رواية إيفدوكيا للكاتبة إيمان عادل الفصل الثالث
هاري لقد طلب أحدهم يدي للزواج، قالت والدة هاري دفعة واحدة وإن كانت نبرتها تحمل في طياتها التوتر والقلق فلقد كانت خائفة من ردة فعل هاري فهي تعلم أنه لن يتقبل الأمر لكنها قررت أن تعرضه عليه على أي حال.
هل فقدتِ عقلكِ آن؟ ما هذا الهراء؟ سأل هاري بإستنكار شديد وهو يصيح بغضب ووقاحة متناسيًا تمامًا حقيقة أنه يتحدث إلى والدته، رمقه كلًا من نايل وجوردن بمزيج من التساؤل والغضب في الوقت ذاته.
تحدث معي بآدب هاري! على ما يبدو أنك نسيت كوني والدتك وأنتَ مجبر على احترامي!
والدتي! أجل والدتي، والدتي التي تريد أن تتزوج بعد هذا العمر؟
أنا مازلت صغيرة! كما أنك على علم شديد بأني قد كرست أعوامي السابقة للإعتناء بكَ أنتَ وشقيقتك والآن بعد أن أصبح كلاكما بالغين أظن أنه من المنصف أن ابدء في البحث عن سعادتي،.
أردفت آن بإنفعال شديد من دموعها بينما تعالت صوت شهقاتها، لم يبدو على هاري التأثر كثيرًا بما قالته والدته.
يبدو أنكِ قد أتخذتِ قراركِ بالفعل أمي، لماذا تطلبين رأيي إذًا؟ سأل هاري ببرود وهو يحاول أن يداري حزنه وصدمته، ساد الصمت لبرهة قبل أن تُعقب على حديثه مُردفة:
اسألك لأنك قطعه مني هاري، رأيك يهمني وموافقتكَ مهمة بالنسبة لي!
لقد سئمت هذه المحادثة! وداعًا الآن أمي. تمتم هاري وهو يغلق الخط سريعًا دون سماع رد والدته على ما قاله.
جلس هاري على المقعد المعدني وهو يضع يده على رأسه بحزن، كان صوته المرتفع قد وصل بالفعل إلى الفتاة بالداخل أثناء تحدثه في الهاتف لكنها لم تستطع فعل شيئ فوجود ليو لا يساعد كما أنها لم تستطع سماع كل ما يقوله بوضوح بالإضافة إلى أنه لا يوجد ما يربطها به كي تسأله، ربما فقط ما كانت تشعر بالفضول تجاه ما يحدث وفي تلك الأثناء كان ليو يتحدث إليها لكنها لم تكن منتبهه لحديثه البته...
ماذا حدث هاري؟ سأل جوردن لينظر إليه هاري بأعين دامعه ووجه عابس بينما يعيد خصلاته نحو الخلف بضيق شديد قبل أن يُردف بإنكسار شديد:
إنها تريد الزواج، أمي تريد الزواج،
هاري. أعلم أن الأمر صعب لكن، أردف نايل بنبرة هادئة وهو يحاول إيجاد الكلمات المناسبة لكي لا يزيد من حزن واستياء صديقه لكن هاري لم يسمح له بإكمال جملته فأيًا يكن ما سيقوله لن يكون مقنعًا كفاية ليتقبل هاري ما تنوي والدته فعله.
لا! لا يمكنني رؤية أمي زوجة لرجل آخر غير أبي نايل، أنا لن اسمح بذلك!
هاري، لقد أفترقا منذ عدة سنوات ومن ثم حدث ما حدث، لا يوجد داعي لذكر ذلك الآن، لقد مر على الأمر فترة طويلة هاري عليك تقبل الواقع.
قال جوردن بحزن وهو يحاول التهوين على صديقه وإن كان حديثه أكثر صراحة وحدة نسبيًا من نايل، ساد الصمت لبرهة من الوقت قبل أن يقطعه هاري وهو يتفوه بالآتي بينما غطت عيناه طبقة بلورية شفافة سرعان من تحولت إلى دموع منهمرة مُردفًا بإنكسار: لا، لا يمكنني تخطي الأمر، ليس في استطاعتي وأنتَ تعرف ذلك جيدًا!
هاري لنذهب، لنكمل حديثنا في المنزل. اقترح نايل وهو يربت على كتف صديقه ليومئ هاري ب نعم ومن ثم يضيف بينما يهم بالرحيل: حسنًا، لكن لنتوجه إلى قسم الحسابات أولًا.
كما تشاء.
بالعودة إلى الحجرة مرة آخرى، كانت هي مازالت على وضعها تجلس الجلسة ذاتها وتستمع إلى ثرثرته اللامتناهية، اعتذراته المكررة وحججة الفارغة، لسبب ما تشعر بأنها لا تستطيع مسامحته هذه المرة، تلك الصفعة لم تكن بالشيء الهين بالنسبة إليها فلقد شعرت بكرامتها تتبعثر في أرضية منزلهم الكئيب الموحش...
أنا حقًا أعتذر حبيبتي، أعلم أنني قد أحزنتكِ كثيرًا أنا وغدٍ حقير، أعتذر بشده
قال جملته التي تشابهت مع التي قبلها والتي قبلها كذلك، طالعته هي بأعين فارغة وعقل مُشتت وهي تحاول منع نفسها جاهدة عن البكاء فهي لا تريد أن تظهر ضعيفة أمامه يكفي ما حدث حتى الآن.
أعدكِ أن الأمر لن يتكرر.
أجل ليو لن يتكرر، لأنني لن أسمح أن يتكرر مجددًا هل تسمعني؟
قالت هي بنبره شبه صارمة وواثقة حتى وإن كانت ثقة لحظية مزيفة، أومئ هو بإبتسامة واسعة ظنًا منه بأنه قد أصلح الأمر فعقله الصغير يظن بأن جرح الكرامة وسحق الكبرياء قد يتم إصلاحه ببعض عبارات الإعتذار المحفوظة وكلمات الغزل البالية...
بالمناسبة عزيزتي لم تخبريني من أحضركِ إلى هنا.
إنه شاب لا أعرفه، لقد عثر على فاقدة للوعي وقد قام بنقلي إلى هنا على الفور.
أوه ياله من شاب صالح، على أي حال سوف اذهب للبحث كي أقوم بشكره على ما فعله فا لولا عثوره عليكِ لكان وضعكِ أسوء حبيبتي. كانت نبرته مبتذلة كالمعتاد لتقلب ايفدوكيا عيناها بينما تنبس بالآتي بتملل:
حسنًا افعل ما شئت ليو.
بالرغم من قولها ذلك إلا أنها لم تشعر بإرتياح من فكرة تعرف ليو إلى ذلك الشاب فهي تعرف زوجها جيدًا سيتسبب في حرجها ولربما يفعل شيء غير متوقع وهذا أسوء!
في تلك الأثناء كان ليو قد ذهب بالفعل للبحث عن ذلك الشاب الشهم الذي انقذ زوجته، سأل أحدي الممرضات لتقول له أنه توجه إلى قسم الحسابات ليشكرها ويتوجه بدوره إلى هناك ليسأل أحد الموظفين مجددًا فيخبره بأن السيد هاري قد غادر منذ دقائق معدودة بعد أن قام بدفع كل تكاليف المستشفي.
اضطربت معالم وجه ليو على الفور وهو يشعر بالخجل الشديد من فعلة ذلك المدعو بالسيد هاري لكنه لن ينكر أنه في الوقت ذاته قد شعر ببعض الراحة لأن ذلك المستشفي على ما يبدو باهظ الثمن وهو واثق تمام الثقة بأنه لا يملك تكلفة إجراء مجرد فحص طبي هنا!
عاد مجددًا إلى حجرة زوجته والتي وجده تستند إلى النافذة وهي تنظر من خلال بشرود بينما كان الحزن باديًا على وجهها، اقترب منها قليلًا ليجلس على كرسي أمامها مباشرة ويضع يدها الصغيرة بين كف يديه الكبير لتلتفت نحوه على الفور بينما تطالعه بعينيها العسليتين بتساؤول كبير.
سيتحسن الوضع أعدكِ، سيصبح كل شيء كما تريدينه حبيبتي.
أتظن ليو؟ سألت بإنكسار شديد وهي تتنهد بضيق ليبتسم ابتسامة صغيرة بينما يُردف بثقة:
أجل، أعدكِ بأنني سأبحث عن عمل في أسرع وقت، كما أنه لا داعي للقلق حاليًا فأنتِ بارعة في تدبير الشئون المالية للمنزل، ستمضي هذه المحنة سريعًا قبل حتى أن تلحظِ ذلك.
أتمنى، قالت وهي تدعو الرب بداخلها أن يصدق حديثه هذه المرة، ساد الصمت لدقيقة قبل أن تُقترح هي عليه الآتي بحماس:
أتعلم يمكنني مساعدتك في البحث عن عمل!
سأكون ممتن لكِ حقًا إن فعلتِ. ابتسمت له في المقابل و هي تحاول الوقوف و التوازن حتى يرحلوا عائدين إلى منزلهم الصغير البارد.
في أثناء عودتهم إلى المنزل كانت تود لو بإمكانها أن تستقل سيارة أجرى خاصة لتنقلها إلى المنزل لكنها تريد الحفاظ على كل سنت تحمله جيوبها لذا توجب عليهم التوجه إلى محطة الباص وانتظار الباص الذي سيمر بالقرب من منزلهم.
علي الجانب الآخر كان يقود هاري سيارته بإنفعال شديد ذاهبًا إلى منزله فهو لا يريد العودة إلى سكنه الرئيسي فالتحدث مع والدته وهو في قمه غضبه سيأتي حتمًا بنتائج عكسية، أثناء انشغاله بالقيادة والأفكار المتزاحمة في رأسه جاء على باله صورة تلك الفتاة الجميلة ذات الأعين الساحرة والملامح الأوروبية الهادئة، لكنتها المميزة و، زوجها! إن لتلك الشابة زوج، أخرجه من شروده انتباهه لذلك الأمر ليزيح من رأسه على الفور خيال تلك الشابة التي لا يعلم ما اسمها بعد.
فور وصولها إلى المنزل تركها ليو وحيدة هناك كي تستريح وتوجه هو إلى الخارج باحثًا عن مصدر رزق جديد وبالرغم من كونها تشعر بالتوعك إلا أنها قررت تنظيف المنزل كي تقضي على الملل والوحدة اللذان يحرقان قلبها ولربما كانت هذه طريقة جيدة ايضًا للتنفيث عن غضبها مما حدث البارحة...
وبينما كانت تقوم بإعادة ترتيب الأغراض وقعت عيناها على صورة لها بثوبها الأبيض الذي تحلم كل فتاة بإرتدائه، لم تتمكن من القيام بحفل زفاف كبير كما كانت تتمني فالوضع المالي لم يسمح لكن في ذلك الوقت كان يكفيها وقوف ليو ببذلته الرسمية السوداء إلى جانبها...
لقد كانت تبتسم بسعادة حقيقة في تلك الصورة كما كان يفعل ليو ايضًا، لم تتوقع يومًا أن يغزو الجفاف علاقتهما وأن ينتهي بهم المطاف في هذا الوضع السيء، وضعت الصورة في موضعها وهي تحاول أن تزيح من رأسها فكرة الندم على تسرعها حين أخذت ذلك القرار المصيري...
بعد ثلاث ساعات عاد ليو والإحباط باديًا على وجهه لتستنتج هي على الفور أنه لم يجد عمل بعد، قررت أن تمنحه بعض الدعم النفسي لذا اقتربت منه بهدوء كي تحتضنه وهو فقط يضع يده على كتفها ببرود، تذهب هي لتحضير الغداء جلسوا على الطاولة والصمت كان يكسوا المكان، لم يحب هو قط أن يخبرها بتفاصيل يومه أو ربما كان يفعل في بداية زواجهما لكن لم يعد يفعل الآن.
أثناء تناولها للطعام شعرت بوخزة بمعدتها جعلتها تتوقف عن الأكل وتُغمض عيناها متآلمه ليترك الملعقة وينظر إليها بقلق ثم يسألها على الفور:
هل أنتِ بخير؟
أجل، ربما أكثرت في تناول الطعام. أردفت وهي تُغلق عيناها من الآلم بينما تضع يدها أعلى معدتها.
حسنًا، عندما تنتهين من الطعام ابحثِ بين العقاقير عن العقار المناسب لكِ.
سأفعل لا تقلق، فلتُكمل غداءك لا تشغل بالك بي. قالت وهي تهم بالوقوف لتبحث عن دواء مناسب لها بينما جلس هو ليُكمل طعامه دون حتى أن يعرض عليها أن ينتظرها.
مر يومان هادئان على ايفدوكيا أما عن ليو فكان في بحث متواصل عن عمل ولكن لا فائدة حتى قررت هي البحث عن عمل من أجله فهي لن تقبل أن تجلس هكذا وهي ترى بيتها ينهار.
ذهبت تبحث بين مكاتب التوظيف والمواقع الخاصة بالتوظيف كذلك، وكانت تبحث تحديدًا عن وظيفة محاسب براتب مقبول لزوجها لكنها لم تجد مكانًا مناسبًا بعد فإما يريدون قدرات خيالية لصاحب الوظيفة أو يطلبون أشياء لن تتوفر لديهم...
علي سبيل المثال: أحد البنوك يطلب موظف حسن المظهر وعليه ارتداء بذلة رسمية يوميًا وليو لا يمتلك عدد كبير منها لذا لن تناسبه مثل هذه الوظيفة، هناك البعض الآخر بأجور ضعيفة للغاية لن تكفي مصاريف المنزل والحياة الباهظة في فرنسا.
وفي يومٍ أثناء بحثها وانتقالها بين مكاتب التوظيف شعرت بتوعك وشديد آلم يجتاح رأسها وآخر يجتاح عمودها الفقري، قررت الجلوس على أحد المقاعد العامه حتى لمحت عيناها مكتب توظيف يبدو فخم بعض الشيئ قررت الذهاب كمحاولة أخيرة، دلفت إلى الداخل بهدوء وبعض التوتر لتلمح موظفة الإستقبال فتقترب منها وهي تُردف:
مرحبًا،.
مرحبًا سيدتي، كيف يمكنني مساعدتك؟ سألت الفتاة بلطف شديد لتبتسم ايفدوكيا ابتسامة صغيرة ثم تُجيبها قائلة:
أنا هنا من أجل البحث عن عمل، في الواقع ليس من أجلى بل من أجل زوجي،.
ما نوع العمل تحديدًا؟
محاسب، إنه ماهر في الحسابات.
حسنًا هل يمكنني الإطلاع على الأوراق الخاصة به؟ أعني السيرة الذاتية.
بالطبع، إنها معي، دقيقة واحدة، تفضلي. قالت بتوتر وهي تشعر بأمل بداخلها وتفاؤل هذه المرة فمعاملة الموظفة الحسنة قد جعلت السرور يتدفق إلى داخل قلبها.
اشكركِ، يمكنكِ الجلوس هنا حتى أقوم بمراجعة طلبات الشركات لتلك الوظيفة وسأخبركِ بما أجده متاحًا له.
حسنًا، اشكركِ. شكرتها بإبتسامه وهي تجلس على أحد المقاعد بينما تتأمل المكان من حولها، كان المكتب ذا طراز أنيق لكنه هادئ كالموسيقى التي يستمع اليها الناس عند مجيئهم إلى هنا.
مرت دقيقتان لتسمع هي صوت خطوات يقترب من مكتب الإستقبال صوت يصدر من أحدى الغرف ومعه يقترب صوت بشري.
أعتقد، أنني وجدت الوظيفة المثالية بشركة،.
قاطع حديثها صوت باب أحدى المكاتب وهو يُفتح ويخرج منه رجل أربعيني ويتبعه شخص طويل القامة لم تستطع تمييز وجهه حتى تحدث الرجل الأربعيني قائلًا الآتي بينما يصافح الشاب:
لا تقلق سيد ستايلز سنجد لكَ محاسب جيد في أسرع وقت ممكن.
وجهت نظرها على الفور بفضول نحو ذلك الشاب لكي ترى من يكون السيد ستايلز، فلقد كانت تتوقع أن السيد سيكون الرجل المتقدم في العمر وليس العكس، استقامت من مقعدها على الفور حينما رأت وجهه بينما تقول بصوت أقرب إلى الهمس:
أنتَ! كان هذا كل ما نبست به بنبرة تكسوها الدهشة قبل أن تشعر بالمكان يدور من حولها ويهرول هو مسرعًا نحوها...