رواية الجوكر والأسطورة للكاتبة آية محمد الجزء الأول الفصل السابع عشر
( نثرات الروح والهوى )
عيناه كانت هائمة بصورتها التي يحملها بين يديه بحنان كأن أصابعه تلامس وجهها!، الحزن يسكن بعيناه والألم مصيراً قاسي لقلبه الضعيف بهواسها، إستقام بجلسته بعينان إحتدت بالنظرات المنصدمة ليتطلع بذهول لظلها الذي ظهر من خلفه ليطل بالصورة التي يحملها بين يديه، إستدار "جان" ببطء كأنه يحمل يقين بأنه يتبع درب من السراب، جحظت عيناه وهو يرأها أمامه، خالفه ظنه بأنها مجرد أوهام، تخلي عن مقعده ليقف أمامها بعدم تصديق لما يحدث، لا... لا يتوهم...
هي محبوبة القلب ومعشوقة الروح، هي من عشقها بكيانه وبكل ذرة بوجدانه، العينين كانت متعلقة ببعضهما البعض بعدم تصديق منه وشوق منها، دمعات إختصت العينين بلهب ساطع برحلة شاقة يصعب تصديقها، رأها أمامه بحجابها الفضفاض الذي يغطي منتصف جسدها العلوي بأحتشام إعتاد عليه منها وطرفه الأخر يتدلل برفق علي خصرها ليزيد من جمالها...
حينما تتعلق الروح بأماني اللقاء بمن طرب له القلب تخلق من ذكرياته صوراً متحركة أمامه ليروي بها تعطش الشوق هكذا طن!...
جاهد لرفع قدميه حتي يتحرك ليقف أمامها ربما لأستكشاف حقيقة الأمر، خانته قدماه فكانت كالحجارة الضخمة التي لم يقوي علي تحركيها فلم يلبث سوي خطوة واحدة تجاهها وعيناه تفيض بالدمع خشية من كونه حلماً أحمق أو مجرد أنه يتخيل فقط!، علي صوت أنفاسها بالبكاء لرؤيته هكذا فقلبها ينبض بشغف اللقاء، لا طالما كانت له محجوبة للغاية رغم أنه زوجها ولكنها كانت تخشي حتي لمسة يديه من كثرة حيائها!
تلك المرة قطعت هي تلك المسافة العالقة بينه وبينها لتقترب منه بلهفة ثم مالت بوجهه علي يديه الممدودة لها، شعر بملمس وجهها ليتأكد بأنها حقيقة ملموسة بين يديه!، سقطت دمعاتها علي معصم يديه لتزيد من حدسه، تخشبت حواسه لوهلة من الزمن قطعها بأن جذبها بقوة لأحضانه لدرجة جعلته فقد التحكم بجسده الضخم ليسقط بها أرضاً، بكي "جان" بصوتٍ مسموع وهو يردد بهمسات تكسر قلبه قبل أن تتردد لها_وحشتيني يا عمري، أنا كنت حاسس أن خلاص حياتي مستحيل هترجع تاني...
كنت حاسس أني هفضل أتعذب لحد ما أفارق الجحيم اللي عايش فيه من غيرك يا "سلمى"...
أكتفت بالبكاء علي صدره فشددت من إحتضانه بدموعاً غزيرة، بقلبها عاصفة من العشق تجاهه وخاصة بعد ما فعله لأجلها!..
مرت دقائق عديدة ومازالت مختبئة بأحضانه حتي أخرجها هو فجسدها كان ينصاع لحركاته كأنها فقدت القدرة عليه، تطلع لها بنظرة مطولة ليبتسم والدموع تغزو عيناه _ساكتة ليه؟!...أنا مستني أسمع صوتك من سنين ليه حرماني أسمعه؟!...
إنفجرت بنوبة من البكاء الحارق بشهقات مؤلمة لتلقي بذاتها بأحضانه مجدداً، مسد علي كتفيها بحنان فقال بتأثر بعدما رفع وجهها بأصابعه_أنا مكنتش عايز أتخلي عنك يا "سلمى" صدقيني اللي حصل أن أ...
قاطعته حينما وضعت يديها أمام وجهه قائلة ببسمة تكسوها الدمعات _أنا كنت سمعاك وشايفاك يا "جان"..
تطلع لها بعدم تصديق والفرحة تتراقص بين عيناه ليقبل أصابع يدها بحنان بالغ ومن ثم إحتضنها بجنون ليصيح بسعادة_أنا حاسس أن دا حلم صح؟..
أشارت له بلا وهي تزيح دمعاتها لترفع عيناها العسلي إليه بخجل من قربه منها لهذا الحد، إبتسم بأشتياق لرؤية حياها الذي يزيد إحمرار وجنتها خجلاً فيجعلها بجمالاً مميز للغاية، نهض عن الأرض بعدما إستعاد جزء بسيط من ثباته، مد يديه لها لتنقل نظراتها علي طول ذراعيه لعيناه الساحرة التي إشتقت لنظراتها، رفعت يدها لتضعها بين أحضان يديه الممدودة ليجذبها برفق إليه كأنها بلور زجاجي من الكرستال!...
إستند بجبهته علي جبهتها ليتحدث بكلمات صاحبت آلام كنت لسنوات_تعرفي كل لحظة عدت عليا من غيرك كنت بحس بأيه؟...
رفعت أصابع يدها لتحاوط كفيه برقة سرت لأجلها قشعرت بجسده لعودتها!، قالت وعيناها تتطلع له بنظرة عميقة يختمها الدمع بلقاء مميز_كنت شايفاك بتتعذب ومش عارفة أعملك حاجة، بس كل الكلام اللي أنت قولتهولي قبل ما أخرج من الفصر هو اللي أداني حافز أني أرجع..
أزاح دمعاتها ليطبع قبلة عميقة محملة بنيران كادت بألتهام قلبه علي جبينها، إبتعدت عنه بخجل إكتسح ملامحها خشية من أن الأمور تتطور بينهما، لاحظ هو ذلك فأبتسم بأشتياق لقوانينها المصونة رغم أنها بالنهاية زوجته!...
عبثت بطرف حجابها كدليلاً قوي له علي خجلها المميت، نفس حركاتها السابقة التي تقوده للجنون معها، إقترب ليقف أمامها ومازالت عيناها تفترش الأرض ويديها تفرك الحجاب دون توقف، رفع وجهها بأصبعها بخفة لتتطلع له بنظراتها الساحرة التي إشتاق لها، إبتسم "جان" قائلاً بنبرته الرجولية _لسه زي مأنتِ...
ثم إنحني ليحتضنها مجدداً ولكن ليتمكن من الأقتراب من إذنيها ليترك له فرصة الخجل بعيداً عن رؤية وجهه فهمس بعشق_حفظتك من نفسي سنين مش هقدر أحاربها لأيام؟!..
وإبتعد عنها ببسمة مكر ليجدها تتحاشي النظر إليه لتعود للهجتها التي إشتاق لها _أنا غلطانه أني جيت معاه علي هنا كنت رحت أشوف بابا الأول..
تطلع لها بجدية _هو مين دا؟..
رمقته بنظرة مطولة مرتبكة تخشي إخباره فلا يصدقها فبنهاية الأمر ما حدث امراً محال، تمسك بيدها ليحسها علي الحديث فقالت دون تردد_"رحيم"..
تحررت أصابعه من علي يديها بالتدريج ليردد بصدمة_" رحيم" اللي جابك هنا!...
أشارت له بخفة فشرد بصدمة كادت بأن يغرق ببحورها!...
بقصر "رحيم زيدان"...
حطم" سليم" بسيارته الباب الداخلي للقصر عن عمد ليهبط منه بشرارة غضب تكاد تحرق من أمامه، إلتف حوله الحرس في محاولات مستميتة للتعرف عن كناياته بعدما إستغني "رحيم" عن طقم "توفيق" وإستعان بهؤلاء، كاد أحداهما بأن يهاجمه ولكنه توقف سريعاً علي إشارة" رحيم زيدان" الذي طل من شرفة غرفته بالأعلي، إبتعد عنهم "سليم" ليصعد للأعلي بغضب مميت، فتح باب غرفته ثم ولج ليجده يقف أمام النافذة مستنداً بأحدي أقدامه علي الحائط وبيديه سجاره الذي ينفثه بثبات عجيب غير عابئ بمن يقف أمامه!...
إقترب منه "سليم" بنظرات تلفظ بالكثير_"ريم" فين؟...
لاحت علي وجهه شبح لبسمة مخيفة لينفث دخان سيجاره بوجهه ليحرك الأخر يديه بغصب حتي يخف من حدة الدخان الذي كاد بأن يخنقه ليزفر بغضب_"ريم" فين يا"رحيم"؟..
أطفئ" رحيم" شعلة سيجاره ليتطلع له ببسمته الماكرة_مش تستريح الأول من طول الطريق يا عريس...
أشتدت عيناه بالأحمرار كدليل علي قمة غضبه فحاول أن يبدو هادئاً قدر المستطاع_مرتاح كدا فياريت تجاوبني علي سؤالي...
إبتعد عن الحائط ليقف بثبات ليتنفرد عضلات صدره بعدما إعتدل بوقفته ليقف أمام "سليم" بخبث يلاحق لهجته المخيفة_خايف أكون قتلتها؟...
صرخ به بغضب_متقدرش تعملها...
أشار بعيناه بسخرية _عشان خايف منك مثلاً ولا خايف من الحيوان اللي بيحركك...
إنكمشت ملامح "سليم" بضيق من كلماته فقال _قصدك أيه؟!..
أجابه "رحيم" بحدة غير متوقعة من ملامحه التي بدت أكثر ثباتاً منذ قليل _قصدي أنت فهمه كويس أوي، لو مفكر أني غبي ومش علي علم باللي بيدور في القصر دا تبقى أهبل...
ثم وقف أمامه حتي أنه لم يفصلهم شيئاً _عقاب الحيوان اللي شغال مع البيه أخده وبزيادة وزمان هديتي علي وصول أما أنت بقي فمش قادر أقرر لسه العقاب اللي يناسبك..
إبتسم "سليم" بسخرية_عقاب!... أنا مبخفش من الموت يا "رحيم" باشا فتفتكر هخاف منك؟!...
إبتسم "رحيم" هو الأخر ولكن ببسمة أكثر خطورة ليردد بهمساً بطيء للغاية_أي حد بالكون عنده نقطة ضعف يا "سليم" وأفتكر أنها اللي خاليتك واقف قدامي دلوقتي ولا أيه؟!..
إرتعب قلبه فصاح بصوتٍ مضطرب للغاية_"ريم" فيين؟!..
اجابه بثقة_متقلقش عليها وهي في بيتي بس لحد ما نتفق ما تتوقعش مصير ليها...
رمقه بنظرة مميتة_أنت عايز أيه يا"رحيم"؟!..
إبتسم بأنتصار يلمع بعيناه كأنه توصل لهدفه دون أي مجهود...
بغرفة"سارة"...
حاولت قدر الأمكان التوصل لمعلومات حول "جان" فبعد صعوبة من البحث علي الفسيبوك توصلت إليه أخيراً فتطلعت لصوره من أمامها بعينان تشتعلان من الغضب، تأملت ملامحه بوعيد قاتل حتي أنها تناست السكين الذي تحمله بين يدها لتضغط عليه بقوة ألمتها فأفاقت علي الدماء التي إنسدلت من يديها دون توقف، تأوهت بألم فأغلقت الحاسوب ثم خرجت من غرفتها لتسأل أحداً من الخدم علي أدوات الأسعاف الأولية، رأها "مروان" وهي تحمل يدها وتتجه للأسفل بملامح يبدو عليها الضجر، لحق بها سريعاً وحينما إقترب منها رأي الدماء تتساقط من كفيها فقال بلهفة_أيه دا؟، أنتِ كويسة؟!.
أشارت له بألم_جرح بسيط مش أكتر أنا بس عايزة "أماني" أسالها علي معقم .
اشار لها بهدوء _خاليكِ هنا وأنا راجع..
إنصاعت له فجلست علي مقعد جانبي بجوار الدرج، تحمل يديها بألم وبعد دقائق مبسطة عاد "مروان" حاملاً علبة الأسعافات الأولية ليضعها علي الطاولة ثم جذب المقعد ليجلس علي بعداً منها مشيراً لها _هاتي أيدك..
نهضت عن مقعدها بهدوء_متتعبش نفسك أنا هتصرف..
أجابها بتصميم_مش هتعرفي تربطي أيدك..
قالت وعيناها أرضاً تتحاشي النظر إليه_يبقي "أماني" اللي تساعدني غير كدا فأنا ممكن أستحمل الوجع عادي..
تطلع لها قليلاً ببسمة إعجاب رسمت علي محياه فحاله كحال الكثيرون ممن ظنوا بأن عادات الغرب تلاحقها!، كادت بالصعود فأسرع بالحديث_خلاص خلاص هناديلك "أماني"...
وبالفعل تركها "مروان" وأسرع بمناداة الخادمة التي أسرعت بتضميد جرحها، كانت شاردة للغاية بكلمات "إياد" التي إستمعت له يصرح بريان بمقتل أخيها فبدأت بربط الأحداث به وبالفتاة التي أخبرها بها أخيها لتمسك طرف خيط الحقيقة الغامضة من البداية، لم ترى "مروان" وهو يتأملها بحب يكبر بقلبه فربما أن صرح لها كانت أخبرته بحقيقة عشقها لأخيه ولكن القدر يجمع خيوط قلوب ستدمر دون رحمة!...
توقف الباص ومازالت نظراته مثبتة عليهم بحقداً كاد بأن يلهمه بقتلهما سوياً، بدأت "فاطمة" بفتح عيناها تدريجياً حينما إهتز مقعدها علي أثر توقفه لتجد ذاتها بأحضانه!، كادت بالأبتعاد عنه ولكنها تسمرت محلها وهي ترى ملامحه الرجولية عن قرب، توردت وجنتها وهي تتأمله فأخفضت عيناها ولكن قلبها منحها التصريح بذلك فبالنهاية هو زوجها ويحق لها ذلك، تطلعت له بنظرة عميقة تستكشف ملامحه ببطء ولم ترى أعين "إياد" التي كادت بأن تلتهما!، فتح "يامن" عيناه بنوم ليجدها أمامه!، إعتدلت بجلستها سريعاً وهي تعدل من حجابها بأرتباك، حاول أن يخفي نظرات ذهوله من تأملها له فقال بهدوء أخفي به سعادته الغريبة! _وصلنا؟..
أجابته بتوتر وهي تعدل من حجابها_تقريباً أه..
إبتسم بسخرية_أيه تقريباً دي شكلك لسه نايمة...
وضعت عيناها أرضاً بخجل من تذكرها لنومها بين أحضانه!، إستدار "يامن" برأسه ليتفقد الباص فوجده شبه فارغ الا من بعض الأشخاص ومن ضمنهم "إياد" و"صباح" الذي تعمد تجاهلهم فأشار لفاطمة بأن تهبط وبالفعل إنصاعت له ولحقت به للباب الجانبي للباص، كان يتجمع حوله عدد من الأشخاص بأزدحام للمرور، توقف "يامن" وخلفه "فاطمة" تحمل حقيبتها بتفحص لهاتفها، لفت إنتباهها إقتراب "صباح" لتقف بجوارها و"إياد" من جانبها، إنقبض قلبها بشعوراً مخيف فوضعت يديها بتلقائية علي كتفي "يامن" الذي إستدار لها ليرى وقوفها بجواره فسحبها بقوة حتي صارت أمامه فأثار غضب من يراقبها بتوعد.
رسمت البسمة علي وجه "فاطمة" علي تصرف "يامن" فبدأ قلبها يتراقص بطريقة غامضة لم تختبرها من قبل فرفعت عيناها لتتقابل مع عيناه القريبة منها بفعل ضيق المكان وإزدحامه، تطلع لها بهيام والأخرى كالفاقدة للوعي فعيناه تحيطها هالة من اللون البني الداكن كأنه تحفظ عسلية عيناه، قسمات وجهه الناطقة بالرجولة الكاملة تخجلها، تصرفاته التي تبدي قوة شخصيته تسعدها وتضمها بأمان!..
تاه كلاً منهما بسحر العينين لينتبه "يامن" للسائق الذي يحاول أن يخبرهم بالهبوط للسماح لمن خلفهم بالمرور حتي هي إنصاعت لكلماته فتلون وجهها بمئات الألوان لتهبط سريعاً هرباً من التطلع له بعدما كانت هائمة بعيناه، جذب "يامن" حقيبة يدها التي سقطت منها دون أن تشعر ليبتسم علي حماقتها فلحق بها سريعاً مشيراً لها _إستني يا مجنونة.. شنطتك...
لم تستمع له فكانت قد ولجت لداخل الفندق لتستعلم عن غرفتها التي تلي غرفته فأخذت المفتاح وصعدت سريعاً كأن شبحاً ما يلاحقها فأغلقت الباب خلفها بأنفاساً تعلو وتهبط من فرط خجلها، إبتسمت حينما تذكرت ما حدث فرفعت يدها لتحرر حجابها ثم وضعته علي المقعد لتقرب يدها من أنفه بأستغراب لتغلق عيناها بتأثير رائحة البرفنيوم الخاصة به التي تحيط ملابسها من أثر نومها بأحضانه!..
صعد "يامن" للأعلي فأشار للعامل بأن يدخل الحقائب معاً لغرفته ليرى هذة المجنونه التي تركت حقائبها بأكملها خلفها...
إستمعت لطرق غرفتها وهي غافلة بذكرياته التي تبقت معها لدقائق فقطعها طرقات الباب الذي لا يتوقف عن الطرق لتتوجه بغضب لتري من متناسية حجابها تماماً!..
فتحت الباب لتجده أمامها فشهقت بخجل لرؤيته، تطلع لها بصمت إكتسح معالمه حينما رأي تلك الفاتنة من أمامها بخصلات شعرها الغجري المنسدل أمام وجهها كالشلال الذي يحمل خلفه صدفة من ماس!..
نظراته جعلتها تخمن ما بها فرفعت يديها تتحسس حجابها لتركض للداخل سريعاً بصراخ حاد إختراق أذنيه فأبتسم مردداً بسخرية وهو يغلق الباب من خلفه بعدما ولج للداخل _مجنونة رسمي..
بالخارج..
كان هناك من يراقبه فما أن أغلق الباب علي كلياهما جعل النيران تتأجج بعين "إياد" الذي أقسم علي الأنتقام منها والحصول علي مبتغاه أما "صباح" فكادت الغيرة بأن تقتلها لتشاركه بالخطة الدانية التي ستحطمهما معاً!...
بغرفة "ريم"...
كانت تجلس علي الأريكة بدموع لم تتركها منذ وصولها للقصر، سلطت عيناها علي باب غرفتها الذي فتح ببطء ليطل هو من خلفه..
همست بدموع تكتسحها وسعادة تغمرها_"سليم"!..
وهرولت إليه ليحتضنها بلهفة فطوال طريقه للقاهرة كانا ترسم أمامه أبشع الصور لها!، رددت بدموع وهي بأحضانه_أنا كنت خايف عليك أوي من"رحيم"...
رفع وجهها إليه ليزيح دموعها ببسمة زادت من وسامته_وأنا قولتلك قبل كدا متخافيش طول مأنا موجود...
إبتسمت بسعادة لتحتضنه بأمان لتعود لكلماتها الحزينة_أنا خايفة "رحيم" يوصل "لنغم"..
خشي أن يخبرها لما يعرفه فقال ببسمة هادئة_قولنا أيه؟!..
أشارت له بأنصياع فأثمن أمنياتها بأن بكون علي ما يرام تحققت فأنصاعت لعيناها التي ذاقت الأمان فأنسابت بنوم عميق ليربت "سليم" علي خصرها بأصابعه الحنونه ولكن بعقل شارد بأتفاقه مع "رحيم زيدان"!...
ولج لداخل غرفتها المظلمة فشعل الضوء ليبحث عنها بعيناه، وقعت عيناه عليها تفترش الأرض بدموع غزيرة للغاية، إنحني "رحيم" ليجذبها لتقف أمام عيناه، وجدها هزيلة للغاية كأنها زهرة وقطفت من جذورها، نظراته كانت متفحصة للغاية والأخري عيناها تتطلع للفراغ بثبات عجيب كأنها فقدت للحياة مذاق!..
خرج عن صمته أخيراً _إجهزي عشان هتخرجي معايا..
رفعت "نغم" عيناها له بنظرة مطولة هادئة والأخر ينتظر رد فعل لها، خالفت ظنونه وتوجهت لخزانتها لتجذب فستانٍ دون رؤيته ثم وضعته علي الفراش بأنتظار خروجه، شيعها "رحيم" بنظرة غامضة ثم خرج علي الفور لتبدل ثيابها ثم لحقت به للخارج لتتبع خطواته للأسفل، فتح لها "الحارس" الباب الخلفي لسيارة "رحيم" فجلست دون أي نقاش، أشار "رحيم" لحازم الذي هرول إليه مسرعاً فقال بثبات مميت _لقيتها؟..
أجابه ببعض الخوف _لسه بس متقلقش يا باشا هنلاقيها بأذن الله..
رمقه بنظرة حادة للغاية جعلتها يرتاد رعباً ليصعد لسيارته وعيناه متعلقة به، تحركت السيارة فور صعوده ليصفن قليلاً بوالدته التي فشل بأيجادها، الضيق يتسلل لملامحه فيجعله مخيفٍ للغاية، توقفت السيارة بعد فترة أمام أحد المباني المتهالكة ففتح "رحيم" النافذة ليلقي نظرة متفحصة علي المكان، طالت بتأمله وبألم قلبه المجروح، أسرع الحارس بفنح باب السيارة ليهبط بطالته القابضة مشيراً لنغم بالهبوط فأنصاعت له بكره، طوفت المكان بنظرة إستغراب فلأول مرة تري هذا المكان ربما لو إصطحبها "يوسف" لمنزله من قبل لعلمت بأنها أمام منزل المحبوب!..
صعدت خلفه للأعلي بعدما أمر الحرس بالأنتظار بالأسفل، صعد للطابق الثاني من البناية فطرق الباب بأصابعه بخفة ثم وقف جوارها بثبات، تسلل الخوف لوجهها من أن يؤذيها فكيف للشيطان بعهد الأمان!..
تحولت نظراتها لصدمة حينما فُتح الباب ليطل "يوسف" من خلفه فلم يكن حاله أقل منها، إبتسم "رحيم" بغموض_مش هتقولنا إتفضلوا ولا أيه؟!..
بقصر "الجوكر"...
كان يجلس علي مقعده، يضم يديه معاً أمام وجهه، عيناه الصقرية مسلطة علي التابوت الموضوع أرضاً يحوي جثمان "توفيق" من أمامه، يحاوطه الحرس من كل مكان ولكن رغم عددهم الا أن وجودهم كان يتمثل بالصمت خوفاً من الأسد القابع بهدوء مخيف أمامهم ليلمح رسالة بيضاء مطوية بجيب جاكيت "توفيق" العلوي فأشار للحارس الذي جذبها له سريعاً لتلمح محتوياتها بخط يد "رحيم زيدان".
"متشكر علي إهتمامك بشجن وجود يارا وحنين هيفرق معاها جداً"...
كانت رسالة صريحة له بأنه تحت أنظاره، بأن قصره العملاق وما يحدث به يعلمه الأسطورة فمثل إمتلاكه لعينان بقصره يمتلك هو أيضاً ولكن بأكثر من ذلك!...
بغرفة "فارس"...
ولج" آدم" للداخل ليبحث عنه ليجده يجلس علي مقعده بشرود وبسمته تتسع شيئاً فشيء كأنها علي وشك إبتلاعه!..
قال بهدوء _"فارس"...
" فارس" بهيام_عينكٍ بحراً صافي في ليل أهوج ظمأن وشعرك أ...
قطعه"آدم" بغضب _أنت يا عم كاظم الساهر..
إنتفض من محله بفزع ليرمقه بنظرة غاضبة _يخربيت فقرك علي المسا، عايز أيه؟!..
ربع يديه أمام صدره بضيق _في حد يكلم أخوه الكبير كدا...
تعالت ضحكاته الساخرة_الكبير كبير بأفعاله ياخويا دأنا أوقات بحس إنك إبني الصغي...
إنقطعت باقي كلماته حينما جُذب من تلباب قميصه ليرفعه عن الأرض بغضب جامح جعل "فارس" ينخضع له قائلاً بصوتٍ متقطع _ أخويا وحبيبي وتاج رأسي يا جدع بس بلاش المعاملة دي..
تركه ليسقط مرة واحدة فلفظ أنفاسه بقوة ليزفر بغضب _هزارك بايخ..
جلس "آدم" علي المقعد بضيق_لو هتهزر هسيبلك الاوضة وهمشي..
جلس علي المقعد المقابل له بجدية _لا خلاص إشجيني أقصد إتكلم..
زفر "آدم" بتذمر _"رحيم" عايز الخطوبة علي أخر الأسبوع..
كبت ضحكاته بصعوبة _طب وأنت نازل ليه مش عشان تخطب" بسيوني" كفة..
رمقها بنظرة غاضيه فعدل حديثه_أقصد"سما"..
خلع جاكيت بذلته الأنيقة بغضب _بس أنا لسه مش مستريح للموضوع دا..
إعتدل"فارس" بجلسته قائلاً بجدية_إسمع يا"آدم" أنت عشت بره أكتر ما عشت بمصر شوفت بعيونك الأجانب وأسلوبهم بالحياة المتحرر زيادة عن اللزوم،" سما" بعيد عن أنها وصية عمك والكلام دا فهي اللي تقدر تصونك كويس، عمرك ما هتلاقي حد في أخلاقها ولا طيبة قلبها وأظن دا كافي ليك ولا أيه؟..
أشار له "آدم" ببسمة إقتناع _كافي ...
ثم زفر براحة من حديث أخيه الذي يصغره عمراً ولا يكبره حديثاً، جذب جاكيته ليضعه علي يديه قائلاً ببسمة هادئة_هروح أريح شوية..
وكاد بالخروج ولكنه إستدار بتذكر_أه صحيح هو أنت كلمت "جان" علي شغل ليا!..
أجابه ببسمة غرور_ياكش بس يطمر فيك..
إنكمشت نظراته بغضب ليبتسم الاخر قائلاً بتوضيح_أنت بتحب شغل المعمار وكدا فبدل ما تشتغل ما حد غريب "جان" أفضل..
أكد له بأشارة رأسه_كلمني وهروحله بكرا الشركة..
أشار له ببسمة هادئة_بالتوفيق يا عريسنا..
أشار برأسه بضيق من عدم الفائدة منه...
خرجت "فاطمة" بعد دقائق من الداخل بعدما إرتدت حجابها لتجده يقف أمامها، أجابته بأرتباك _كنت عايز حاجه؟!..
أخرج من خلف ظهره حقيبتها لتشهق بصدمة _هو أنا طلعت من غيرها؟!..
أجابها ببسمة ساخرة_طلعتي من غير حاجات كتيرة أوي..
ثم إقترب منها ببسمة ماكرة_بس شكلك وأنتِ مكسوفة وفراولة كدا حلو أوي..
إرتبكت بوقفتها أمامه فاستعاد ثباته حتي لا يفقد زمام أموره، قدم لها الحقيبة فتناولتها منه ليتوجه للمغادرة وقبل أن يغلق الباب طل من خلفه ليغمز لها بغموض_بابي مفتوح لما تفتكري اللي ناقصك تعالي خديه..
وأغلقه ليغادر لغرفته ببسمة تسلية، وقفت محلها بتفكير بكلماته ولكنها لم تتوصل لشيء، إحتضنت حقيبتها وجلست علي المقعد تارة تتأملها وتارة تشم عبير يدها المحتفظ برائحته وتارة هائمة بالذكرى التي تمسكت بها...
مرت الدقائق عليها كالساعات ومازالت محلها حتي نهضت لتبدل ثيابها، توجهت للداخل بصدمة أخرى من عدم وجود حقيبتها، لمعت كلماته برأسها عن شيئاً ينقصه فأرتدت حجابها ثم توجهت لغرفته، طرقت الباب كثيراً ولكن دون رد، تذكرت كلماته بترك باب غرفته مفتوح فظنت بأنه خارج الغرفة لذا ظنت بأنه ترك الباب مفتوح لها، ولجت "فاطمة" للداخل تبحث عن حقيبتها فوجدتها بجوار حقيبته، كادت بجذبها ولكنها إستمعت لصوت الباب يفتح فاستدارت لتجد "يامن" يخرج من حمام الغرفة بمنشفة تتوسط خصره، لتطلع لصدره العاري بصدمة، أغلقت عيناها سريعاً بيدها وهي تصرخ بحرج _معرفش والله إنك بالأوضة، خبطت كتير وأنت مردتش فقولت انك فوق أقصد تحت...
كلماتها المرتبكة جعلته يبتسم فجذبت أحد الحقائب لتسرع بجرها رغم ثقلها لتتوجه بالخروج، فتحت باب الغرفة وكادت بالرحيل ليغلق هو الباب، إستدارت لتجده أمام عيناها، خصلات شعره المبتلة تنجرف علي عيناه على غير عاداتها!، إبتسم وهو يرأها تتأمله هكذا فقال بصوتٍ منخفض _دي شنطتي أنا
تطلعت له "فاطمة" بأرتباك_ها؟!..
أشار لها بعيناه علي ما تحمله فتطلعت أسفل قدماها لترى أنها تحمل حقيبته، شهقت بصدمة فقالت بحرج_أنا أسفة مخدتش بالي..
تراجع للخلف ببسمة هادئة ليشير لها بثبات _خاليكي هنا ثواني وراجع..
بقيت محلها فهي بحاجة لذلك ليعود "يامن" بعد قليل مرتدياَ سروال قصير باللون الأسود وتيشرت أبيض ضيق للغاية، كان يحمل حقيبتها بين يديه، رفعت يديها له فأشار لها ببسمة لا تليق سوي به _هوصلك لأوضتك..
أشارت له دون النظر إليه فما حدث يكفي لقلبها، تقدمت أمامه ليفتح غرفتها ثم وضع حقيبتها بالداخل علي الفراش ليبتسم لها بخفة_مش عايزة حاجة تانية؟..
أشارت له بخجل فاشار لها بنظرة حنان_تصبحي علي خير..
قالت برقة بالغة _وأنت من أهله..
وغادر "يامن" لغرفته ببسمة عشق تعرف الطريق لقلبه قبل أن ترسم علي وجهه!...
بمنزل "يوسف"..
جلست جوار "يوسف" يدها بيديه، ليرفع الاخري يحتضن وجهها بحزن لرؤية شحوبها _أنتِ كويسة يا "نغم"؟..
أشارت له بنعم فأحتضنها بتنهيدة تكن بالكثير بداخله...
أما بداخل غرفة "شجن"..
كان يقف بمنتصفها بأحساس غامض يخترق صدره الصلب ليهاجم قلبه بتحدي، عيناه تتطلع لكل رمق بغرفتها كأنه يرى قطعة أثرية فريدة، أصابع يديه القوية يمررها علي كل أنشن بها كأنها يحتضنها!، سمح لذاته بفتح خزانتها ليلمح هذا الصندوق الصغير ففتحه ليجد محتوياته، كل ما قدمه لها من ذكريات طفولية لمجموعة صور خاصة به، لمعت دمعة خائنة بعيناه ليحتضن كل ما أمامه بقلبٍ يرتجف لرؤياها، يا ليت هناك إتصالاً بالقلب لعلها تتمكن من سماع عشقها النابع بأواصره!..
شعر بخطوات تتقدم نحوه فأزاح دمعته سريعاً ليستعيد ثباته بسرعة مخيفة، إستدار ليجد "يوسف" يقترب منه حاملاً الشاي بين يديه، تطلع له "رحيم" مطولاً قبل أن يتناول منه الكوب، إرتشفه "رحيم" ببسمة جذابة_لسه بتعمله تقيل!..
إبتسم "يوسف" بتهكم _لسه فاكر...
إستدار "رحيم" ليقف أمام الشرفة بألم، توقف لجواره قائلاً بهدوء_أنا مهدتش غير لما شوفت الفيديوهات اللي بعتهالي بس أنت إزاي قادر تزرع كاميرات بقصر أخوك دا؟!.
إبتسم "رحيم" بتهكم_زي ما هو زارع رجالته حوليا بكل مكان وزي مأنا قادر أدمره بمكالمة تلفيون صغيرة.
ضيق عيناه بذهول من هؤلاء الاشخاص فقال _ميهمنيش كل دا اللي يهمني أختي..
وقف بمحاذاته قائلاً بثبات_هي هناك أو بأي مكان تحت عيوني يا "يوسف" بس لو عايزة ترجع وافق علي طلبي منك..
زفر "يوسف" بحزن_اللي أنت طالبه صعب أوي يا "فريد" أنا مقدرش أتخلي عن أختي بذات وهي بالحالة دي..
تمسك بيديه وبنبرة صادقة قال_مش هتتحسن غير لما معايا..
أنا لازم أكون جانبها عشان تقدر تتقابلني من جديد..
تطلع له بصمت ليكمل "رحيم" بهدوء_إديني الفرصة دي يا "يوسف" وأوعدك أنك مش هتندم...
خرج عن صمته بقلة حيلة _وأيه المطلوب مني؟..
إبتسم "رحيم" ببسمة مكر _كام لكمة لكام صورة مش أكتر...
وقبل أن يستوعب كلماته لكمه بأماكن متفرقة من وجهه ليلتقط له عدد من الصور بهاتفه قائلاً ببسمة جاهد لكبتها _ألف شكر يابو نسب..
رمقه" يوسف" بغضب مميت ليجذب الفازا من جواره ليهوي علي رأسه ولكن سرعان ما تفادي "رحيم" الضربة لتستقر فوق يديه فألمته ولكنه إبتسم بمكر_كدا صفيت يعني..
اشار له بغرور بعدما رأي دماء ذراعيه يبلل قميصه الأبيض الفاخر _يعني حسيت ببعض الأرتياح..
خرجوا معاً، فأشار لها "رحيم" بهدوء_يلا يا "نغم"..
إرتعبت حينما رأت وجه "يوسف" المتورم ويد "رحيم" التي بدت لها بأنهم كانوا بعركة شديدة، وقفت تتطلع لرحيم بخوف العودة معه وتركه فهي لم تفهم بالبداية لما أتي بها إلي هنا وما السر الخفي وراء علاقته بيوسف...
ربت "يوسف" علي ظهرها بحنان _روحي يا "نغم" أنا هعالج بس جروح وشي وهعملك أحلي فرح بالدنيا كلها الله يحرقه بقي اللي كان السبب..
إرتعبت للغاية من رد فعل "رحيم" حتي كادت بالبكاء ولكنها تفاجأت به يبتسم ويشير لها بالخروج، شعرت بأنها لا حيلة لها بينهما لذا إنصاعت له وإتابعته للأسفل...
بقصر الجوكر وبالأخص بغرفة "شجن"..
زفرت "حنين" بغضب_بقالي ساعة بحاول أضحكك وأنتِ ولا أنتِ هنا شكلك كدا من النوع المقفل اللي هيتعبني...
إبتسمت "أشجان" قائلة بسخرية_ بالظبط وفري بقى طاقتك الجميلة دي...
"حنين" بضيق وهي تعدل من حجابها _يارب انا ناقصة مش كان كفايا عليا واحد مقعد وشايف نفسه بقوا إتنين ليه كدا يا ربي دانا عسل ودمي شربات..
لم تتمالك "شجن" ذاتها فأنفجرت من الضحك علي مظهرها الطفولي، فأبتسمت حنين بسعادة لنجاحها بأخراجها مما هي به..
أما بسيارته الفاخرة..
كان يراقب ضحكاتها عبر شاشة هاتفه ليلامسه بأصابعه برقة ليغلق عيناه بأشتياق لضحكاته وجنونها وكل تفاصيل طفولتها المميزة...
همس لذاته ببسمة غامضة_هتكوني ليا وقريب أوي يا "شجن"..
ولمعت بسمته بهلاك مريب..
بمكتب اللوا...
تطلع لكن يجلس أمامه ليردد بذهول_الجوكر والأسطورة يشتغلوا مع بعض!..
صدمة ألجمته حتي عن النطق فكيف به بتقبل هذة الاوامر وخاصة بأخبارهم..