رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن
كان النوم على ارض الكهف الصخرية متعبا بحق فهى خلاف تلك الارض الرملية للشاطئ حيث كوخهما والتي كان النوم عليها اكثر راحة مما جعله يتقلب كثيرا اثناء نومه شاعرا بتيبس في عظامه، كانت النيران داخل الكهف على وشك ان تخبو وبدأ الجو يميل للبرودة قليلا وخاصة ان الحقيبة لا تسد الا جزء بسيط من مدخل الكهف رغم صغره وضيقه مقارنة بكهوف اخرى..
نهض يمتطأ يفك تيبس مفاصله واتجه حيث النيران يحاول ازكاء جزوتها وهو يعيد شد المئزر الذي تحرر بعض الشئ، انحنى نحو ركوة النارالا انه استمع لهمهماتها المعتادة والتي يستمع بعضها من داخل كوخه في بعض الأحيان عندما يجافيه النوم ويظل مسهدا..
يبدو انها كانت تحلم بشئ مزعج لان الهمهمات زادت عن وتيرتها وبدأت تهمس ببعض الأحرف المتقطعة، لا يعلم لما شعر ان عليه إيقاظها ليخرجها مما تعانيه وخاصة عندما سمعها تهمس باسم ذاك الاخربمثل ذاك التوسل الذي يعذبه: - لا، شهاب، لا تفعل، انا لا أستطيع، دع ط..
وبدأت الهمسات تخبو والنار بالركوة وبين أضلعه تستعر، قرر إيقاظها وما ان هم ببلوغ موضعها حتى ابصر شيء ما يقترب منها، اسرع يدنو في هدوء وانحنى نحوها وهى لاتزل على نعاسها وحاول ضبط أعصابه وهو يمسك بذاك الغصن المدبب ليغرزه ببطن ذاك العقرب الذي تلوى لتنتفض هى في نفس اللحظة لتجد وجهها ملاصقا لصدره، شهقت في ذعر محاولة الابتعاد عنه فقد ظنت انه يقترب منها لغرض دنئ في نفسه الا انه جذبها ليعيدها لصدره من جديد مبعدا إياها عن موضع العقرب حتى لا يطالها ذنبه وهو يلفظ أنفاسه الاخيرة..
تنبهت في تلك اللحظة للعقرب الصريع بالقرب منها فارتجفت بين ذراعيه في ذعر، لحظات ساد فيها الصمت وكفاها تتشبث بجانبي مئزره وجبينها يستند على صدره واخيرا همست في صوت متحشرج وهى ترفع نظراتها الدامعة متطلعة الى محياه: - لماذا لم تدعني ارحل!؟، الم يكن هذا ما تتمني!؟.
سال الدمع المتأرجح بمآقيها ليهمس هو بدوره وبنبرة تحمل دلالة ما لم تستطع تفسيرها في حينها: - ما اتمنى لن أدركه حتى تطير الافيال، وما اتمنى اللحظة لن أدركه ولو بلغت روحي الحلقوم..
جالت نظراتها بقسمات وجهه وهمست في تيه: - ما تتمناه اللحظة!؟، ما هو ذاك الشئ الغالي الذي قد تدفع روحك ثمنا له!؟.
هتف في وله وعيناه تتعبد في محراب محياها الباكي الذي زادها رقة: - ا نتِ، انتفضت مبتعدة وكأن كلمته كانت هى دلو الماء البارد الذي صبه على وعيها الغائب ليستيقظ اخيرا جاذبا إياها من خضم صخب المشاعرالاخرق ليعيدها مرة أخرى لارض الواقع..
ادرك ادم ما يعتريها لكنه استطرد في رغبة حقيقية: - انا أريدكِ يا حياة، ارغبكِ بشدة، فهل تقبلين الزواج بي!؟.
نظرت اليه وهى لا تعلم كيف واتتها الشجاعة لتتطلع لعمق عينيه متسائلة: - وماذا بعد!؟.
همس متعجبا: - وماذا بعد!؟، ماذا تعنين!؟ همست: - وماذا بعد زواجنا المزعوم، ماذا اذا قدر الله وعدنا كل الى دنياه!؟.
همس مؤكدا: - ولما نفكر في امر صعب الحدوث بعيد المنال، نحن هنا منذ فترة لم يعثر علينا احد فقد يكون الموج ألقى بِنَا بعيدا عن مجال بحثهم، فلنعش اليوم بيومه فقد لا يأت غدا..
همست تسأله في وجع: - وإذا أتى!؟، همس في ثبات: - ساعتها يمكن لنا تقييم علاقتنا، و..
قاطعته تومئ في رزانة: -لا نية عندي لاقامة اي علاقة تحتاج لتقييم، رجاءً، عد لموضعك، وشكرا على انقاذك حياتي، لم يكن الامر يستحق عناءك..
تطلع اليها للحظة وأخيرا نهض مندفعا في ثورة مبتعدا عنها دافعا الحقيبة بعيدا عن مدخل الكهف ليجلس بالخارج وقد بدأ الجو في الاعتدال قليلا، لكن مزاجه هو من تعكر ليصبح اكثر انقلابا من تلك الانواء التي هدأت..
اندفع شهاب بشكل همجي لداخل مكتب نهى رغما عن مديرة مكتبها التي حاولت استوقافه لكنها لم تفلح..
كادت نهى ان تهتف معنفة على هذا الصخب الا انها توقفت للحظة ما ان ابصرت شهاب فأشارت بالانصراف تؤمئ لها ان دعيه يدخل..
وقف شهاب بمنتصف حجرة المكتب يتطلع حوله في انبهار هاتفا في حقد: - كل هذا العز سيكون لي فيه نصيب..
حاولت السيطرة على أعصابها هاتفة: - تفضل يا سيد شهاب، اجلس ودعنا نتفاهم..
جلس شهاب امامها هاتفا: - جئت لأنال نصيبي من الإرث، اعتقد انه شيء واضح..
هتفت بثبات: - على حد علمي لقد طلقت حياة بعد زواج لم يدم اكثر من ثلاثة اشهر، كيف ترثها وهى لم تعد زوجتك من الأساس!؟.
قهقه شهاب هاتفا في سخرية: - يبدو ان لا علم لك، حتى حياة رحمها الله نفسها لم تكن تعلم..
ومال على سطح المكتب هامسا في وضاعة: - لقد أعدتها لعصمتي قبل انتهاء العدة ببضع ساعات..
شهقت نهى هاتفة: - انك تكذب، لم يحدث..
اكد شهاب وهو يعود موضعه على كرسيه واضعا قدم فوق أخرى: - بلا حدث، وعندي كل ما يثبت ذلك..
هتفت نهى بثورة: - انت نصاب تحاول استغلال وفاة حياة لتحقيق مكسب مادي، اما كفاك ما نلته وأختك حتى تطلقها!؟، الم تكتف بتدميرك لحياتها لتأتي راغب في مالها بعد وفاتها!؟، اى نوع من البشر انت!؟.
قهقه شهاب في سماجة: - انا فقط راغب في حقي لا شيء اكثر..
هتفت نهى في عزم: - واذا أخبرتك انك لن تنول مليما واحدا من مال حياة!؟.
تطلع شهاب لنهى هاتفا في لهجة تقطر حقارة: - سأخبرك اني ذاهب لجدك لأخبره ليس فقط بوفاة حفيدته المحببة لقلبه بل أيضا باني أعدتها لعصمتي وان مالها سيكون بحوزتي استمتع به كما يحلو لي..
ما رايك!؟، اعتقد ان كلا الخبرين سيكون مصدر سرور لجدك الخرف..
جزت نهى على أسنانها قهرا فقد كان كل ما يتفوه به هذا الحقير صحيحا وهى تدرك تماما انه قادر على تنفيد تهديده فقد جاء الى الفيلا بالفعل لولا ستر الله ووجودها ساعتها وتدخلها..
تنهدت في ضيق هاتفة: - اسمع، موضوع الإرث هذا لا أستطيع ان أتدخل فيه لانه يخضع لأمور قانونية وإجراءات سأجعل محام العائلة يتولاها، لكن كل ما يمكن ان أقدمه الان هو هذا..
زيلت شيك بتوقيعها ومدت كفها به هاتفة: - هذا من مالي الخاص، حتى لا تطأ قدماك الفيلا مرة أخرى، اعتقد انه كاف..!؟.
تطلع شهاب للرقم المدون بالشيك البنكي وحاول ان يظهر لامبالاته بذاك الرقم الضخم الذي سال له لعابه وهتف وهو ينهض مودعا: - حسنا، سأعتبر هذا عربون مبدأي حتى تحل الأمور القانونية الخاصة بالإرث، وداعا..
تنفست نهى الصعداء وهى تراه يرحل وتمنت الا تر محيا ذاك الحقير مرة أخرى..
تحسن الجو كثيرا فقرر النزول حيث كان موضع كوخيهما لتلحق به رغبة في مساعدته لاعادة بنائهما من جديد..
استمرا في العمل الشاق لفترة حتى انها شعرت بالتعب واالارهاق الشديد الا انه لم يتوقف عن العمل ولم ينبس بحرف واحد، فمنذ ذاك اليوم في الكهف عندما عرض عليها الزواج ورفضت وهو ينأى عنها ولا يخاطبها بكلمة، يفعل ما يجب عليه فعله لكنه ابدا لم يعد ادم المرح ذو الروح الوثابة الذي ما كانت السخرية والمزاح يفارقاه، ماذا فعلت ليكون رد فعله بهذا الشكل!؟، هى غير راغبة في علاقة واهية، فما عادت قادرة على العطاء من جديد دون ضمانات تحمى قلبها من العطب وروحها من الانهيار، ما عاد لديها ما يمكنها منحه له او لغيره فمعين مشاعرها قد نضب..
ليته يفهم ان العيب ليس فيه بل بالظروف العجيبة التي جمعتهما، ليته يتفهم ان العيب بقلبها السقيم وروحها المشروخة أنيناً وجراحها النازفة وجعا لا يزل سخينا وحيا..
تطلعت اليه وهويضع اللمسات الأخيرة على سقف كوخها مستندا على احد افرع الشجرة التي تسلقها رغبة في الوصول لاعلى الكوخ.
وضبط سقفه بالفروع والاخشاب بشكل سليم الا ان ذاك الفرع كان من الضعف بحيث انكسر ولم يستطع تحمل ثقل جسده ليسقط من عليائه متأوها في شدة..
صرخت حياة في ذعر متجهة الي حيث موضع سقوطه هاتفة في قلق: - هل انت بخير!؟، ارني قدمك لاطمئن عليها..
مدت كفها بتلقائية تتحسس موضع اصابته التي كان يتأوه ممسكا إياه الا انه دفع بقدمه بعيدا عن مجال يدها مؤكدا في غلظة وهو يحاول النهوض مبتعدا عن قربها المهلك: -لاعليكِ، انا بخير..
تحامل على قدمه السليم حتى استطاع الجلوس امام كوخه يحاول تمسيد قدمه الموجوعة حتى لا يطالها التورم..
هتف بلهجة خشنة وهى لاتزل بموضعها لم تتحرك: - كوخك اصبح جاهزا..
اومأت برأسها في تفهم ونهضت تدخله في هدوء وقبل ان تهم بغلق بابه خلفها همست: - سأدخل واعدك ان لا اخرج منه الا للضرورة القصوى..
هتف بحدة: - سيكون ذلك افضل للجميع، دخلت الكوخ ولم تعقب بكلمة لكن ما ان اغلقت عليها بابه حتى سالت دموعها..
قررت فعلا عدم الخروج من الكوخ مهما حدث فما عاد لديها القدرة على الجدال معه او تلقي نظراته الغاضبة او تلميحاته الموجعة، عليها تجنبه تماما وإذا لذم الامر واحتاجت للخروج فعليها ان تتأكد انه ليس بالخارج حتى لا تحتك به..
ظلت النهار بطوله بين جدران الكوخ الأربعة على الرغم من انها لم تسمع اي صوت له بالخارج وكان لابد لها من الخروج لتناول بعض الطعام فهى تتضور جوعا بالفعل..
فتحت الباب في حرص وتطلعت حولها تمد ناظريها شرقا وغربا تتأكد انه ليس موجودا بالانحاء، وتحركت في اتجاه الأشجار التي تحصل منها على الفاكهة التي يتناولاها، جمعت منها عدة ثمرات وسارت في طريق العودة محاولة ان لا تقابله قدر إمكانها..
ما ان وصلت لكوخها وهمت بدخوله حتى سمعته يتأوه، تذكرت قدمه المصابة من الامس، هل عليها الاطمئنان عليه!؟.
هزت رأسها نفيا فلا رغبة لديها في نيل تقريعه دخلت الكوخ وجلست تتناول ثمرات الفاكهة وما ان همت بقضم اولى الثمار حتى تركتها جانبا في ضيق ونهضت على عجالة حتى لا تتردد مندفعة تقف امام كوخه هاتفة في اضطراب: - ادم!؟، هل انت بخير!؟
هتف من الداخل في حدة: - سأكون بخير اذا ما ابتعدت عني وتركتني لحالي..
على الرغم من تلك الشدة في رده الا انها دفعت باب كوخه وتطلعت لجسده الممدد وسقطت عيناها على قدمه المصابة، تجاهلته تماما وانحنت تنظر الى ذاك التورم البسيط الذي اعترى كاحله..
هتفت وهى تضع اطراف أصابعها على موضع الورم في إشفاق: - لابد من علاج هذا التورم..
هتف ساخرا: - وكيف ذلك ايتها الطبيبة الفذة!؟.
لم تعره اهتماما ودخلت لكوخها تحضر قطعة من قماش وملأت احدي الأواني الصفيح ببعض الماء لتدفئتها على نيران الركوة التي لسوء الحظ لم تكن مشتعلة، حاولت إشعالها على قدر استطاعتها مثلما رأته يفعل واخيرا وبعد جهد جهيد أضرمت النيران في بعض الأغصان ووضعت الآنية الصفيح عليها..
هتف مستفسرًا: - ماذا تفعلين!؟.
هتفت دون ان تتطلع اليه: - لابد من عمل كمادات مياه دافئة على ذاك الورم حتى يشفى، وربط الجزء المصاب وعدم السير عليه لعدة ايّام..
لم يعقب على ما قالت بل تركها تقترب من قدمه وتبدأ في تمسيد الورم بقطعة القماش الندية الدافئة واعترف انه شعر بالراحة لحد كبير، ما ان انتهت حتى صنعت رباط ضاغط من قطعة من الملابس وبدأت في ربطها حول الجزء المصاب..
هتفت وهى تنهض مغادرة: - الان عليك الا تتحرك قدر الإمكان، ولا تضغط على القدم المصاب..
هتف في ضيق: - لكني سأمت الجلوس هنا، ارغب في البقاء خارجا..
اومأت برأسها هامسة: - حسنا، سأدبر لك الامر..
خرجت وغابت لبضع دقائق ثم عادت ومعها عصى كانت فرع قوى لشجرة قبل ان تقتلعه العاصفة من موضعه، دخلت الكوخ وقدمته اليه هاتفة: - يمكنك الاستناد على تلك العصى حتى الخارج والاستعانة بها اذا ما أردت الحركة..
تناول منها العصى وحاول النهوض متكئا عليها لكنه كاد ان يسقط، اندفعت تحاول دعمه لينهض وبلا وعي لفت ذراعها حول خاصرته ليضع ذراعه حول كتفيها، شعر بتيبس جسدها للمساته لكنه لم يرفع ذراعه عنها الا بعد ان ساعدته ليجلس بالخارج امام كوخه متطلعا للبحر الهادئ من موضعه..
قدمت له بعض ثمار الفاكهة التي كانت قد احضرتها وبدأت في تحضير وجبة من السمك المشوي والتي كان قد اصطادها امس ولم يتناوله نظرا لظروف سقوطه واكتفى كلاهما بالفاكهة..
بدأت في العمل وهو يراقب سكناتها مستمتعا، ظهرت اخيرا على جانب فمه ابتسامة وهو يهتف في استحسان: - أرى ان حياة الجزيرة اصبحت تناسبك تماما، فانتِ تقومين بالعمل في مهارة..
أجابت وهى تتشاغل عن النظر اليه بتقليب الأسماك حتى لا تحترق: - انا احاول ان أتكيف على حياة لا اعلم الي متى ستمتد، او حتى متى تنتهي..
انتهت من شواء السمكة الاولى فوضعتها على ورقة شجر عريضة اتخذتها كصحن وقدمتها له، تناولها وبدأ في التهامها مستطيبا إياها هاتفا: - أجدت الشواء باحترافية، فهى ناضجة بشكل مثالي..
ابتسمت دون ان تعقب وهى تتابع شواء سمكتها..
ساد الصمت للحظات كان قد انقض فيها على سمكته متسائلا: - كم سمكة لديك بعد!؟.
اكدت: - واحدة اخرى، ألاتزال جائعا..!؟
اومأ في إيجاب: - بلا، كنت أتضور جوعا، ولازلت جائعا..
ابتسمت في تفهم: - لقد خرجت من الكوخ لجوعي كذلك..
ومدت كفها بالسمكة التي كانت تطهيها لاجلها واضعة إياها امامه هاتفة: - تفضل..
هتف متعجبا: - لكنها لأجلك، يمكنني ان انتظر حتى انتهاءك من طعامك وشي السمكة الاخيرة..
اكدت في بساطة: - يمكنك تناولها وسأشرع في طهو الاخيرة..
هتف وقد بدأ في التهامها بالفعل: - حسنا..
ابتسمت لفعلته وساد الصمت من جديد وقد بدأت في التهام سمكتها كذلك وهمست في تأكيد: - في الغد سأحاول اصطياد عدد اكبر من الأسماك..
هتف مبتسما: - أرجو ان يحالفك الحظ، فالأمر ليس سهلا على الاطلاق..
واستند على كفيه ليدفع بجسده ليتمدد على الرمال متطلعا للسماء هاتفا: - انظري، كم عدد النجوم يا ترى!؟.
ابتسمت هاتفة: - لم احاول عدهم من قبل..
همس في رزانة: - الاعداد دوما ما تبهرني، فهي سر من اسرار الله..
تطلعت اليه للحظة فهى المرة الأولى التي تسمعه يذكر الله فيها بخلاف طبعا تلك الدعوات والأمنيات ليعود وحيدا وسعيدا لكن عليها ان تعترف انها لاحظت غيابه في عدة أوقات خلال اليوم وفي احدى المرات التي كانت في سبيلها لخلوتها رأته قائما يصلي في الخلاء، هل يعرف هذا الماجن ربا غير شهواته!؟.
تمددت بدورها منتزعة نفسها من خواطرها متطلعة للسماء على مسافة قريبة منه لحد ما، ابتسم لبساطة فعلتها منتشيا لكونها اصبحت تعتاده ولو قليلا وهمست متسائلة في تعجب: - وهل للإعداد سر..!؟
همس مجيبا: - نعم، الرقم ١، يدل على الفردية والتوحد الدال على الربوبية، و الرقم ٢..
وصمت لبرهة فتعجلته هامسة: - ما سره!؟
همس متطلعا اليها: - انه سر الزوجية، الروح ووليفها، القلب ونبضه، ادم وحواء..
تطلعت اليه بدورها وزاد اضطراب الخافق بين جنباتها وهتفت تحاول الخروج من سحر اللحظة ببعض المرح رافعة يدها مشهرة الرقم ٣ امام ناظريها: - والرقم ٣.
همس متطلعا من جديد للسماء الممتدة قبالته مبتسما لفعلتها: - انه ثمرة الازدواج ما بين كل شريكين، طفلهما الاول..
همست بغصة بحلقها وقد اصبح الحديث حميميا راسمة الرقم: - والرقم ٤..
همس متنهدا: - انه رقم دعامات الاسرة و اساسات البيت، رقم الاتجاهات الأربعة التي توجهك حتى تصل لمستقرك وسكناك.
همست: - رقم ٥..
اكد: - انه رقم درأ السحر والحسد...
وابتسم مستطردا: - الم تلحظي ان من ضمن معتقداتنا الشعبية عندما نشعر بطاقة حسد او عين نفرد كفنا بكامله امام صاحب العين الشريرة!؟.
ضحكت مؤكدة: - بلا صدقت، والرقم ٦..
همس: - انه رقم الانشغال والرغبة في إكمال الناقص، والرقم ٧ هوالسر الاعظم، فالسموات سبع، وأيام الاسبوع سبع، وأشواط طواف الحجيج سبع...
همست مبهورة: - والرقم ٨..
إبتسم لتفاعلها: - هو رمز الطريق الي الكمال، وكذا الرقم ٩ يؤكد انك اوشكت على الوصول..
هتفت متعجلة وهى تفتح كفيها بوجه السماء مشهرة أصابعها: - والرقم ١٠..
ضحك مؤكدا: - هو عين الكمال وبلوغ الهدف..
ابتسمت هاتفة: - لم اكن اعلم انك فيلسوف!؟.
ابتسم هامسا: - اشم رائحة سخرية تنتشر بالأجواء..
أكدت ضاحكة: - مطلقا، انها رائحة الشواء، هيا فعلى الفيلسوف العظيم الخلود للنوم حتى يحافظ على تلك الرأس الألمعية..
قهقه وهو يحاول النهوض بمساعدتها حتى دخلا الكوخ وما ان انحنت لتجلسه على فراشه العشبي حتى سقطت رغما عنها من ثقل جسده غير قادرة على التوازن بعد ما سقط هو قبلها متمدد، لثوان كانت بالفعل بين ذراعيه ترتكن على صدره، تلاقت نظراتهما وكل منهما تجول روحه بعالم اخر وللمرة الأولى، الاولى تماما تستشعر رغبة في البقاء قربه وعدم الفرار منه كما هي العادة..
همس ادم في وله: - حياة..
تطلعت نحوه يثور قلبها في عربدة عجيبة اقلقت راحة بالها فقد اعتقدت ان ذاك الخافق قد همد للأبد، قطعت الوصل بين روحيهما مبعدة ناظريها باعجوبة واندفعت هاربة لتعود لكوخها تنتفض في اضطراب تضم جسدها بذراعيها رغبة في الحماية والأمان لكن لم يكن ذاك كاف، كانت ترغب في ان تضم روحها اليها لكى تستكين، تلك الروح التي أنهكها التيه، لكن لم تفلح في ذلك..
وللعجب ايقنت انها لتوها ابتعدت عن ذاك الستر لروحها المعراه في وجه الوجع، ذاك الشعور الطاغي باحضانه الذي خلفتها لتوها..
كان ذاك النهار حارا على غير العادة والطقس داخل الكوخ يكاد يزهق روحها وهى لم تكن ترغب في الخروج لملاقاته بعد ما حدث بالأمس، لكنها لم تستطع البقاء ففتحت باب كوخها على استحياء تتلمس موضع بقاءه حتى تتجنبه ولحسن الحظ لم يكن موجودا بطول الشاطئ واعتقدت ان إصابة قدمه ستحد من حركته فخرجت في اطمئنان تجلس تحت شجرة ظليلة، لكنه ظهر فجأة من داخل الدغل يتكئ على قدمه المصابة والتي من الواضح انها تماثلت بعض الشئ للشفاء حاملا على كتفيه بعض الأغصان ابتسم بأريحية يحاول ان يتظاهر ان الوضع طبيعيا وكأن حادثة الليلة الماضية لم تكن وقد شكرت له ذلك كثيرا مما دفعه ليهتف مقترحا: - ما رأيك برحلة الي الجانب الاخر من الجزيرة!؟.
كانت تحمل ورقة عريضة من احدى الاشجار تلوح بها امام وجهها مرسلة بعض من هواء لعله يرطب ولو قليلا قيظ ذاك النهار هاتفة: - رحلة في ذاك النهار الحار!؟، لا اعتقد انها فكرة جيدة..
هتف مؤكدا: - صدقيني هذا وقتها فانا أقوم بها عدة مرات لاحضار الماء العذب للشرب..
همست: - أتقصد رحلة لذاك النبع العذب الذي أخبرتني عنه!؟.
اومأ مؤكدا: - نعم هو ذاك، هيا ِبنَا لا تتكاسلي..
نهضت متنهدة في غير حماسة: - حسنا، هيا ِبنَا..
تحركا داخل ذاك الدغل القريب يحاول تزليل الطريق امامها لتعبر خلفه، استمر المسير لبعض الوقت واخيرا انتهى الدغل فجأة لتشهق من جمال ذاك المنظر الرائع الذي يطالعها اللحظة..
تطلع ادم الى ردة فعلها مستحسنا وهتف في فخر: - الم اخبرك انها رحلة تستحق العناء..
همست مبهورة: - انه يستحق فعلا..
اكد ادم وهو يتقدم للنبع وحياة تتبعه: - كان هدية ربانية وقد اضناني العطش..
همست حياة: - لِم لم تقم كوخك قربه!؟، اكد ادم وقد وصل لحافة النبع: - فكرت بذلك فعلا لكني ايقنت اني سأكون بعيدا عن الشاطئ الذي تمر به السفن فاقمته هناك، كنت اريد ان اعطي نفسي املا ولو كاذبا ان هناك فرصة للنجاة..
جلست تضع قدميها بالماء البارد فشعرت بالراحة تسري بجسدها كله انتفضت عندما تناثر رزاز الماءعليها وجسده يخترق المياه، غاب لبعض الوقت تحت سطحه ليخرج فجأة من تحت اقدامها لتصرخ مصدومة ليهتف مازحا: - امير نبع المحبة في خدمتك سيدتي..
هتفت ساخرة: - ااسميته نبع المحبة!؟، ثم قهقهت هاتفة: - لما اشعر اني دخيلة على المشهد العام وانه يليق بك ان تجمع حسناواتك حول ضفاف النبع وانت تعزف على الأرغن كأحد أساطيرك التي لا تنتهي!؟.
زم ما بين حاجبيه وهتف ممتعضا: - اتسخرين من التسمية التي اطلقتها على النبع!؟، لكنها ليست من وحي خيالي، هناك فعلا نبع للمحبة وطالما انك تسخرين من اساطيري فلن اقص تلك الاسطورة عليكِ..
هتفت تشعر انه يحتال عليها: - ليس هناك واحدة، انت تمارس ألاعيبك على، أليس كذلك!؟.
هز راْسه في ثقة مؤكدا: - بل اقسم انه هناك ولن اقصها عليكِ حتى تعتذري وبشدة عن خطأكِ في حق اساطيري..
واندفع عائدا للسباحة من جديد وهى تهتف به ليتمهل: - عد يا عريس النبع اقصد يا امير النبع، قص على قصة نبع المحبة وانا اعتذر بشدة عن خطأي الغير مقصود في حق اساطيرك الراااائعة..
اندفع مقتربا من موضع قدميها داخل مياه النبع الباردة هاتفا في مرح: - قبلت اعتذاركِ..
ودفع بنفسه خارجا من المياه ليستقرجوارها ليهمس في سعادة تستشعرها تنتابه دوما وهو يقص عليها تلك الحكايا التي يعرف انها تحبها: - في مدينة العشاق والاباطرة المدعوة ساغالاسوس بجنوب تركيا يوجد نبع اسمه نبع انطونينلر، اونبع المحبة لان الاساطير القديمة كانت تقول ان الشرب من مياه هذا النبع يزرع المحبة بقلوب البشر، همست تسأله في اهتمام: - وهل تصدق ان هناك شيء ما يمكن ان يخلق المحبة بقلوب البشر!؟.
اكد هامسا في ثقة: - نعم، ولما لا!؟، ان المحبة سرألهي يربط الأفئدة يُخلق لأسباب لا نعلمها..
وتنهد وهو يتطلع امامه في تيه هامسا: - وتنتهي لاسباب نعلمها تماما..
تطلعت اليه في تعجب وهى ترى جانب اخر من جوانب شخصية ذاك الماجن الذي كانت تعتقد ان كل اهتماماته بالحياة تنحصر
في النساء والمتعة، لكن ذاك الشخص الذي يجلس جوارها اللحظة يخفي وجعا ما بصدره وسر ما بروحه لا تدركهما قدر.
ما تستشعرهما بقوة، ومن اقدر على استشفاف صاحب وجيعة الا من ذاق مُر مثيلتها!.
ايقظها دفعة واحدة من شرودها وهو يقذف ببضع قطرات من المياه باتجاهها هاتفا: - هاااي، الي اين ذهب عقلك!؟
ابتسمت ولم تعقب وهى تحاول تجنب قطرات الماء التي كان لايزل ينثرها باتجاهها واخيرا جمع كفيه اشبه بالمغرفة وملأهما بماء النبع البارد ورفعهما باتجاه فمها امرا بهمس: - اشربي..
ترددت قليلا في اضطراب لكنه اكمل امره مازحا: - فربما يكون لذاك النبع بعض القوى السحرية التي قد تجعل لى بعض من محبة بقلبك فتخضعين لسلطان إغوائي ولو قليلا وترضخين لطلبي الزواج بك..
قهقهت هاتفة: - هذا امر اذن..
اكد مقهقها بدوره: - اعتبريه دواء ما لجلب المحبة المستعصية..
ارتفعت ضحكاتها من جديد وما ان همت بالشرب حتى وجدت ان الماء قد تسربت من بين أصابعه فهتفت مازحة: - تسرب الدواء يا مسكين، فرصة اخرى في يوم اخر..
همت بالنهوض ليجذبها مازحا: - لا فرص اخرى ولا انتظار لايام اخر، الان وفي تلك اللحظة..
ودفع بها لتسقط فى النبع لتخرج بعد لحظات متشبثة بغطاء رأسها الذي كان يوشك ان ينخلع هاتفة في زمجرة: - ايها الاحمق، لقد..
تطلعت حولها فلم تجده ليظهر بالماء قربها هامسا بمزاح: - لم ترغبي في جرعة من دواء محبتي فدفعتك لتتجرعي القنينة كاملة، لنري كيف ستقاومين سحري بعد اليوم!؟.
وبدأ في قذفها برزاز الماء لتحذو حذوه محاولة الانتقام وقد علت ضحكاتها وهى تحاول الخروج من النبع بصعوبة هاتفة: - اشعر بالشفقة عليك منذ اللحظة، فانا محصنة تماما ضد اسحار المحبة، خيبة املك ستكون عظيمة..
هتف يستوقفها متحديا: - اتراهنين انك ستقعين بعشقي خلال ايّام قلائل!؟.
هتفت وهى لاتزل توليه ظهرها تهم بالرحيل: - انا لا اراهن على جواد خاسر!؟، واستدارت تتطلع اليه بنظرة تحمل ألما لا يستهان به مستطردة: - فالعشق فرس جامح متقلب لا امان له، قد يلق بك من على صهوته قبل ان تصل خط النهاية بلحظات وقد كنت على ثقة تامة انك الفائز، صدقني، رهانك لاجدوى منه مطلقا..
واندفعت في اتجاه طريق العودة لكوخهما تاركة اياه لايزل بقلب النبع يتبعها بنظراته وهو يستشعر ان هذه الفتاة تحمل بفؤادها وجيعة بحجم المجرة..