أسفل البناية التي يقطن بها أدهم منذ الصباح الباكر بعد أن اتفق معه على ملاقاته هناك، وانتظر نزوله هو وزوجته يارا من أعلى..
ظل خالد يراقب الطريق إلى أن لمح أدهم وهو يحمل حقيبة سفر صغيرة، وتدلف من خلفه يارا، فترجل من السيارة ثم مد يده ليصافح يارا، واطمأن على أحوالها، ثم أشار لها لكي تركب السيارة، وفتح لها باب السيارة الخلفي لكي تجلس في الخلف..
وضع أدهم الحقيبة الصغيرة في صندوق السيارة بعد أن فتحه، ثم أغلقه، وتوجه إلى المقعد الأمامي وجلس بجوار اخيه خالد الذي تولى قيادة السيارة..
داس خالد على دواسة البنزين لينطلق بالسيارة إلى الغردقة...
في شركة الصياد
وصلت كارما إلى مقر شركة الصياد، ثم صفت سيارتها الحمراء الصغيرة ماركة ( هيونداي ) بجوار الشركة، وترجلت منها، وسارت بخطوات مضطربة نحو مدخل الشركة...
أخذت كارما نفسا عميقا قبل أن تدلف إلى بهو الشركة الفخم، ارتعدت مما هي مقبلة عليه، ولكنها كانت عاقدة العزم على أن تثبت جدارتها، وتكن عند حسن ظن السيد رأفت الصياد..
سألت كارما الاستقبال عن مكتب المهندس رأفت الصياد، ثم صعدت إلى الطابق العاشر بعد أن ركبت المصعد، وتوجهت إلى مكتب السكرتارية حيث طلبت منها أن تجلس في الخارج حتى تبلغ رب عملها السيد رأفت الصياد بأمر وصولها...
ظلت كارما تتأمل المكتب بأعين قلقة ومتوترة، شعرت أن حجم العمل هنا يختلف تماما عن ذاك الذي كانت تمارسه في شركة عدلي الباشا...
دلفت السكرتيرة خارج مكتب رأفت ثم أشارت بيدها لكارما و...
-السكرتيرة: اتفضلي يا آنسة، رأفت بيه في انتظارك
-كارما بصوت خافت: ميرسي.
نهضت كارما من على الأريكة الجلدية، ثم طرقت الباب قبل أن تدلف إلى داخل المكتب..
كانت كارما متوترة للغاية، تحاول أن تستعيد ثابتها الانفعالي..
وما إن رأها رأفت وهي تدلف عنده حتى نهض من خلف مكتبه، ثم توجه ناحيتها، وصافحها، وأشار لها بالجلوس..
طمأن رأفت كارما، وأخبرها بطبيعة عملها في الشركة، وأنها ستتولى متابعة إتمام مهام مكتبه ومساعدة مكتب السكرتارية في إعداد الصفقات الجديدة ريثما تتعلم هي كل شيء وتتولى إدارة مكتبه بنفسها..
شعرت كارما بأن طموحها وأحلامها على وشك أن تتحقق في تلك الشركة في حال أن استطاعت أن تثبت جدارتها واستحقاقها لذلك..
كما لم يبخل رأفت الصياد على كارما في اعطائها راتب مجزي، ورغم أنها تفاجئت بصرفه لنصف الراتب قبل أن تبدأ عملها إلا أنها شعرت بالسعادة لأنها ستتمكن من شراء الأدوية الخاصة بوالدتها دون أن تضطر للاقتراض من أحد..
شكرت كارما المهندس رأفت الصياد على ما فعله لها، واستئذنته لكي تبدأ عملها..
وفر المهندس رأفت مكتبا لها في داخل مكتب السكرتارية، ثم أعطاها صلاحيات مميزة لكي تمارس عملها بحرية دون الشعور بالخجل وحتى تنطلق...
انصرفت كارما من مكتب رأفت الصياد، فعاد هو لكي يجلس على مقعده، ثم أراح ظهره للخلف وابتسم في عفوية و...
-رأفت بنبرة هادئة: سبحان الله، بنت زي القمر بس حظها قليل، وان شاء الله هيكون ليها مستقبل مع، مع عيلة الصياد...!