رواية إيفدوكيا للكاتبة إيمان عادل الفصل الأول
كانت تسير بخطوات بطيئة مُنهكة، فبرودة الطقس تسلب الطاقه والقوة من الأجساد خاصة البنية الضعيفة الهشة كخاصتها، كانت الشوارع الجانبية فارغة فابالرغم من كون الوقت ليس متاخرًا إلا أن برودة الأجواء جعلت معظم السكان يختبئون في بيوتهم آملين في الحصول على بعض الدفئ الذي سلبته ليالي يناير.
توجهت إلى أحدى الشوارع الرئيسية والتي كانت نوعًا ما مكتظة بالمارة والسيارات، حيث أن وقت إغلاق المتاجر لم يحين بعد، توقفت هي لثوانٍ لتتحسس معطفها الأسود بحثاً عن النقود...
مرحبًا جوردن، نعم لست بالمنزل وأجل لقد تشاجرت مع أمي مجددًا،.
أجاب على الهاتف الشاب ذو البنية الضخمة والمعطف الأسود الطويل والذي يُدعى، هاري، كانت نبرته تحمل في طياتها الضيق وهو يختصر إجابته قدر الإمكان في محاولة بائسة منه لتجنب الأسئلة التي ستنهمر عليه في أي لحظة...
هاري لا تنسى أنها والدتك، يجب عليك أن تُظهر لها بعض الإحترام! لا تنسي أن طاعه الوالدين واجبه هذا ليس تكرمًا منك! أجابه صديقه من الجانب الآخر بنبره ساخطة في محاولة لا يعلم إذا كانت ستجدي نفعًا أم لا في نصح صديقه المفضل.
أعلم جو لكنها لا تقدر على تقبل كوني لم أعد ذلك الطفل الصغير أو حتى الفتي المراهق، أنا شخص ناضج الآن!
أردف هاري بضيق شديد وهو يُعيد خصلات شعره الناعمة الطويلة نحو الخلف بإستياء واضح.
أعلم أن الأمر مزعج لكنها ستعتاد الأمر صدقني، علق على ما قاله هاري ليتجاهل الآخير حديثه تمامًا وينتقل إلى موضوعًا آخر وهو يسأل صديقه: إذًا أين سنتقابل الليلة؟
كما نفعل كل ليلة إلى نفس الملهي، سأتحدث إلى الفتيان حتى نجتمع سويًا.
حسنًا، لا تنسي أن، قاطع حديث هاري ظهور مكالمة آخري في الوقت ذاته وقد كانت المتصلة هي والدته، تأفف هاري بضيق ليجيبها بحدة.
ماذا؟ سأل هاري بنبره أقرب إلى الصراخ وبإستياء شديد فوالدته لا تنفك عن مهاتفته طوال الوقت وكأنه سيتعرض للخطف.
مؤكد أنكَ بالطريق الآن لتذهب كي تقابل أصدقاء السوء خاصتك! ستعود حين تشرق الشمس كالعاده صحيح! أردفت والدة هاري وهي توبخه كما يتم توبيخ الأطفال الصغار، تأفف هاري وقد عقد حاجبيه بإمتعاض.
توقفِ عن التحدث معي بتلك اللهجة أمي! ثم أصدقائي ليسوا بأصدقاء سوء وأنتِ تعلمين ذلك!
قال هاري بغضب لتفلت من يده عجله القياده ويكاد أن يدهس أحدهم، يضغط على المكبح بكل قوته لكن الغريب أن الفتاه لم تنتبه.
أنتِ يا حمقاء انتبهي! كدت أدهسكِ أسفل عجلات سيارتي! هل أنتِ صماء أم ماذا؟ تفوه هاري بصراخ وهو يضغط على بوق السيارة بقوة وبصورة متواصلة لتلتفت إليه وتنظر نحوه بعيناها العسلية بفزع حقيقي.
هل تتحدث إلي؟ سألت بهلع وتوتر بينما انتفض جسدها من صوت بوق السيارة بالإضافة إلى صوت صراخه وهي تبتعد عن السيارة بضع خطوات بينما تضع يدها أمام عيناها بسبب ضوء سيارته.
هل أنتِ صماء أم أنها نوبة غباء عابرة؟
سأل هاري ساخرًا منها بنبرة وقحة وهو يصيح بصوتٍ مرتفع وهو يُخرج رأسه من الشرفة التي بجانبه، ساد الصمت لبرهة قبل أن تُعقب على ما قاله بنبرة واثقة وهادئة تمامًا مُردفة:
أجل، أنا حقًا لا يمكنني السماع بصورة جيدة، أشكرك على ذوقك ونبلك يا سيد.
نبست بهدوء لتتركه في صدمة وهي تغادر المكان متجه إلى حيث كانت تنوي قبل حدوث سوء التفاهم البسيط هذا، عبس وجهه وقد أصابه شعور بالخزي وأخذ يسب نفسه داخليًا في لومٍ شديد وعلى الفور قام بتدوير سيارته سريعًا ثم قام بصفها بجانب أحد الأرصفة ومن ثم غادر سيارته مهرولًا حتى يستطيع اللحاق بها.
لم يري تحديدًا إلى أين ذهبت حتى لمح خصلات شعرها البنية التي تصنع شكل كعكة وبعض الخصلات تسللت منها لتنسدل على معطفها الأسود، توجه إلى المكان الذي تقف فيه نعم متجر البقاله، كانت تشتري أشياء متفرقه جبن، قنينة حليب وبعض الفواكه.
أخذت بعض العصائر، توقفت عن جلب الأشياء إلى العربه الصغيرة لتمسك بظهرها بآلم شديد و يخرج من شفتاها تآوه بسيط، وقف هاري في زاوية أخرى كي يرى بعضًا من ملامح وجهها بعد أن كان يراقبها من الخلف لعدة دقائق، نظرت إلى الأشياء بالعربة وكأنها تشعر بأنها جلبت الكثير من الأشياء.
ابعدت بعض الخصلات عن أذنها لتخرج شئ من الحقيبة لم يتضح له ماهية ذلك الشيء في البداية لكن عندما أمسكت به في يدها أصبح واضحًا، أدرك هاري أنها تُمسك بسماعة أذن طبية! حينها شعرت بتأنيب الضمير يزداد أضعافًا مضاعفة...
شردت لدقيقة لتختفي من أمام عيني أبحث عنها مجددًا لأجدها تقف عند موظفة الحسابات كي تدفع ثمن ما أخذته، ولكن فجاءة تغيرت معالم وجهها لأقترب منها بسرعة.
حسنًا سيدتي، الحساب 32 يورو. قالت موظفة الإستقبال ليلمح هاري الفتاة التي أمامه تتحسس جيوبها بسرعة وبتوتر وقد كان من الواضح له أنها تبحث عن النقود.
أنا أسفة للغاية، لقد نسيتُ النقود في المنزل، هل يمكنكِ الأحتفاظ بتلك الأغراض لحين، قاطعت حديثها وهو يقوم بمد يده نحو الموظفة مانحًا إياها المبلغ المطلوب.
لا بأس، تفضلي هذا حساب الآنسة. تمتم هاري لتنظر له بعيناها المتسعتان وقبل أن تفتح فمها للتحدث قاطعها صوته.
فل تعتبريه تكفيرًا عن ذنبي.
قال لتتجاهله تمامًا وتنحني كي تحمل الحقائب وهي تُمسك بظهرها آلمًا ليضع هاري يده أعلي يدها بلطف لترفع يدها نحوه وتنظر إلى داخل عيناه لثوانً ليُردف هو الآتي بينما يحمل الحقائب عنها:
لا عليكِ سأفعل أنا، أومئت هي بإستسلام وهي تُبعد يدها عن خاصته وتستقيم، غادر كلاهما المتجر ليصعق وجههم برودة الهواء.
هل تحتاجين إلى توصيله؟ عرض هاري وهو يحك مؤخرة عنقه في خجل.
أسفه، لا يمكنني،.
لما؟
لا أركب سيارات مع غرباء، قالت ببساطة وهي تحاول أخذ الحقائب منه، عبس وجهه لثوانٍ قبل أن يُنبس بالآتي:
لكن، الحقائب ستكون ثقيلة بالنسبه إليكِ،.
أعلم، لهذا ستطلب أنتَ السير معي لأقرب مكان إلى منزلي، لأن هذا سيكون حقًا لطفًا منك.
قالت بنبره مستفزه بينما تحاول كتم ضحكاتها على ردة فعله، فلقد عقد حاجبيه وعبس وجهه وقد توقف عن السير فجاءة و ترك الحقائب أرضًا ليضم كلتا يديه إلى صدره في إعتراض طفولي.
هل يوجد إعتراض؟ سألته بنبرة استفزازية وقد بدأت ابتسامتها تظهر على وجهها، زفر بضيق قبل أن يُردف بتذمر شديد وهو يحمل الحقائب:
لا، لا يوجد أي اعتراض.
يسيران بهدوء في أحدى الشوارع الجانبيه و التي كانت خاويه تمامًا، فالوقت كان متأخرًا نسبيًا بالنسبة لفصل الشتاء، كان ينظر إليها بين الحين والآخر لكن خجلها كان يمنعها من الإلتفات إليه بالرغم من شعورها بعيناه تخترقها...
حسنًا، أشكرك، الآن يمكنك إعطائي الحقائب خاصتي يا سيد. شكرته بنبرة هادئة وهي تأخذ الحقائب من يده.
هل هذا منزلكِ؟ سأل بفضول وهو يشير نحو أحد المنازل الفاخرة، رفعت عيناها لتنظر حيث يُشير قبل أن تبتسم ساخرة قبل أن تُردف:
بالطبع لا، هذا ليس منزلي لكنه قريب من هنا على أي حال.
حسنًا دعيني أسير معكِ إلى هناك،.
لا، يكفي هنا، أردفت ومن ثم همت بالرحيل ليقاطعها صوته وهو يقول بسخرية واضحة:
لا شكر على واجب يا آنسة،.
هل تنتظر الشكر مني حقًا على كونك وغد يا هذا؟ سألته بنبرة ساخرة وهي ترفع أحدى حاجبيها بإعتراض ممزوج بالمزاح.
أيًا يكن، وداعًا يا غامضة، قال ليسير في عكس اتجاه سيرها أي في نفس الطريق الذي جاءوا منه منذ قليل، استغرقت فقط دقيقتان لتصل إلى المنزل خاصتها.
لقد عدت،.
ما سبب التأخير يا هذه؟ سأل بنبره باردة وهو يُمسك بجهاز التحكم الخاص بالتلفاز خاصته.
أنتَ تعلم أني أذهب وأعود سيرًا على الأقدام والمسافه ليست بصغيرة.
حسنًا لا يهم، مهلًا ما كل هذه الأشياء؟
إنها احتياجات المنزل.
من أين لكِ نقود لتشترى كل تلك الأغراض؟
وجدت بعض النقود داخل أحد حقائبي التي لم استخدمها منذ مدة، اضطرت للكذب فهو لن يهتم للتفاصيل على أي حال.
جيد، فنحن سنحتاج إلى أموال المدة القادمة، لذا لا تتصرفين ببزغ! قام بتحذيرها بحدة لتتجاهل تمامًا الجمله الأخيرة لأن لا يوجد عندها طاقه للمجادلة الآن فهي منهكة للغاية.
سأبدل ثيابي وأخلد إلى النوم قالت ليجيبها الصمت، لتفهم أنه سيفضل النوم على الأريكة في غرفة المعيشة غالبًا.
بدلت ثيابها لتستلقي على الفراش الخاص بها، لا تعلم لما لكن صورة ذلك الشاب تتمثل أمام عينيها بالرغم من أنها كانت تمنع نفسها من النظر إليه لكن ملامحه لا تغيب عن جفونها، لم تستغرق الكثير من الوقت لتغوص في نوم عميق.
سار هاري ببطئ شديد لأن تفكيره كان يعيقه من التحرك بسرعه، كان يفكر في تلك الفتاة التي ظهرت فجاءة من اللامكان...
مغفل! لقد نسيتُ أن اسأل عن اسمها أو أي شيء يمكني من الوصول إليها مجددًا،.
وبخ هاري نفسه، نظر أمامه ليجد ان وصل بالفعل للسيارة خاصته مرة أخري، يصرخ هاتفه معلنًا عن اتصال أحدهم، أجاب ليقتحم أذنه صوت جوردن الصادر من الهاتف وهو يسأله بقلق:
أين أنتَ يا صاح؟ نحن في انتظارك!
قادم. تمتم هارى ليغلق الخط بوجه چوردن بدون أي مقدمات، توجه هارى لمقابلة أصدقائه لكنه لم يكن منتبه إليهم كما أنه لم يمازحهم أو يُزعجهم كما يفعل كل ليلة...
يا ترى من الفتاة المزهلة التي استطاعت سلب عقل هارى إدوارد؟
سأل ليام بمزاح ليضحك هارى كاسفًا عن عن أسنانه اللامعة وتلك الحفر اللطيفة في وجنتيه، توقف هاري عن الضحك لثوانٍ وهو يُمسك بالكأس خاصته ويرتشف منه قبل أن يُتمتم مع ابتسامة جانبية ونظره حالمة:
لا أعلم حتى ما اسمها،.
قضي هارى وقتًا طويل مع أصدقائه ليعود إلى والدته في وقت متأخر من الليل، كان يترنح كالمعتاد وقابلته آن؛ والدته بغضب وتوبيخ كالمعتاد، فهي لا تعلم حقًا كيف يستطيع القيادة والعودة سالمًا إلى المنزل وهو ثمل لهذه الدرجة!
أمى، رجاءًا ليس الآن أنا منهك للغاية، قال هارى قبل أن تفتح آن فمها للتحدث، لم ينتظر أي ردة فعل منها فلقد تركها تقف غاضبه ليذهب هو إلى حجرته ليعانق فراشه الذي يحتاجه الآن وبشدة.
في صباح اليوم التالي.
ماذا تعني؟ هذا ليس عدلًا!
استيقظت هي على صوته الرجولي الخشن يتحدث غاضبًا في هاتفه، نظرت إلى الساعة لتجدها السابعة تُري مع من يتحدث في هذا الوقت الباكر؟ ولما الصياح والغضب في مثل هذا الوقت؟
ماذا تعني بأنني، قال لتشهق بصدمة وتضع يدها على وجهها بصدمة...