قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل السادس والعشرون

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل السادس والعشرون

رواية الحرب لأجلك سلام الجزء الثاني للكاتبة نهال مصطفى الفصل السادس والعشرون

غبية المراة التى تنتظر رجلا اكثر من أربعين يومٍ، وتظن انه ايضا ينتظرها! اتظننين انه فى غيابك سيصبح راهبًا فى ديره! يُحاكى شموع الليل عنكِ حتى تذوب من حرارة كلماته! ان يشرقكك بجوفه المُظلم كشروق شمس يومه الذي لا يرى الا انعكاس شعاعها الخافت! غبية من تتوهم قديسية رجل فى دير حبها!

و إن غِبت سَنة، أنا بردو أنا لا أقدر انساك ولا ليا غِنَى
- أنا حاسة إن حياتى واقفه عند نقطة واحده! مش عارفة أتقدم عنها خطوه واحدة، ليه كل ده؟! معقولة وجود زياد كان هو الدافع لكل حاجه أنا وصلت لها! بس ده مقدمش ليا غير كل أذى ووجع؟! كان عمل لى إيه يخلينى متشعلقة فى روحه للدرجة دى؟! طيب لحد أمتى انا ولا قادرة ابص فى وشه ولا قادره أكمل في بعده ؛ أخرة الطريق ده إيه معاكى يا بسمة؟!

وجهت بسمة حديثها لنفسها فى صورتها المنعكسة فى المرآه بسخرية تتأمل ملامحها الشاحبة والذابلة إثر جفاف الغياب الذي افقدها عقلها فباتت كالثور الدائر فى ساقية يلف حول أوجاعه التى لا مفر منها...
- طيب هو بيحبنى؟! طيب أنا على باله؟! طالما أنا بفكر فيه آكيد هو كمان بيفكر فيا ما مش معقوله أنا هتجنن كده لوحدى وهو مش فاكرنى أصلا..

باتت حائره حد تمنيها لو تستريح سفن قلقها في ميناء الوضوح، لان الإبحار في التخمين يرهقها ويميتها ببطء حينها تدخلت رهف وسألتها
- بسمة، أنتى فيكى إيه! عمتك قلقانه عليكى..
جففت دموعها وابتسمت معاندة حزنها الذي تعاهدت مع نفسها ألا تظهره أمام أحدٍ
- أنا كويسه يا رهف!
ثم تعمدت تغير مجرى الحديث
- هى فجر فين؟!
استندت رهف على طرف التسريحه، واجابتها بقلق
- ادعيلها عشان أنا قلقانه عليها أوى!

لم تكد بسمة أن تُجيبها فأوقفها صوت زياد من الخارج متحدثا مع سعاد
- هى فين؟!
تهامست سعاد بحرص، وترجته
- كلمتك عشان تصلح الدنيا! مش تعقدها ما بينكم..
كور قبضة يده متأففا، ثم اطرق بصوت منخفض واخبرها
- أنا رديت بسمة...
لم تاخذ سعاد فرصتها للاندهاش بل فوجئت بهبوب زعابيب بسمه الخارجه من غرفتها، وصاحت
- شايفه إن رجلك أخدت على المكان يابن خالتى؟! ايه اللى جايبك عندى...

ألقى مفاتيحه وهاتفه بعشوائيه فوق المنضدة، وصاح ساخرا
- اهلا ببنت خالتى ؛ وعروستنا، خير سمعت إنك هتتخطبى قريب، حبيت آجى ابارك..
صوبت انظارها المعاتبه نحو سعاد وسألتها
- أنتى قولتيله!
فجهر زياد مستهزءا
- كمان كنتى عايزه تخبى عليا؟! ايه حابه تعمليهالى مفاجأة!
اكلت شفتيها بتلقائيه من شدة الغضب حتى رفعت رأسها شامخة ودنت منه خطوة متعمدة المحافظة على هدوئها
- عايز منى إيه يا زياد!

باتت مشاعره مخضرمه، بين الحنين والجفاء واجابها
- عشان متتغريش مش هموت عليكى يعنى؛ ده بس علشان مش أنا اللى آجى بلوى الدراع وواحده ست هى اللى تمشي كلامها عليا وتنفذ اللى فى دماغها..
تدخلت سعاد بينهم
- استهدوا بالله ياوولاد وتعالو اقعدوا..
اعترضت بسمة بحزم
- سيبيه يكمل ياعمتو، عايزة اشوف آخرته إيه...
فأفحمته وواصلت بثقه وهى تحدجه بعيونها الثابته.

- بس الحقيقة غير كده خالص ؛ لسه بعرف اقرا عينيك كويس وبيقولوا إنك هتموت عليا فعلا بس شيطانك رافض يعترف...
أصابت كبريائه فى مقتل تقبله بسعة صدر، وتبسم ساخرا
- لسه متغيرتيش، عامله نفسك فاهمانى وفاهمة كل حاجه وانتِ مش فاهمه نفسك اصلا، اطلعى من الجو ده مش لايق عليكى..
عقدت ذراعيها أمام صدرها وهزت ساقها معاندة.

- تؤ، أنت اللى لازم تتواضع شويه وتسأل نفسك إنت هنا ليه! ايه جاي تاخد بركات عمتى ولا تسلم على رهف اللى مخاصمها ليك يومين!
اوقدت النيران فى قلبه ولكن بفطرته الذكوريه المتغطرسة يأبى الاعتراف بالهزيمة امام امرأه اعتاد على تلميع حذائه بكحل عيناها، فتبسم منتصرا
- لا معاكى حق، أنت صح ؛ انا هنا عشانك؟! جاي ابارك لك وافرحلك واقولك مبروك يا عروسة..

ثم دنا منها خطوة حتى اختلطت انفاسهم وهمس فى آذانها متوعدا بنبرته المخيفه
- بس للاسف الشديد مش هينفع تبقي عروسة لحد غيري..
حدجته بنظراته الساخطة
- موتى أهون، بككككرهك..
ابتعد عنها وانحنى ليأخذ اشياءه المُلقاه، وقال بهدوء اشبه بالبرود
- هو أهون فعلا من اللى هعمله فيكى لحد ما أعدل دماغك دى...
ثم جهر محذرا
- ياريت تعقلى بنت أخوكى يا عمتو...
ثم غمز لها بطرف عينه.

- الزياره الجايه للعريس لازم اكون موجود، احسن ما يفكر إن مالكيش أهل، سلاام ياااااا، احم بنت خالتى!
ينسحب ليحمى رجولته من اغداق امراة كتمت انفاس تمرده فبذكائه انتصر وظفر فى تحول قلبها من مضخة حب لجمرة مُلتهبه، فجثت مجهشة بالبكاء
- أنا جوايا واحده بتكرهك وواحده تانيه بتعشقك، أنا تعبت من الحرب اللى مش خلصانه دى...
ثم صرخت بصوت عالٍ أحزن كل من رهف وسعاد اللاتان تبادلا النظرات بينهم باسف، وصاحت.

- هو بيأذينى وانا شايفه الاذيه منه بس مش قادرة استغنى عنه، عايزاه يفضل، يفضل حتى ولو كان وجع، وجعه أهون بكتير من العذاب اللى بيقطع فيا ده..
جلست سعاد بجوارها وحاولت أن تأخذها فى حضنها وتواسيها ولكنها انتفضت مذعورة وعاندت بصوت مفعم بالنهيج
- انا هتخطب وهكمل حياتى عادى من غيره، هو، هو مش هينتصر عليا، انا لازم اقتله من جوايا حتى ولو هقتل نفسي بس مش هرجع له..

حدف شدقيها جملة تمردها وركضت نحو غرفتها لتحتمى بها من عيونهم المشفقه، ما كادت ان تخطو رهف خلفها خطوة إلا أن اوقفها نداء سعاد
- رهف، سيبيها
زاحت رهف دمعه حزنها وتمتمت
- مايتفعش اسيبها كده!
تنهدت سعاد بثقة وحزمت أمرها، واحتدت نبرة صوتها كإنها قررت ما ستفعل، وأجابت
- ما ينفعش نسيبهم أكتر من كده، كده؟!
- مش فاهمة! يعنى إيه..
- هقولك...

‏كل المحاولات كانت من المفترض أن تكون المحاوله الاخيرة ولكن الحنين دوما ما كان يجبرنا أن نعود لنحاول ضاحكًا علينا بإنها تلك ستكون آخر مرة، ولكن هيهات ؛ إلى تلك اللحظة لم تدق ساعة المحاولة الاخيره بعد كثيرا من المحاولات.

تتأمله ميان وهو يقف أمام النافذة بعيون انثى ذات خبرات وتجارب متعدده مع الكثير من الرجال، فصدح عقلها وهى تعقد حزام منامتها البيضاء وردد واصفا حالته التى رأتها
- أنه يُدخّن بطريقة مربكة تجعل من يراه يشعر ان ما بين اصابعه انثى عاشقة و ليست مجرد سيجارة، هذه السيجارة ان لم يبتعد عنها يومًا حتمًا ستقتلني! كأنها جرعة مُسكنة عن غياب جزء منه..
دنت منه بابتسامه واسعة واضعه كفها على كتفه العاري وسألته.

- بتفكر فيا؟!
سبحت فى دخان سيجارته وقال متعجبا وبدخله شيء من الاشمئزاز
- مكنتش متوقع أن العلاقه تتطور ما بينا بالسرعة دى..
ضحكت بميوعه ووقفت أمامه متدلله
- وهى كده اتطورت؟! مين فهمك كده؟!
رفع حاجبه مستنكرًا
- أومال اللى حصل ما بيننا ده اسميه ايه؟!
تردد صوت ضحكاتها العال واجابت بثقة
- لا تقدر تسميه كتير، توثيق علاقه جديده، معاهدة سلام، فضفضة عن حاجات متتحكيش..

ثم سكتت للحظة ترمقه بعيونها الخبيثه واتبعت بمكر
- خاصة فى حالتك دى!
سحب نفسا طويلا من سيجارته وتبسم بابتسامه مزيفه
- ومالها حالتى!
تحركت امامه باقدامها العاريه لتصب كأسا من النبيذ وضحكت
-واحد متخانق مع مراته هيكون محتاج ايه يعنى!
ثم استدارت برأسها فقط واطرقت بغمز
- لعلمك بفهم كويس أوى فالرجالة..
أطفئ سيجارته كاظما غضبه وقال متخابثا.

- لا ماهو واضح، عشان كده بقي قولتيلى إنك مش بتعرفى تتفاهمى فى الاماكن المفتوحه!
مسكت كأس النبيذ وجلس على طرف الفراش واضعة ساق فوق الاخرى فتعرت ساقيها الممتلئه قليلا واجابت
- الاماكن المغلقه دايما هى الحل...
لفح منشفته على كتفه متجها ناحية المرحاض وقال متغزلا
- عايز القمر ده يجهز نفسه عشان محضرله مفاجاة..

ألقى جملته بملامحه لا تثير الشك للحظة فاستقبلتها بابتسامة واسعة ماكرة، فما لبث أن تأكدت من دخوله الحمام ليطفئ نيرانه الداخليه وغضبه من فعله المكروه مستغفرا ربه سرا، فتصنت حتى تأكدت من تشغيله لصنبور المياه ركضت ناحية هاتفها بذعر وتحدثت فيه
- ايوه يا سيادة النائب...

أخبرتنى أمى ذات مرة
-ان ‏كُل العقبات التي كُنت تجزِم أنّها أصعَب من أن تتجاوزها هي اليَوم خلفك؛ لتتأكد أنّ الله لا يُكلّف نفسًا إلّا وسعها..

اختلج قلب فجر بشيء من الذعر وهى تتأمل السماء الصافية بخوف، فشيء ما انتابها فى منتصف قلبها بوخزه وجع قلقة على هشام، فتوالت الهواجس على مخيلتها وتولد ألف سيناريو لاصابته بمكروه ما، فما ‏الحب إلا اثنان يضحكان للأشياء نفسها، يحزنان في اللحظة نفسها، يشتعلان و ينطفئان معاً بعود كبريت واحد، دون تنسيق أو اتّفاق، ولكنها نفضت غبار أوهامها سريعا واغرورقت الدموع من مقلتيها.

- أنا عارفه إننا حالفين على مصحف ؛ وإنى ما ينفعش كنت أعمل كده، بس أنا هنا عشان احميك، عشان نعيش الباقى من عمرنا من غير وجع، أنا و انت والراحة..
ثم احتنضنت السلسله المعلقة برقبتها وتحمل ميداليته وتنهدت بحرقة
- أنا متأكده إنك هتسامحنى، يارب ساعدنى وابعد عنه اى شر، ورجعه لحضنى سالم غانم وصبرنى لانه وحشنى أوى..
ثم سقطت عيونها على شعاع الشمس المنكسر من النافذة وتبسمت بأسف وقالت لنفسها.

- حتى الشمس مش كفايه لتُضيء طريقى، قلبى محتاج شُروقك ليكمل...
فتح ايوب الباب بدون استئذان واندفع نحوها الصغير بكل ما اوتى بشوق مهللا
- وحشتتتتينى يا فجر...
جلست على رُكبتيه وعانقته بشوق اطفأ قليلا من نيران شوقها لحبيبها وقبلت جبهته
- وانت كمان وحشتنى يا ايوب..
ثم ابتعدت عنه محتويه بكفيها ذراعيه
- طمنى عليك..
- انا زين قوى قوى يافجر، لما شوفتك بقيت فرحان...
قبلت كفه الصغير بحب وحدثته بلهجته.

- وانا عايزاك تفضل على طول فرحان إكده..
- قوليلى إنك مش هتمشي تانى واصل؟!
تلعثمت الكلمات بحلقها بحزن
- بص انا هوعدك إنى هزورك على طول..
انكمشت ملامح ايوب بكلل
- انتى كمان هتمشي كيف ما خالد مشي؟! انتو مش عايزين تعيشوا جارى ليه، كلكم بتمشوا..
تلقت بابهامها لؤلؤة عينه المنبثة من قنواته الدمعيه وسألته
- من ميته عندينا رجاله عتبكى يا ايوب، انا علمتك إكده..
نفذ صبر الصغير وتفوه بتعب.

- ابويا رافض يخلينى اروح المدرسة وألعب مع العيال، دى حتى خالتى نادية مش مخلينى اقعد معاها عشان تحفظنى قرآن..
سألته فجر بتلقائيه
- وهى فين خالتك نادية يا ايوب ؛ انا ماشوفتهاش..
وشوش لها الصغير فى اذنها بحرص
- اصل ابوي حابسها فى المنور تحت، ورافض اى حد يشوفها، اوعى تقولى إنى حكيتلك..
اتسع بؤبؤ عينيها إثر الصدمة محاولة استيعاب ما اردفه أيوب ببراءته، وعادت لتسأله
- حابسها ليه! هى عملت إيه...

هز كتفيه بجهل تام
- ماخابرش، هروح اجيب الألعاب ونلعبوا زى زمان، مش هعوق عليكى...
نهضت فجر خلفه وتأكدت من قفل الباب ووضعت السماعه فى أذنها مناديه على مجدى...
- مجدى، مجدى، أنا عملت إللى أنت قولت لى عليه بالظبط..
- تمام، تمام يافجر، خلى بالك على نفسك عشان حياتك قصادها حياتى من ابن السيوفى..
تبسمت بهدوء ثم قالت واثقه
- هشرف متقلقش، المهم تفتكر ليه زيدان حابس أم خالد فالمنور تحت!

ابتعد مجدى عن مقر اللجنة التى تتوسط الطريق وقال متعجبا ساخرا
- وانا هعرف منين؟! ماانت هناك عشان تجيبلى أخبار مش اسئله يافجر..
زفرت باختناق
- اووووف، طيب طيب ؛ هعرف واقولك، سلام..
نزعت السماعة من اذنها متأففه
- العيله كلها روحها فى مناخيرها، ياباى منهم كلهم عينة واحده، مممممم ياترى خالتى نادية عملت إيه عشان يحبسها!
ضرب مجدى كف على الاخر
- انا عرفت هشام مش بيدخل حريم فى شغله ليه ؛ دول يجيبوا الهم...

ثم جهر بصوته العال
- افتح الكمين يابنى...

- ايه يا ولد منك له الدوشة دى؟!
خرج الصياد من سفينته الراسيه جاهرا بجملته الاخيرة إثر إستماعه لضجيج بالخارج، فلم يعط خالد فرصة لأى احد من رجالخ بالرد بل بادر قائلا
- انا، انا خالد يا بيه، ولازمًا نتكلم...
رمقه بعيونه الضيقه المكذبة وسأله
-انا فاكرك، مش أنت خالد ابن اخو زيدان..؟!
تحرر خالد من قبضة يد رجال الصياد واقترب خطوة
- ايوه، ايوه انا، بس المرة دى جيت عشانك، وعشان مصلحتنا كلنا..

استدار الصياد وعاد الى سفيته وجهر
- تعالى...
تابع خالد خُطاه بتردد الى أن وصل لساحه واسعه بها افخم الاثاث، فجلس الصياد ووضع ساق فوق الاخرى ووقف خالد اقصى يمينه مطأطأ الرأس، فسأله بفظاظة
- إحكى!
تردد للحظة ثم قال له بلهفة
- ست مُهجة فى خطر..
تدلت ساقه بذهول
- مهجة؟! بتى؟!
اومأ خالد ايجابًا، وأكمل
- زيدان عايز يخلص عليها...
نهض الصياد مفزوعُا ممسكا بياقة قميص خالد ورجه بغضب.

- إنت اتجننت ياض انت، إنت عارف لو سلمتك لعمك هيعمل فيك إيه!
لم يتحرك إنش إثر تهديداته، وتفوه بثبات
- وانت عارف لو ماشترتش منى هيحصل فيك إنت وبنتك إيه..
تراخت قبضة يد الصياد من عليه، وتدلت يديه تدريجيا
- وايه اللى يضمن لى...
هندم خالد ملابسه وتابع حديثه بثقة
- الدليل لو رنيت وسألت بتك دلوقتى عن حالها هتحكيلك إن البت اللى كان عايزها زيدان رجعت، ممم تفتكر رجعت ليه!
- بت مين؟! تقصد مراة الظابط..

قهقهه خالد بسخرية وأجابه
- قصدك اللى ضحكت على الظابط، وسرقت منه هارد يوديك أنت وجماعتك كلها بالاخص لحبل المشنقة..
إن اشتدت الصدمات ثُقل اللسان، اهتز الصياد أمامه بخوف تعمد اخفاءه، فواصل خالد
- صدقنى أنا معاك مش ضدتك، والبت دى مش سهلة واللى عرفته أنهم متفقين على قتل مهجة بتك لانها بدأت تلعب بديلها، وتنجس مع زيدان..
هز رأسه بعدم تصديق
- مهجة بتى بتحب جوزها ومستحيل تغشه، انت هتسرح بيا يا واد أنت...

ما لبث أن انتهى من جملته، فاخرج هاتفه وفتح رسالة نصيه من رقمها مكتوب بها ( عايزاك الليلة تنفذ )
- لسه وصلانى حالًا، اهو اتاكد
تأكد الصياد من الرقم والرساله مذهولا فتابع خالد واثقًا.

- البت اللى مع زيدان بينى وبينها قصة حب طويله قوى واكيد أنت عارف اكده زين وانى كنت هخطبها، بس اللى متعرفهوش إن سرها كله فى حجرى، لانى واعدها اول ما أخلص من عمى ومرته واورث هنتجوز، لامؤاخذه يعنى هى هتعمل إيه براجل عجوز زيه...
تلعثمت الكلمات بحلقه وسأله
- هى عايزاك تنفذ إيه؟!
- افجر اكبر مستودع للسلاح، فيه بضاعه بالملايين..
تأرجحت عيون الصياد بحيره
- وبتى تعمل كده ليه، انا لازم أكملها، اوعى من وشي..

تحرك الصياد ممسكًا بهاتفه غير مُباليا لجملة خالد
- تبقي بتضرها مش بتخدمها، وزيدان للاسف مراقب كل تليفوناتها لانه كاشفها...
ثم تحمحم بخفوت واكمل
- وبتك بتعمل كده ليه لانها حبت تتغدى بيه قبل ما يتعشي بيها خاصة لما شمت ريحة الغدر من البت التانيه ومالقيش غيري لانى مشحون من عمى، وحضرتك عارف وبحركة زى دى الكبار ممكن يعملوا إيه فى زيدان...
سأله:
- وانت هتعمل كده؟!
- بقولك كاشفنا، ولو هوبت من هناك هتقتل...

ثم تنهد بثبات واكمل
- اسمعنى ومش هتخسر حاجة، مفيش غيرك هيساعد مهجة وهيبعد عنك حبل المشنقه...
- أنت عايز إيه..!
اتسعت ابتسامة النصر على ثغر خالد
- مش هنختلفوا، المصلحة واحده والهدف واحد...

ترقد نانسي فى منتصف فراشها تنوح ألم الفقد الذي تذوقته بمرارة الصبار وهى تعتصر بطنها التى خسرت آخر أمل لتحييا، اجهشت بعويل مكتوب وهى تدب حظها
-لم يكف قلبى عن الصياح للحد الذي يوقظنى فى منتصف الليل باكيه، متألمه، اشعر ما يتمدد عليه جسدى لهبا ولست قطنا، باتت قنواتى الدميعه ممتلئه من نهر قسوة الايام حتى فضت أنا، بات الفقد رفيقا لى وبت ارى ما حولى سراب...

حملقت فى السقف بعيونها الهالكة إلى أن دخل فارس من باب الغرفة وقال
- شايفك بقيتى أحسن!
تجاهلته او على الاغلب كانت تلملم شتاتها لتنفجر بوجهه دفعة واحدة، اقترب منها واشار للممرضة أن تخرج، فخرجت وقفلت الباب خلفها واردف معاتبا
- كده؟! كده يا نانسي تخلينى اتعصب عليكى؟!
ثم انحنى على كفها وقبله وواصل
- هتفضلى ساكته كده كتير...
ثم احتنضن كفها وقال بمزاح عصر قلبها.

- شوفتى لما خلصتى من روح زياد السيوفى جواكى وشك نور إزاى؟!
انخرطت دموع عينيها بحرقة ولازالت محتفظة بصمتها وألمها الذي لم يصفه كلام، فنهض فارس من جوارها وقال
- حبيت اطمن عليكى، هروح النادى وبالليل هرجعلك..
شحذته بانظار التوعد الكافيه على حرقة مدينه بأكملها، كاتمه بكاؤها بصعوبه متغذيه على قوت الصبر الذي يعقبه بركانا سيطيح بالجميع، فما يحرض اسهم غضبها نحوه سوى خيبته منه قضت على حياتها...

انصرف فارس مدندنا ببعض الاغان، فانفجرت نانسي باكيه بصوت عال اسبه بالنواح، فركضت الممرضة نحوها وسرعان ما نجدتها بإبرة مهدة كجرعه مسكنه لتثبط وجعها...
* على الطريق الذي يبتعد قليلا عن قصر الشاذلى توقفت سيارة فارس تدريجيا إثر وجود لجنه على الطريق، فاتسعت ابتسامة مجدى الذي يُراقب موقعه من رقم هاتفه جيدا متابعا خطوات سيره، فنهض من مقعده ووقف أمام سيارة فارس طالبا رخصه
- رخصك!
تمازح فارس.

- انت جديد فى المنطقه ولا ايه..!
اكتظى وجه مجدى بدماء الغضب، وانفجر مجلجلا
- انت هتصاحبنى بروح أمك...
تراجع فارس للخلف بعدم تصديق صادرا من ثغره صوتًا نافيا
- تؤتؤتؤ، بدأنا نغلط! وكده غلط، خاف على رُتبتك ياحضرة الظابط..
ركل مجدى باب السيارة بقدمه، بتوغر وتغلظ
- انزل لى وانا هعرفك رُتبتى..
ثم رفع صوته أكثر مناديًا على العساكر
- تعالى يابنى فتشلى العربية دى!
هبط فارس من سيارته محاولا إصلاح الامر.

- لالا، انت فاهم غلط، الموضوع مش مستاهل، انا كان قصدى نتعرف وكده..
زاحه مجدى بقسوه ودخل الى سيارته وأخذ يفتش بها بعشوائيه حتى أخرج من جيب قميصه عدد ما من ( لففات وقراطيس الحشيش ) المُبرة للتدخين، وفتح من الداخل شنطة السياره ليفتشها العسكرى، فعاد إليه مررة آخرى وبيده المواد المخدره، وقال بفرحة
- لو على التعارف فشكلنا هنقضيها للصبح...
اتسع بؤبؤ عيني فارس بصدمة عندما رأى ما لا ينتمى إليه مذهولا.

- مش بتوعى! اى الهبل ده؟!
ما لبث أن عاد العسكرى وبيده ( فرش حشيش ) واعطاه لمجدى
- لقينا ده فالشنطة يابيه..
صاح فارس
- اى التهريج ده، مش بتوعى معرفش عنهم حاجه؟!
اصدر مجدى اصوات نافيه بشدقيه، وتابع بهدوء
- اومال بتوع مين! معقولة يعنى العسكرى الكُمل ده هيتبلى عليك؟!
ثم جهر بكُل ما اوتى من غضب
- تعالى حرر لى محضر هنا يابنى...
انفعل فارس
- مش بتوعى بقول، اى الجنان ده؟! دانا هوديكم فى ستنين داهيه..

مال إليه مجدى وهمس بالقرب من آذنه
- بينى وبينك انا عارف إنهم مش بتوعك، بس أنا غاوى تعارف بقي وحابب اجر رجل؟! وكمان كل العساكر دى عارفين إنهم مش بتوعك، بس بردو هيشهدوا إنهم لقيوهم فى عربيتك، يعنى بالبلدى، أحنا مطبخينها ومزاجى بقي اتسلى عليك فالحجز كام يوم...
تدخل ظابط المرور الاصلى وسأله بفظاظه
- هاا ياسيوفى، تمام!
ربت مجدى على كتف فارس بتوعد
- لسه هنشوف البيه إذا كان تمام ولا مش تمام...

- انتو، انتو عايزين منى إيه، إنتو هتروحوا فى ستين داهيه، انا هعرفكم مقامكم...
ثم ابتلع بقية الكلمات فى حلقه عندما تردد فى ذهنه الاسم الذي قذفه الظابط
- سيوفى!
نصب مجدى عوده بشموج وقال
- بص قدامك عربيتين زُرق، واحده فيهم البوكس وواحده بتاعتى، شوف بقي إنت حابب تركب أنهى فيهم!

- يازيدان اسمع منى، البت دى ناوية على خراب ديار؟!
نفذ صبر مهجة من إلحاحها المستديم الذي لا يسمع، فاردفت جملتها الاخيره بنبرة مختنقة وهى تجلس بجواره، فترك خرطوم ( الشيشه ) ونهرها
- اباااااى عليكى عاد يا مهجة، ما تتمسي، وهى البت كانت عملتلك إيه ماهى قاعدة مع ايوب...
زفرت بضيق
- قلبى مش مطمنلها، الفار بيلعب فى عبى من ناحيتها!
التوى ثغره بابتسامة ماكرة.

- مش أنت اتاكدتى بنفسك إن البيه بتاعها مع بت الشاذلى، واللى طلبتيه منها بالظبط عملته، وعطتنا التمام...
هزت مهجة ساقها بغل وهى تتضرب غلى فخذها بحرقة
- ماهو مش معنى إنه نام فى حضنها يبقي نسلم له دقنها، يازيدان افهمنى ده ظابط وممكن يعمل أى حاجة عشان يوصل للى عايزه...
- وهشام السيوفى مش بالغباء اللى يشغل حريم معاه يا مهجة، لمى دورك...
صرخت مهجة بنفاذ صبر.

- يالهوى منك، وانت كمان عايز تصدقها؟! لا لا دانت اتجننت رسمى...
ثم تغيرت نبرة صوتها محذرة
- زيداااااان بقولك إيه، اقف معوج واتكلم عدل، ولو البت احلوت فى عينيك تبقي بتكتب شهادة وفاتها بيدك...
اخترقت فجر مجلسهم بتردد فاذن لها زيدان بالاقتراب، فدنت معتذرة
- انا مش هعرف انام قبل ما ارجع الامانه لصحابها...
نهضت مهجة بكهنها الانثوى، منبهه
- بت أنتى حركات التعابين دى مش عليا، ما تيجيبى اخرك معايا..

فتحت فجر كف مهجة بغلٍ ووضعت به ( هارد ) الذي كان مع مجدى ووجدته رهف فى اغراض ابيها، وقالت
- الهارد ده كان مع ولاد السيوفى ؛ وكان هيودى ابوكى ورا الشمس اللى فهمته من كلامه، ولو مااخدتهوش كان زمانك بتوديله عيش وحلاوة دلوقتى!
أومأت بهزة بتثاقلة وعيون ثابته
- قصدك إيه يابت...
- قصدى إنك تهدى على نفسك كده وتفهمى إن كلنا فى مركب واحده، وانا معاكى مش ضدتك، تصبح على خير يا سيادة النائب..

اوقفها ندائه بصوت الخشن
- استنى عندك، نشوفوا الاول البتاع ده فيه إيه!
اندمل قرص الشمس وذاب فى حضن السماء فسادت العتمة، وانتهى هشام وميان من رحلة السفارى التى ذهبوا إليها معًا حتى جلسا الاثنين فى أحد الخيام وسالته ميان
- أنا ليه مش مصدقة!
اخرج هشام من جيبه علبة السجائر التى باتت شيئا ملزمًا له وسألها
- مش مصدقة إيه؟!

- مممم إنك هنا جمبى ومعايا، على عكس قبل كده كنت جاف ومصدر الوش الخشب كده، بصراحه كنت بخاف منك..
اتقن دور العاشق معها ببراعة واحتوى كفها الصغير وسألها
- ودلوقتِ، لسه بتخافى!
القت نظرة على كفها الذي يحتضنه وسرعان ما انتقلت لعيناه وقالت بجراءة
- ما أحنا خلاص وثقنا العلاقه ومابقاش فى خوف..
شعر بالاشمئزاز من نفسه للحظة قتلها بابتسامه مزيفة وقال مرحبا
- انت صح، صح جبتى الخلاصه...

تبادلا الضحك معاً، فسألته بغيرة
- هى كانت عاملالك إيه عشان تحبها كل الحب ده!
اتكئ بمرفقه على ركبته التى ثناها وتنهد بهدوء لا ينتمى لعواصفه الداخليه وقال
- كانت بتكذب...
لم تبال بوجوم وجهه ورفعت حاجبها مستنكره
- بتكذب! واى العلاقات.!
اتكىء على ذراعه الايسر واجابها
-معروفه أن الرجل الشرقي يطمن للستات الكذابة...
فكرت للحظة واجابته.

- وما تقولش ليه إن كُتر التذاكى ف الاختيار ممكن يخسرك اكتر واحده بتحبك وبيخليك تسلم نفسك للى هتخدعك...
قاد زمام الامور لصالحه وقال
- منا عشان كده لحقت نفسي وجيتلك، وكويس إنى لقيتك...
مضغ عقلها بانياب احدايثه المعذوبه حتى ذابت فى سحرهم، ضحكت باعجاب على ذكائه فى اكتساب انثاه وتتدللت مرتميه فى حضنه
- يلا ناخد صورة..
طاوعها جبرا حتى التقطت اكثر من واحده، فانسحب بهدوء متحججا.

- كملى تصوير بقي وانا هجيبلك الاكل...
- متتأخرش عليا...
اعتدلت فى جلستها واخذت تحرق ظهره بأهدابها، ثم تصفحت هاتفها ودونت رساله نصية مضمونها
( الاسبوع الاول قرب يخلص وانتى ولا حس ولا خبر، لا شدى حيلك معايا وإلا هتفرج انا واخوكى عل الفيديو بتاعك ) ارسلت ما كتبته لرهف مصحوبا بصورتها مع هشام ثم اعتلى ثغرها ابتسامة انتقام متوعدة.

- كلكم بقيتوا زى العرايس الخشب فى ايدى يا ولاد السيوفى، هحرككم زى ما أنا عايزة وبس...
وعلى حدا تفقدت مهجة محتوى (الهارد) الذي اثبت صحة ما قالته فجر، فبث فى قلبهم وميض من الثقة، فهلل زيدان فارحًا
- عفارم عليكى يا ست فجر
اتسعت ابتسامتها بفرحه
- يعنى سامحتنى...
تفوهت مهجة بغل
- اخرك قرشين وهنرميكى بره...
حدجها زيدان بعتب وأكمل ساخرا.

- عيب يا مهجة، احنا بردك نعمل إكده فى حريمنا! ليه قيللات أصل إحنا زى ولد السيوفى...
ثم ضرب على رأسه كأنه تذكر شيء وغمغم
- ااااه ابن السيوفى! فكرتينى...
ما لبث أن تناول هاتفه فبثت ادخنة القلق فى جوفها منتظرة فعله الجهنمى الذي يكنه خلف تغير طبقات صوته، وما هى للحظة إلا وحال ظنها ليقين عندما فتح زيدان مكبر الصوت الذي تتابع رنينه ثم لحقه بنبرة صوت هشام التى خلعت قلبها من مكانه
- ألو...

جف حلق فجر من شدة الخوف وتراجعت خطوة للخلف وكل ما بها تكور من شدة إثر الصدمه، فصاح زيدان جاهرا، وبنبرة اشبه بالعتب وهو يدور حول فجر ضاحكا
- هى دى الاصول يا ولد السيوفى! ترمى حريمك فالشارع! عموما اللى يرمى النعمة زيدان صياد وقاعد يتلقاها، بالمناسبة مرتك عندى وبتقولك تعيش وتاخد غيرها...
**إننا نحبّ الحياة لأننا نحبّ الحريّة، ونحبّ الموت متى كان الموت طريقا إلى الحياة**.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة