رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني عشر
تأخر في الصعود لحجرتهما، لقد تعمد ذلك حتى يترك لها وقتا تفرغ فيه مشاعرها دون تطفل منه او حتى تكليف نفسها ما لا تطبق بادعائها انها على ما يرام امامه حتى تظهر بمظهر القادرة والمسيطرة على الامور والتي يعلم تماما انها تتفلت من بين أصابعها..
فتح الباب في هدوء معتقدا انها راحت في سبات عميق لكن ما ان دلف للغرفة حتى وجدها فارغة..
اعمل عقله للحظة واخيرا استنتج موضع وجودها فاتجه في تؤدة نحو حجرة جدها، فتح الباب بحرص شديد ليطالعه جسدها متكوم على الفراش محتضنة مئزره المفضل والذي كان يحمل رائحته التي تشعرها بالامان الذي ولى برحيله..
اقترب منها في حذّر ليجدها تغط في نوم عميق لكنها تشهق من خلاله ما بين الحين والآخر شهقات موجعة تؤكد انها كانت تبكى قبيل خلودها للنوم مباشرة..
شعر بالشفقة عليها ولم يشأ ان يوقظها وقرر تركها تنام حيث تشعر بالراحة، مد يديه دافعا بالغطاء ليدثرها لتصدر منها شهقة جديدة جعلته ينحنِ لاأراديا طابعا قبلة على جبينها في رقة راغبا في الا يدعها وحيدة..
لكنه قاوم تلك الرغبة سائرا بحرص في سبيله لمغادرة الغرفة ملق عليها نظرة اخيرة قبل ان يغلق الباب ورائه تاركا إياها تغفو في سلام..
طرقت نهى الباب عدة طرقات وأخيرا دفعت الباب ودخلت لعلمها بانها وحيدة تماما بحجرة جدها، لتجدها لازالت بملابس الامس حتى غطاء رأسها لازالت تضعه مستيقظة شاخصة أبصارها تجاه تلك الصور الفوتوغرافية الماثلة امامها على الحائط تتأملهم بعيون دامعة..
تنهدت نهى وهى تجلس جوارها هامسة في محاولة لإقناعها بالنزول للإفطار: - هيا حياة، لننزل لنتناول شيئا، انتِ لم تمسي طعاما منذ ايّام..
همست حياة بصوت اجوف النبرة: - لا شهية لي، اذهبي انتِ..
همست بكلماتها الأخيرة ولايزل ناظرها معلقا على الصور هامسة في وجع: - رحل كل احبابنا يا نهى، أصبحنا وحيدتان في هذه الدنيا، كان دوما ما يتطلع جدي من موضعه هذا لتلك الصور شاردا بالساعات وكنت أتساءل لما يفعل ذلك، الان وانا اجلس بنفس موضعه ادركت لما!؟، انه الحنين القاتل الذي كان يعانيه وأعاني مثيله اللحظة، لمَ لم ارحل في حادث الطائرة لأكون معهم!؟، لمَ.!؟.
شهقت حياة باكية لتشاطرها نهى البكاء للحظة وأخيرا ربتت على كتفها في مؤازرة تهمس معاتبة: - هيا يا حياة، ارجوكِ، البقاء هنا سيقتلك حزنا..
طل ادم متنحنا على اعتاب الغرفة ودخل في أريحية هاتفا: - صباح الخير..
نهضت نهى من جوار حياة هاتفة بدورها: - صباح الخير، الإفطار جاهز بالأسفل..
هتف ادم: - اشكرك، سنكون باعقابك..
هتفت نهى في شجن: - لكن حياة تأبي النزول..
هتف ادم معترضا واكد بلهجة الواثق: - لن يكون، ستتناول الإفطار معنا بالأسفل..
ابتسمت نهى في امتنان فهى تدرك بفطرتها ان ادم هو الشخص الوحيد الذي باستطاعته اثناء حياة عن امر اعتزمته وما ان همت بالخروج من الغرفة حتى توقفت متنحنحة للحظة وهتفت موجهة كلامها لآدم بنبرة شاكرة: - بالمناسبة، لا اعرف كيف اشكرك على كل ما فعلته معنا.!؟.
ابتسم ادم هاتفا في نبرة عاتبة: - لما الشكر من الأساس!؟، ألم اصبح فردا من العائلة!؟.
اكدت نهى في حماسة: - بالطبع انت كذلك..
وهتفت وهى تندفع من الحجرة مؤكدة: - سأنتظركما بالأسفل ولن أتناول فطوري حتى تحضرا..
هتف ادم مؤكدا بدوره هاتفا في مرح: - ونحن لن نتأخر، حافظي على يديكِ مضمومتين لا تقرب أي طبق حتى نأتي فانا أتضور جوعا..
قهقت نهى هاتفة وهى تبتعد: - اذا تأخرتما فلا ضمان لهذا فانا أتضور جوعا بالمثل..
تقدم نحوها هاتفا: - هيا لننزل لتناول الإفطار..
تطلعت اليه للحظة وتجاهلت أوامره وكأنها لم تسمعها مما دفعه ليجذب الغطاء بعيدا امرا إياها في حزم: - هيا استعدي للإفطار والا..!؟.
هتفت حياة في غضب: - والا ماذا!؟، ستتركني وحيدة، لم نعد بالجزيرة على ايه حال وانا وحيدة بالفعل لم تأت بجديد..
اوجعه كلامها لحد كبير مدللا على مدى معاناتها الداخلية لكنه اظهر على ملامحه قسمات عكس دواخله هاتفا: - لا، لن أدعك وحيدة ولكني سأحملك بهيئتك المزرية تلك حتى طاولة الإفطاروأطعمك بيديا عنوة امام أبنة عمتك والخدم جميعا..
تطلعت اليه في شك انه قد ينفذ ما يهدد به لكن نظرة واحدة لوجهه كانت كفيلة لتؤكد انه على استعداد تام لفعل ذلك وبكل استمتاع..
دفعت بنفسها خارج الفراش دفعا وهى تهمهم في غضب باتجاه الحمام ليهتف ادم ممسكا ضحكاته متصنعا الحزم: - هل تقولين شيئا يا بطتي!؟.
أغلقت باب الحمام بوجهه في عنف مما دفع قهقهاته لترتفع هاتفا بصوت عال: - راااائع، كم احب الزوجة المطيعة..!؟.
وعاد ليقهقه من جديد وهو يستمع الى صوت ارتطام شيء ما مدفوع من الداخل على باب الحمام..
دخل مهنى الى الفيلا بعد انتهائهم من تناول الإفطار ملقيا التحية في اعتيادية هاتفا: - مر أسبوع كامل على وفاة جدكما واعتقد انه جاء الوقت للجلوس لقراءة وصيته..
هتف ادم في حماس: - اعتقد انك على حق..
تنبهت حياة لحماسته وهتفت في تحفظ: - هل هذا ضروري!؟.
اكد مهنى بايماءة من رأسه وهتف مفسرا: - على كل واحدة منكما ادراك ما لها..
هتفت نهى في لامبالاة: - انا وحياة مالنا واحد، لن يكون هناك خلاف بيننا على امر كهذا ابدا..
اكد مهنى في تخابث وهو ينظر الى ادم نظرة جانبية ذات مغزى: - اعلم أنكما اقرب لبعضكما من اخوات لكن كل منكما لابد ان تعلم حقها لان حياة اليوم زوجة وانت يا نهى يوما ما سيكون لك زوجا سيبحث عن حقك..
اكد ادم حديث مهنى دون مواربة: - رأي صائب سيد مهنى، الامر لن يضر احداهن..
هتف مهنى مؤكدا: - حسنا، سأكون هنا مساء الغد لفتح الوصية، هل هذا يناسب الجميع..!؟.
أؤمأ الكل موافقا وما ان هم مهنى بالرحيل حتى تطلع الى نهى ليسألها: - هل انتِ في طريقك للشركة!؟.
اكدت نهى: - نعم، اليوم عليّ إنهاء بعض الأمور المعلقة..
هتف مهنى في مودة: - حسنا، اسمحي لى بتوصيلك، فطريقنا واحد على أي حال..
وابتسم ابتسامة ذات مغزى لم تدركها نهى
التي وافقت في أريحية ليرحلا سويا وعيون ادم تتبعهما..
تطلع مهنى لنهى التي كانت تجاوره بالسيارة هاتفا في وداعة: - ما أجمله من صباح!.
ابتسمت نهى هاتفة في أريحية: - اشكرك، كان ذلك لطفا منك..
هتف مبتسما: - كان ذلك من دواعي سعادتي، بالمناسبة..
تحولت نبرة صوته لنبرة عملية هاتفا: - لقد طلبت من جدك تعيين مسؤل جديد عن الحسابات وكان قد وافق رحمه الله، انه بانتظارنا في الشركة سأرسله ل..
هتفت نهى في بساطة تقاطعه: - نعم، انا على علم بذلك، وقد نشرت اعلان للتقدم للوظيفة يوم ان اخبرني جدي واليوم هو ميعاد المقابلات الشخصية للراغبين..
تطلع مهنى لها في صدمة متسائلا: - ولما لم تخبريني بأمر هذا الإعلان!؟.
هتفت نهى في سلاسة: - لانه كان بناء على امرمباشر من جدي وهذا ايضا من صميم عملي، هل هناك خطب ما!؟.
اكد مهنى محاولا السيطرة على غضبه الكامن بأحشائه: - لا مطلقا، لكن انا في موقف حرج الان فهو ينتظر بمكتبي وكنت سأرسله لك لتقومي على إنهاء متطلبات التعيين، ولا..
هتفت نهى تقاطعه بابتسامة مشرقة: - ما من مشكلة، ارسله وسأقوم بالمقابلة الشخصية بنفسي واذا ما كان الاكفء من بين المتقدمين ستكون الوظيفة من نصيبه بالتأكيد..
هز مهنى رأسه موافقا وقد وصلا لمقر الشركة ليندفع لمكتبه تشيعه نهى بابتسامة وهى تتجه لحجرة مكتبها ومنها لحجرة الاجتماعات حيث ينتظرها العديد من طالبي الوظيفة..
هتفت شادية وهى تقذف بأحد مقاعد الطاولة ليسقط مصدرا صوتا مدويا انتفض على اثره شهاب متطلعا اليها في ضيق غير قادر على التعبيرعنه امام ثورتها: - اما من طريقة للوصول لأموال هذه الحياة!؟، اين تلك الأوراق اللعينة التي ستعيد حقنا أيها الاحمق!؟، لو كانت بحوزتك الان لكنت قابعا سيدا لهذه الفيلا بديلا عن ذاك الذي يتمتع بها الان، وكان طلقها مرغما وقبلت هي بعودتك لحياتها خوفا من الفضيحة وشراء لحريتها حتى لا تدخل السجن بتهمة تعدد الأزواج، وكان نالني انا من هذا العز جانبا..
هتف شهاب مؤكدا: - انا أحاول قدر استطاعتي لكن الحصول على هذه الأوراق يحتاج لأموال طائلة حتى يمكنني الحصول عليها..
هتفت شادية: - افعل كل ما يمكنك فعله للحصول عليها، المهم ان اجد نفسي هناك، مع تلك الحقيرة، حتى تعلم اننا نلنا ما اشتهينا رغما عن انفها..
تطلع اليها شهاب يهز رأسه في طاعة..
جلست نهى خلف الطاولة وأمرت مساعدتها بإدخال راغبي الوظيفة واحد تلو الاخر وأمامها سجلات مرتبة تحوي كل ما يخصهم من مؤهلات وشهادات كفاءة..
دخلوا واحدا تلو الاخر ولا جدير بالوظيفة ارتأت استحقاقه لها..
شعرت بالإرهاق واليأس وقررت قبول ذاك الشخص الذي احضره عمها مهنى فهو يثق على الأقل في كفاءته، همت بمغادرة غرفة الاجتماعات الا ان تلك الطرقات على الباب جعلتها تعاود الجلوس مرة اخرى وراء مكتبها متنهدة ومدت كفها لكوب العصير ترتشف منه وهى تهتف امرة في ضيق ونفاذ صبر: - ادخل..
دفع الباب ودخل لتغص هي بتلك الرشفة التي كانت بحلقها واثناء نوبة سعالها دخل طرف الشفاط في عينها فاصبحت غيرقادرة على التنفس اوالرؤية..
اشتد السعال وانسكب العصير وسادت الفوضى..
اندفع هو تجاهها ما ان رأي ما يحدث محاولا انقاذ ما يمكن انقاذه فأخذ يطرق بكف يده القوية على ظهرها وامسك باحد الملفات يلوح بها طلبا لبعض الأكسجين لإسعافها، لحظات وهدأ السعال فاشارت له اخيرا انها على ما يرام مما جعله يعود في حذّر ليجلس قبالتها على الجانب الاخر من الطاولة..
مدت كفها لتسحب بعض المناديل الورقية من علبتها الموضوعة امامها لتسمح دمعها جراء سعالها الشديد والتي تشوش رؤيتها تماما لكن لا فائدة فقد علقت المناديل وأقسمت الا تخرج من مخبئها مما أثار غضبها لتهتف في حنق وهى لا تزل تجذب احداها: - اللعنة، اللعنة..
نهض الشاب في هدوء هامسا: - اسمحي لي..
ومد يده ليخرج المنديل العالق بكل هدوء وقدمه اليها في مودة..
مدت كفها تتناوله وهى تراه من خلف غلالات دمعها صورة مهزوزة مشوشة، لكنها رغم ذلك رائعة..
أجلت عينيها ونظرت اليه هذه المرة بشكل اوضح، كان رائع بكل المقاييس، همست في تيه: - ما اسمك..!؟.
اشار الشاب للأوراق التي بللها العصير المسكوب: - كان بالأوراق التي أغرقها ال..
هتفت ساخرة: - الا أستطيع معرفة اسمك بلا أوراق..!؟.
وقهقت مستطردة: - ام انك نسيته!؟
هتف برزانة وابتسامة دبلوماسية على شفتيه زادته وسامة جعلتها تحملق فيه ببلاهة: - لا بالطبع، ادعى سامي، سامي عبدالحميد الساعي، وحاصل على..
حاولت النظر للأوراق لكن العصير المسكوب جعلها ما عادت قادرة على الاستخدام فهتفت بلا تردد: - حسنا، الوظيفة لك، مبارك..
نظر اليها في تعجب متسائلا: - حقا!؟، بهذه البساطة..!؟.
اكدت في مرح: - نعم بهذه البساطة، لقد برهنت انك موظف كفء، فلقد انقذت حياتي لتوك..
وزيلت احدى الاوراق بتوقيعها هاتفة: - انت الان فرد من أفراد الشركة، اذهب لمساعدتي بالخارج وهي ستخبرك بما عليك فعله..
ونهضت تمد كفها في أريحية تجاهه هاتفة: - مرحبا بك بيننا يا سامي..
نهض سامي في دهشة مادا كفه للتحية بدوره هاتفا في هدوء: - هذا من دواعي فخري، اشكرك..
استأذن سامي لينفذ ما امرته به تاركا إياها تتطلع حيث غاب ولا تعلم لما منحته الوظيفة بهذه السرعة رغم عدم تأكدها من مهاراته لكنها أقسمت انه حتى ولو لم يكن يجيد علم الرياضيات لكانت وظفته وليكن ما يكون، قهقت عندما لمع هذا الخاطر بمخيلتها في شقاوة..
لليوم الرابع على التوالي يبحث عنها بداخل حجرتهما فلا يجدها، كان يعلم انها بحجرة جدها وكان يحترم حزنها فتركها تفعل ما فيه راحتها لكن بعد ما سمعه منها مع نهى صباحا فلا يجب ان يدعها تبيت في تلك الغرفة من جديد..
طرق باب غرفة جدها فلم تجب فدخل بحرص ليجدها على نفس موضعها ككل ليلة تتكوم بالفراش محتضنة مئزره وتنام باستكانة في وضع جنيني يثير الشفقة، اقترب منها وهم بحملها لتنتفض مذعورة تتطلع نحوه في تشوش هاتفة في ذعر: - ماذا تريد!؟.
همس يطمئنها: - لا تفزعي، جئت أحملك
لحجرتك التي عليك إلتزامها..
نظرت اليه في ضيق هامسة بصوت غاضب: - انا مرتاحة هنا، سأنام بفراش جدي، هل لديك مانع..
كان رده عمليا فقد حملها بغطاء الفراش لتشهق وهو يهتف مؤكدا: - نعم لدي الف مانع، فانا زوجك ولي الحق في ان تكوني الى جواري..
حاولت ان تتملص من بين ذراعيه ولكنه كان يقبض عليها بشكل حازم فلم تستطع الفكاك الا وهو يضعها على فراشهما الذي ما ان همت بلمسه حتى نفضت الغطاء عنها واندفعت مبتعدة في اتجاه اريكتها، تركها ولم يهتم بما فعلت فقد كان مقصده فقط هو ابعادها عن حجرة جدها وذكرياته وصور العائلة التي تثير أحزانها بشكل مضاعف، تمدد بدوره على الفراش موليا وجهه لموضعها على الاريكة التي تمددت عليها بدورها مولية ظهرها له، كانت تبكي، استشعر ذلك من اهتزاز جسدها لانها كانت تحاول كتمان شهقات البكاء الذي يدميها وجعا، تنهد في حزن واستدار موليا ظهره لها بالقابل، حاول النوم لكن لا سبيل له وهو ما ان يغلق عيناه حتى يطالعه مظهرها مولية الظهر تبكى بقهر مكتوم..
انتفض بشكل لاإرادي مندفعا اليها ليحملها من جديد من فوق تلك الاريكة لتهتف معترضة في وهن: - اتركني لحالي، ارجوك..
همس وهو يضعها مرة اخرى على الفراش لتندفع مبتعدة على الطرف الاخر مولية له ظهرها، ابتسم في شجن لأفعالها الطفولية وتمدد جوارها مقتربا منها وأحاطها بذراعيه تخشب جسدها وهمست بأحرف متقطعة: - رجاءً، اتركني، فانا..
ضم ظهرها اكثر الى صدره هامسا: - هششش، نامي، فانتِ بحاجة للراحة..
واقترب هامسا بالقرب من مسامعها: - ولا تخش شيئا فانا لا استغل حزن امرأة مكروبة، اطمئني..
بدأ جسدها المتخشب من الاسترخاء بعض الشئ بعد كلماته التي كانت تحمل صدقا لا يمكن إغفاله، تطلع اليها ليجد عيونها مفتوحة تتطلع امامها ونظرها لايزل معلقا بالحائط المقابل للوحة مجسدة لكيوبيد اله الحب على هيئة ملاك ممسكا بقوسه فطرأت له فكرة وهمس بالقرب من مسامعها محاولا استدراج مخيلتها بعيدا عن أحزانها الحية: - هل تدركين من ذاك الملاك بالصورة!؟، وهل تعرفين حكايته!؟.
هزت رأسها نفيا دون ان تجيب بحرف ليستطرد وقد تشجع هامسا: - انه كيوبيد اله الحب، ابن الاله فينوس اله الجمال، كان دوما ممسكا بقوسه كما ترين يصيب به قلوب البشر ليقعوا في الغرام ويصيبهم العشق بسهمه..
لكن هل وقع اله الحب في العشق يوما!؟.
تنبهت هامسة: - هل حدث ووقع بالهوى!؟.
ابتسم لانها استعادت بعض من فضولها تجاه حكاياه هامسا: - نعم، أصابه سهمه يوما بالخطأ فجرح قلبه ووقع في هوى فتاة جميلة تدعى بسايكي، هام في هواها وقرر الزواج بها فامر كيوبيد والد الفتاة بتركها على جزيرة وحيدة والزواج بها بعيدا عن اعين البشر وحتى لا تعلم امه فينوس فتفرقهما..
همست ما بين صحوها وغفوتها: - كانا على جزيرة وحيدين، مثلما كنّا..
هزته الذكرى بشكل عجيب فابتسم هامسا: - نعم، تزوجا لكن كيوبيد كان شرطه الا تراه زوجته الا طيفاً، لا تعلم هيئته الحقيقية، الا انه في احدى الليالي، خالفت بسايكي ذاك الشرط وإضاءت الانوار وهو نائم بقربها رغبة في معرفة حقيقة زوجها الذي زاد عشقها له بعد ادراكها لهويته لكن للأسف امه علمت بالأمر وقررت تفريقهما..
همست في شجن وبصوت ناعس: - اشفق عليهما، فما امر الفراق!.
تنهد مستطردا: - لكنهما لم يستسلما وعانى كل منهما الأهوال ليلق خليل قلبه حتى ازعنت فينوس أخيرا لرغبة قلبيهما وجمعتهما ليعشا في سلام عشاق للأبد...
ثقلت أجفانها بالفعل وراحت في سبات عميق، ادرك ذلك من انفاسها المنتظمة فضمها اليه اكثر يستشعر انه يضم اليه جزء عزيزعليه افتقده منذ زمن بعيد وهاقد عاد الي موطنه الاصلي بين ذراعيه وعلى قدر تلك الراحة العجيبة التي كانت تسربله على قدر ذاك القلق الذي اعترى روحه التي كانت تظن انها اصبحت محصنة للأبد من ذاك المرض العضال المدعو، المدعو ماذا!؟، انتفض داخليا وهو يؤكد انها مجرد بعض من ألفة لبقائهما معا في الجزيرة لفترة ليست بالقصيرة وحيدين تماما وثانياً لاشفاقه عليها لوفاة جدها الذي كانت تحبه، الامر لا يخرج عن هاذين السببين لا اكثر، همس لنفسه مؤكدا، نعم، فلتهدأ روحي وتقر عينا، فبالنسبة لي، العشق باب مصمت بلا مقابض، وعلى الرغم من حديث نفسه الذي جعله يطمئن بعض الشئ الا انه احكم ضم ذراعيه حولها ملصقا إياها لصدره لتسكن تماما باحضانه ليغلق عيونه بدوره مبعدا إياها عن لوحة كيوبيد الذي يلهو بقلوب العاشقين، متنهدا في راحة لقربها جلبت له مزيد من عدم الراحة، ويالها من معادلة!
شعر بتيبس باحد ذراعيه وحاول ان يتحرك ليشعر بثقل ما يكبله ففتح عيونه في تكاسل ليجدها لاتزل على حالها ترقد في براءة بين ذراعيه تهنأ بنوم عميق وقد جفت دموعها على وجنتيها لتضيف على مظهرها ذاك مظهرا شهيا بشكل لا يصدق..
جذب نفسه من التمادي في خواطره الخطرة تجاهها وابتسم رغما عنه وهو يجدها لاتزل محتفظة بغطاء رأسها الذي أصبحت لا تخلعه ابدا وقد انحصر قليلا للخلف، استشعر انها لاتزل تتوجس منه ولم تمنحه ثقتها كاملة لتعامله كزوج حتى ولو من الناحية الشكلية..
اغمض عينيه سريعا عندما شعر بتململها بين ذراعيه مدركا انها في سبيلها للاستيقاظ وقد كان محقا فقد فتحت عيونها في ثقل فلازال النعاس يتشبث بأهدابها ليصطدم ناظريها بذقن احدهم، انتفضت داخليا ورفعت نظراتها اليه وتذكرت ما حدث بالأمس مما جعلها تضطرب وهى غير قادرة على الفكاك من شرك ذراعيه المحكم حولها، لكن أخيرا تسللت في مهارة مبتعدة عن حصاره وقد ساعدها هو بشكل خفي على الخلاص من أسره لتنهض مبتعدة تتنفس في اضطراب فقد كانت اللحظة بين ذراعيه تنعم بأمان تعلم تماما انه زائف لكنه حرك وجعا ما خفيا بين أضلعها تحاول ان تئده حيا..
لم تكن قد استعادت رباطة جأشها بشكل كامل حتى همهم ادم يعلن انه على وشك الاستيقاظ، فتح عيونه متطلعا نحوها وعلى شفتيه ابتسامة ماكرة جعلت أمعاءها تتلوى اضطرابا، هتف في تكاسل: - صباح الخير زوجتي العزيزة..
هتفت في غيظ: - لا تقل زوجتك، تعلم تماما انه زواج مدبر درأً للفضيحة من منظور جدي..
وتحشرج صوتها مؤكدة: - وها قد ذهب جدي بلا رجعة فلا اعتقد ان استمرارنا في تلك المسرحية الهزلية له اي داعِ..
هتف مازحا كأنه لم يسمع ما تفوهت به لتوها: - اعتقد ان الفطير وبعض من العسل والزبد سيكون رائعا على الافطار، اشعر بجوع شديد حتى اني على استعداد لتناول الإفطار باطباقه..
هتفت في غضب: - الا تفكرالا في مجونك ومعدتك.!؟، اما من شئ اخر يحتل ولو جزء بسيط من هذه الجمجمة!؟.
قهقه مؤكدا في عبث: - بالتأكيد يوجد، المال الذي بدونه لن أستطيع الحصول على كليهما..
هتفت غاضبة وهى تقذفه باحدى الوسائد التي كانت في متناول يدها: - حقير، استطاع تلقي الوسادة بين ذراعيه ضاما إياها في شوق هاتفا في لهجة مازحة: - اخيرا سأحصل على حرب الوسائد التي تمنيت..
وبدأ في إلقاء الوسائد واحدة تلو الاخري والتي كانت تصيب الهدف في مهارة لتصرخ حياة في غضب راغبة في الوصول اليه حتى تجتث رأسه من فوق كتفيه، اخيرا استطاعت الإمساك به بعد جهد جبار عندما انتهت الوسائد من جانبه مما مكنها من الانقضاض على رقبته صارخة في.
ثورة: - أيها الاحمق، سأقتلك بكف عارِ، أطبقت بالفعل على رقبته بكلتا يديها ولم يقاوم هو بقدر ما ارتسمت ابتسامة هادئة على شفتيه وهمس بأسلوب مسرحي في صوت أبح نظرا لضغطها على حنجرته: - الموت بيديك متعة في حد ذاتها، ما اجمل الرحيل بين ذراعيكِ..
ابعدت كفيها بعيدا عنه صارخة وهى تهم بالخروج من الحجرة: - انت غير محتمل، هتف يستوقفها فتوقفت متنبهة لندائه: - حياة..
ليستطرد رابتا على معدته: - الرجاء الاسراع في إعداد الفَطور فمعدتي تقرقر، ايرضيك هذا يا بطتي!؟.
جزت على أسنانها في غيظ واندفعت مبتعدة خارج الغرفة تصفق الباب خلفها في عنف متزامنا مع قهقهاته التي طاردتها على طول الردهة.