قصص و روايات - قصص رومانسية :

تعافيت بك يوم الجمعة (حلقات خاصة) للكاتبة شمس محمد الفصل الثالث والثلاثون

تعافيت بك يوم الجمعة (حلقات خاصة) للكاتبة شمس محمد الفصل الثالث والثلاثون

تعافيت بك يوم الجمعة (حلقات خاصة) للكاتبة شمس محمد الفصل الثالث والثلاثون

مع أول ضحكة لكل بيبي صغير في جنية جديدة بتتولد
تنة ورنة.

عمار. عمار أنا بولد والمرة دي بجد.

صرخت بها خلود ليلًا وهي تدفعه في كتفهِ بينما هو تململ في نومتهِ وأولاها ظهره فهذه هي العادة التي التزمتها هي منذ ما يقرب الأسبوعين، كاد أن يستمر في نومهِ هربًا من أوهامها لكن بكاؤها وهي تصرخ متأوهة بألمٍ جعله ينتفض وهو يطالعها بفزعٍ وحينها توسلته ببكاءٍ جعله يقف أمامها حائرًا ومدهوشًا، هيئتها المتألمة وتوسلها جعله يحسم أمره سريعًا وخطف هاتفه ثم توجه إليها يعاونها في ارتداء ملابسها بكلا كفيه في حين أنه أسند الهاتف على أذنهِ بكتفهِ حتى جاوبه شقيقه بنبرةٍ ناعسة محشرجة إثر نومه:.

إيه يا عمار فيه إيه؟
هتف الأخر بلهفةٍ وهو يقوم بتغطية رأسها بالحجاب لكن صوته خرج مفزوعًا بسبب رهبة الموقف عليه:
خلود بتولد يا عامر جهز العربية لحد ما أجيلك، بسرعة بالله عليك.

أغلق الهاتف ووضعه في جيب بنطاله البيتي ثم سحب حقيبة الأشياء الخاصة بالمولود ووضع بها نقوده وحافظة نقوده ولازال يمسك كفها يدعمها وهي تضغط عليه متحاملة على ألامها فيما أنهى ما يفعله ثم أسندها وهو يقول داعمًا لها بنبرةٍ دافئة حنونة:
متقلقيش، أنا معاكِ أهو، يلا يا حبيبتي يلا.

حركت رأسها موافقةً وبكت مُجددًا وهي تشعر بارتفاع الألم عن الحد المعقول فحاول هو إلهائها وهو يقوم بفتح الباب وقد ابتسم يمازحها بقولهِ:
لأ يا منعنع، شدي حيلك كدا، مش بعد القوة دي كلها، البلية اللي جواكِ دي تخليكي تعيطي كدا، يلا يا خوخة.
ابتسمت رغمًا عنها ورفعت عينيها له بصمتٍ فوجدته يبتسم هو الأخر ثم شاكسها ولازال يُلهيها بدهاءٍ وهو يقول:.

أظن كدا مبقاش عندك حِجة خلاص، تولدي وبعدها نشوف المنعنع كتير بقى، إجازة الوضع دي خلصت خلاص.
ضحكت خلود من بين دموعها ولم تنتبه أنها وصلت إلى مدخل البناية ولإ حتى لألامها طوال هذه المسافة إلا حينما ركض لهما عامر بخوفٍ ثم فتح لها باب السيارة وأخذ الحقيبة من شقيقهِ الذي جلس بجوارها وضمها إليه ماسحًا على ظهرها وهي تصرخ بألمٍ.

علي الجهة الأخرى كان ياسين مستيقظًا في شقة والده برفقة دميته الصغيرة جاسمين التي سهرت رغمًا عن الجميع وما إن أخبره عامر تحرك مسرعًا نحو زوجته في غرفته لكي تذهب إلى شقيقتها وتكون معها، وقد استيقظت والدته على إثر تحركهم وسألت بقلقٍ حتى جاوبتها خديجة بخوفٍ على شقيقتها:
خلود بتولد يا ماما، معلش بس خلي بالك من الولاد لحد ما نرجع، عن إذنك ومعلش هتقل عليكِ.

أقتربت منها الأخرى تربت على كتفها وهي تقول بنبرةٍ ودودة وصادقة:
يا حبيبتي متقوليش كدا ربنا يقومها بالسلامة، روحي أنتِ وأنا هنا متقلقيش كويس إننا النهاردة الجمعة، يلا يا حبيبتي.
أقتربت جاسمين من والدها وهي تقول بإلحاحٍ تُصر به على موقفها وهي تعلم أن عنادها قويًا بما يكفي لذا هتفت بإصرارٍ:
خدني معاك يا بابا، أنا هاجي أصلًا.
كان ياسين يضع أشياءه في جيبهِ وهتف إبان هذا الفعل بلامبالاةٍ دون أن يكترث بها:.

اللي بياخد العباد ربنا يا حبيبتي، أتبطي.
ضربت الأرض بقدميها إحتجاجًا عليه ثم هتفت بإصرارٍ تفاقم عن السابق من عنادهِ:
طب والله هتضايق تيتة وأضرب يزن لو مروحتش.
شهقت زهرة بدهشةٍ فيما خرجت خديجة بنفس اللحظة وهي ترتدي حقيبتها ثم هتفت بلهفةٍ حتى تتخلص من إزعاج ابنتها:
علشان خاطري خليكِ هنا، هتتعبي.

كادت أن تعترض مُجددًا لكن ياسين كان الأسرع حينما خطف ابنته من مكانها ثم وضع على رأسها القُبعة الشتوية وهو يقول من بين أسنانه غيظًا منها ومن معاندتها:
هاخدك علشان أنا مش مستغني عن أمي، يلا.

خرج بابنته وزوجته التي انشغلت في مكالمة الهاتف مع وليد وأسرتها حتى يسبقونها إلى المشفى، كانت حالة توتر تعيشها لمرتها الأولى وكأن ابنتها هي التي تلد، خوفٌ غريبٌ سيطر عليها وعلى مشاعرها لكن حديث ياسين بين الحين والآخر هو ما طمئنها، أما هذه الدُمية الصغيرة فكانت تشعر بسعادةٍ بالغة لكونها سترى ابن خالتها وتخطفه منها كما سبق وأخبرتها ذات مرةٍ:
وربنا يا خلود لما تخلفي هخطف النونو منك.

ابتسمت جاسمين في السيارة بسعادةٍ جعلت ياسين يُثبت عينيه عليها في مرأة السيارة وكتم ضحكته رغمًا عنه وهو يعود بتركيزه للطريق مُجددًا.

الرواق الطبي الرخامي كعادته في المناسبات العائلية ازدحم بشدة بأفراد العائلة بأكملها وقد بدأ الفجر في البزوغ، أفراد عائلتها مع أفراد عائلته وأخوته الشباب معًا ومع رفع صوت أذان الفجر صدح صوت الصغير من داخل الغرفة باكيًا وبالتزامن بدأت الهمهمات واللحظات الحماسية تنتشر مع خروج الممرضة تبتسم لهم جميعًا وهي تقول بوجهٍ مبتسمٍ:
ألف مبروك يا جماعة، جابت ولد زي القمر.

ابتسم عمار بسعادةٍ ووجد الأحضان من كل جهةٍ بسعادةٍ وكذلك أيضًا زينب و طه وأسرة الأم بأكملها، أما عمار فسرق نفسه من الجميع وأقترب من الممرضة يسألها بلهفةٍ قلقة على زوجته:
طب والدته، مراتي أخبارها إيه؟
ابتسمت له أيضًا وهي تقول بنبرةٍ هادئة تطمئنه:
لأ دي عال الحمدلله، ربنا يباركلك فيهم وهي برضه بتسأل عليك، شوية وهتشوفهم بعينك، مبروك مرة تانية.

مرت ساعات قليلة تبعها إيفاقة خلود تمامًا وجلوسها على الفراش أمام الجميع و عمار يجلس على المقعد المجاور لها ويحتضن كفها بكفهِ مُربتًا عليه وهو يدعمها أمام الجميع وسط مباركات الجميع بينما هي كل ما شغلها هي رؤية ابنها الذي لم تملحه وكذلك لم ترْ شقيقتها وزوج شقيقتها.
أقتربت منها جاسمين تجلس جوارها ثم هتفت تعاندها بقولها أمام الجميع بعدما تركت كف طه:.

مش أنتِ جيبتي النونو خلاص زي خالتو سلمى؟ أنا هاخده منك ومش هخليكِ تشوفيه خالص تاني، عارفة ليه؟ علشان إحنا هنعرف نربيه، أنتِ لأ.
تلاشت بسمة خلود وهتفت بغيظٍ منها:
بت أنتِ! أنا على أخري، كفاية طول فترة حملي كنت بناقر فيكِ، يعني لو طلعلك هتبقى مصيبة سودا، أمشي من وشي بدل ما أطلع تعب اليوم كله عليكِ أنتِ.

هدأها عمار حينما مسح على كفها وأبتسم لها بينما عامر ظل يتابع بالخارج أمور المشفى وخروج زوجة شقيقه مع ابنها، لم يشعر بتعبه أو حتى مدى إرهاقة، بل فقط السعادة هي التي أغدقته لدرجة الإفراط.

في مكانٍ أخرٍ تحديدًا بغرفة الصغار المولودين لتلقي الرعاية المبدأية كان المولود بداخل هذه الغرفة وقد جاوره ياسين الذي هرب من الجميع حتى يشهد هذه اللحظة المفضلة، لازال ينبهر برؤية الصغار عند لحظاتهم الأولى في هذا العالم، يحب أن يشهد على نعومة أظافرهم بنفسهِ وقد شعر بكف أحدهم يلمس كتفه ولم تكن سوى خديجة التي ابتسمت له بحبٍ وكذلك هو أيضًا.

التفت لها برأسه وعيناه تلمع بوميضٍ مُبهجٍ فوجدها تضيف بنبرةٍ هادئة تخالطها ضحكات فرحة أو ربما مزهوة بنفسها:
كنت متأكدة إنك لما سحبت نفسك إنك هتيجي هنا، لسه بتحب لحظات الأطفال الصغيرين؟ فاكر لما شوفنا فارس مع بعض أول مرة؟ بعدها تقريبًا كل الأولاد شوفناهم مع بعض، شكلهم بيكون حلو أوي وخصوصًا لما تضمهم للمرة الأولى.
حرك كتفيه وهو يقول بنبرةٍ هادئة بعدما ابتسم لها يخبرها بصراحةٍ عما يشعر به:.

قبل ما أخلف كنت بحب أشوف شكلهم وأتمنى أنا كمان يكون عندي زيهم، وأول مرة لما شوفت خالد بيضم يونس وبعد كدا بقى لما ربنا كرمني بقيت بحب اللحظة دي علشان بفتكر رعشة قلبي ساعتها، بصي أنا معنديش مبرر لكل دا بس هي فطرة الإنسان كدا يا خديجة.

ربتت على كتفه مُجددًا وهي تبتسم له ثم نظرت في وجه ابن شقيقتها الرقيق الذي لم يتعدى عمره ساعات، تحرك قلبها نحوه ومالت عليه تلثم جبينه و الأخر يراقبها بعينيه ثم مازحها بقولهِ:
شكلي مش لوحدي بقى اللي بحب اللحظات دي، طب بقولك إيه ما تيجي نجيب حاجة صغنونة كمان كدا وأهو نعيد المشاعر كلها من تاني.
ضحكت رغمًا عنها وأعتدلت تواجهه بقولها ضاحكةً:
لو عليا أنا معنديش أي مانع خالص...

ابتسم بعينيه فور وصول جملته لسمعهِ فيما أضافت هي من جديد بنبرةٍ ضاحكة توأد هذه البسمة:
هتقول ل جاسمين إيه يا ياسين؟
تلاشت بسمته وفكر لوهلةٍ في جملتها وقد ضحك رغمًا عنه وهو يعلم مدى تعلق ابنته به وبأمها لذا هتف بقلة حيلة:
لأ وعلى إيه، ربنا يبارك في اللي هنا.
في هذه اللحظة دلف عامر لهم مبتسم الوجه ثم ركز عينيه على الصغير وأبتسم له ومازحه بقولهِ:
إزيك يا ابن الكلب، كبرتني ياض أنتَ وأبوك.

ضحك عليه ياسين وزوجته فيما دلف لهم وليد وهو يقول بسخريةٍ:
طب نادوا عليا، هاتوني أشوفه بس أقول إيه؟ عالم عرر.
تدخل ياسين يرد عليه بقولهِ متهكمًا:
مش بنحب نزعجك في الحاجات الصغيرة دي، بنشيلك للتقيلة، بعدين أنتَ راجل ليك وزنك بتيجي في الحزن تحله.
أنهى جملته بالاقتراب منه حتى وقف ياسين أمام الآخر الذي احتج على الوضع ومن إن نظر له الأخر هتف حينها وليد بنبرةٍ جامدة ساخرًا منه بتهكمٍ:.

بقولك إيه؟ اللي ميشركناش في فرحه،
ميصدعناش بجرحه يا مهلبية.
تدخلت بينهما خديجة تهتف بيأسٍ منهما:
طب هاتوه علشان خلود و عمار يشوفوه، هما متفقين يشوفوه مع بعض ومحدش هيزعل التاني، يلا؟
مرت دقائق قليلة تبعها دخول خديجة تحمل الصغير على ذراعيها وما إن رأتها خلود لمعت عيناها بعبرات لامعة ثم نظرت لزوجها الذي أبتسم لها وهتف بنبرةٍ هادئة:.

أنا وعدتك إني مش هشوفه من غيرك وهو الدكاترة أطمنت عليه، يلا سمي الله وشيلي ابننا يا خلود.

كلمة ابننا التي تفوه بها بهذا الدفء جعلتها تبتسم له ونزلت عبراتها ثم مدت كفيها لشقيقتها التي أعطته لها وهي تبتسم وتذكرها أن تذكر الله قبل أن تحمله، وقد مد عمار كفيه يدعم ذراعي زوجته وقد تلاقت نظراتهما معًا والصغير معهما وحينها طالعا بعضهما بعضًا فاقترب منها عمار يُلثم جبينها أمام الجميع وكأنه يمتن لها بهذه الهدية التي أعطتها له.

لاحظهما حسن وحينها أخرج هاتفه يلتقط لهما الصور سويًا، لوحة أمامه مرسومة بألوان المودة وخطوط الدفء، كعادته يقوم بصيد هذه اللقطات في أوج اللحظات السعيدة، وقد تحدث خالد مستفسرًا بنبرةٍ ضاحكة:
طب اسمه إيه طيب؟ يعني لما أحب أشتمه أقوله يا مين؟
حرك عمار عينيه نحو الجميع يتفحص ملامحهم ثم مال على أذن زوجته يهمس لها باسم صغيره فابتسمت هي وحركت رأسها موافقةً بحماسٍ جعله يهتف بمزاحٍ:.

طب بما إن مراتي عجبها الاسم هتقوله هي بقى.
حركت عينيها هي الأخرى وهتفت بنبرةٍ هادئة تخللها الحماس الشديد باسم صغيرها الأول:
عُميْر، رأيكم إيه؟
لاقى الاسم إعجاب الجميع واستحسانهم وعجبهم الاختيار وحينها هتف رياض بنبرةٍ ضاحكة أمام الجميع:
عيلة كلها عَمار، ربنا يحفظهم عمر عامر
و عُمير عمار والله عيال فنانة واساميهم ماشية برتم موسيقي حلو.

من جديد علت الضحكات والمزاح على الاسماء وصدفتها لكن عامر ابتسم لشقيقه الذي أخبره بمدى حبه لهذا الاسم حتى أنه أخبره ذات مرةٍ أنه حينما يتزوج سيلقب ابنه بهذا الاسم، تلاقت نظرات الشقيقين معًا وهنا تحدثت القلوب وأكدت هذا الحديث الأعين.

بعد مرور خمسة أيام...
كانت حينها قدعادت خلود إلى شقة والدها منذ عدة أيام لكي تتلقى الرعاية من قبل أفراد عائلتها وفتيات العائلة بأكملهن، حينها كانت تشعر بنضجٍ غريبٍ عليها كونها أصبحت أُمًا لهذا الصغير الذي صبغ حياتها بالألوان فور أن حملته بين ذراعيها ومعها زوجها.
كانت العائلة بأكملها معها في بيت والدها وقد سألت سيدة حماتها الجميع بنبرةٍ هادئة:.

مش كنتي جيتي عندنا وتريحي ماما؟ على الأقل أقدر أطرد فهمي وعياله بنفس مفتوحة، بس خدي راحتك هنا وبعدها تيجي كدا أروق عليكِ، نغني ونرقص مع بعض.
ابتسمت لها خلود وهتفت بنبرةٍ هادئة:
أنا عيوني ليكِ، أفوق كدا وأجيلك، أنتِ حبيبتي.
أقترب عامر حينها من الصغير يحمله وهو يبتسم له بحبٍ وقد جاوره وليد أيضًا وهو يمسح على جبين الصغير وقد لاحظت خلود وقوفهما معًا يتسامران سويًا فسألت الجميع بتوترٍ لم يكن في محلهِ:.

جماعة ممكن أسألكم سؤال؟ هو محدش كدا هياخده مني تاني؟ يعني خلاص كدا هيفضل معايا؟
انتبه لها عامر وهتف ساخرًا ردًا عليها:
لأ متقلقيش، الحمدلله ربنا تاب عليا وبطلت خطف عيال، بقى معايا عُمر و ريتاج أدعيلي ربنا يثبتني بقى.
ضحك الموجودون على حديثه فيما أضاف وليد هو الأخر بنفس السخرية التهكمية:
وأنا الحمدلله أكتفيت من العيال خلاص، بعدين أنتوا عليكوا ديون ولا إيه؟ الواد هيخلص تخليص حق في الأخر؟

هتفت خلود بنبرةٍ ضاحكة وهي تفسر له مقصدها:
هفهمكم، أنا لما كنت بشيل عيل من عيال العيلة هنا دايمًا بتاخدوهم مني، فعلشان كدا خوفت ألاقي حد بياخده مني، بس خلاص كدا أطمنت، محدش ليه دعوة بيه وهاتوه لو سمحتوا.

من جديد انتشرت الضحكات فيما حمله وليد ولثم جبينه كونه مسك الختام في هذه العائلة، الحفيد الأصغر للابنة الصُغرى بهذه العائلة بالطبع لم تكن مشاعر عادية عليه وعلى قلبه وقد تحرك يناوله لأمهِ خلود ثم لثم جبينها أمام الجميع وهي تطالعه بعينين دامعتين لكنهما كانتا مُبتسمتين.
بعد مرور ساعات.

حل الليل وفرغت الغرفة على عمار مع عالمه الصغير المكون من زوجته وابنه عُمير وقد لاحظ نوم زوجته أخيرًا بينما الصغير في فراشه الخشبي الذي يشبه الأرجوحة وما إن بدأ يموء الصغير ببكاءٍ ضعيف مثل صوت القطة ركض إليه عمار يحمله بسرعةٍ كبرى من فراشه ثم وضعه بجوار قلبه لترتفع نبضاته أكثر من السابق.

لأول مرة يختبر هذا الشعور بحمل طفلٍ صغيرٍ، يبدو كأنه يحمل طفلًا لمرتهِ الأولى على الرغم من أسبقية هذا الفعل حينما حمل أبناء الشباب وابن شقيقه بالأخص، لكن هذا الصغير مشاعره مختلفة، صوته مختلف، لمسة بشرته بذاتها مختلفة، نبضة القلب لأجله مختلفة وكأنه بنبض لمرته الأولى من بعد سكونٍ...

بدأ صوت الصغير يعلو أكثر فلم يكن أمامه سوى أن يتحرك به في الغرفة وهو يهدهده بكلا ذراعيه ومع كل خطوة يخطوها ترتفع نبضات قلبه أيضًا بحبٍ لهذا الصغير، وحينها لاحظ عمار ارتفاع الصوت أكثر فمال عليه يمازحه بقولهِ:
لأ متعليش صوتك عليا، أوعى تكون فاكرني ماليش خبرة مع العيال، أنا شيلت كتير صحيح مش فاهم مالك بس حاسس بيك، أقولك؟ أنا هقولك يا منعنع، هتروق بعدها إيه رأيك؟

صمت الصغير وأغمض عينيه على صدر والده فيما ضحك عمار ثم لثم جبينه وشرد في ملامحهِ ليجد صوتها مُحتجًا وهي تقول بعدما اعتدلت في فراشها:
راحت عليا يا عمار؟ خلاص هتركن من أول عيل؟
ابتسم هو رغمًا عنه ما إن وصله صوتها ثم أقترب منها بصغيره وقد عدل الصغير على ذراعه وضمها أسفل الذراع الأخر حتى نامت هي على كتفه لتجده يهتف بصدقٍ لها:.

ودي تيجي؟ هو حتة مني ومنك، أنتِ الأساس ولو أنا بحبه أو متعلق بيه فبخلاف إنه ابني وفطرتي أساسها مبني على حبه، بس برضه لأنه حتة منك أنا بحبه وبحبك وبحب حياتي معاكِ ومعاه، بعدين نسيتي قولتلك إيه؟
رفعت عينيها تتقابل مع عينيه لتجده هتف بنبرةٍ هادئة بعدما رسم بسمة هادئة على ملامحه:
أنا يا سكر العمر هشيلك العمر كله بين جفوني.

ابتسمت من جديد وضمته بكلا ذراعيها وضمت معه صغيرها وبدأت تعود للنوم من جديد فيما ظل هو محله يحتضن هذا العالم بكلا ذراعيه وكأنه يخشى هروب هذا العالم منه أو فراره هو منه، وها هي لحظته المنتظرة لاكتمال لوحته التي رسمها في خياله والآن أصبحت مرئية نصب عينيه لتكون النهاية هي مسك الختام.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة